الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك
معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتم على بيّنة من ربّكم ما لم تظهر منكم سكرتان: سكرة الجهل، وسكرة حبّ الدنيا» . يقال: نفور العلم من الجاهل أشدّ من نفور العالم من الجهل. قيل:
سقام الحرص ليس له شفاء
…
وداء الجهل ليس له طبيب
يقال: كلام العاقل قوت، وجواب الجاهل سكوت. المعرّي:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه
…
لآت بما لم تستطعه الأوائل
ولمّا رأيت الجهل في الناس فاشيا
…
تجاهلت حتى ظن أنّي جاهل
فواعجبا كم يدّعي الفضل ناقص
…
ووا أسفا كم يظهر النقص كامل «1»
وصف رجل فقيل: يغلط من أربعة أوجه: يسمع غير ما يقال له، ويحفظ غير ما يسمع، ويكتب غير ما يحفظ، ويحدّث غير ما يكتب. أرسطاطاليس:
العاقل يوافق العاقل، والجاهل لا يوافق الجاهل ولا العاقل، مثل ذلك:
المستقيم الذي ينطبق على المستقيم، فأمّا المعوجّ فإنه لا ينطبق على المعوجّ ولا على المستقيم.
دخل خالد بن صفوان الحمّام فسمع رجلا يقول لابنه وهو يريد أن يعرّف خالدا بلاغته: ابدأ بيداك وثنّ برجلاك. ثم قال: يا بن صفوان هذا كلام قد
ذهب أهله. فقال خالد: بل ما خلق الله له أهلا. عليّ رضي الله عنه: الناس أعداء ما جهلوا. أبو الأسود الدّؤلي: إذا أردت أن تعذّب عالما فاقرن معه جاهلا. أفلاطون: ما ألمت نفسي إلّا من ثلاث: من غنيّ افتقر، وعزيز ذلّ، وحكيم تلاعبت به الجهّال. أرسطو: صديق الجاهل مغرور. وعنه: الجاهل عدوّ لنفسه، فكيف يكون صديقا لغيره. قيل لجالينوس: متى ينبغي للإنسان أن يموت؟ فقال: إذا جهل ما يضرّه مما ينفعه. يقال: اجتنب الجاهل فإنه يجني على نفسه، وهي أحبّ النفوس إليه. قيل: الجاهل يفسد لعدم تهدّيه للإصلاح مع رغبته في الصلاح، والأحمق يفسد لأنه يتلذّذ بالفساد، ويتألّم بجريان الأمور على السداد. كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند، فقال لرجل منهم: ما اسمك؟ فقال: عبد الله، بالنصب. فقال: ابن من؟ فقال: ابن عبد الرحمن، بالجرّ. فأمر بضربه فقال: بسم الله بالرفع، فقال: دعوه فلو كان تاركا للّحن لتركه تحت السّياط. قرع رجل باب نحويّ، فخرج صبيّ، فقال الرجل: يا صبيّ أباك أبيك أبوك ههنا؟ فقال الصبيّ: لا لي لو. ابن السّماك:
أعقل الناس محسن خائف، وأجهلهم مسيء آمن. ذو النون المصري رحمه الله تعالى: من جهل قدره هتك ستره. قيل:
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
…
وأجسامهم قبل القبور قبور
وكلّ امرىء لم يحي بالعلم ميّت
…
وليس له حتى النشور نشور
وقيل:
ماتوا وعشنا فهم عاشوا بموتهم
…
ونحن في صورة الأحياء أموات
أخي فبادر إلى زاد تحصّله
…
ولا تسوّف فللتأخير آفات
بعض الأفاضل:
موت التقيّ حياة لا نفاد لها
…
قد مات قوم وهم في الناس أحياء
وقيل:
ما مات من كان حيا ذكره أبدا
…
وفي الدفاتر قد تتلى فوائده
ولم يزل ذكره في الناس منتشرا
…
وينفع الخلق في الدنيا عوائده
ولذا قيل: الناس كلّهم هالكون إلّا العالمون «1» . قيل:
وليس بفقر فقدك المال والغنى
…
ولكنّ فقد الفضل عندي هو الفقر
وقيل:
العلم أنفس شيء أنت ذاخره
…
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره
فاجهد بنفسك فيما أنت تجهله
…
فأوّل العلم إقبال وآخره
عليّ رضي الله عنه: ربّما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.
تكلّم رجل عند عبد الله بن عبّاس فأكثر الخطأ، فدعا عبد الله بغلام له فأعتقه، فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ فقال: أن لم يجعلني الله مثلك. شهد سلميّ الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: أصلحك الله، ناصبيّ رافضيّ قدريّ مجبّر، شتم الحجاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان. فقال له جعفر: لا أدري على أيّ شيء أحسدك؟ أعلى علمك بالمقالات أم على معرفتك بالأنساب؟ فقال: أصلح الله الأمير، ما خرجت من الكتّاب حتى حذقت هذا كلّه. سقراط: لا تردّنّ على ذي خطأ فإنه يستفيد منك
علما ويتخذك عدوّا. قيل:
لا تركننّ إلى قوم تعلّمهم
…
فكلّهم مبغض في زيّ أحباب
يقال: من كثر لغطه كثر غلطه. سقراط: لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف. أبو الطيب:
وكم من عائب قولا صحيحا
…
وآفته من الفهم السّقيم «1»
أبو سعيد الضرير لأبي تمّام: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: يا أبا سعيد لم لا تفهم ما يقال؟ مولانا قطب الدين الشيرازي في بعض المتصدّين لشرح المجسطي «2» من الجهّال: لو علم والد بطليموس أنّ مثله يشرح كلام ولده لاختصى. مولانا جلال الدين الداواني: لو علم العلماء الأسلاف أنه يخلف بعدهم نظائرنا من الأجلاف لأوصوا أن تدفن كتبهم معهم في قبورهم، بل لم يظهروا قطّ ما في صدورهم.
حضر مجلس الأعمش قوم ليسمعوا الحديث فقال: ما اليوم؟ فقال رجل منهم: الاثنين. فقال الأعمش: الاثنان، ارجعوا فأعربوا كلامكم ثم اطلبوا الحديث. وقيل: كان سيبويه في ابتداء أمره يصحب الفقهاء والمحدّثين، وكان يستملي على حمّاد، فلحن يوما فردّ عليه حمّاد فأنف من ذلك، فلزم الخليل فبرع في النحو. سمع رجل رجلا يقرأ: الأكراد أشدّ كفرا ونفاقا، فقال له: قل ويحك: الأعراب «3» . فقال: كلهم يقطعون الطريق. والله تعالى أعلم.