الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الأولى في الدين وما يتعلق به من العبادات
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المنبر: «أشعر كلمة قالتها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» «1» . علي رضي الله عنه: كل ما يتصور في الأفهام فالله خلافه. الشافعي رحمه الله تعالى: من انتهض لطلب مدبّره فإن اطمأنّ إلى موجود «2» ينتهي إليه فكره فهو مشبّه «3» وإن اطمأنّ إلى نفي محض فهو معطّل «4» وإن اطمأنّ إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحّد. علي رضي الله عنه «5» :
كيفية المرء ليس المرء يدركها
…
فكيف كيفية الجبار ذي القدم
هو الذي أنشأ الأشياء مبتدعا
…
فكيف يدركه مستحدث النّسم «6»
وعنه رضي الله عنه: إن العقل لإقامة رسم العبوديّة لا لإدراك الربوبيّة. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله احتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار وإنّ الملأ
الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم» . سأل رجل عليّا رضي الله عنه: هل رأيت ربّك؟ فقال: أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: كيف تراه؟ قال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان. حكيم: الواجب على المرء الإقرار بإنيّة «1» الله تعالى وعبادته وترك البحث عن طلبه فإنّ طالبه لا ينال غير الطلب شيئا. عليّ رضي الله عنه: ما يسرّني أن متّ طفلا وإن دخلت الجنّة ولم أكبر فأعرف ربّي. من عرف ربّه جلّ ومن عرف نفسه ذلّ. قال يعقوب عليه السلام للبشير «2» : على أيّ دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام. قال: الآن تمت النعمة على يعقوب وعلى آل يعقوب. وقال موسى عليه السلام: أين أجدك يا رب؟ قال: يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ. وسئل أعرابي عن دليل وجود الصانع، فقال: البعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج «3» وبحار ذات أمواج ألا تدلّ على العليم الخبير؟!. وسئل صوفيّ عن الدليل على أنّ الله تعالى واحد فقال: أغنى الصباح عن المصباح. عيسى عليه السلام: لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على عبادة الله. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ لكل بدعة كيد بها الإسلام وليّا يذبّ عنه» . الشعبيّ: أحبب آل محمد ولا تكن رافضيا، وأثبت وعيد الله ولا تكن مرجئيا، ولا تكفّر الناس بذنب فتكون خارجيا، وألزم الحسنة ربّك والسيئة نفسك ولا تكن قدريا.
خفّ الروافض مثل في السّعة لأنه لا يرى المسح على الخفين ويرى المسح على الرجل فيوسعه ليتمكّن من إدخال يده فيه ليمسح برجله. ابن مسعود رضي الله عنه رفعه «1» : «ليس الجماعة بكثرة الناس، من كان معه الحق فهو الجماعة وإن كان وحده» . الثوري رحمة الله عليه: الجماعة العالم ولو على رأس جبل.
عليّ رضي الله عنه: إن دين الله بين المقصّر والغالي «2» فعليكم بالنمرقة الوسطى، فبها يلحق المقصّر، ويرجع إليها الغالي.
سقراط: خير الأمور أوساطها. صوفيّ: هذا قلبي فتّشوه فإن وجدتم فيه غير الله فانبشوه. لمّا ظهر موسى عليه السلام في أيام سقراط قال: نحن قوم مهذّبون لا حاجة لنا إلى تهذيب غيرنا «3» . رأس الدين صحة اليقين. عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّثنا ونحدّثه، فإذا جاءت الصلاة لم يعرفنا ولم نعرفه» . وقيل لبعضهم: ما بال المتهجّدين أحسن الناس وجها؟
قال: إنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره. وكانت رابعة رحمها الله تعالى تصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وتقول: ما أريد بها ثوابا ولكن ليسرّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول للأنبياء: انظروا إلى امرأة من أمتي، هذا عملها في اليوم والليلة.
وصلّى الحجاج في جنب ابن المسيّب فرآه يرفع قبل الإمام ويضع رأسه، فلمّا سلّم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعله على الحجاج فقال: يا سارق يا خائن تصلي هذه الصلاة؟ لقد هممت أن أضرب بها وجهك.
وكان الحجاج حاجّا فرجع إلى الشام وجاء واليا على المدينة، ودخل من فوره
المسجد قاصدا مجلس سعيد بن المسيّب فقال له: أنت صاحب الكلمات؟
قال: نعم أنا صاحبها. قال: جزاك الله تعالى من معلّم ومؤدّب خيرا، ما صلّيت بعدك إلّا ذاكرا قولك.
وكان الحمام يقع على رأس ابن الزبير في المسجد الحرام ويحسبه جذعا منصوبا لطول قيامه في الصلاة. وكانت العصافير تقع على ظهر إبراهيم بن يزيد ابن شريك التيمي «1» ساجدا كما تقع على الحائط.
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادع الله أن يرزقني مرافقتك في الجنة. قال:
أعنّي بكثرة السجود» . وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بعث الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلّا الله، فلمّا صدّق زاد الصلاة، فلمّا صدّق زاد الزكاة، فلمّا صدّق زاد الحجّ ثم الجهاد، ثم أكمل لهم الدين. مقاتل «2» رضي الله عنه:
«كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي بمكة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشيّ. فلمّا عرج به إلى السماء أمر بالصلوات الخمس» . علي رضي الله عنه: إذا مات العبد بكى عليه مصلّاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. جابر رضي الله عنه: «قيل: يا رسول الله إنّ فلانا يصلّي بالليل، فإذا أصبح يسرق! فقال: لعلّ صلاته ستنهاه» .
قال شيخ من تميم: صلّى بنا سفيان المغرب فقرأ الفاتحة، فلما بلغ نَسْتَعِينُ
بكى حتى قطع القراءة، ثم عاد، فلمّا صلّى التفت فقال:
لا ينبغي لمثلي أن يتقدّم. فما تقدم حتى مات. بعضهم: صليت خلف ذي
النون المصري «1» فلمّا أراد أن يكبّر رفع يديه فقال: الله. ثم بهت وبقي كأنه جسد لا روح فيه إعظاما لربّه. ثم قال: ظننت أن قلبي انخلع من هيبة تكبيره.
بعضهم: لا يفوت أحدا صلاة بجماعة إلّا بذنب. أبو سليمان الداراني «2» رحمه الله: أقمت عشرين سنة لم أحتلم. فدخلت مكة فأحدثت بها حدثا، فلما أصبحت احتلمت، وكان الحدث أن فاتتني صلاة العشاء بجماعة. سعيد بن المسيّب «3» : حججت أربعين حجّة، وما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة. روي أنه صلّى الصبح بوضوء العشاء خمسين سنة. حاتم الأصمّ «4» :
فاتتني الصلاة بجماعة، فعزّاني أبو إسحاق النجاري وحده، ولو مات لي ولد لعزّاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا. وكان السلف يعزّون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبير الأول، وسبعا إذا فاتتهم الجماعة.
وقيل لصوفيّ: أرفع اليدين في الصلاة أفضل أم إرسالهما؟ فقال: رفع القلب إلى الله أنفع منهما جميعا. وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود كذب من ادّعى محبتي، فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كلّ حبيب يحب خلوة بحبيبه؟. الحسن: إذا بكيت من خشية الله فلا تمسح دموعك، فإنه أنور لوجهك، وإذا توضأت فلا تمسح وضوءك فإنه أنور لوجهك إذا قمت بين يدي ربك. يونس بن عبيد «5» : ما اشتغل رجل بالتطوع إلّا استخفّ بالفرائض.
الثوري «1» : إذا رأيت رجلا يحب أن يؤمّ فأخّره. النبي صلى الله عليه وسلم: «زكاة الجسد الصيام» . أبو هريرة رفعه: «من أفطر يوما من غير رخصة رخّصها الله لم يقض عنه صيامه الدهر» .
الزّهري «2» : عجبا للناس تركوا الاعتكاف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه، ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن فارق الحياة. عن عطاء الخراساني «3» : مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي الله تعالى يقول:
لا أبرح حتى تغفر لي. عائشة رضي الله عنها: ما خالطت الزكاة مالا إلّا أهلكته. «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أن تقسم شاة فقالت: يا نبيّ الله ما بقي منها غير عنقها، فقال صلى الله عليه وسلم: كلّها بقي غير عنقها» . ومنه قوله:
يبكي على الذاهب من ماله
…
وإنما يبقى الذي يذهب
وعنه صلى الله عليه وسلم: «ردّوا مذمّة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام» . عيسى عليه السلام: من ردّ سائلا خائبا لم تغش الملائكة ذلك البيت سبعة أيام.
كان نبيّنا صلى الله عليه وسلم لا يكل خصلتين إلى غيره: كان يضع طهوره بالليل ويخمّره «4» بيده، وكان يناول المسكين بيده. عن الشعبي «5» : من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته فضرب بها وجهه.
النّخعي: كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدّق بشيء دفع عنه الأخذ بالظلم.
وكان الرجل يضع الصدقة ويمثل قائما بين يدي الفقير يسأله قبولها، حتى يكون في صورة السائل. كان بعضهم يبسط كفّه ليأخذ الفقير الصدقة ويده هي العليا.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الصدقة تسدّ سبعين بابا من الشرّ» . وقف السائل على امرأة تتعشّى فقامت ووضعت لقمة في فيه، ثم بكرت إلى زوجها في مزرعته فوضعت ولدها وقامت لحاجة لها، فاختلسه الذئب، فوقفت فقالت: يا ربّ ولدي.
فأتى آت فأخذ بعنق الذئب فاستخرج ولدها من فيه بغير أذى ولا ضرر، وقال لها: هذه اللقمة التي وضعتها في فم السائل. وقف سائل على عليّ رضي الله عنه فقال لأحد ولديه: قل لأمّك هاتي درهما من ستة دراهم، فقالت:
للدّقيق، فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده، فتصدّق بالستة. ثم مرّ به رجل يبيع جملا، فاشتراه بمائة وأربعين وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة، فقالت: ما هذا؟ فقال: ما وعدنا الله على لسان أبيك: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها
«1» .
وجّه رجل ابنه في تجارة، فمضى عليه شهر ولم يقف له على خبر، فتصدّق برغيفين وأرّخ ذلك اليوم، فلمّا كان بعد سنة رجع ابنه سالما رابحا، فسأله: هل أصابك بلاء؟ فقال: غرقت السفينة بنا في وسط البحر وغرقت، فإذا أنا بشابّين أخذاني وطرحاني على الشطّ وقالا: قل لوالدك: هذا برغيفين فكيف لو تصدّقت بزيادة؟.
دخلت امرأة شلّاء على عائشة فسألتها، قالت: كان أبي يحبّ الصدقة وأمي تبغضها، لم تتصدّق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقان «2» ، فرأيت في
المنام كأنّ القيامة قد قامت، وكأنّها قد غطّت عورتها بالخلقان، وفي يدها قطعة الشحم تلحسها من العطش، وذهبت إلى أبي فإذا هو على حافة حوض يسقي الناس، فطلبت منه قدحا فسقيته أمي «1» ، فنودي: من سقاها أشلّ الله يده..
فانتبهت كما ترين.
فضيل «2» : بلغني أن رجلا وامرأته كانا يعيشان بغزلها «3» ، فانطلق به إلى السوق يوما فباعه بدرهم، ثم مرّ برجلين يختصمان فسأل: فيم يختصمان؟
فقيل: في درهم، فدفع درهمه إليهما، فقالت امرأته: أصبت ووفّقت، فذهب في اليوم الآخر بمثله فلقي بائع سمكة فاشتراها منه بغزله، فوجدت امرأته في بطنها درّة، فباعها بمائة وعشرين ألفا، فوقف السائل على الباب فشاطره «4» فذهب ثم رجع فقال: أنا رسول ربك، فقد ابتلاك في الضرّاء فوجدك صبورا كريما، وفي السرّاء فوجدك شكورا حليما، وأعطاك بالدرهم الذي أعطيت أربعة وعشرين قيراطا، عجّل لك قيراطا واحدا وادّخر لك ثلاثة وعشرين قيراطا يعطيكها في الآخرة. ودخل على عليّ كرّم الله وجهه بعض أصحابه فرآه باكيا فقال:
ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: سبع «5» أتت عليّ ولم يرد عليّ فيها ضيف ولا سائل.
عمر بن عبد العزيز: الصلاة تبلّغك نصف الطريق، والصوم يبلّغك دار
الملك، والصدقة تدخلك عليه. وفي الحديث:«أن آدم لما قضى مناسكه لقيته الملائكة فقالوا: برّ حجّك يا آدم قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام» .
وفيه: «أن الله ينظر كل ليلة إلى أهل الأرض، فأوّل من ينظر إليه أهل الحرم وأوّل من ينظر إليه من أهل الحرم أهل المسجد، فمن رآه طائفا غفر له، ومن رآه مصلّيا غفر له، ومن رآه قائما مستقبل القبلة غفر له» . عن مجاهد «1» أن الحجّاج إذا قدموا إلى مكة تلقّتهم الملائكة فسلّموا على ركبان الإبل، وصافحوا ركبان الحمر، واعتنقوا المشاة اعتناقا. وكان من عادة السلف أن يشيّعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاجّ ويقبّلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء لهم، ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام. عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله قد وعد هذا البيت أن يحجّه في كل سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا كمّلهم الله من الملائكة، وإنّ الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة، وكل من حجّها يتعلق بأستارها يسعون حولها حتى تدخل الجنة، فيدخلون معها» . وفي الحديث: «إن من الذنوب ذنوبا لا يكفّرها إلا الوقوف بعرفة» . وفيه: «أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له» .
بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو أفضل يوم في الدنيا، وفيه حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان واقفا إذ نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
«2» .
قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد. فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد نزلت في يوم عيدين اثنين، يوم عرفة ويوم الجمعة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة.
لمّا بنى آدم البيت قال: يا ربّ إنّ لكلّ عامل أجرا فما أجر عملي؟ قال: إذا طفت به غفرت لك ذنبك. قال: زدني. قال: جعلته قبلة لأولادك. قال:
زدني. قال: أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك. قال: يا رب حسبي. قيل للحسن: ما الحجّ المبرور؟ قال: أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. مكحول «1» : قلت للحسن: أريد أن أخرج إلى مكة، قال: لا تصحب رجلا يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه.
عن عبّاد بن عبّاد «2» : أردت أن أحجّ فأتاني ابن عون فقال: احفظ عني خلّتين:
عليك بحسن الخلق، والبذل. فرأيت في المنام كأنّ حمّاد بن زيد «3» أتاني بخلتين وقال: أهداهما إليك ابن عون فقلت: قوّمهما. قال: ليس لهما قيمة «4» . عن عبد العزيز بن أبي داود: جاورت هذا البيت ستين سنة وحججت ستين حجّة فما دخلت في شيء من أعمال البرّ فخرجت فحاسبت نفسي إلّا وجدت نصيب الشيطان فيه أوفر من نصيب الله.
عن عليّ رضي الله عنه: «القرآن فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم» . عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اتلوا القرآن وابكوا، وإن لم تبكوا فتباكوا» . «وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يختم القرآن في سبع ليال» . وعن عثمان رضي الله عنه: أنه كان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الإثنين بطه إلى (طسم)
موسى وفرعون «1» ، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى (ص) ، وليلة الأربعاء بتنزيل «2» إلى الرحمن، ويختم ليلة الخميس. وقيل: أحزاب القرآن سبعة:
الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس سور، والثالث سبع سور، والرابع تسع سور، والخامس إحدى عشرة سورة، والسادس ثلاث عشرة سورة، والسابع المفصّل من (ق) . عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا قام أحدكم بالليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمّار الدار يستمعون إلى قراءته ويصلون بصلاته» .
قالوا: قراءة القرآن في المصحف أفضل للنظر فيه وحمله. وعن عثمان رضي الله عنه: خرق مصحفين لكثرة قراءته فيهما. وكان الصحابة يكرهون أن يمضي يوم ولم ينظروا في مصحف. ودخل فقيه على الشافعي في وقت السحر وبين يديه المصحف فقال له: شغلكم الفقه عن القرآن إني لأصلي العتمة «3» وأضع المصحف بين يديّ فما أطبقه حتى أصبح. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان، سنين، ترك جميع العبادات وأقبل على قراءة القرآن في المصحف.
وعن كل واحد من أبي حنيفة والشافعي أنه يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
علي رضي الله عنه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكلّ حرف خمسون حسنة، ومن قرأه وهو في غير الصلاة، وهو على وضوء، فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات. قالوا: أفضل التلاوة على الوضوء، والجلوس شطر القبلة وأن يكون غير متربّع ولا متكىء ولا جالس جلسة متكبر،
ولكن نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه. وقيل لابن عباس: أيجوز أن يحلّى المصحف بالذهب والفضة؟ قال: حليته في جوفه. وختم القرآن في ركعة واحدة أربعة من الأئمة: عثمان بن عفان، وتميم الداري «1» ، وسعيد بن جبير «2» ، وأبو حنيفة.
عيسى عليه السلام: العبودية ترك الدعوى واحتمال البلوى وحب المولى.
عن عليّ رضي الله عنه: إنّ قوما عبدوا رغبة فتلك عبادة التجارة، وإن قوما عبدوا رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
فضيل: أنا أعبد الله لحبّه ولا أستطيع أن لا أعبد. محمود الوراق «3» رحمه الله تعالى:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
…
هذا وربّي في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
…
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
قيل: من أطاع الله جلّ وارتفع، ومن عصاه ذلّ واتّضع. في نوابغ الكلم:
طهّرت فاك بمساويك لولا نجّسته بمساويك «4» . خفّف أعرابيّ الصلاة ثم قال:
اللهم زوّجني حور العين. فقال عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة «5» .
قال الأصمعي: كان أعرابيّ من بني ضبّة إذا توضأ بدأ بوجهه ثم يتذرّع ويتكوّع «1» ثم يغسل فرجه، وبعد ذلك كان يقول: لا أبدأ بالخبيثة قبل وجهي.
وقال أيضا: خرجنا إلى البصرة فنزلنا على ماء لبني سعد، فإذا أعرابية نائمة فأنبهناها للصلاة فأتت الماء فوجدته باردا، فتركته وتوجّهت إلى القبلة ولم تمسّ الماء، ثم قالت: اللهمّ إني قمت وأنا عجلى، وصلّيت وأنا كسلى، فاغفر لي عدد الثرى. فقلنا لها: ما هذه؟ فقالت: إنّ صلاتي هذه لصلاتي منذ أربعين يوما. ورئي أعرابيّ في حزيران على شاطىء نهر يغوص غوصة، ثم يخرج فيعقد عقدة. فقيل له: ما هذا؟ قال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف. وتقدّم أعرابيّ يصلّي بالناس فقرأ الفاتحة بفصاحة وبيان ثم قال:
ويوسف إذ دلّاه أولاد علّة
…
فأصبح في قعر البؤيرة ثاويا «2»
أمّ رجل فقرأ سورة القارعة فقال بدل قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
:
فأمه زانية. فقطع الجماعة الصلاة وضربوه فقال: لم تضربوني بسبب الكافرين؟. تقدّم رجل في صلاة الصبح فقرأ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
إلى قوله فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ
فحصر فكرّرها حتى قرب أن تطلع الشمس، وفي الجمع رجل كان قد وضع جرابه أمامه، فرفع جرابه وقال: أنا أذهب إلى مكاني ولا أعرف أين يذهب هؤلاء القرطبانون «3» .
تقدّم رجل في صلاة وقرأ: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً
فحصر فسكت زمانا طويلا.
وكان خلفه أعرابيّ قال: إن لم يذهب نوح أرسل أحدا مكانه وخلّصنا من هذا.
وصلّى الهادي «1» الفجر بالناس فقرأ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ
فلمّا بلغ إلى قوله: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً
أرتج عليه «2» فردّد مِهاداً
، ولم يجرؤ أحد أن يردّ عليه لكونه أهيب الناس. فعلم فقرأ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ
ففتح عليه. ويعدّ هذا من محاسنه. وقيل للحجّاج بن أرطاة «3» : مالك لا تحضر الجماعة؟ فقال:
أكره أن يزاحمني البقّالون. وخفّف أعرابي صلاته، فقام عمر إليه بالدّرّة فقال:
أعدها. فلمّا فرغ قال: هذه خير أم الأولى؟ فقال: بل الأولى، قال: لم؟
قال: لأنّ الأولى صلّيتها لله وهذه خوفا من الدّرّة. فضحك.
قال مؤذّن: حيّ على الصلاة، والناس يتبادرون إليه، فقال رجل: لو قال:
حيّ على الزكاة، ما جاء إليه أحد. وسمعت امرأة مؤذنا يؤذن بعد طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم. فقالت: النوم خير من هذه الصلاة. ومرّ سكران بمؤذن رديء الحنجرة فجلد به الأرض يدوس بطنه، فاجتمع الناس عليه فقال: ما بي رداءة صوته «4» ولكن شماتة اليهود والنصارى بالمسلمين. وسمعت امرأة: «صوم يوم كفّارة سنة» فصامت إلى الظهر ثم أفطرت فقالت: يكفيني كفّارة ستة أشهر. أسلم مجوسيّ فثقل عليه الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل، فسمع ابنه حسّه فقال: من هذا؟ فقال: أبوك الشقيّ، يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس. وشهد أعرابيّ عند حاكم فقال المشهود عليه: أتقبل شهادته وله من المال كذا وكذا ولم يحجّ؟ قال: بل والله حججت كذا حجّة،
قال: سله أصلحك الله عن مكان زمزم، فقال: إني حججت قبل أن تحفر زمزم. وقيل لمدنيّ: مالك من آلة الحجّ؟ قال: التلبية. وقيل لسائل: أما تستحي تسأل بالقرآن؟ قال: اسكتوا لو جعتم كما أجوع لبعتم جبرائيل وميكائيل فضلا عن القرآن. والله أعلم.