الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الرابعة والأربعون في السفر والغربة وما ناسب ذلك
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالدّلجة «1» فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار» . كعب بن مالك: قلّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا يوم الخميس. وفي الحديث: «نعوذ بالله من شرّ يوم الأحد، وإياكم والشخوص «2» في يوم الأحد فإنّ له حدّا كحدّ السيف» . قيل: من لزم القرار سيم الصّغار «3» . وقيل:
لقد هنت من طول المقام ومن يقم
…
طويلا يهن من بعد ما كان مكرما
وطول مقام الماء في مستقرّه
…
يغيّره لونا وريحا ومطعما
غيره:
بلاد الله واسعة الفضاء
…
ورزق الله في الدنيا فسيح
فقل للقاعدين على هوان
…
إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا
أبو الطيب:
هوّن عليك صروف الدهر والزمن
…
وعش حميدا بلا همّ ولا حزن
والعزّ في غربة خير لذي أدب
…
من المقام بدار الذلّ في الوطن
غيره:
كن للغريب إذا رأيت مساعدا
…
فعساك يوما أن تكون غريبا
غيره:
سافر تجد عوضا ممن تفارقه
…
وانصب فإنّ اكتساب المجد في النّصب
فالأسد لولا فراق الغاب ما افترست
…
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
بديع الزمان: الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه ظهر نتنه، والضعيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظلّه إذا انتهى محلّه.
عليّ رضي الله عنه: ست من المروءة: ثلاث في الحضر، وثلاث في السفر، فأمّا اللاتي في الحضر: فتلاوة كتاب الله تعالى، وعمارة مسجد الله، واتخاذ الإخوان في الله. وأمّا اللاتي في السفر: فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير معاصي الله تعالى. يقال: للمترافقين في السفر ثلاثة حقوق:
إن خاف على نفسه أو ماله صانه، وإن استعان في الأمور أعانه، وإن افتقر إلى زاد مانه «1» . وفي الحضر ثلاثة أخرى: مسامحته بصغائر ذنوبه، ومناصحته في ظاهر عيوبه، وتفخيمه في مشهده وغيوبه، فإن ترقّيا إلى المصادقة يجب عليه قبول الأعذار، والمكاشفة بالأسرار، والمعاونة بالبدن والمال على جلب المسارّ ودفع المضارّ، فإن حصّلا الأقوى وجب إباحة المال بلا استثمار، ومحو الذنوب بلا اعتذار، وحصول أنس لا يتخلّله نفار، وهذا مقام الخلّة. حكيم: السفر ميزان الأخلاق. قيل لرجل: السفر قطعة من العذاب، فقال: بل العذاب قطعة من السفر.
يقال: غمّ الدنيا أربعة: البنت وإن واحدة، والدّين وإن درهما، والغربة وإن يوما، والسؤال وإن حبّة. يقال: الغربة كربة والنّقلة مثلة. قيل:
كل العذاب قطعة من السفر
…
يا ربّ فارددني إلى روح الحضر
قيل لابن الأعرابيّ: لم سمّي السفر سفرا؟ فقال: لأنه يسفر عن أخلاق القوم، أي يكشف.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة. وقيل:
الواحد شيطان والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب. سافر أعرابيّ خليع فرجع خائبا فقال: ما ربحنا من سفرنا إلّا ما قصّرنا من صلاتنا. بعض العرب: الغبطة الكفاية مع لزوم الأوطان، والجلوس مع الإخوان، والذلّة التنقّل في البلدان.
والتنحّي عن الأوطان. قيل لأعرابيّ: ما السرور؟ قال: أوبة بغير خيبة، وألفة بغير غيبة. قيل: الغريب كالفرس الذي زايل أرضه «1» وفقد شربه، وهو ذاو «2» لا يسمن. عسرك في بلدك أعزّ من يسرك في غربتك. أعرابيّ: أردت السفر فقلت: إن سافرت في صفر أخاف أن تصفر يدي «3» وإن سافرت في محرّم أخشى أن أحرم، فأخّرته إلى ربيع، وسافرت فمرضت، وكان ظني أنه من ربيع الرياض، فصحّ أنه من ربيع الأمراض. قيل:
لقرب الدار في الإقتار خير
…
من العيش الموسّع في اغتراب
يقال: من سعادة جدّك وقوفك عند حدّك. عمر رضي الله عنه: لولا حبّ الوطن لخرب بلد السوء، فبحبّ الأوطان عمرت البلدان. قيل:
لا ينسينّ كريم أرض منشئه
…
وليس عندي من ينسى بإنسان
وقيل:
وكيف تنسين أرضا قد جررت بها
…
ذيل الصبا والعلا والعيشة الرغد
وقيل:
بلاد بها حلّ الشباب تميمتي
…
وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
يقال: ربّ غريب كالبدر الطالع، والكوكب اللامع، يهتدي بضيائهما السائر ويأنس برؤيتهما السامر. أراد أعرابيّ سفرا فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبّري
…
وذري الشهور فإنهنّ قصار
فأجابته:
واذكر صبابتنا إليك وشوقنا
…
وارحم بناتك إنهنّ صغار
الشافعيّ رضي الله عنه:
تغرّب عن الأوطان في طلب العلا
…
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرّج همّ واكتساب معيشة
…
وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذلّ ومحنة
…
وقطع فياف واحتمال شدائد
فموت الفتى خير له من قعوده
…
بدار هوان بين واش وحاسد
أسعد بن إسحاق:
تحوّلت عن تلك الديار وأهلها
…
وآثرت قول الشاعر المتمثّل:
إذا كنت في دار يهينك أهلها
…
ولم تك مسجونا بها فتحوّل
الزبيدي:
الفقر في أوطاننا غربة
…
والمال في الغربة أوطان
والأرض شيء كلها واحد
…
والناس إخوان وجيران
إبراهيم الصوليّ:
لا يمنعنّك خفض العيش في دعة
…
نزاع نفس إلى أهل وأوطان
تلقى بكل بلاد إن حللت
…
بها أهلا بأهل وجيرانا بجيران