الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الكيّس «1» من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها ثم تمنّى على الله» . عليّ رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما ينفي عنّي حجة الجهل؟ قال: العلم. قال: فما ينفي حجّة العلم؟ قال: العمل. داود الطائيّ رحمه الله: أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟ وإنّ العلم لآلة، فإذا أفنى المرء عمره في جمعه فمتى يعمل؟!. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:
«تعلّموا ما شئتم أن تعلّموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتى تعملوا، فإنّ العلماء همتهم الرعاية والسفهاء همّتهم الرواية» . الأوزاعيّ: إذا أراد الله بقوم شرّا أعطاهم الجدل، ومنعهم العمل. أبو تمام:
ولم يجدوا من عالم غير عامل
…
خلافا ولا من عامل غير عالم
في المثل: الكسل باب من الزندقة. عليّ كرّم الله وجهه: تدارك في آخر العمر ما فات من أوّله. أبو مسهر:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
…
من الله في دار البقاء نصيب
فلن تعجب الدنيا رجالا فإنها
…
متاع قليل والزمان قريب
وقيل:
على المرء أن يسعى لتحسين حاله
…
وليس عليه أن يساعده الدهر
وقيل:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
…
ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما. وقيل:
إنّا لنفرح بالأيّام نقطعها
…
وكلّ يوم مضى من عدّة الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا
…
فإنما الربح والخسران في العمل
كان الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى ينشد كثيرا:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد
…
ذخرا يكون كصالح الأعمال
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاوس: إذا أردت أن يكون عملك خيرا كلّه فاستعمل أهل الخير. فقال: كفى موعظة. عبد الله بن السائب: إنّ أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى فلا تخزوا موتاكم.
عن عباد بن عباد الخوّاص أنه دخل على إبراهيم بن صالح وهو أمير فلسطين، فقال: عظني، فقال: أصلحك الله، بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه. كان أبو أيّوب الأنصاري يقول: اللهمّ إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة «1» . وقد آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات ابن رواحة قبله.
أنس رضي الله عنه، يرفعه:«يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» . وقيل: خير الأعمال ما أثّل المجد وحصل الحمد، وشرّ الأعمال ما كان عناؤه طويلا وغناؤه «1» قليلا. قيل: الأعمال البهيميّة، ما عمل بغير نيّة. بعضهم: العمل سعي الأركان إلى الله، والنية سعي القلوب إلى الله، والقلب ملك والأركان جنوده، ولا يحارب الملك إلا بالجنود ولا الجنود إلا بالملك. قيل: النيّة جمع الهمّ «2» في تنفيذ العمل للمعمول له، وأن لا يسنح في السرّ ذكر غيره. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في لبن قبر إبراهيم ابنه فأمر أن تسدّ وقال:«أما إنها لا تضرّ ولا تنفع ولكن العبد إذا عمل عملا أحبّ الله أن يتقنه» .
الدارانيّ: عمل الرجل مع رفيقه ومع أهله عمل في السرّ، لأنه لا يقدر أن يكتم منهما. عليّ رضي الله عنه: قليل مدوم عليه خير من كثير محلول عنه.
وعنه: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. قيل: حرّك يدك يفتح لك باب الرزق. قيل لروح بن حاتم: لقد طال وقوفك بالشمس. فقال: ليطول وقوفي في الظلّ. قيل: من غلى دماغه في القيظ غلت قدره في الشتاء. قيل: في كدّ البدن روح الروح. في الوصايا: اكدح تربح. قيل: من جدّ وجد وجدّ «3» . وقيل:
وقلّ من جدّ في أمر يحاوله
…
واستصحب الصبر إلّا فاز بالظفر
تقول العرب: فلان وثّاب على الفرص. ويقال: الزم الخبز ما دام التنّور حارّا. قيل: إضاعة الفرصة غصّة. وقيل: الفرصة تمرّ مرّ السحاب. عمر بن حبيب، كان له بستان ومعه غلامه فأذّن المؤذن فقال الغلام: الله أكبر الله أكبر، فقال: سبقتني إليها، أنت حرّ ولك هذه النخلة.
يقال: أخفّ من خلسة منتهز وجلسة مستوفز. يقال: أسرع من الماء منحدرا ومن النجم منكدرا «1» . يقال: أسرع حتى ظلّه لم يلحقه. قال عديّ بن أرطاة لإياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال: ذاك أبعد من الكبر وأسرع في الحاجة. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» .
يقال: تفرّق بفلان شعب الدنيا، إذا كثرت أشغاله. قال عبد الله بن سليمان لأبي العيناء: اعذرني فإني مشغول. فقال: إذا فرغت لم أحتج إليك، وما أصنع بك فارغا؟ وأنشد:
فلا تعتلل بالشغل عنّا فإنما
…
تناط بك الآمال ما اتّصل الشغل
واعتذر بعض السلطانية إلى رجل بالشغل فقال: لا بلغت يوم فراغك. شكا الفضل من كثرة أهل الحاجة فقال بعض الحاضرين من الفضلاء: إن أحببت أن لا يلتقي ببابك اثنان فاعتزل ما أنت فيه، فإن نعم الله جاءت بهم إليك، ثم أنشد:
من لم يواس الناس من فضله
…
عرّض للإدبار إقباله
فقال: صدقت جزاك الله من ناصح خيرا. كتب إلى بعضهم: قد عذرك الشغل في إغفال الحاجة واعذرني في إذكارك وإلّا فعملك محيط وقدرتك واسعة. وإلى آخر: العاقل إذا ولي ولاية يطلب انتهاز الفرصة وتقليد المنّة فإنّ المنن قلائد في أعناق الرجال، والولاية قريبة إلى الزوال، والحاصل إمّا ذكر جميل، أو خزي طويل. وإلى فضل بن مروان:
تفرعنت يا فضل بن مروان فاعتبر
…
فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
قيل:
إذا مضى أحد يتلو له أحد
…
وهكذا كان حكم الله يطّرد
سئل شبيب حين خرج من دار الخلافة فقال: رأيت الداخل راجيا، والخارج راضيا. قيل للصادق: ما كفّارة عمل السلطان؟ قال: قضاء حوائج الإخوان.
المأمون لوزيره: اغتنم قضاء حوائج الناس فإنّ الدهر أدور «1» والعمر أقصر من أن يتمّ حال أو يدوم سرور. قيل:
لا تقطعنّ يد الإحسان عن أحد
…
ما دمت تقدر والأيام تارات
فاشكر فضيلة صنع الله إذ جعلت
…
إليك لا لك عند الناس حاجات
يقال: لا شيء أضيع للملك وأهلك للرعية من شدّة الحجاب. قيل:
على أيّ باب أطلب الإذن بعد ما
…
حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه
لبعض الظرفاء:
وأخبرني البوّاب أنّك نائم
…
وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم
قيل: الحاجات تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء. يقال: المأمول خير من المأكول. حكي: أن رجلا سأل من رجل شيئا فأراد أن يكسر دينارا فقال: إيّاك أن تفرّق بين اسم الله ورسوله، فترك وأعطاه الدينار. تعرّض أعرابيّ لمعاوية في طريقه فسأله فمنعه ثم عاوده في مكان آخر فقال: ألم تسألني آنفا؟ فقال: نعم ولكن بعض البقاع أيمن من بعض. فضحك ووصله. يقال: الغريق يتعلّق بكلّ شيء والعاشق يطوف بكلّ حيّ «2» . قيل: من طلب ما لا يعنيه، فاته ما يعنيه.
قيل: من أراد زيادة لا يستحقّها أصابه نقصان وهو مستحقّ له. قيل:
طلبت بك التكثير فازددت قلّة
…
وقد يخسر الإنسان في طلب الربح
يقال: هو كطالب القرط قطعت أذنه، كما طلب العير «1» القرنين فضيّع الأذنين.
إذا أصبت فالزم وإذا وجدت فاغنم. قيل:
لكلّ إلى شأو «2» العلا حركات
…
ولكن عزيز في الرجال ثبات
في المثل: من ثبت نبت. قيل لصوفيّ: كيف حالك؟ فقال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر.
أبو هريرة رضي الله عنه رفعه: «سلوا الله في حوائجكم حتى في شسع النعل، فإن الله تعالى إذا لم ييسّره له لم يتيسّر» . فيثاغورس: متى التمست فعلا من الأفعال فابدأ إلى ربك بالابتهال في النجح فيه. عليّ رضي الله عنه مرفوعا:
«إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر في طلبها يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران، وآية الكرسي، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر وأمّ الكتاب، فإنّ فيها قضاء حوائج الدنيا والآخرة» . شكا رجل إلى أخيه الحاجة والضيق، فقال له: يا أخي أغير تدبير ربك تريد، لا تسأل الناس وسل من أنت له. دخل سليمان ابن عبد الملك الكعبة فقال لسالم بن عبد الله: ارفع حوائجك، فقال:
والله لا أسأل في بيت الله غير الله.
مطرّف: قال لإخوانه: من كانت له حاجة إليّ فليكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى ذلّ السؤال في وجه أحد. عليّ رضي الله عنه:
لنقل الصخر من قلل الجبال «3»
…
أخفّ عليّ من منن الرجال
يقول الناس لي في الكسب عار
…
فقلت العار في ذلّ السؤال
وقيل:
استغن عن كلّ ذي قرب وذي رحم
…
إنّ الغنيّ من استغنى عن الناس
جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين رضي الله عنهم: إني لأسارع إلى حاجة عدوّي خوفا من أن أردّها فيستغني عنّي. الفضل بن الربيع: من كلّم الملوك في حاجة في غير وقتها جهل مقامه، وأضاع كلامه. عليّ رضي الله عنه: صاحب السلطان كراكب الأسد. وعنه: اصحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع.
وعنه: لا تكثر الدخول على الملوك، فإنك إن صحبتهم ملّوك، وإن نصحتهم غشّوك. في كتب الهند: لا تكثر الحاجة فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمّه نطحته. يقال: المسألة خموش في وجه صاحبها. الأمين عند حصره ببغداد ونفاد ما عنده وطلب الناس الرزق: قتل الله الفريقين: الذين معي يطلبون مالي.
والذين عليّ يطلبون نفسي. من خفّت مؤنته، خفّت مودّته. قيل:
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه
…
وأخو الحوائج وجهه مملول
جلس الإسكندر للناس يوما فلم يسأله أحد حاجة، فقال لجلسائه:
إني لا أعدّ هذا اليوم من أيام ملكي. كتب ابن عنين حين مرض إلى الملك ابن سيف الدين:
انظر إليّ بعين مولى لم يزل
…
يولي «1» الندى وتلاف «2» قبل تلافي
أنا كالذي «3» يحتاج ما يحتاجه
…
فاغنم ثوابي والثناء الوافي
فجاء بنفسه ومعه ثلاثمائة دينار فقال: هذه الصلة وأنا العائد. عمر رضي الله عنه: الغنيّ من يفرح بالسؤال كما يفرح الآخذ بالعطاء. عبد الله بن عمر: الغنيّ من لم يميّز بين أن يأكل عنده عدوّ أو صديق. قيل لحكيم: من أحبّ الناس إليك؟ قال: من أحسن إليّ. فقيل: ثم من؟ قال: من أحسنت إليه. ابن سينا:
يا غافلا عن حركات الفلك
…
نبّهك الله فما أغفلك
مالك للغير إذا صنته
…
وكلّ ما أنفقت منه فلك
بعض الملوك: أنا لا أرضى أن يكون جهل لا يسعه علمي، ولا ذنب لا يسعه عفوي، ولا حاجة لا يسعها جودي. قيل للإسكندر: ما يسرّك؟ فقال: مكافأة من أحسن إليّ، والعفو عمن أساء إليّ.
قال رجل لابنه: إيّاك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه.
قيل لأعرابيّ: ما السقم الذي لا يبرأ والجرح الذي لا يندمل؟ فقال:
حاجة الكريم إلى اللئيم. اسقلتينوس: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. قال رجل لبنيه: يا بنيّ تعلّموا الردّ فإنه أسدّ «1» من الإعطاء. قيل:
يلومونني بالبخل جهلا وضلّة
…
وللبخل خير من سؤال بخيل
بعض الأكابر لابنه: يا بنيّ اعلم أنّ لفظ (لا) يدفع البلا، ولفظ (نعم) يزيل النعم.
أنس، رفعه:«من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله عمره» .
ابن السكيت: كتب رجل إلى صديقه: قد عرضت لي قبلك «2» حاجة، فإن
نجعت «1» فالفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعذّرت فالعذر مقدّم لك والسّلام. كتب الواقديّ إلى المأمون دينه، فكتب المأمون بخطّه: فيك سخاء أطلق يديك، وحياء يمنعك ذكر تمام دينك، فأمرت لك ضعف ما سألت، فإن قصّرنا فجنايتك عليك، وإلّا فزد بسط يدك، فإنك حدّثتني أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«يا زبير إنّ مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه وتعالى للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثّر كثّر له، ومن قلّل قلّل عليه» . بعض الأدباء:
كلّ من أحوجك الدهر إليه
…
فتعرّضت له هنت عليه