المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى - روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار

[الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المحقق]

- ‌1- ابن قاسم الأماسي (864- 940 ه

- ‌2- روض الأخيار:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات

- ‌الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك

- ‌الروضة الثالثة في السلطنة والإمارة والوزارة والسياسة والعدل والعفو والطاعة للولاة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة في الجهاد والقتل والشهادة والحرب والصلح والأسلحة والغارة والهزيمة والشجاعة والجبن وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

- ‌الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات

- ‌الروضة السابعة في المتصوفة والقصّاص

- ‌الروضة الثامنة في الصناعات والمحترفين والكسب والتجارة والغنى والفقر وما ناسب ذلك

- ‌الروضة التاسعة في الرزق والحرمان وتبدّل الأحوال والتفاوت

- ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية عشرة في السماء والسحاب والثلج والمطر والرّيح والحرّ والبرد

- ‌الروضة الثانية عشرة في النار والسّراج والماء والبحر والجنّة والرياحين والعقار

- ‌الروضة الثالثة عشرة في البلاد والديار والأبنية وما يتعلّق بها

- ‌الروضة الرابعة عشرة في الملك والجنّ والشياطين والحيوانات

- ‌الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السابعة عشرة في الجنون والحمق والغفلة والمكر والاحتيال وترك الأناة والعجلة

- ‌الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان

- ‌الروضة التاسعة عشرة في الحياء والسكوت والعزلة والوحدة والاختلاط

- ‌الروضة العشرون في الصبر وضبط النفس والعفاف والورع والحلال والحرام

- ‌الروضة الحادية والعشرون في ذكر الله وحمده والتسبيح والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والاستغفار

- ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الثالثة والعشرون في المدح والثناء وطيب الذكر والذمّ والهجو والشتم والغيبة

- ‌الروضة الرابعة والعشرون في العزّة والشرف والرياسة والذلّ والهوان والخسّة وسقوط الهمّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والعشرون في الصدق والأمانة والوفاء والكذب والرياء والسعي والنميمة والغدر والخيانة والسرقة

- ‌الروضة السادسة والعشرون في الشفاعة والعناية وإصلاح ذات البين والصلاح والفساد وذكر الشرّ والفجور والعداوة والغيرة والحسد والبغضاء

- ‌الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة

- ‌الروضة الثامنة والعشرون في الهديّة والرّشوة

- ‌الروضة التاسعة والعشرون في الطعام وألوانه والضيافة وذكر الأكل والشّبع والجوع واللذة والألم وما يتّصل بذلك

- ‌الروضة الثلاثون في ذكر النساء والتزوّج وأخلاق النساء والخطبة وذكر الغلمان واللواطة والإماء والجماع والذّكر والفرج وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك

- ‌الروضة الثانية والثلاثون في الملابس والخواتيم والألوان والخضاب والروائح والتصاوير

- ‌الروضة الثالثة والثلاثون في الأضاحيك والملح والمداعبات وما جاء من النهي عن المزاح والترخيص فيه والضحك والهزل والفرج بعد الشدّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة والثلاثون في البكاء والحزن والمكاره والشدائد والبلايا والخوف والجزع والشكوى والعتاب

- ‌الروضة الخامسة والثلاثون في الأخلاق والعادات الحسنة والقبيحة والحلم والوقاحة والغضب والرفق والعنف والرقة والقسوة وخفّة الروح والثقل والتواضع والكبر والافتخار

- ‌الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها

- ‌الروضة السابعة والثلاثون في الطمع والرجاء والأمل واليأس والحرص والتمنّي والوعد وإنجازه وإخلافه والمطل والتسويف

- ‌الروضة الثامنة والثلاثون في الحسن والقبح والسّمن والهزال والطّول والقصر والقوّة والضعف

- ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

- ‌الروضة الأربعون في العجز والكسل والبلادة والتواني والنسيان

- ‌الروضة الحادية والأربعون في التعجب

- ‌الروضة الثانية والأربعون في الظلم والبغي والأذى

- ‌الروضة الثالثة والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب

- ‌الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم

- ‌الروضة السادسة والأربعون في السنّ وطول العمر وقصره والشيخ والشابّ

- ‌الروضة السابعة والأربعون في النوم والسهر والرّؤيا والفأل والطّيرة والكهانة والرّقى

- ‌الروضة الثامنة والأربعون في الشعر والفصاحة والبلاغة

- ‌الروضة التاسعة والأربعون في القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمّهات وحبّ الأولاد وصلة الأرحام والشفقة والنصيحة والزّجر عن القبيح

- ‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

الفصل: ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من عشق فعفّ وكتم ثم مات مات شهيدا» . يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين العباد ما قسمت للعاشقين عذابا. قال محمد بن عبد الله بن طاهر لأولاده: عفّوا تشرفوا، واعشقوا تظرفوا. يقال:

أوّل العشق النظر وأوّل الحريق الشرر. قيل:

أذني لبعض نساء الحيّ عاشقة

والأذن تعشق قبل العين أحيانا

سأل الرشيد رجلا: ما أشدّ ما يكون من العشق؟ قال: أن يكون ريح البصل من محبوبه أحبّ إليه من ريح المسك من غيره. أعرابية في وصف العشق:

خفي أن يرى وجلّ «1» أن يخفى، فهو كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته وري «2» وإن تركته توارى، وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر.

الحكماء: العشق طائر لا يلتقط إلا حبّة القلب. سئل أفلاطون عن العشق فقال:

داء لا يعرض إلا للفرّاغ. بعضهم:

العشق جهل عارض

صادف قلبا خاليا

وقيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى

فصادف قلبا خاليا فتمكّنا «3»

ص: 373

الباخرزيّ:

تملّكني واختار صدري مسكنا

ومن عادة الملّاك أن يسكنوا الصدرا

وله:

أطلعت يا قمري على بصري

وجها شغلت بحسنه نظري

ونزلت في قلبي فلا عجب

فالقلب بعض منازل القمر

الجاحظ: العشق اسم لما فضل عن المحبة كما أنّ السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما جاوز حدّ الاقتصاد. قيل: أشقى الأشقياء وزراء الأحداث من الملوك وعشاق الفتيان من الشيوخ. وقيل: من جرى مع هواه طلقا «1» جعل للعذل «2» فيه طرقا. وقيل: ليس الأسير من أوثقه عداه، وإنما الأسير من أوبقه «3» هواه. وقيل: أوّل الهوى هون وآخره هون. وقيل: الهوى كالنار إذا أحكم إيقادها عسر إخمادها، وكالسيول إذا اتصل مدّها تعذّر صدّها.

الأصمعيّ: سألت من عذريّ «4» : ما لكم إذا عشقتم تموتون؟ قال: في رجالنا خفّة وفي نسائنا عفّة. قيل لبني عذرة: ما بال قلوبكم كأنها قلوب الطير؟

تنماس «5» كما ينماس الملح في الماء! فقالوا: إنا ننظر من محاجر العين وأنتم لا تنظرون إليها. وقيل لأعرابيّ منهم: ممن أنت؟ قال: من قوم إذا أحبّوا ماتوا.

فقالت جارية: هذا عذريّ وربّ الكعبة. البستيّ:

ص: 374

خذوا بدمي هذا الغلام فإنّه

رماني بسهمي مقلتيه على عمد

ولا تقتلوه إنما أنا عبده

ولم أر حرّا قطّ يقتل بالعبد

وأنشد بعض الحنفيّة لردّه:

خذوا بدمي من رام قتلي بلحظه

ولم يخش بطش الله في قاتل العمد

وقودوا به جبرا وإن كنت عبده

ليعلم أنّ الحرّ يقتل بالعبد

وقيل:

عيناه أعانتا على سفك دمي

لكن شفتاه شفّتا عن سقمي «1»

مذ حين مشت إلى هواه قدمي

فالدمع مدامتي نديمي ندمي

وقيل:

علامة من كان الهوى في فؤاده

إذا لقي المحبوب أن يتغيّرا

زارت عبيدة الريحانيّ جارية كان يهواها وعنده إخوانه فحان وقت الظهر، فبادروا إلى الصلاة وهما يتحدّثان فأطالا حتى كادت الصلاة تفوت، فقيل: يا أبا الحسن الصلاة، فقال: رويدكم حتى تزول الشمس. أي حتى تذهب الجارية.

يقال: ناط حبّها بقلبي نائط «2» وساط «3» بدمي سائط. كان لسليمان بن عبد الملك غلام وجارية يتحابّان فكتب إليها الغلام:

ولقد رأيتك في المنام كأنّما

عاطيتني من ريق فيك البارد

ص: 375

وكأنّ كفّك في يدي وكأننا

بتنا جميعا في فراش واحد

فطفقت يومي كلّه متراقدا

لأراك في نومي ولست براقد

فأجابته:

خيرا رأيت وكل ما عاينته

ستناله مني برغم الحاسد

إني لأرجو أن تكون معانقي

فتبيت مني فوق ثدي ناهد

وأراك بين خلاخلي ودمالجي

وأراك بين مداخلي ومجاسدي «1»

فبلغ ذلك سليمان فأنكحهما وأحسن جهازهما.

مرّ مالك بن دينار بدار ليلا وإذا قائل يقول:

يا سيدي قد جاءك المذنب

يرجو الذي يرجوه من يعتب

فاصفح له عن ذنبه منعما

وهب له منك الذي يطلب

فوقف مالك يتسمع ويبكي والقائل يردّد البيتين بصوت حزين، فلما قارب السحر قال:

يا ناصبا مقلته فتنة

إليك من مقلتك المهرب

فقال مالك: يا فاسق إنّما كان تضرّعك لغير الله، ومضى. أعرابيّ: كنت آتيها عند أهلها فتجهمني «2» بلسانها وترحّب بطرفها. ليلى العامرية:

لم يكن المجنون في حالة

إلا وقد كنت كما كانا

لكنّه باح بسرّ الهوى

وإنني قد ذبت كتمانا

ص: 376

المجنون:

تعلقت ليلى وهي بكر صغيرة

ولم يبد للأتراب من ثديها حجم «1»

صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا

إلى الآن لم نكبر ولم يكبر البهم

قيل لأعرابيّ: ما بلغ بك حبّك لفلانة؟ فقال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذلك رائحة المسك. ابن مرخية: سألت سعيد بن المسيّب وكان مفتي المدينة: هل في حبّ دهماء وزر؟ فقال: إنما تلام على ما تستطيع من الأمر.

قيل:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

كم زاد باللوم للمشتاق أهواء

قيل: النهي عن الشيء داع إلى تعاطيه، واستدلّ على ذلك بفعل آدم وحوّاء نهيا عن الشجرة. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«لو نهي الناس عن فتّ البعر فتّوه وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيء» . قيل: من عذل عاشقا زمّر في است ميت ليطرب.

بعضهم: عذلك لا ينفع وكلامك لا يسمع.

قيل: المرأة تكتم الحبّ أربعين سنة ولا تكتم البغض يوما واحدا. قيل:

لا شيء أصيد لامرأة ولا أذهب لعفّتها من أن يحيط علمها بأنّ رجلا أحبّها. ابن داود: من كثرت لحظاته، دامت حسراته.

أبو حاتم:

أبرزوا وجهه الجم

يل ولاموا من افتتن

لو أرادوا عفافنا

ستروا وجهه الحسن

ص: 377

آخر:

وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كلّه أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

أبو الفتح:

لا ترمينّ إلى الحسان بنظرة

إني أراها آفة الألباب

إني رأيت الكلب أسرعه عمّى

ما كان مسكنه لدى القصّاب

بعضهم: لأن يرى ألف رجل امرأتي أسهل عندي من أن ترى امرأتي رجلا.

الحسن: النظر إلى الوجه الحسن عبادة. قيل: النظر إلى الماء والخضرة والوجه الحسن يزيد في العقل ونور البصر. حكماء الهند: اللحظ ترجمان القلب، واللسان ترجمان اليد. وقيل: اللحظ يقرب من اللفظ. وقيل: ربّ طرف أفصح من لسان. قيل: المكاتبة دلالة المحبة. محمد بن الجهم: أنعم عليّ بكتاب فهو لسان من اعترضته العوائق عن المشاهدة والمحادثة.

قال رجل لآخر: إني أحبّك، فقال: رائد ذلك عندي. وقال رجل لعبد الله ابن جعفر: إنّ فلانا يقول: إنّي أحبّك فبم أعلم صدقه؟ فقال: استخبر قلبك فإن كنت تودّه فإنه يودّك. قيل:

وعلى القلوب من القلوب دلائل

بالودّ قبل تشاهد الأشباح

قال الإسكندر لأفلاطون وقد أراد سفرا: أرشدني. فقال: لا تملأن قلبك محبة لشيء ولا يستولينّ عليك بغضة، واجعلهما قصدا، فالقلب كاسمه يتقلّب.

عليّ رضي الله عنه: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. عائشة رضي الله

ص: 378

عنها: جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها. يحيى بن خالد قال لأولاده: إذا كرهتم الرجل من غير سوء أتاه فاحذروه، وإذا أحببتم الرجل من غير سبق خير منه إليكم فارجوه. قيل:

لا أسأل الناس عمّا في ضمائرهم

ما في ضميري لهم من ذاك يكفيني

وقيل:

وقالوا قد صفت منا قلوب

وقد صدقوا ولكن من ودادي

وقيل في بعض أهل الكياسة:

بصير بأعقاب الأمور كأنه

يرى بصواب الرأي ما هو واقع

أراد أنوشروان أن يصيّر ابنه هرمز وليّ عهده، فاستشار وزراءه، فذكر كلّ وزير عيبا، قال بعضهم: قصير، فقال: لا يرى إلا راكبا أو جالسا. وقال بعضهم: أمّه روميّة، فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء. فقال الموبذ «1» : هو مبغّض إلى الناس، فقال: العيب عندي هذا. قيل: من كان له عيب، ولا يكون ذلك العيب بغض الناس له، فلا عيب له. قال الأحنف يوما: فقير صدوق خير من غنيّ كذوب. فقال بعض أصحابه: ووضيع محبب خير من رفيع مبغّض. فقال: هذه إلى هذه. قيل: المرأة إذا أحبّتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك. وقيل: حبّها أذى وبغضها داء بلا دواء. قال رجل ليوسف عليه السلام: إني أحبّك. فقال: ما رأيت من الحبّ خيرا، أحبّني أبي فألقيت في الجبّ، وأحبّتني امرأة العزيز فألقيت في السجن، فأعفني عافاك الله. قال ناصبيّ «2» لرافضيّ «3» : أتحبّ عائشة؟ فقال الرافضيّ: أترضى أن أحبّ امرأتك؟

ص: 379

قال: لا، قال: فلم ترى لائقا لحرم الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا ترضى لحرمك.

العرب: تزعم أنّ من خدرت رجله فذكر محبوبه سكن الخدر. قيل:

إذا خدرت رجلي أبوح بذكره

ليذهب عن رجلي الخدور ويذهب

ويقولون: من اختلج عينه أبصر محبوبه.

كتب بعضهم في عذر ترك توديع محبوبه: ما أعرضت عن تشييعك إلا استفظاعا لتوديعك، وما تركت توديعك إلا كراهية تجديد العهد بفراقك. جعفر الصادق: إذا شيّعت فأقصر، وإذا تلقّيت فأمعن. قيل: قطيعة الوصال قطع الأوصال. كتب بعضهم: ودّعت قلبي يوم توديعك، فهو يتصرّف بتصرّفك وينصرف بمنصرفك. قيل لصوفيّ: لم تصفرّ الشمس عند الغروب؟ فقال:

حذر الفراق. قيل: ما أكثر صدع الفراق، بين الرفاق!. وقيل: بكفّ الفرقة، نار الحرقة. قيل: الجنة أثر من آثار الوصال، والنار شرارة من حرارة الانفصال. الرشيد: كان يهوى جارية فتغاضبا فأمر جعفر العباس بن الأحنف أن يعمل فيه شيئا، فأنشد:

راجع أحبّتك الذين هجرتهم

إنّ المتيّم قلّما يتجنّب

إن التجنّب إن تطاول منكما

دبّ السلوّ له فعزّ المطلب

وأمر إبراهيم الموصلي فغنّى به عند الرشيد، فأرضاها الرشيد، فأمرت لكلّ من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف، وأمر الرشيد لكلّ منهما بأربعين ألفا.

الباخرزيّ:

وربّ نهار للفراق أصيله

ووجهي كلا لونيهما متناسب

وله:

أيحسن في المروءة أن أسيرا

وأترك عندكم قلبي أسيرا

ص: 380

وله:

أضنى الهوى جسدي وأكسف بالي

وحرمت وضل الشادن الطبّال

رمت الوصال فقال أمر هيّن

لكنّ كيسك مثل طبلي خالي

عباس بن الأحنف:

تحمل عظيم الذنب ممن تحبّه

وإن كنت مظلوما فقل أنا ظالم

فإنّك إن لم تغفر الذنب في الهوى

يفارقك من تهوى وأنفك راغم

ابن الفصيح:

زار الحبيب فحيّا

يا حسن ذاك المحيّا

من صدّه كنت ميتا

من وصله عدت حيّا

سار إلى الحسن صديق له يريد توديعه، فأنشده الحسن:

وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له

رزية مال أو فراق حبيب

ذكر أعرابيّ امرأة فقال: كاد الغزال يكونها لولا ما تمّ منها ونقص منه.

بعضهم: ما كانت أيامي معها إلا كأباهيم القطا قصرا ثم طالت بعدها شوقا إليها وأسفا عليها. قيل: من تمّ سروره قصرت شهوره. وقيل:

ألا إنّ أيام البلاء على الفتى

طوال وأيام السرور قصار

قيل: سنة الوصل سنة، وسنة الهجر سنة. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«حبّك للشيء يعمي ويصمّ» أي يعمي عن الرشد ويصمّ عن الوعظ. قيل:

إنّ المحبّ عن العذّال في صمم «1»

ص: 381

قال معاوية: لولا (يزيد) لأبصرت رشدي. قيل:

ولست براء عيب ذي الودّ كلّه

ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا

وعين الرضى عن كلّ عيب كليلة

كما أنّ عين السخط تبدي المساويا

وقيل:

وعين البغض تبرز كلّ عيب

وعين الحبّ لا تجد العيوبا

وقيل:

إنّ البغيض وإن تملّح جهده

سمج ومنظر من تحبّ مليح

وقيل:

وللبغض عين لا تزال عبوسة

وعين الرضى مكحولة بالتبسّم

وقيل:

ويقبح من سواك الفعل عندي

فتفعله فيحسن منك ذاكا

ليم محمد بن سكّرة بحبّه غلاما أعرج، فأنشد:

قالوا بليت بأعرج فأجبتهم

العيب يحدث في غصون البان

إنّي أحبّ حديثه وأريده

للنوم لا للجري في الميدان

وأنشد بعد التحائه:

قالوا التحى وستسلو عنه قلت لهم

هل يحسن الروض ما لم يطلع الزهر

هل التحى طرفه الساجي فأهجره

أم هل تزحزح عن أجفانه الحور

وقيل:

وموت الفتى خير له من صبابة

إذا كان ذا حالين يصبو ولا يصبي

ويستظرف قول المتنبي:

ص: 382

أنت الحبيب ولكني أعوذ به

من أن أكون محبّا غير محبوب

المنصور: قال للربيع: سل حاجتك. فقال: حاجتي أن تحبّ الفضل ابني. قال: ما سبب المحبّة؟ قال: أن تفضل عليه فإذن أحبّك وإذا أحبّك أحببته. فقال: لم اخترت المحبة من الأشياء؟ فقال: إذا أحببته صغر عندك كبير إساءته، وكبر صغير إحسانه، وصارت ذنوبه كذنوب الصبيان، وحاجته إليك حاجة الشفيع العريان. يقال: التنقل من خلة إلى خلّة كالتنقل من ملّة إلى ملّة.

بعض الأكابر: كان الهوى فيما مضى أن يسرّ أحدهم بلبان مضغته حبيبته، كما قيل:

ولو كنت ميتا قيل دفني وجاءني

لبان بريق الحبّ قد صار معجونا

وأدخل ذاك العلك بالريق في فمي

لقمت به حيّا ولو كنت مدفونا

أو بسواك استاكت به. وقيل:

ولو أنّ السّواك أتى بريق

من المحبوب يهدى لي كفاني

واليوم يطلب أحدهم الخلوة الصحيحة كأنه أشهد على نكاحها أبا سعيد وأبا هريرة. قيل:

لم يخلق الرحمن أحسن منظرا

من عاشقين على فراش واحد

وقيل:

لا شيء أطيب في الدنيا وساكنها

من وامق قد خلا يوما بموموق «1»

وقيل:

ما لذّة أكمل في طيبها

من قبلة في إثرها عضّه

ص: 383

ابن الخطيب:

وشادن في الوصال جادلنا

وعند نيل المراد جادلنا «1»

وبرقع الحسن قد أماط لنا

سألته قبلة فماطلنا

قيل: من أمات شهوته، أحيا مروءته. وقيل: من عفّت أطرافه حسنت أوصافه.

عليّ رضي الله عنه: قبلة الولد رحمة، وقبلة المرأة شهوة، وقبلة الوالدين عبادة، وقبلة الأخ رقّة. وزاد الحسن فقال: وقبلة الإمام العادل طاعة. قلت:

وقبلة يد العالم العامل والوليّ الصالح الكامل خير وبركة. قيل: قبلة المؤمن المؤمن المصافحة، وقبلة الرجل زوجته في الفم محبة، وقبلة الوالد الولد في الرأس «2» ، وقبلة الأمّ الابن في الخدّ شفقة.

ص: 384