المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الروضة الخمسون في الموت والوصية والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنعش والتعزية - روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار

[الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المحقق]

- ‌1- ابن قاسم الأماسي (864- 940 ه

- ‌2- روض الأخيار:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات

- ‌الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك

- ‌الروضة الثالثة في السلطنة والإمارة والوزارة والسياسة والعدل والعفو والطاعة للولاة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة في الجهاد والقتل والشهادة والحرب والصلح والأسلحة والغارة والهزيمة والشجاعة والجبن وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

- ‌الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات

- ‌الروضة السابعة في المتصوفة والقصّاص

- ‌الروضة الثامنة في الصناعات والمحترفين والكسب والتجارة والغنى والفقر وما ناسب ذلك

- ‌الروضة التاسعة في الرزق والحرمان وتبدّل الأحوال والتفاوت

- ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية عشرة في السماء والسحاب والثلج والمطر والرّيح والحرّ والبرد

- ‌الروضة الثانية عشرة في النار والسّراج والماء والبحر والجنّة والرياحين والعقار

- ‌الروضة الثالثة عشرة في البلاد والديار والأبنية وما يتعلّق بها

- ‌الروضة الرابعة عشرة في الملك والجنّ والشياطين والحيوانات

- ‌الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السابعة عشرة في الجنون والحمق والغفلة والمكر والاحتيال وترك الأناة والعجلة

- ‌الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان

- ‌الروضة التاسعة عشرة في الحياء والسكوت والعزلة والوحدة والاختلاط

- ‌الروضة العشرون في الصبر وضبط النفس والعفاف والورع والحلال والحرام

- ‌الروضة الحادية والعشرون في ذكر الله وحمده والتسبيح والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والاستغفار

- ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الثالثة والعشرون في المدح والثناء وطيب الذكر والذمّ والهجو والشتم والغيبة

- ‌الروضة الرابعة والعشرون في العزّة والشرف والرياسة والذلّ والهوان والخسّة وسقوط الهمّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والعشرون في الصدق والأمانة والوفاء والكذب والرياء والسعي والنميمة والغدر والخيانة والسرقة

- ‌الروضة السادسة والعشرون في الشفاعة والعناية وإصلاح ذات البين والصلاح والفساد وذكر الشرّ والفجور والعداوة والغيرة والحسد والبغضاء

- ‌الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة

- ‌الروضة الثامنة والعشرون في الهديّة والرّشوة

- ‌الروضة التاسعة والعشرون في الطعام وألوانه والضيافة وذكر الأكل والشّبع والجوع واللذة والألم وما يتّصل بذلك

- ‌الروضة الثلاثون في ذكر النساء والتزوّج وأخلاق النساء والخطبة وذكر الغلمان واللواطة والإماء والجماع والذّكر والفرج وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك

- ‌الروضة الثانية والثلاثون في الملابس والخواتيم والألوان والخضاب والروائح والتصاوير

- ‌الروضة الثالثة والثلاثون في الأضاحيك والملح والمداعبات وما جاء من النهي عن المزاح والترخيص فيه والضحك والهزل والفرج بعد الشدّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة والثلاثون في البكاء والحزن والمكاره والشدائد والبلايا والخوف والجزع والشكوى والعتاب

- ‌الروضة الخامسة والثلاثون في الأخلاق والعادات الحسنة والقبيحة والحلم والوقاحة والغضب والرفق والعنف والرقة والقسوة وخفّة الروح والثقل والتواضع والكبر والافتخار

- ‌الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها

- ‌الروضة السابعة والثلاثون في الطمع والرجاء والأمل واليأس والحرص والتمنّي والوعد وإنجازه وإخلافه والمطل والتسويف

- ‌الروضة الثامنة والثلاثون في الحسن والقبح والسّمن والهزال والطّول والقصر والقوّة والضعف

- ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

- ‌الروضة الأربعون في العجز والكسل والبلادة والتواني والنسيان

- ‌الروضة الحادية والأربعون في التعجب

- ‌الروضة الثانية والأربعون في الظلم والبغي والأذى

- ‌الروضة الثالثة والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب

- ‌الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم

- ‌الروضة السادسة والأربعون في السنّ وطول العمر وقصره والشيخ والشابّ

- ‌الروضة السابعة والأربعون في النوم والسهر والرّؤيا والفأل والطّيرة والكهانة والرّقى

- ‌الروضة الثامنة والأربعون في الشعر والفصاحة والبلاغة

- ‌الروضة التاسعة والأربعون في القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمّهات وحبّ الأولاد وصلة الأرحام والشفقة والنصيحة والزّجر عن القبيح

- ‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

الفصل: ‌الروضة الخمسون في الموت والوصية والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنعش والتعزية

‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات لأحدكم الميت فحسّنوا كفنه وعجّلوا إنجاز وصيته وأعمقوا له في قبره وجنّبوه جار السوء.

قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ فقال: هل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم، فقال: كذلك ينفع في الآخرة» . قال ابن المبارك: أحبّ إلينا أن يكفّن الرجل في ثيابه التي كان يصلّي فيها. عن أبي الدرداء رضي الله عنه: ما من مؤمن إلا والموت خير له، ومن لم يصدّقني فإن الله تعالى يقول:

وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ

«1» وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ

«2» . ولما أحسّ الموت ابن أدهم قال: أو تروا لي قوسي، فقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في قبضته. ميمون بن مهران: بات عند عمر ابن عبد العزيز فرآه كثير البكاء والمسألة للموت، فقال: صنع الله على يديك خيرا كثيرا فأحييت سنّة وأمتّ بدعة، ففي حياتك خير وراحة للمسلمين، فقال: أفلا أكون كالعبد الصالح لما أقرّ الله عينه وجمع له أمره قال: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

«3» . يعني يوسف عليه السلام. قيل: ما تمنّى الموت نبيّ قبله ولا بعده.

ص: 435

قال عليّ رضي الله عنه حين طاف بين الصّفّين «1» بقميص رقيق، فقال ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين يا بنيّ أبوك لا يبالي على الموت سقط أم عليه سقط الموت. قال عمار بصفّين «2» : الآن ألاقي الأحبة محمدا وحزبه. قال حذيفة حين احتضر: جاء حبيب على فاقة، لا أفلح من ندم على الموت، وكل من العشرة كان يحبّ الموت. سرّ بشر بن منصور حين احتضره الموت فسئل عنه فقال: سبحان الله أخرج من بين الظالمين والحاسدين والباغين والمغتابين وأقدم على أرحم الراحمين. لما توجّه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري إلى سمرقند بلغه أنه وقع بينهم بسببه فتنة، فقال: اللهمّ ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. فمات في ذلك الشهر.

قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فأنتم كارهون الانتقال من العمران إلى الخراب.

بكى الخولاني عند موته فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلّة الزاد، وقد سلكت عقبة لا أدري إلى أين تهبط بي وإلى أيّ المكانين أسقط.

إبراهيم النخعيّ: لما احتضر جزع جزعا شديدا فسئل عن السبب فقال: أنا أتوقّع رسولا من ربي إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار، والله لوددت أن تتلملم روحي في حلقي إلى يوم القيامة. ابن المعتزّ: الموت باب الآخرة. عائشة رضي الله عنها: «لما مات عثمان بن مظعون كشف النبيّ صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه فقبّل بين عينيه وبكى طويلا، فلمّا رفع السرير قال: طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها، ولمّا دفن قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: نعم السلف هو لنا» . وقيل لأعرابيّ: ما

ص: 436

سبب موت أبيك؟ قال: كونه أنشده أبو القاسم:

نمضي كما مضت القبائل قبلنا

لسنا بأوّل من دعاه الداعي

حكيم في الإسكندر: أمات هذا كثيرا من الناس لئلّا يموت فمات. قيل:

آه من غربة بغير إياب

آه من حسرة على الأحباب

لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلا يقبض روح خليله، فأوحي إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ فقال: اقبض روحي الساعة. أمّ سلمة: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة تؤمّن على ما تقولون» .

قال عبد الله بن مرزوق لسلامة: يا سلامة لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: أن تحملني وتطرحني على المزبلة لأموت عليها فلعلّه يرى مكاني فيرحمني. قال عمرو بن العاص عند احتضاره لابنه عبد الله: يا بنيّ من يأخذ المال بما فيه من التبعات؟ قال: من جدع الله أنفه، ثم قال: احملوه إلى بيت مال المسلمين، ثم دعا بالغلّ والقيد فلبسهما ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر «1» ابن آدم بنفسه» ، ثم استقبل القبلة فقال: اللهمّ أمرتنا فعصينا ونهيتنا فارتكبنا، هذا مقام العائذ بك فإن تعف فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدّمت يداي، لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

«2» . فمات وهو مغلول مقيّد، فبلغ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلّه ينفعه.

ص: 437

المزنيّ: دخلت على الشافعي في مرض موته، فقلت: كيف أصبحت؟

فقال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله واردا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنّيها أم إلى النار فأعزّيها. ثم أنشأ يقول:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

جعلت رجائي نحو عفوك سلّما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته

بعفوك ربي كان عفوك أعظما

لما بلغ معاوية موت الحسن بن عليّ رضي الله عنهما سجد وسجد من حوله، فدخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما فقال له: يابن عباس أمات أبو محمد؟ قال: نعم رحمه الله، وبلغني سجودك، والله يابن آكلة الأكباد «1» لا يسدّ حسدك إياه حفرتك، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك. قيل:

مضيت والحاسد المغبون يتبعني

إنّ المنية كأس كلّنا حاسي «2»

لو كان للناس ضيق في مزاحمتي

فالموت قد وسّع الدنيا على الناس

أبو الطيب:

بذا قضت الأيام ما بين أهلها

مصائب قوم عند قوم فوائد

مطرّف: إنّ هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا نعيما لا موت فيه. في الحديث المرفوع: «لو أن الطير والبهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا» . وقيل:

ص: 438

كم ذا أنبّه منك طرفا ناعسا

يبدي سباتا كلّما نبّهته

فكأنك الطفل الصغير بمهده

يزداد نوما كلّما حرّكته

من بصّرك فقد نصرك، ومن وعظك فقد أيقظك، ومن أوضح لك فبيّن فقد نصح لك وزيّن، ومن أعذر «1» وبصّر فما غدر ولا قصّر. ويقال: من أنذر فقد أعذر. كتب إمام الحرمين إلى نظام الملك: هب أنك ملكت نواصي الأمم وقواصي الهمم، انزع من صماخيك صمام الصمم حتى أنشد لك بيتا من الحكم:

إذا تمّ أمر بدا نقصه

توقع زوالا إذا قيل تمّ

أبو تمام:

ثم انقضت تلك السّنون وأهلها

فكأنها وكأنهم أحلام

يقال: إذا آل الأمر إلى الكمال عاد إلى الزوال. ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف فلمّا وضع على المصلّى ليصلّى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه ثم دخل فيها فالتمس فلم يوجد، فلما سوّي عليه سمعنا من نسمع صوته ولا نرى شخصه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي

«2» . في الحديث المرفوع: «لا يتمنّ أحدكم الموت إلّا من وثق بعلمه» . سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره. ثوبان «3» رفعه: «من اتّبع الجنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنبا كلّها كبيرة» . يقال:

ص: 439

قد يحمل الشيخ الكبي

ر جنازة الطفل الصغير

في الحديث المرفوع: «كسر عظم المؤمن في مماته ككسره في حياته» .

الثوريّ: ينبغي لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يهيّىء كفنه.

عثمان رضي الله عنه رفعه: «أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدلخه الله الجنة، قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ولم نسأله عن الواحد» .

ثوبان: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناسا ركوبا فقال: ألا تستحيون، إنّ ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم على ظهور الدوابّ» مطر بن عكامس رفعه: «إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة» . وأنشد:

إذا ما حمام المرء كان ببلدة

دعته إليها حاجة فيطير

يقال: كم أمنيّة جلبت منيّة. وقيل: الإنسان ينسى حمامه، ويريد أن يفجر أمامه. وقيل:

ومتعب النفس مرتاح إلى بلد

والموت يطلبه في ذلك البلد

صاحب الهداية: أنشدنا أبو البركات بنيسابور:

إنّا على الدنيا ولذّتها

ندور والموت علينا يدور

كرّ بنو الأرض وسكّانها

منها خلقنا وإليها نحور «1»

أبو العتاهية:

وليس من منزل يأتيه مرتحل

إلا وللموت سيف فيه مسلول

وله رحمه الله تعالى:

أآمل أن أخلّد والمنايا

تبين عليّ من كل النواحي

وما أدري إذا أمسيت حيّا

لعلّي لا أعيش إلى الصباح

ص: 440

وله رحمه الله تعالى:

الناس في غفلاتهم

ورحى المنيّة تطحن

وله رحمه الله تعالى:

لا تأمن الموت في لحظ وفي نفس

وإن تترّست بالحجّاب والحرس

واعلم بأنّ سهام الموت نافذة

لكلّ مدّرع منا ومتّرس

ابن عباس رضي الله عنهما: توشك المنايا تسبق الوصايا. أعرابيّ: ما من الموت مناص ولا عنه خلاص. جابر رفعه: «الذي يوصي عند الموت كالذي يقسم ماله عند الشبع» . معاوية بن قرّة عن أبيه رفعه: «من حضرته الوفاة فأوصى وكانت وصيته على كتاب الله تعالى كانت كفّارة لما ترك من زكاته في حياته» . ابن عباس رضي الله عنهما: الضّرار في الوصية من الكبائر. يقال: جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.

نصر بن سيّار: كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر إلّا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر. أبو مروان: كلّ مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.

عزّي سليمان بن أبي جعفر في ابن له فقيل: كان لك من زينة الحياة الدنيا وهو اليوم من الباقيات الصالحات. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «دفن البنات من المكرمات» «1» . عزّى سلمان الفارسيّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابنة له فقال: يا رسول الله القبر صهر لها منك وثواب الله خير لك منها، أعظم الله لك الأجر فنعم الصهر القبر. فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«هذه التعزية التي عزّى بها جبريل عليه السلام» . عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أوّل تحفة المؤمن إذا مات أن يغفر الله لكلّ من شيّع جنازته» . ويقال: نعم الختن القبر. قيل: دفن الحرم

ص: 441

من أعظم النّعم. الفرزدق:

وأهون مفقود إذا الموت ناله

على المرء من أصحابه من تقنّعا

يقال: الناس بين فرح لمولود وترح لمفقود. قيل لمجوسيّ: ما معنى قولنا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

«1» ؟ فقال: لا أعرف ولكن أعرف أنه لا يقال في دعوة ولا في مجلس ولا في عرس. حضر المنصور جنازة بنت عمّه وجلس وهو متألّم، فأقبل أبو دلامة وجلس عنده، فقال له المنصور: ويحك ما أعددت لهذا المكان؟ - وأشار إلى القبر- فقال: ابنة عمّ أمير المؤمنين. فضحك حتى استلقى على قفاه.

عليّ رضي الله عنه: من ضرب يده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره.

مات لمسلم بن يسار ابن فقال: يا بنيّ شغلني الحزن لك عن الحزن عليك.

محمد بن الحسن الشيبانيّ صاحب أبي حنيفة: استسلم لأمر الله فيما ذهب واشكره على ما وهب. أرسطو: الاشتغال بما فات تضييع للأوقات. يحيى بن خالد: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودّة.

في وصيّته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل، وصلّ على الجنازة لعلّ ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظلّ الله تعالى» . محمد بن سعد المدنيّ: «مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقبرة فنادى: يا أهل القبور ألا أخبركم بما حدث بعدكم؟ تزوّجت نساؤكم وبيعت مساكنكم وقسّمت أموالكم، فهل أنتم مخبرون بما عاينتم؟ ثم قال: ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى» . أنس رضي الله عنه: «شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: اطلع على القبور واعتبر بالنشور» . كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى ما لا يبكي عند ذكر الجنة والنار، فقيل له فقال: سمعت رسول الله

ص: 442

صلّى الله عليه وسلّم يقول: «القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج فما بعده شرّ منه» . وروي عن أنس رضي الله عنه: لو أن بني آدم علموا كيف عذاب القبر ما نفعهم العيش في الدنيا، فنعوذ بالله من عذاب القبر. معاوية رضي الله عنه: عند الموت قال:

هو الموت لا ينجو من الموت والذي

نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع

وقيل:

فلو كنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعدها عن كلّ شيّ

حاتم الأصمّ: ما من صباح ومساء إلا ويقول الشيطان لي: ما تأكل وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.

ونحمد الله تعالى على ما يسّر لنا من الإتمام. ونشكره على ما أسبغ علينا من الإفضال والإنعام، ونصلّي على أكرم الأنام وأفضل الكرام، سيد الأولين والآخرين محمد الشافع المشفّع في يوم القيام، وعلى آله البررة الفخام، وصحبه المهرة العظام، ما دارت الشهور والأعوام، وتعاقبت الليالي والأيام، ونسأل الله الكريم الغفار، أن يجيرنا من عذاب القبر وعذاب النار، وأن يحشرنا في زمرة الأبرار، بحرمة رسوله المختار. محمد صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. والحمد لله ربّ العالمين.

لمحرره المعترف بالذنوب محمد بن قاسم بن يعقوب:

تفضّل علينا يا كثير المواهب

بلطف وإحسان لك الحمد والثنا

وما مقصدي إلا رضاء ورحمة

وما الغير سؤلي منك يا غاية المنى

ص: 443

وله أيضا:

يا عالما بجميع الحال في الطلب

نرجو النجاة من الأحزان والكرب

أعط الخلاص من الأوزار قاطبة

وارحم عبيدك خلّصنا من التعب

اللهم أجب دعاءنا ولا تخيّب رجاءنا..

قد تمّ هذا الروض في فصل الربيع

راع الزمان بريعه في فصله

لمّا سألت العقل عن إتمامه

قد قال في التاريخ جاء بفضله

ص: 444