الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الخامسة عشرة في ذكر الحبّ والبغض في الله والمجالسة والإخاء والجوار والصحبة وما ناسب ذلك
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الإخوان فإنّ ربكم حييّ كريم يستحيي أن يعذّب عبده بين إخوانه يوم القيامة» . وعنه صلى الله عليه وسلم: «من نظر إلى أخيه نظر مودّة لم يكن في قلبه إحنة لم يطرف «1» حتى يغفر الله له ما تقدّم من ذنبه» . عليّ رضي الله عنه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته.
وليس ذكري لك عن خاطر
…
بل هو موصول بلا فضل
عمر رضي الله عنه: ثلاث يثبتن الودّ في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وأن توسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه. سقراط: أثن على ذي المودّة خيرا عند من لقيت، فإنّ رأس المودّة حسن الثناء، كما أن رأس العداوة سوء الذكر. وعنه: لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوّك فكيف بك إذا لم يأمنك صديقك؟.
زياد: إن كان لك صديق وولي ولاية فبقي لك منه واحد من عشر من الصداقة فليس بصديق سوء. وعنه: إذا كان لك صديق صادق الودّ فلا تتمنّ له منزلة رفيعة لأنّ في ذلك تغيّرا عن الوداد. قيل: لا تنظر إلى صديقك إذا بلغ منزلة
بعينك التي نظرته بها قبل، وإذا جعلك أبا فاجعله ربا «1» . ولما بشر هشام بن عبد الملك بالخلافة سجد وسجد من حوله شكرا غير الأبرش الكلبيّ، فقال له: ما منعك؟ قال: إني معك ليلا ونهارا وغدا ترتقي إلى السماء فأين أجدك؟ قال:
أصعد بك معي، فقال: الآن أسجد عشرين سجدة.
إذا لم أنل في دولة المرء غبطة
…
ولم يغشني إحسانه ورعايته
فسيّان عندي موته وحياته
…
وسيّان عندي عزله وولايته
كان هشام يعتمّ فقام إليه الأبرش ليسوّي عمامته فقال: مه إنّا لا نتخذ الإخوان خولا «2» . قام عمر بن عبد العزيز فأصلح سراجه، فقال بعض من حضر: لم لا أمرتني بإصلاحه يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس من المروءة استخدام المرء جليسه. قيل لبعض الفضلاء: كم لك من صديق؟ فقال: ما أعلم، لأنّ الدنيا مقبلة عليّ، والأموال موجودة لديّ، وإنما يعرف ذلك إذا ولّت الدنيا:
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
…
فكيفما انقلبت يوما به انقلبوا
قيل: إذا احتاج إليك عدوّك أحبّ بقاءك، وإذا استغنى عنك وليّك هان عليه موتك. سأل الرشيد رجلا عن بني أميّة فقال: كانوا يتغايرون على الإخوان كتغايرهم على القيان. قيل: لتكن غيرتك على صديقك كغيرتك على صديقتك.
في كتب الهند: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا، ولعدوّ صديقه عدوّا. قيل: ليس من المروءة أن لا تحبّ من يبغضه عدوّك. قيل: لا يحبّك من يحبّ عدوّك. عليّ رضي الله عنه: لا تتخذنّ عدوّ صديقك صديقا:
تحبّ عدوّي ثم تزعم أنني
…
صديقك؟ ليس النّوك عنك بعازب «1»
غيره:
أترجع أحباب بنقص وذلّة
…
وترجع أعداء بفضل وعزّة؟
إذا كان هذا في الأحبّة فعلكم
…
فلا فرق ما بين العدا والأحبّة
صوفيّ: إذا صحّ الودّ سقطت شروط الأدب. بعض العارفين:
إذا ما حبال الودّ تشتدّ بيننا
…
فلا شكّ أن يطوى بساط التكلّف
عليّ رضي الله عنه: شرط الألفة ترك الكلفة. الجنيد «2» : لا تصحب من تحتاج أن تكتمه ما يعرف الله منك. قيل: صن الاسترسال منك حتى تجد مستحقا له، واجعل أنسك آخر ما تبذله من ودّك. جعفر بن محمد: إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال. الأكثم: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء. قيل: إذا أقبل عليك مقبل بودّ فلا تكثر الإقبال عليه، فالإنسان من شأنه التباعد ممّن دنا منه والدنوّ ممن تباعد عنه. قيل: من أحببت فلا تأمنه، ومن أبغضت فلا تهجره. وقيل: خالط الناس وزايلهم. الفضيل: من سخافة عقل الرجل كثرة معارفه.
قيل: المروءة التامّة مباينة العامّة. وقيل: من استأنس بالله استوحش من الناس. كان ابن المبارك لا يجالس إلا كتبه، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال:
كيف أستوحش وأنا أجالس الله تعالى والملائكة والأنبياء والخلفاء والعلماء
والأولياء والشهداء؟ أفترون أن أدع مجالسة هؤلاء وأجالسكم؟. وقيل:
الاستئناس بالناس من علامة الإفلاس. حفص بن حميد: من لم ينقص كلّ يوم صديقا لا يفلح أبدا. ابن الرّوميّ رحمه الله تعالى:
عدوّك من صديقك مستفاد
…
فلا تستكثرنّ من الصحاب
فإنّ الداء أكثر ما تراه
…
يكون من الطعام أو الشراب «1»
سقراط: أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص. قيل لفيلسوف: ما الصديق؟ فقال: اسم بلا مسمّى. قال فضيل لسفيان: دلّني على أخ أركن إليه، فقال: تلك ضالّة لا توجد. أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى:
سألت الناس عن خلّ وفيّ
…
فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسّك إن ظفرت بذيل حرّ
…
فإنّ الحرّ في الدنيا قليل
قيل: أبعد الناس سفرا من كان سفره في طلب أخ صالح. أبو الحسن رحمه الله تعالى:
تطلّبت في الدنيا خليلا فلم أجد
…
وما أحد غيري لذلك واجد
فكم مضمر بغضا يريك محبة
…
وفي الزّند نار وهو في اللمس بارد
المعريّ:
وقد غرضت من الدنيا فهل زمني
…
معط حياتي لغرّ بعد ما غرضا
جرّبت دهري وأهليه فما تركت
…
لي التجارب في ودّ امرىء غرضا «2»
أعرابيّ: اللهمّ اكفني بوائق الثّقات، والاغترار بظاهر المودّات. آخر: اللهمّ احفظني من الصديق، فقيل له في ذلك، فقال: إني أتحرّز من العدوّ. قيل:
احذر من تأمنه فودائع الناس لم تذهب إلا عند الثقات. قيل: قلّ من يؤذيك إلا من تعرفه. ذمّ العباس بن الحسن العلوي رجلا فقال: هو يترصّد في صداقته ما يتوثّب به في عداوته. عليّ رضي الله عنه: إخوان هذا الزمان جواسيس العيوب. الموسويّ رحمه الله تعالى:
إذا أنت فتّشت القلوب وجدتها
…
قلوب الأعادي في جسوم الأصادق
قيل: من كفّ عنك أذاه فهو صديق صدق. وقيل: خير ما في اللئيم أن يكفّ ضرّه. المتنبيّ:
إنّا لفي زمن ترك القبيح به
…
من أكثر الناس إحسان وإجمال «1»
الأصمعيّ: دخلت على الخليل وهو جالس على الحصير الصغير، فأشار إليّ بالجلوس فقلت: أضيّق عليك، فقال: مه إنّ الدنيا بأسرها لا تسع متباغضين، وإنّ شبرا بشبر يسع المتحابّين. قيل: ما ضاق مجلس عن متحابّين، ولا اتّسع لمتباغضين.
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
…
ولكنّ أخلاق الرجال تضيق «2»
أبو محمد غانم بن الوليد:
صيّر فؤادك للمحبوب منزلة
…
سمّ الخياط محلّ للمحبّين
ولا تسامح بغيضا في معاشرة
…
فقلّما تسع الدنيا بغيضين
وقيل:
وأطيب الأرض ما للنفس فيه هوى
…
سمّ الخياط مع الأحباب ميدان
قيل: اثنان ظالمان: رجل وسّع له في مكان ضيق فقعد متربّعا، ورجل أهديت له نصيحة فاتّخذها ذنبا. قيل لبعض أهل المجلس: انتقل، فقال: النقلة مثلة. وكان المأمون كثير التنقل في مجالسه ويقول:
لا بدّ للنفس إن كانت مدبّرة
…
من التنقّل من حال إلى حال
الأحنف: ما جلست مجلسا خفت أن أقام منه لغيري. الشعبيّ: لأن أدعى من بعيد أحبّ إليّ من أن أدفع من قريب. دخل بعض الصوفية على الجنيد رحمه الله تعالى وقعد في طرف المسجد، فقال له: ارتفع، فقال: حسبي يا سيدي من مجلسك مكان من قلبك. قيل: الأشراف في الأطراف.
عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أحبّ أخاه فليعلمه» . ابن مسعود رضي الله عنه:
ما الدخان على النار بأدلّ من الصاحب على الصاحب.
تخيّر أخا تصحبه في الله ساعة
…
فكلّ امرىء يصبو إلى من يجانس
قدم ناس إلى مكة المشرّفة شرّفها الله تعالى، فقالوا: قدمنا إلى بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم في يومين، قيل: كيف؟ قالوا: لحق خيارنا بخياركم وشرارنا بشراركم فألف كلّ شكله. أخذ جماعة من اللصوص فقال أحدهم: أنا كنت مغنيا لهم وما كنت منهم. فقيل له: غنّ، فغنّى بقول عديّ:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكلّ قرين بالمقارن يقتدي «1»
فقيل له: صدقت، وأمر بقتله. قيل: جالس العقلاء، أعداء كانوا أو أصدقاء، فالعقل نفع على العقل. قيل: مجالسة أهل الفضل ذكاء العقل.
قيل: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء أسدّ منه بلين العيش مع الجهال. قيل:
آخ الكريم واسترسل إليه، ولا عليك أن تصحب العاقل وإن لم يكن كريما لتنتفع بعقله، واهرب كلّ الهرب من اللئيم الأحمق. قيل: من صبر مع الأحمق فهو مثله. قيل: لا شيء أوحش من الوحدة، والوحدة أنس من شرار الإخوان.
كان مع مالك بن دينار كلب فقيل له: يا أبا يحيى ما هذا؟ فقال: خير من جليس السوء. قيل لحكيم: أيّ الكنوز خير؟ فقال: أمّا بعد تقوى الله فالأخ الصالح. قيل: المرء كثير بأخيه. محمود الورّاق:
تكثّر من الإخوان ما اسطعت إنهم
…
عماد إذا استنجدتهم وظهور
فما بكثير ألف خلّ وصاحب
…
وإنّ عدوّا واحدا لكثير
قيل لعبد الله بن المقفع: أصديقك أحبّ إليك أم نسيبك؟ فقال: إنما أحبّ النسيب إذا كان صادقا، والصديق نسيب الروح. قيل:
نسيبك من ناسبت بالودّ قلبه
…
وجارك من صافيته لا المصاقب «1»
قد أحسن الذي قال: الأخ الصالح خير لك من نفسك لأنّ النفس أمّارة بالسوء، والأخ الصالح لا يأمرك إلّا بخير. بعضهم: الصديق الموافق خير من الشقيق المنافق. قالوا: لا بأس بتناول مال أخيه في الدين إذا علم رضاه. روي أنّ شدّاد بن حكيم خرج من المسجد الجامع ببلخ «2» فرأى غلاما يمسك دابّة
فركب الدابّة وذهب إلى بيته والغلام وافقه، فخرج صاحب الدابّة فلم يجدها فذهب إلى بيته ماشيا. ولما رجع الغلام أخبر سيده بما وقع، فقال: يا غلام إن صدقت فأنت حرّ لوجه الله تعالى.
دخل الفتح الموصليّ في بيت صديقه فقال لجاريته ائتيني بكيس الدراهم، فأخذ درهمين من الكيس، فلما رجع الرجل إلى بيته أخبرته الجارية بذلك فقال:
أنت حرّة لوجه الله تعالى إن صدقت. وفي الحديث: «ربّ أخ لك لم تلده أمّك» «1» . المأمون: الإخوان ثلاثة: أخ كالغذاء يحتاج إليه في كلّ وقت، وأخ كالدواء يحتاج إليه أحيانا، وأخ كالداء لا يحتاج إليه أبدا. لقمان: إذا أردت مؤاخاة رجل فانظر، فإن كانت محاسنه أكثر فارتبطه. حكيم: ليكن اختيارك من الأشياء جديدها، ومن الإخوان قديمهم.
معاوية لكاتبه: عليك بصاحبك الأقدم، فإنّك تجده على مودّة واحدة وإن قدم العهد وبعدت الديار، وإياك وكل مستحدث فإنه يأكل مع كلّ من أكل، ويجري مع كل ريح. قيل: لا تستبدلنّ أخا قديما بأخ مستفاد «2» فإنه لا يستقيم لك. أبو تمام:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
…
ما الحبّ إلّا للحبيب الأوّل
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
…
وحنينه أبدا لأوّل منزل «3»
قيل: عليك بمستطرف الإخوان، سيحدث منهم مستظرف الإحسان، وتأمن منهم بوائق الثقات. وقيل في جواب أبي تمام:
نقّل فؤادك حيث شئت فلن ترى
…
كهوى جديد، أو كوصل مقبل
مالي أحنّ إلى خراب مقفر
…
درست معالمه كأن لم تؤهل؟
بعضهم:
أنا مبتلى ببليّتين من الهوى:
…
شوق إلى الثّاني، وذكر الأوّل
قسم الفؤاد لحرمة وللذّة
…
في الحبّ من ماض ومن مستقبل
لقمان: من أسرف في الوصال أشرف على الملال. يقال: الصديق الألوف لا يباع بالألوف. الحكماء: كما يبرأ بالدواء سقم الأبدان، تشفى النفوس بصداقة الإخوان. أبو الطيب:
وأحسب أني لو هويت فراقكم
…
لفارقته والدهر أخبث صاحب
فياليت ما بيني وبين أحبّتي
…
من البعد ما بيني وبين المصائب «1»
إسحاق الموصلي:
نعم الصديق صديق لا يكلّفنا
…
ذبح الدجاج، ولا شيء الفراريج
يرضى بلونين من كشك ومن عسل
…
وإن تشهّى فزيتون بطسّوج
منصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكفّ وجهي، ويعجز عن برّ الصديق.
فقال: تلطّف في المسألة والإعطاء. الشافعيّ رحمه الله تعالى:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحد
…
أرحت نفسي من همّ العداوات
إني أحيّي عدوّي عند رؤيته
…
لأدفع الشرّ عني بالتحيّات «2»
قيل:
زمان كلّ حبّ فيه خبّ
…
وطعم الخلّ خلّ لو يذاق
لهم سوق بضاعتها نفاق
…
فنافق فالنّفاق لها نفاق «1»
الحماسيّ:
وفي الناس إن رثّت حبالك واصل
…
وفي الأرض عن دار القلى متحوّل
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
…
على طرف الهجران إن كان يعقل «2»
مسلم بن يسار: ما من عمل إلا وأخاف أن يكون قد دخله ما أفسده، إلّا الحبّ في الله، ومرضت مرضا فلم أجد شيئا أوثق في نفسي من قوم كنت أحبّهم، لا أحبّهم إلّا لله.
حبّ الصديق، إذا كانت مودته
…
لله، فرض على العلّامة الفطن «3»
الأعمش: أدركت أقواما لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين، إذا لقيه لم يزده على: كيف أنت؟ وكيف حالك؟ ولو سأله شطر ماله لأعطاه، ثم أدركت آخرين إذا لم يلق الرجل منهم أخاه يوما سأل عنه الدجاجة ولو سأله حبّة من ماله يمنع. مجاهد: لو لم يكن لك من صاحبك الصالح، إلّا أنّ حياءه يمنعك من معصية الله تعالى كفاك. في وصيّة عليّ رضي الله عنه: لقاء أهل الخيرات عمارة القلوب. قيل: من رأيت فيه خصلة من الخير فلا تفارقه فإنه يصيبك من
بركاته. قال الحجاج لابن القرّة: ما الكرم؟ قال: صدق الإخاء في الشدّة والرخاء.
عمر رضي الله عنه: احذر صديقك إلّا الأمين، ولا أمين إلّا من خشي الله.
أبو بكر الخوارزميّ: من لم يؤاخ إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره إياه على نفسه دام سخطه، ومن عاتب صديقه على كلّ ذنب كثر عدوّه. كان إبراهيم عليه السلام إذا ذكر زلّته غشي عليه وسمع اضطرابه من ميل، فقال له جبريل: يا خليل الله، الخليل يقرئك السّلام ويقول: هل رأيت خليلا يخاف خليله؟ فقال: يا جبريل كلّما ذكرت الزلّة نسيت الخلّة «1» .
أنس رضي الله عنه: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشدّ منه، حين قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحبّ الرجلّ على العمل من الخير يعمل به ولا يعمل بمثله، فقال:«المرء مع من أحبّ» . قيل:
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة
…
فوسيلتي حبّي لآل محمد
أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا زار العبد أخاه في الله ناداه مناد من السماء: طبت وطاب ممشاك، بوّأت لك منزلا في الجنّة» . وعنه صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: «حقّت محبّتي للمتحابّين فيّ والمتزاورين فيّ» .
قيل: الزيارة تغرس المودّة. في كتب الهند: ثلاثة تزيد في الأنس والثقة:
الزيارة والمؤاكلة والمحادثة. كان للسّنجاريّ صاحب انقطع عنه أياما فعتبه بالكتاب، فكتب الصاحب إليه بيتي الحريريّ رحمه الله تعالى:
لا تزر من تحبّ في كلّ شهر
…
غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم «1»
…
ثمّ لا تنظر العيون إليه
فقال في جوابه:
إذا حققت من خلّ ودادا
…
فزره ولا تخف منه ملالا
وكن كالشمس تطلع كلّ يوم
…
ولا تك في زيارته هلالا
قيل: يقرب الطريق، في زيارة الصديق. المجنون:
وكنت إذا ما جئت ليلى بأرضها
…
أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
آخر:
تقرّب لي دار الحبيب وإن نأت
…
وما دار من أبغضته بقريب
عمر رضي الله عنه: تزاوروا ولا تجاوروا. قيل: إدمان اللقاء سبب الجفاء. قيل: قلّة الزيارة أمن من الملالة، وكثرة التعاهد سبب التباعد. اعتذر رجل لآخر بتأخره عنه، فقال: ما رأيت إحسانا يعتذر منه إلّا هذا. قيل: دواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل فراقه. بعضهم: كان لي قرين إذا كلّمته آذاني وأثمت، وإذا تركته استرحت. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه» . وروي: «من هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار» .
أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفتح أبواب السماء في كلّ يوم اثنين وخميس، فيغفر في ذلك اليوم لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا إلّا من بينه وبين أخيه شحناء» . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه هجر بعض نسائه أربعين يوما» .
قيل لمغيرة بن شعبة «2» : إنّ بوّابك يأذن لأصحابه قبل أصحابك. فقال: إنّ
المعرفة لتنفع عند الكلب العقور، والجمل الصّؤول «1» فكيف بالرجل العقول؟
قيل: الكلب لا ينبح على من في داره. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» . ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة ألف بيت من جيرانه البلاء.
ثم قرأ: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
«2» الآية.
داود عليه السلام: اللهمّ إنّي أعوذ بك من مال يكون عليّ فتنة، ومن ولد يكون عليّ ربّا، ومن حليلة تقرّب الشيب قبل المشيب، وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه، إن رأى خيرا دفنه، وإن سمع شرّا طار به. لقمان:
يا بنيّ حملت الحجارة والحديد فلم أر شيئا أثقل من جار السوء. قيل: اصحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدوّ بالتحرّز، والعامّة بالبشر.
بزرجمهر: وقّر من فوقك، وارحم من دونك، وأحسن مكافأة أكفائك. ابن عباس رضي الله عنهما: لجليسي عليّ ثلاث: أرميه بنظري إذا أقبل، وأوسّع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا حدّث. وعنه رضي الله عنه: إني لأستحيي أن يطأ الرجل بساطي ثلاث مرّات ولا يرى عليه أثر برّي. يحيى بن أكثم: ما رأيت أكرم من المأمون: بتّ عنده ليلة فعطش، فكره أن يصيح بالغلمان، وكنت منتبها فو الله قد قام ومشى قليلا إلى البرادة «3» حتى شرب ورجع. ورأيته ليلة وأنا عنده وحدي وقد أخذه سعال، فرأيته يسدّ فاه بكمّه كيلا أنتبه. والله أعلم بالصواب.