الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- روض الأخيار:
العنوان الكامل لهذا الكتاب هو: «روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار» . وعنوانه هذا يدل على مضمونه ومحتواه. فقد انتخبه الأماسي من كتاب ضخم للزمخشري (538 هـ) عنوانه «ربيع الأبرار» ، وهذا الكتاب- كما قال الأماسيّ- «بحر زاخر لا تدرك غايته، ولا ترجى نهايته» وهذا ما حفزه إلى الاختيار منه على وجه الاختصار مع الزيادة عليه. ويوضح الأماسي ذلك بقوله:
«استخرجت من نخب فرائده، وكتبت من نكت فوائده ما استحسنته على وجه الاختصار، متجنّبا عن الإملال الحاصل من الإكثار، ليسهل ضبطه على الطالبين، ولتكثر فيه رغبة الراغبين. وألحقت به ما عثرت عليه في كتب الأدباء.
وما سمعته من أفاضل العلماء من لطائف الحكايات وعجائب العبارات، وسمّيته بروض الأخيار، المنتخب من ربيع الأبرار..» .
وقدّم الأماسيّ كتابه هذا هدية إلى سدّة السلطان سليمان بن السلطان سليم خان.
وهذا الكتاب يعدّ من كتب الأدب والثقافة العامّة، أو ما يسمى قديما «علم المحاضرات» وهذه التسمية تطلق على الكتب التي تعنى بالأدب، شعره ونثره، وتسعى إلى تزويد القارىء بمختلف الموضوعات والعلوم التي عرفها العرب والمسلمون كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والعقد الفريد لابن عبد ربّه وعيون الأخبار لابن قتيبة. وكثر هذا النوع من التأليف في عصري المماليك والعثمانيين وقد وصلت إلينا، من هذين العصرين، كتب كثيرة جدا. وهذه الكتب تضم نصوصا ونقولا من كتب المؤلفين السابقين، الذين فقدت معظم كتبهم على مرّ الزمن، بسبب الكوارث والكوائن التي اجتاحت البلاد إبان الخلافة الإسلامية أو
السلطنة المملوكية والعثمانية. ومن هنا تأتي أهمية تلك الكتب التي وصلت إلينا من عصري المماليك والعثمانيين، اللذين ظلمهما عدد من الباحثين حين أطلقوا عليهما اسم «عصور الانحطاط» أو «عصور الانحدار» . وهذا الحديث ذو شجون، ولا يتسع المقام هنا للإفاضة وبسط الكلام.
وقد جعل ابن قاسم الأماسي كتاب «روض الأخيار» أشبه بمائدة كبيرة عليها صنوف كثيرة ومتنوعة من الأطعمة والحلويات، أو دوحة ذات ظلال وأشجار ومياه عذبة، وترك للقارىء الحريّة في الاختيار والانتقاء من تلك الروضة الفينانة، والحديقة الغنّاء، وإنك لتجد في رياض «الأماسيّ» الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والمختارات الشعرية والنثرية الجميلة والحكم، والرسائل والأخبار المشوّقة التي تدل على اتساع المخزون الأدبي والثقافي عند مؤلفه.
وقد كسّره الأماسي على خمسين روضة، والروضة الواحدة هنا يقصد بها ما يسمّى عادة بالباب أو الفصل. ولكل منها عنوان يطول أو يقصر، بحسب ما تشتمل عليه كل روضة من رياضه.
وهذا الكتاب بروضاته الخمسين لا يكاد يترك شيئا من شؤون الدين والدنيا، كالعبادات، والجهاد والقضاء، والصّبر والذكر، ومكارم الأخلاق والصناعات، والسماء بما فيها من سحاب ومطر، والأرض بما عليها من ثلج ورياح ونيران وسرج، وكذلك الصحة والمرض، والأجوبة المسكتة، والطعام والنساء والحبّ، والألحان والغناء والأضاحيك والمداعبات، والبكاء، والحزن، والملابس، فضلا عن اللغة واللحن في الكلام، والحماقة، والمكر والاحتيال، والسفر والغربة والفصاحة والبلاغة، وأحوال الجواري، والوصايا
…
الخ.
وهذا كله جرّ المؤلف إلى إيراد أخبار وأشعار طابعها المجون الصريح، الذي ينافي آداب عصرنا اليوم، وليس ضروريا إثباته في مطاوي الكتاب لما فيه من الفحش وهجرا لقول، ولا فائدة من إذاعته ونشره، فإن لكلّ مقام مقالا، ولكل أيام كلاما. وهو قليل جدا، على كلّ حال.
وقد انتهى الأماسي من تأليف كتابه هذا سنة 921 هـ، مؤرخا إياه بجملة «جاء بفضله» التي وردت في شعر له أثبته في آخر كتابه.
والذي يقرأ هذا الكتاب، أو يتصفّحه يعجب جدا بما بذله مؤلفه من جهد ووقت، وبهذا المخزون الأدبي والثقافي الذي يطل علينا كلما أنعمنا النظر فيه، وهذا ما يجعل الكتاب ذا قيمة كبيرة، وقد أصبح اليوم نادر الوجود لأن آخر طبعة له كانت سنة 1307 هـ أي مضى عليها أكثر من قرن. فقد طبع أربع مرات بمصر فيما سلف من السنين، وذلك في السنوات 1279 هـ و 1280 و 1292 و 1307 هـ» وهذا ما جعل الحاجة إلى نشره وطبعه ضرورية اليوم.
هذا، وقد اعتمدت في قراءة الكتاب وتصحيحه على طبعتين اثنتين «1» هما:
1-
طبعة بولاق بمصر سنة 1280 هـ وعدد صفحاتها 290 وحروفها متعبة للقارىء.
2-
طبعة المطبعة الميمنية بمصر في شعبان من سنة 1307 هـ وصفحاتها 256.
وقد قابلت بين هاتين الطبعتين، اللتين تتشابهان في المضمون والمحتوى، والفرق بينهما ضئيل جدا، وقمت بضبط الكتاب وتصحيحه وتقسيم نصوصه إلى
فقرات مناسبة ووضع علامات الترقيم في أماكنها الملائمة، وكل ذلك خلا منه الكتاب، كما قمت بما تقتضيه النصوص والأخبار والأشعار من شرح وتعليق ضرورين، لئلا يضخم حجم الكتاب على ما فيه، هو نفسه، من ضخامة أيضا.
وعسى أن يجد قارىء هذا الكتاب، في حلّته العصرية القشيبة، وفي موضوعاته الشائقة ما يجعله موقنا أنه من الكتب النفيسة النادرة.
والله الموفّق إلى سواء السبيل.
محمود فاخوري حلب في ا 5/1/2000 م الموافق 28 رمضان 1420 هـ