المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك - روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار

[الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المحقق]

- ‌1- ابن قاسم الأماسي (864- 940 ه

- ‌2- روض الأخيار:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات

- ‌الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك

- ‌الروضة الثالثة في السلطنة والإمارة والوزارة والسياسة والعدل والعفو والطاعة للولاة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة في الجهاد والقتل والشهادة والحرب والصلح والأسلحة والغارة والهزيمة والشجاعة والجبن وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

- ‌الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات

- ‌الروضة السابعة في المتصوفة والقصّاص

- ‌الروضة الثامنة في الصناعات والمحترفين والكسب والتجارة والغنى والفقر وما ناسب ذلك

- ‌الروضة التاسعة في الرزق والحرمان وتبدّل الأحوال والتفاوت

- ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية عشرة في السماء والسحاب والثلج والمطر والرّيح والحرّ والبرد

- ‌الروضة الثانية عشرة في النار والسّراج والماء والبحر والجنّة والرياحين والعقار

- ‌الروضة الثالثة عشرة في البلاد والديار والأبنية وما يتعلّق بها

- ‌الروضة الرابعة عشرة في الملك والجنّ والشياطين والحيوانات

- ‌الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السابعة عشرة في الجنون والحمق والغفلة والمكر والاحتيال وترك الأناة والعجلة

- ‌الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان

- ‌الروضة التاسعة عشرة في الحياء والسكوت والعزلة والوحدة والاختلاط

- ‌الروضة العشرون في الصبر وضبط النفس والعفاف والورع والحلال والحرام

- ‌الروضة الحادية والعشرون في ذكر الله وحمده والتسبيح والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والاستغفار

- ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الثالثة والعشرون في المدح والثناء وطيب الذكر والذمّ والهجو والشتم والغيبة

- ‌الروضة الرابعة والعشرون في العزّة والشرف والرياسة والذلّ والهوان والخسّة وسقوط الهمّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والعشرون في الصدق والأمانة والوفاء والكذب والرياء والسعي والنميمة والغدر والخيانة والسرقة

- ‌الروضة السادسة والعشرون في الشفاعة والعناية وإصلاح ذات البين والصلاح والفساد وذكر الشرّ والفجور والعداوة والغيرة والحسد والبغضاء

- ‌الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة

- ‌الروضة الثامنة والعشرون في الهديّة والرّشوة

- ‌الروضة التاسعة والعشرون في الطعام وألوانه والضيافة وذكر الأكل والشّبع والجوع واللذة والألم وما يتّصل بذلك

- ‌الروضة الثلاثون في ذكر النساء والتزوّج وأخلاق النساء والخطبة وذكر الغلمان واللواطة والإماء والجماع والذّكر والفرج وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك

- ‌الروضة الثانية والثلاثون في الملابس والخواتيم والألوان والخضاب والروائح والتصاوير

- ‌الروضة الثالثة والثلاثون في الأضاحيك والملح والمداعبات وما جاء من النهي عن المزاح والترخيص فيه والضحك والهزل والفرج بعد الشدّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة والثلاثون في البكاء والحزن والمكاره والشدائد والبلايا والخوف والجزع والشكوى والعتاب

- ‌الروضة الخامسة والثلاثون في الأخلاق والعادات الحسنة والقبيحة والحلم والوقاحة والغضب والرفق والعنف والرقة والقسوة وخفّة الروح والثقل والتواضع والكبر والافتخار

- ‌الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها

- ‌الروضة السابعة والثلاثون في الطمع والرجاء والأمل واليأس والحرص والتمنّي والوعد وإنجازه وإخلافه والمطل والتسويف

- ‌الروضة الثامنة والثلاثون في الحسن والقبح والسّمن والهزال والطّول والقصر والقوّة والضعف

- ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

- ‌الروضة الأربعون في العجز والكسل والبلادة والتواني والنسيان

- ‌الروضة الحادية والأربعون في التعجب

- ‌الروضة الثانية والأربعون في الظلم والبغي والأذى

- ‌الروضة الثالثة والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب

- ‌الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم

- ‌الروضة السادسة والأربعون في السنّ وطول العمر وقصره والشيخ والشابّ

- ‌الروضة السابعة والأربعون في النوم والسهر والرّؤيا والفأل والطّيرة والكهانة والرّقى

- ‌الروضة الثامنة والأربعون في الشعر والفصاحة والبلاغة

- ‌الروضة التاسعة والأربعون في القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمّهات وحبّ الأولاد وصلة الأرحام والشفقة والنصيحة والزّجر عن القبيح

- ‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

الفصل: ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

الحكماء: المطالب نوعان: خير ولذّة، وهما لا يحصلان تماما إلّا بوجود الصحة. سقراط: لا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يمرض مرضا إلّا حطّ الله عنه خطاياه كما تحطّ الشجرة ورقها» . وعنه صلى الله عليه وسلم: «داء الأنبياء الفالج واللّقوة «1» » . قال الجاحظ: ومن المفاليج إدريس النبيّ عليه السلام، وممن فلج من الكبراء: أبان بن عثمان «2» . كانوا يقولون:

رماه الله بفالج أبان، ولقوة معاوية، وبهق «3» عبد الملك، وبرص أنس بن مالك، وجذام أبي قلابة، وعمى حسان، وصمم ابن سيرين. قيل بحضرة أعرابيّ: ما أشدّ من وجع الضرس؟ قال: كلّ داء شرّ داء. جعفر بن محمد الصادق: ثلاث قليلهنّ كثير: النار والفقر والمرض. خرجت قرحة في كفّ محمّد بن واسع فقيل: إنّا نرحم منها، فقال: وأنا أشكر الله إذ لم تخرج في عيني. قيل لجالينوس حين نهكته العلّة: أما تتعالج؟ قال: إذا كان الداء من السماء بطل الدواء. سئل بعضهم عن دليل الصانع قال: ذلّ اللبيب وفقر الأديب وسقم الطبيب.

ص: 222

نعلّل بالدواء إذا مرضنا

وهل يشفي من الموت الدواء

ونختار الطبيب وهل طبيب

يؤخّر ما يقدّمه القضاء؟

قيل: إذا نزل قدر الربّ بطل حذر المربوب. قيل: ثلاث يهلكن: الجماع على البطنة، والقديد «1» اليابس، وشرب الماء البارد على الريق. الحارث:

أربعة تهدم البدن: الجماع على الامتلاء، والاستحمام على الشبع، وأكل القديد، ونكاح العجوز. قباد بن فيروز: المرض حريق الجسد، والحزن منبت المنايا. قالوا: النيران ثلاث: نار تأكل وتشرب وهي نار الحمّى تأكل اللحم وتشرب الدم، ونار تأكل ولا تشرب وهي نار الدنيا، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار جهنّم. جالينوس: الغمّ المفرد يميت القلب ويجمّد الدم في العروق فيهلك صاحبه، والسرور المفرط يلهب حرارة الدم حتى تغلب الحرارة الغريزية فيهلك. سفيان بن عيينة: أجمع أطباء فارس وابن كلدة أنّ الداء إدخال الطعام على الطعام قبل انهضام الأول. ابن سينا رحمه الله:

جميع الطبّ في البيتين درج

وحسن القول في قصر الكلام

فقلّل إن أكلت وبعد أكل

تجنّب فالشّفا في الانهضام

وليس على النفوس أشدّ بأسا

من ادخال الطعام على الطعام

وفي خمس توقّ الماء حتما

فتلك الخمس مجلبة السّقام

عقيب الأكل والإعيا وباه

وحمّام وصحو من منام

سئل الحارث عن الحمية قال: الاقتصاد في الأكل لأن الأكل فوق المقدار يضيّق على الروح ساحتها ويسدّ مسامّها. قيل: كفى بالمرء عارا أن يكون صريع

ص: 223

مآكله وقتيل أنامله، فكم لقمة أكلت نفس حرّ، وأكلة منعت أكلات دهر؟. أبو بكر بن أحمد رحمه الله:

يا زائدا في أكله لقمة

أسقمت جسما سالما بالتّخم

فيالها من لقمة أسقمت

جسما وردّت عدّة من لقم

يقال: الأكل فوق المقدار يضيّق على الروح ساحته. قيل: راع غذاءك تحكم به بناءك. قيل: من غرس الطعام ثمرة السقام. وقالوا: إدخال اللحم على اللحم يقتل السباع في البرّ. يقال: ليس للبطنة خير من خمصة تتبعها.

الحارث: البطنة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وأعطوا كل بدن ما اعتاد.

يقال: لم يوجد كتاب أجود في معرفة الأدوية المفردة من كتاب الجامع لابن البيطار. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «المعدة بيت الداء» . جالينوس: استدامة الصحة بترك التكاسل في الرياضة، وبترك الامتلاء من الطعام والشراب. وعنه: الإقلال من الضارّ خير من الإكثار من النافع. سئل عن الأخلاط فقال: الدم: عبد مملوك وربما قتل العبد مولاه، والصفراء: كلب عقور في حديقة، والبلغم الملك كلما أغلقت عليه بابا فتح بابا آخر، والسوداء: الأرض إذا تحرّكت تحرّك ما عليها.

وعنه: يعالج ما في الرأس بالغرغرة، وما في المعدة بالقيء، وما في البدن بإسهال البطن، وما بين الجلد بالتعريق، وما في داخل العروق بإرسال الدم.

أبقراط: العافية ملك خفيّ لا يعرفها إلا من عدمها. قيل: مما يورث الهزال النوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت. النظّام: ثلاث يحلقن العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراب «1» في الضحك، ودوام النظر في

ص: 224

البحر. «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة في نقرة القفا فإنها تورث النسيان، وأمر بأن يستنجى بالماء البارد فإنه صحة من الباسور» . يقال: الجرب علة إذا عرضت للمرء هرّبت عن فراشه عرسه، بل نفّرت عن نفسه نفسه، وهو ربع من أرباع الخسران، وقسم من أقسام الخذلان.

أعاذك الله من أشياء أربعة

الموت والعشق والإفلاس والجرب

عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

جسّ الطبيب يدي يوما فقلت له

إن المحبة في قلبي فخلّ يدي

ليس احمراري لحمّى خالطت جسدي

لكن لطارق همّ حلّ في كبدي

عباس بن الأحنف رحمه الله:

قالت مرضت فعدتها فتبرّمت

وهي الصحيحة، والمريض العائد

والله لو أن القلوب كقلبها

ما رقّ للولد الضعيف الوالد

وقيل:

قد عادني الحبيب في الأمراض

بالسقم كطرفها فؤادي راضي

في سقمي صادفت شفائي حقا

زارت فبلغت منتهى أغراضي

آخر:

جاءتني تستبين حال المرض

عن جسمي تشتهي انتقال المرض

تعتاد عيادتي مريضا فلذا

والله لم أشته زوال المرض

آخر:

لا تعجبوا من حياتي بعد فرقتكم

فربما طار طير وهو مذبوح

ص: 225

خطب المأمون بمرو فسعل الناس فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليتداو بشرب خلّ الخمر، ففعلوا فانقطع سعالهم. أرسطاطاليس: إنّ سمّ الحيّة حياة لها وتلف لغيرها، والسمّ ما دام في الحيّة فهو سخين، فإذا خرج إلى غيرها برد حتى يقتل بشدّة برده. كانت الأدوية تنبت في محراب سليمان عليه السلام فيقول كلّ نبت: يا رسول الله أنا دواء لداء كذا. قيل: الشراب من آنية الرصاص أمان من القولنج. عليّ رضي الله عنه، رفعه:«ادّهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصّيف حارّ في الشتاء» . وعنه كرّم الله وجهه: عليكم بالزيت فإنّه يكشف المرّة «1» ، ويذهب البلغم، ويشدّ العصب، ويذهب بالإعياء، ويحسن الخلق، ويطيّب النفس، ويذهب بالهمّ. عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة حجّام أو شربة من عسل» .

لقمان: لا تطيلوا الجلوس على الخلاء فإنه يورث الباسور، وكانت مكتوبة على أبواب الحشوش «2» . حمّوا عند فتح خيبر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

«أيها الناس إن الحمّى رائد الموت وسجن الله في الأرض وقطعة من النار، فإذا وجدتم من ذلك شيئا فبرّدوا لها الماء في الشّنان «3» ثم صبّوا عليكم فيما بين المغرب والعشاء» ففعلوا ذلك فذهبت عنهم. قال الحجاج لطبيبه: أخبرنا بجوامع الطبّ. فقال: لا تطأ من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحوم إلا لحم فتيّ، وإذا تغدّيت فاستلق، وإذا تعشّيت فامش ولو على الشوكة، ولا يدخل بطنك طعام حتى يستمرىء «4» ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء

ص: 226

فتنقض، وكل الفاكهة في إقبالها وذرها في إدبارها. عليّ بن موسى الرّضا رضي الله عنهما: اثنان عليلان أبدا: صحيح متخم، وعليل مخلّط.

أبقراط: الحمية في الصحة كالتخليط في المرض. محمد بن زكريا الرازي: الحمية المفرطة والمبادرة إلى الأدوية والتقليل من الأغذية لا يحفظ الصحة بل يجلب الأمراض. وعنه: ينبغي للطبيب أن يبشّر أبدا بالصحة وإن كان غير واثق بها، فإن مزاج البدن تابع لأغراض النفس. وعنه: إن استطاع الطبيب أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة. وعنه: ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يثق به من الأطباء. أبقراط: الطبّ قياس وتجربة. العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية. كل مرض معلوم السبب موجود الشفاء. أرسطو:

المجرّب أحكم من الطبيب.

جالينوس: الطبيعة كالمدّعي، والعلّة كالخصم، والنبض والقارورة كالبيّنة، ويوم البحران «1» يوم القضاء والفصل، والطبيب كالقاضي. العليل الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي. إعطاء المريض ما يشتهيه أنفع من أخذه مما لا يشتهيه. الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد، والبلغم بيته المعدة وسلطانه في الصدر، والسوداء بيتها الطحال وسلطانها في القلب، والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس. الحارث: دخل على مريض فقال: أنا وأنت والعلة ثلاث وإن كنت معي غلبناها وإلا تغلبت. الحارث: لا تشرب الدواء إلا عند الضرورة فإنه لا يصلح شيئا إلا أفسد مثله. ابن سينا:

ولا تتعرّض للدواء وشربه

مدى الدهر إلا عند إحدى العظائم

ص: 227

جالينوس: الدواء ينقي وينكي. سأل الحجاج بعض الأطباء: أيّ شيء دواء آكل الطين وقد اعتاد به؟ فقال: عزيمة مثلك أيها الأمير، فرمى الحجاج الطين ولم يعد إليه أبدا. قيل: إذا تغدّيت فنم ولو على رأس الغنم، وإذا تعشّيت فدر ولو على رأس الجدر. يقال: إذا ألمّ الألم فعليك المعالجة بالمعالجة. ابن سينا:

بالشّبه تحفظ صحة موجودة

والضدّ فيه شفاء كلّ سقام

لا تحقر المرض اليسير فإنه

كالنار تصبح وهي ذات ضرام

قيل للنظّام «1» وفي يده قدح دواء: ما حالك؟ فقال: أصبحت في دار بليات أدفع آفات بآفات. أبقراط: داووا كلّ مريض بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تتطلّع لهوائها وتنزع إلى غذائها. مرض غسان حين ولي الرقة فما كان ينجع فيه الدواء، فقال له طبيبه أبو عبّاد: سببه الهواء، فبعثه إلى بغداد بجربان «2» ملئت من هوائها، فكان كلّ يوم يفتح جرابا في وجهه حتى برىء. صدع «3» المأمون بطرسوس «4» فلم ينفعه علاج فوجه إليه قيصر قلنسوة وكتب: بلغني صداعك فضعها على رأسك ليسكن، فخاف أن تكون مسمومة فوضعت على رأسه فسكن، فتعجب، ففتقت فإذا فيها رقّ «5» ، فيه: (بسم الله الرّحمن الرّحيم، كم من

ص: 228

نعمة من الله في عرق ساكن حم (1) عسق

«1» لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ

«2» من كلام الرحمن خمدت النيران، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الرشيد حين كان بطوس «3» لرجل: خذ هذه البدرة واعرض هذه القارورة على أسقف فارس وبختشوع من غير أن يتشاعر، أو قل: إنها قارورة أخ لك، فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرشيد، فانتظر ولا ترحل فإنّ أخاك ميت غداة غد. وقال بختشوع مثله. عرض رجل على أيوب الطبيب قارورة فقال:

ما هي بقارورتك لأنه ماء ميّت وأنت حيّ تكلّمني، فما فرغ من كلامه إذ خرّ الرجل ميتا. قيل لجالينوس: ما بالك إذ خرجت أطبّ أقرانك؟ قال: إني أنفقت في الزيت ما أنفقوه في الحميا. عن فروة بن مسيك أنه قال: يا رسول الله أرض عندنا هي أرض ربعنا وميرتنا وإن وباءها شديد. فقال صلى الله عليه وسلم: «دعها عنك فإنّ من القرف التلف» «4» . عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد» .

يقال: يقاس عليه جميع الأمراض المعدية التي كتب الطبّ بسرايتها شاهدة.

أرسل الزهريّ إلى مصر، فقيل: لا تدخل مصر ففيها طاعون. فقال: إنما خلقنا لطعن أو طاعون، أي للشهادة. أرسل أبو بكر رضي الله عنه جيشا إلى الشام فقال: اللهمّ اجعل مناياهم بطعن أو طاعون. هرب سليمان بن عبد الملك من الطاعون فتلي عليه قوله تعالى: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا

«5» فقال: ذلك القليل نريده.

ص: 229

قالوا: من قدم أرضا فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه عوفي من وبائها. في النوابغ: إذا كثر الطاغون أرسل الله عليهم الطاعون. وفيه: أمارة إدبار الإمارة، كثرة الوباء وقلّة العمارة. كان أنوشروان يمسك عما تميل إليه شهوته من الطعام ويقول: تركنا ما نحبه لنستغني عن العلاج بما نكره. عبد الله ابن شبرمة «1» : عجبت ممن يحتمي عن الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي عن الذنوب مخافة النار.

النعمان بن بشير: إنما المؤمنون كرجل إذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون. قيل لأعرابيّ: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قيل: فما تشتهي؟

قال: الجنة. قيل: أفلا ندعو طبيبا؟ قال: هو الذي أمرضني. أنس رضي الله عنه: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شابّ وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟

قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. قال: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف» . دخل ابن السماك على الرشيد في عقب مرض فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ذكرك فاذكره، وأطلقك فاشكره. عليّ رضي الله عنه، يرفعه:«من أتى أخاه المسلم يعوده مشى في مخرفة «2» الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة» . بعض الحكماء: إذا دخل العوّاد على الملك فحقّهم أن لا يسلّموا عليه فيحوجوه إلى الردّ فإذا علموا أنه لاحظهم دعوا له دعاء يسيرا وخرجوا.

عليّ رضي الله عنه: ربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده.

استأذن الربيع بن خيثم على ابن مسعود فخرجت جارية حسناء فغمض عينيه

ص: 230

فقالت: على الباب رجل أعمى يقول: أنا الربيع بن خيثم. فقال: ليس بأعمى إنما غضّ بصره عما نهاه الله تعالى عنه. الأصمعيّ: العميان أكثر الناس نكاحا، والخصيان أصحّ الناس أبصارا، لأنهما طرفان فما نقص من أحدهما زاد في الآخر. قيل: الضرير أنكح من البصير. سمع أبو العيناء المتوكل يقول: ما يمنعني من نظم أبي العيناء في جملة الندماء إلا أنه ضرير. فقال: إن أعفاني عن المسابقة ورؤية الهلال وقراءة نقوش الخواتيم صلحت لمنادمته. أنشد الشيخ ابن حجر رحمه الله تعالى قبل موته:

خانني ناظري وهو دليلي

بانتقالي من بعده عن قليل

وكذا الركب إن أرادوا رحيلا

قدّموا ضوءهم أمام الرحيل

في الحديث: «العيادة قدر فواق الناقة «1» » . مرض مدنيّ في الشام فعاده جيرانه فقالوا له: ما تشتهي؟ فقال: أن لا أرى إنسانا:

إني لأفتح عيني حين أفتحها

على كثير ولكن لا أرى أحدا «2»

أطال قوم عيادة بكر بن عبد الله المزنيّ، فقال: المريض يعاد والصحيح يزار. سريّ السقطيّ: مرضت في طرسوس وجاء إلى عيادتي جمع من الثقلاء فأطالوا الجلوس حتى أملّوني، ثم استدعوا مني فرفعت يدي وقلت: اللهمّ علّمنا كيف نعود المرضى. عاد ثقيل مريضا فأطال الجلوس فقال المريض: قد تأذينا من كثرة الداخلين. فقال العائد: أغلق الباب؟ فقال: نعم ولكن من خارج.

بعض الأدباء: لا تؤذ أخاك بكثرة الجلوس فإن في التخفيف راحة النفوس.

ص: 231

بعضهم: رحم الله امرأ زار وخفّف. قيل لعليّ بن عبيدة وقت العيادة: ما تشتهي؟ قال: عين الرقباء وأكباد الحسّاد وألسن الوشاة. قال أعرابيّ لمريض:

كيف تجدك؟ قال: أقربكم إلى الله. قال الأعرابيّ: اللهمّ باعد عبدك عنك.

يقال لمن شرب الدواء: كم لبست نعلك؟ كم تخطيت إلى بيت الكرامة؟

كم حدا «1» برقك وصبّ سحابك؟ كتب بعض الوزراء إلى إسحاق بن حنين وقد استعمل مسهّلا:

أبن لي كيف أمسيت

وما كان من الحال

وكم سارت بك الناق

ة نحو المنزل الخالي؟

صدع ملك فأمره الطبيب أن يضع قدميه في الماء الحارّ. فقال خصيّ عنده:

أين القدم من الرأس؟ فقال: وأين وجهك من بيضتيك فذهبت لحيتك؟. شكا رجل إلى طبيب وجع البطن وقال: أكلت سمكا ولحم بقر وبيضا وماشا «2» .

فقال: انظر إنّ متّ من هذا وإلّا فارم نفسك من جبل قاف. وشكا آخر إلى طبيب وجع البطن فقال: أكلت خبز الشعير مع قطعة نخالة رطبة، فقال: اذهب إلى البيطار فإني لا أعرف علاج الحمر. وجاء رجل إلى آخر من الأطباء وشكا وجع البطن وقال: أكلت خبزا محترقا، فأتى الطبيب بالميل والمكحلة، فقال:

عيني صحيحة، فقال: لو كانت صحيحة لم تأكل محترقا. استوصف رجل طبيبا فأشار إليه بالكرفس «3» فسأله عن فعله فقال: يفتح السّدد، فقال: لا كان الله لك إنّا إلى سدّ الفتح أحوج.

ص: 232

شكا المأمون إلى طبيب فقال: اجتنب الرطب والماء البارد، فقال: لولا هما لم نحتج إليك. قالت امرأة لزوجها- وكان أصلع-: لست أغبط إلّا شعرك حيث فارقك فاستراح منك. قيل لأصلع: إن الصلعة من نتن الدماغ، فقال: لو كان كذلك لم يكن على حر امرأتك طاقة شعر. قال أصلع لرجل: رأيتك لابس جوشن «1» بلا بيضة، فقال: أردت أن آخذ البيضة «2» منك. اشترى أعرابيّ غلاما فقيل: يبول في الفراش، فقال: إن وجد فراشا فليبل عليه راشّا. كان رجل يتعاطى الصّراع فلا يصرع أحدا، فترك الصّراع وتعاطى الطبّ، فمرّ به حكيم فقال: الآن تصرع خلقا كثيرا.

ص: 233