المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة - روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار

[الأماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة [المحقق]

- ‌1- ابن قاسم الأماسي (864- 940 ه

- ‌2- روض الأخيار:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات

- ‌الروضة الثانية في العلم والحكمة والأدب والكتابة وما اتّصل بذلك

- ‌الروضة الثالثة في السلطنة والإمارة والوزارة والسياسة والعدل والعفو والطاعة للولاة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة في الجهاد والقتل والشهادة والحرب والصلح والأسلحة والغارة والهزيمة والشجاعة والجبن وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

- ‌الروضة السادسة في القضاء والحكومة وذكر الشهود والديون والخصومات

- ‌الروضة السابعة في المتصوفة والقصّاص

- ‌الروضة الثامنة في الصناعات والمحترفين والكسب والتجارة والغنى والفقر وما ناسب ذلك

- ‌الروضة التاسعة في الرزق والحرمان وتبدّل الأحوال والتفاوت

- ‌الروضة العاشرة في ذكر الدنيا والآخرة والسنة والشهر واليوم والليلة والساعة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية عشرة في السماء والسحاب والثلج والمطر والرّيح والحرّ والبرد

- ‌الروضة الثانية عشرة في النار والسّراج والماء والبحر والجنّة والرياحين والعقار

- ‌الروضة الثالثة عشرة في البلاد والديار والأبنية وما يتعلّق بها

- ‌الروضة الرابعة عشرة في الملك والجنّ والشياطين والحيوانات

- ‌الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السادسة عشرة في الجهل واللّحن والتحريف والخطأ وما ناسب ذلك

- ‌الروضة السابعة عشرة في الجنون والحمق والغفلة والمكر والاحتيال وترك الأناة والعجلة

- ‌الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان

- ‌الروضة التاسعة عشرة في الحياء والسكوت والعزلة والوحدة والاختلاط

- ‌الروضة العشرون في الصبر وضبط النفس والعفاف والورع والحلال والحرام

- ‌الروضة الحادية والعشرون في ذكر الله وحمده والتسبيح والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم والاستغفار

- ‌الروضة الثانية والعشرون في الصحة والأمراض والعلل والطب والدواء وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الثالثة والعشرون في المدح والثناء وطيب الذكر والذمّ والهجو والشتم والغيبة

- ‌الروضة الرابعة والعشرون في العزّة والشرف والرياسة والذلّ والهوان والخسّة وسقوط الهمّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والعشرون في الصدق والأمانة والوفاء والكذب والرياء والسعي والنميمة والغدر والخيانة والسرقة

- ‌الروضة السادسة والعشرون في الشفاعة والعناية وإصلاح ذات البين والصلاح والفساد وذكر الشرّ والفجور والعداوة والغيرة والحسد والبغضاء

- ‌الروضة السابعة والعشرون في الصحة والنعمة وشكرها وكفرانها والتوكل والقناعة

- ‌الروضة الثامنة والعشرون في الهديّة والرّشوة

- ‌الروضة التاسعة والعشرون في الطعام وألوانه والضيافة وذكر الأكل والشّبع والجوع واللذة والألم وما يتّصل بذلك

- ‌الروضة الثلاثون في ذكر النساء والتزوّج وأخلاق النساء والخطبة وذكر الغلمان واللواطة والإماء والجماع والذّكر والفرج وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الحادية والثلاثون في الأصوات والألحان والغناء والسماع واللهو واللعب واللذّات وذكر النبيذ والسّكر وما شاكل ذلك

- ‌الروضة الثانية والثلاثون في الملابس والخواتيم والألوان والخضاب والروائح والتصاوير

- ‌الروضة الثالثة والثلاثون في الأضاحيك والملح والمداعبات وما جاء من النهي عن المزاح والترخيص فيه والضحك والهزل والفرج بعد الشدّة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الرابعة والثلاثون في البكاء والحزن والمكاره والشدائد والبلايا والخوف والجزع والشكوى والعتاب

- ‌الروضة الخامسة والثلاثون في الأخلاق والعادات الحسنة والقبيحة والحلم والوقاحة والغضب والرفق والعنف والرقة والقسوة وخفّة الروح والثقل والتواضع والكبر والافتخار

- ‌الروضة السادسة والثلاثون في العمل والكدّ والتعب والسرعة والشغل والطلب والاستجداء ورفع الحوائج وقضائها

- ‌الروضة السابعة والثلاثون في الطمع والرجاء والأمل واليأس والحرص والتمنّي والوعد وإنجازه وإخلافه والمطل والتسويف

- ‌الروضة الثامنة والثلاثون في الحسن والقبح والسّمن والهزال والطّول والقصر والقوّة والضعف

- ‌الروضة التاسعة والثلاثون في العشق والمحبة والهوى

- ‌الروضة الأربعون في العجز والكسل والبلادة والتواني والنسيان

- ‌الروضة الحادية والأربعون في التعجب

- ‌الروضة الثانية والأربعون في الظلم والبغي والأذى

- ‌الروضة الثالثة والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب

- ‌الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك

- ‌الروضة الخامسة والأربعون في العبيد والجواري والخدم

- ‌الروضة السادسة والأربعون في السنّ وطول العمر وقصره والشيخ والشابّ

- ‌الروضة السابعة والأربعون في النوم والسهر والرّؤيا والفأل والطّيرة والكهانة والرّقى

- ‌الروضة الثامنة والأربعون في الشعر والفصاحة والبلاغة

- ‌الروضة التاسعة والأربعون في القرابات والأنساب وذكر حقوق الآباء والأمّهات وحبّ الأولاد وصلة الأرحام والشفقة والنصيحة والزّجر عن القبيح

- ‌الروضة الخمسون في الموت والوصيّة والمصيبة وما يتصل بذلك من ذكر القبر والنّعش والتّعزية

الفصل: ‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

‌الروضة الخامسة في الظن والفراسة والعقل والفطنة والرأي والتدبير والتجارب والمشاورة

عليّ رضي الله عنه: اتّقوا ظنون المؤمنين، فإنّ الله جعل الحق على ألسنتهم. قيل لعالم: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله. طلب المتوكّل جارية الزّقّاق «1» بالمدينة، فكاد يزول عقله لفرط حبّها. فقالت لمولاها: أحسن الظنّ بالله وبي، فإني كفيلة لك بما تحبّ. فحملت «2» ، فقال لها المتوكل: اقرئي، فقرأت: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ

«3» . ففهم المتوكل ما أرادت فردّها. قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظنّ بالله وسوء الظنّ بالخلق. كان ابن الزبير يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه. يقال: من لم تعرفك غائبا أذناه لم تعرفك شاهدا عيناه. قيل: كما أنّ الأبصار تنطبع فيها المشاهدات إذا سلمت من صدأ الآفات، فكذلك العقول مرايا تنطبع فيها الغائبات إذا سلمت من صدأ الشهوات.

قيل ليعقوب عليه السلام: إنّ بمصر رجلا يطعم المساكين ويملأ حجر اليتيم. فقال: ينبغي أن يكون هذا من أهل البيت. فنظروا فإذا هو يوسف عليه

ص: 98

السّلام. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ في كل أمّة محدّثين أو مروّعين، فإن يكن في هذه الأمّة أحد فإنّ عمر منهم» . المحدّث: المصيب في رأيه كأنما حدّث بالأمر، والمروّع: الذي يلقى الأمر في روعه. عليّ رضي الله عنه: ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه. يقال: الاعتبار بالعين والكلام على ما في القلب. قيل: اعتبر ما في قلب أخيك بعينه، فالعين عنوان القلب.

وقيل: شاهد الحبّ والبغض اللحظ، فاستنطق العيون تعلم المكنون.

ألا إنّ عين المرء عنوان قلبه

تخبّر عن أسراره، شاء أم أبى

أشار ابن عباس على عليّ رضي الله عنهم بشيء فلم يعمل به، ثم ندم فقال:

ويح ابن عباس، كأنما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق. يقال: ألمعيته ألمعية ابن عباس، وفراسته فراسة إياس «1» . لما سأل عمر رضي الله عنه ابن عباس عن ليلة القدر فقال: خلق الله السموات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا، فكذلك ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان. فقال «2» : إنك ألمعيّ يابن عباس.

سمع إياس بن معاوية نباح كلب فقال: إنه مربوط على جنب بئر. فقيل: بم عرفته؟ قال: سمعت أوّلا نداء الكلب ثم سمعت صدى. فرأوا كما قال.

الشافعي ومحمد بن الحسن رأيا رجلا، فقال أحدهما: نجّار، وقال الآخر: حدّاد. فسألا عنه «3» فقال: كنت حدّادا والآن نجار. قالوا: إذا رأيت رجلا يخرج بالغداة ويقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى

«4» ، فاعلم أنّ في جواره وليمة ولم يدع إليها، وإذا رأيت قوما يخرجون من عند قاض وهم يقولون:

ص: 99

وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا

«1» ، فاعلم أنّ شهادتهم لم تقبل، وإذا قيل للمتزوّج صبيحة البناء على أهله: كيف ما قدمت عليه؟ فقال: الصلاح خير من كلّ شيء، فاعلم أنّ امرأته قبيحة، وإذا رأيت إنسانا يمشي ويلتفت فاعلم أنه يريد أن يحدث، وإذا رأيته يعدو ويعثر فاعلم أنه في حاجة، وإذا رأيت رجلا خارجا من عند الوالي وهو يقول: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ

«2» ، فاعلم أنه قد صفع.

الفكر قبل العمل يدفع هيبة البداهة. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل» . يقال: العقل كالبعل، والنفس كالزوجة، والجسم كالبيت، فإذا تسلّط العقل على النفس اشتغلت النفس بمصالح الجسم كما تشتغل المرأة المقهورة بمصالح البيت، فصلحت الجملة، وإن غلبت النفس كان سعيها فاسدا كالمرأة التي قهرت زوجها ففسدت الجملة. أنس رضي الله عنه: «قيل: يا رسول الله، الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب، فقال:

وما من آدميّ إلّا وله ذنوب وخطايا يقترفها، فمن كانت سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضرّه ذنوبه، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فتمحى ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة» .

وعنه أيضا رضي الله عنه: «أثنى قوم على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف عقل الرجل؟

فقالوا: يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله! فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزّلفى من ربهم على قدر عقولهم» .

ص: 100

بعض الحكماء: إذا أقبلت الدول خدمت الشهوات العقول، وإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات. العاقل يترك ما يحبّ ليستغني عن العلاج بما يكره.

الحسن: كان عقل آدم عليه السلام مثل عقل جميع أولاده. عامر بن قيس:

إذا عقلك عقلك عمّا لا يعنيك فأنت عاقل. عليّ بن عبيدة «1» : العقل ملك والخصال رعيّة، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابيّ فقال: هذا كلام يقطر عسله. معن بن زائدة: ما رأيت قفا رجل إلّا عرفت عقله، قيل: فإن رأيت وجهه؟ قال: ذاك حينئذ كتاب أقرؤه. بعض العلماء:

العاقل من يرى بأوّل رأيه آخر الأمور، ويهتك عن مهمّاتها ظلم السّتور، ويستنبط دقائق القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب.

بعض الحكماء: إذا صحبت إنسانا فانظر إلى عقله لا دينه، فإنّ دينه له، وعقله له ولك. بعضهم: إذا كمل العقول نقص الفضول. قيل: مرآة العواقب في يد صاحب التجارب. لما عزل عمر رضي الله عنه زيادا عن كتابة أبي موسى الأشعريّ، قال زياد: أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمنين؟ قال: لا عن أحدهما، ولكن أكره فضل عقلك على العامّة. وكان من دهاة العرب. كتب إلى معاوية بعد ولاية العراق: قد أخذت العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة فتعرض بالحجاز. فسمع ذلك عبد الله بن عمر فرفع يده إلى السماء وقال: اللهمّ اكفنا شمال زياد. فخرجت قرحة في يده فقتلته. الأستاذ أبو إسماعيل الكاتب «2» :

أعدى عدوّك أدنى من وثقت به

فحاذر الناس واصحبهم على دخل

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

ص: 101

فيلسوف: عقل الغريزة سلّم إلى عقل التجربة. قيل: أيدي العقول تمسك أعنّة الأنفس. وقيل: كل شيء إذا كثر رخص غير العقل فإنه إذا كثر غلا.

أعرابيّ: العاقل متصفّح، والجاهل متسمّح. أعرابيّ: لو صوّر العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صوّر الحمق لأضاء معه الليل. العاقل من كان على جميع شهواته رقيب من عقله. سقراط: إذا لم يكن عقل الرجل أغلب الأشياء عليه كان هلاكه في أغلب الأشياء عليه. يقال: لفلان من عقله رقيب على شهوته، يهدي إلى الهدى، ويردّه عن الردى. قيل: يعيش العاقل بعقله حيث كان، كما يعيش الأسد بقوّته حيث كان. لقمان: غاية الشرف والسّؤدد حسن العقل، فمن حسن عقله غطّى عيوبه، وأصلح مساويه، وأرضى عنه موادّيه «1» . عليّ رضي الله عنه: العاقل من وعظته التجارب. قيل: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب. الحكيم: العقل والتجربة في التعاون، بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق أحدهما بدون الآخر إنباتا. فيلسوف: من عرف التجارب طابت له المشارب.

محمود الورّاق «2» رحمه الله تعالى:

إنّ اللبيب إذا تفرّق أمره

فتق الأمور مناظرا ومشاورا

وأخو الجهالة يستبدّ برأيه

فتراه يعتسف الأمور مخاطرا

قيل: العاقل يقدّم التجريب قبل التقريب، والاختبار قبل الاختيار، والثقة قبل المقة «3» .

وما المرء منفوعا بتجريب غيره

إذا لم تعظه نفسه وتجاربه

ص: 102

قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين ولدت، فلما رأى إنكارهم قال:

بكيت حين جعت- وطلبت الثدي حين أصبحت، وسكتّ حين أعطيت. يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل. بطليموس: كل عمل يأذن فيه العقل فهو صواب. وعنه: لا يشرب السمّ اتكالا على ما عنده من الترياق. قال المنذر لابنه النعمان، فيما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن من عقلك ما ترجع إليه أبدا. فقال النعمان: مرني بأمر جامع. فقال: الزم الحزم والحياء.

يقال: ذو العقل لا تبطره المنزلة السنيّة، كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدّت عليه الريح، والسخيف تبطره أدنى منزلة، كالحشيش يحرّكه أدنى ريح.

قيل لعليّ رضي الله عنه: صف لنا العاقل، فقال: هو الذي وضع الشيء موضعه، قيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت. يعني الذي لا يضع الشيء موضعه. قال الحجاج لابن قرّة: من أعقل الناس؟ قال: الذي يحسن المداراة مع أهل زمانه. قيل: المواساة أفضل الأعمال، والمداراة أجمل الخصال. في صحف إبراهيم عليه السلام: العاقل ينبغي أن يكون مقبلا على شانه، عارفا لأهل زمانه، حافظا للسانه. بعض المشايخ: من لم يكن عارفا لأهل زمانه فهو جاهل. لقمان: من عاداه قومه طال يومه، وطار نومه. وعنه: أعط أخاك تمرة، وإن أبى فجمرة. قيل:

وفي الشرّ نجاة حين لا يجديك إحسان «1»

المتنبي:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضرّ كوضع السيف في موضع الندى «2»

ص: 103

عليّ رضي الله عنه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك. يوسف النمريّ: أتى جبريل آدم عليهما السلام بثلاث خصال: الحياء والدين والعقل، فقال: اختر واحدة منها، فاختار العقل، فقال الحياء والدين: أمرنا أن لا نفارق العقل حيث كان. أبو بكر رضي الله عنه: أفضل الناس عند الله من عزّ به الحقّ، وانتشر عنه الصدق، ورتق برأيه الفتق. يقال: إذا غلب العقل الهوى صرف المساوي إلى المحاسن فجعل البلادة حلما، والحدّة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعيّ صمتا، والعقوبة أدبا، والجبن حذرا، والإسراف جودا. قيل: هجين عاقل خير من هجان «1» جاهل.

ابن المقفع: ما رأيت حكيما إلا وتغافله أكثر من فطنته. قيل لبزرجمهر:

من أكمل الناس؟ قال: من لم يجعل سمعه غرضا للفحشاء، وكان الأغلب عليه التغافل. بعض الحكماء: التواضع أمان من التقاطع، والتملق أمان من التفرّق، والتغافل عن بعض الأمور تعاقل، والتناعس في بعضها تكايس «2» . في المثل:

تغافل كأنك واسطي «3» . ملك: إذا شاورت العاقل كان عقله لك. فيلسوف:

لا رأي لمن تفرّد برأيه. المأمون: إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه بعاقل.

قيل: الرأي مرآة العقل، فمن أردت أن ترى صورة عقله فاستشره. إذا عطّلت الرويّة بطلت القضيّة. يقال: أنجح الآراء ما كثر امتحانه وأطيل تأمله. قيل:

كل رأي لم تتمخّض به الفكرة ليلة كاملة كان مولودا بغير تمام. قيل: أفضل الرأي ما أجادت الفكرة نقده، وأحكمت الرويّة عقده.

ص: 104

كان عمر رضي الله عنه إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان واستشارهم وقال: هم أحدّ قلوبا. قيل: رأي الشيخ كالزّند الذي انثلم، ورأي الشابّ كالزند الصحيح يورى بأيسر اقتداح. حكيم: اجعل سرّك إلى واحد ومشورتك إلى ألف. فيلسوف الهند: بالرأي ينال ما لا ينال بالقوة والجنود. عليّ رضي الله عنه: نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد. الأرّجانيّ رحمه الله تعالى:

شاور سواك إذا نابتك نائبة

يوما وإن كنت من أهل المشورات

فالعين تنظر منها ما دنا ونأى

ولا ترى نفسها إلا بمرآة «1»

عبد الملك بن مروان: لأن أخطىء وقد استشرت، أحبّ إليّ من أن أصيب وقد استبددت. فضل بن سهل «2» : الرأي يسدّ ثلم السيف، والسيف لا يسدّ ثلم الرأي. قيل:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أوّل وهي المحلّ الثاني «3»

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «المستشير معان» . بعض الحكماء: لا يصلح الرأي إلّا بثلاث: دربة في الأمور، ونظر بالسياسة، وفكر في العواقب. الحسن: الناس ثلاثة: فرجل رجل، ورجل نصف رجل. ورجل لا رجل. فأما الرجل فذو الرأي والمشورة، وأمّا نصف الرجل فالذي له رأي ولا يشاور، وأمّا الذي ليس برجل فالذي لا رأي له ولا يشاور. يقال: أعقل الرجال لا يستغني عن مشاورة أولي الألباب، وأفره الدوابّ لا يستغني عن السّوط، وأورع النساء لا تستغني

ص: 105

عن الزوج. قيل: من بدأ بالاستخارة وثنّى بالاستشارة، لحقيق أن لا يضلّ رأيه.

كان يقال: من أجهد رأيه واستخار ربّه واستشار صديقه، قضى الله في أمره ما أحبّ. عليّ رضي الله عنه: لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزيّن لك الشره بالجور، فإنّ البخل والجبن والحرص يجمعها سوء الظنّ بالله تعالى. عمر رضي الله عنه: ما تشاور قوم قطّ إلا هدوا إلى أرشد أمرهم. سليمان عليه السلام: يا بنيّ لا تقطع أمرا حتى تؤامر «1» مرشدا، فإذا فعلت فلا تحزن. يضرب للحازم أنّ رجلا شكا إلى أخيه قلّة مرفقه «2» في عمله، واستشاره في التفصي «3» عنه فقال له: إن كلبا لقي كلبا في فيه رغيف محرق، فقال: ويحك ما أردأ هذا الرغيف! فقال: نعم، لعنة الله عليه وعلى من يتركه حتى يجد خيرا منه.

كان بعض الماضين إذا استشير قال لمشاوره: أنظرني حتى أصقل عقلي بنومة. قال المنصور لولده: خذ عنّي ثنتين: لا تقل من غير تفكّر، ولا تعمل بغير تدبّر. قيل: يفسد التدبير ثلاثة أسباب: أحدها كثرة الشّركاء فيه، المفضية لانتشاره وبطلانه، والثاني تحاسد الشركاء لدخول الهوى والغرض، والثالث أن يملك التدبير من غاب عن الأمر المدبّر فيه دون من باشره، فإنه يدخل حقده للمباشر الحاضر. بزرجمهر: إنّ الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضلّ لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها، وكذلك الحازم

ص: 106

يجمع وجوه الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضها ببعض حتى يخلص رأيه.

قيل إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير. وقيل: إذا حان الحين حارت العين.

يقال: من نظر في المغابّ «1» ظفر بالمحابّ، ومن استدّت «2» عزائمه اشتدّت دعائمه. قيل: الرأي السديد أحمى من الأيد الشديد «3» . قيل للأحنف: بم سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه، ورأي لا يستغنى عنه. سمع محمد ابن يزداد وزير المأمون قول القائل:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

فإنّ فساد الرأي أن يتردّدا «4»

فأضاف إليه:

وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا

فإنّ فساد العزم أن يتقيّدا

شهاب الدين: كن ذا عزيمة، فإنّ عزائم الرجال تحرّك الأسباب. في بعض السلاطين:

عزماته مثل السيوف صوارما

لو لم يكن للصارمات فلول «5»

وقيل:

عزماته مثل النجوم ثواقبا

لو لم يكن للثاقبات أفول

وصف رجل عضد الدولة فقال: وجه فيه ألف عين، وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب. لقمان: يا بنيّ شاور من جرّب الأمور فإنه يعطيك من رأيه

ص: 107

ما قام عليه بالغلاء وأنت تأخذه بالمجّان. أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودّة، والعقل إلى التجربة.

الإسكندر: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الحقير، فإنّ الدّرّة لا يستهان بها لهوان غائصها. إذا كانت مغالبة القدر مستحيلة فمن أعوان نفوذه الحيلة. إذا التبست المصادر ففوّض الأمر إلى القادر. معارضة العليل طبيبه توجب تعذيبه.

إنما الكيّس الماهر من استسلم لقبضة القاهر. من الدليل على أنّ الإنسان مصرّف مغلوب ومدبّر مربوب، أن يتبلّد رأيه في بعض الخطوب، ويعمى عليه الصواب المطلوب، فإذا تدميره في تدبيره، واغتياله في احتياله، وهلكته في حركته.

عليّ رضي الله عنه: الرأي بالدول «1» ويذهب بذهابها. أبو العباس بن مسروق: من ترك التدبير عاش في راحة. عليّ كرم الله وجهه: من كثر فكره في العواقب لم يشجع. قيل: الفكر في العواقب يزجر الرجل عن الاقتحام في المعاطب.

ومن يطلب العزّ المنيع فقل له

بأنّ مفاتيح الأمور مصاعب

أبو إسماعيل «2» رحمه الله تعالى:

حبّ السلامة يثني همّ صاحبه

عن المعالي ويغري المرء بالكسل

فإن جنحت إليه فاتّخذ نفقا

في الأرض أو سلّما في الجوّ فاعتزل

ص: 108