الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروضة الثامنة عشرة في الجوابات المسكتة ورشقات اللسان
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يعدي شيء شيئا، فقال أعرابيّ: يا رسول الله إنّ النّقبة «1» تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة، فتجرب كلّها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما أجرب الأوّل؟» . لمّا توجّه عمر إلى الشام قال له رجل:
أتدع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أدع مسجد رسول الله لإصلاح أمّة رسول الله، ولقد هممت أن أضرب على رأسك بالدّرّة حتى لا تجعل الردّ على الأئمة عادة فتتخذها الأخلاف سنّة. عليّ رضي الله عنه قال له يهودي: ما دفنتم نبيّكم حتى اختلفتم. فقال: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيّكم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ
«2» .
خرج خادم من دار سليمان بن المنصور وبيده عود لجارية سليمان يريد إدخاله دار الرشيد، فمرّ على شيخ يلقط النّوى ويتقوّت بثمنه، فكسر العود، فتعلّق به الخادم. وبلغ الخبر الرشيد فأمر بقتله، فقال سليمان: ألا تسمع كلامه؟
فأحضر وفي يده كيس فيه نوى، فقال الرشيد: ما حملك على ما صنعت؟
فقال: رأيت منكرا فغيّرته، وأنت وآباؤك تقولون على المنابر: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
«3» الآية. فهابه الرشيد ولم يقدر على التكلم، فقام الشيخ وخرج،
فقال الرشيد للخادم: الحقه ببدرة، فلحقه فلم يقبل، وقال: قل له يردّها على من أخذ منه. ثمّ ولّى منشدا:
أرى الدنيا لمن هي في يديه
…
بلاء كلّما كثرت لديه
إذا استغنيت عن شيء فدعه
…
وخذ ما أنت محتاج إليه
رفع رجل رجلا إلى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وقال: إنّ هذا زعم أنه احتلم على أمّي فقال: أقمه في الشمس واضرب ظلّه. سئل عليّ رضي الله عنه عن مسافة ما بين الخافقين «1» فقال: مسيرة يوم للشمس. قيل لعليّ كرّم الله وجهه: ما بال خلافة عثمان مع خلافتك كانت متكدّرة، بخلاف خلافة الشيخين؟ فقال: كنت أنا وعثمان من أعوانهما، وأنت وأمثالك من أعواننا.
قال رجل لجعفر بن محمد رضي الله عنهما: ما الدليل على الله تعالى؟ ولا تذكر لي العالم والعرض والجوهر. فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال:
هل عصفت بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم. قال: فهل انقطع رجاؤك من المركب والملّاحين؟ قال: نعم. قال: هل تتبّعت نفسك أن ثمّة من ينجيك؟ قال: نعم. قال: فإن ذاك هو الله.
شهد أعرابيّ عند معاوية بشيء يكرهه، فقال معاوية: كذبت. فقال: والله الكاذب متزمّل في ثيابك. فتبسّم معاوية وقال: هذا جزاء من عجّل. قيل: قال معاوية لعقيل بن أبي طالب: إن فيكم شباقة «2» يا بني هاشم. قال: فينا في الرجال، وفيكم في النساء. قيل: إنّ معاوية قال لابن عباس: يا بني هاشم ما لكم تصابون في أبصاركم؟ قال: كما تصابون أنتم في بصائركم. مرّ نصر بن
سيّار بأبي الهند وكان شريفا وهو يميل سكرا فقال: أفسدت شرفك. فقال: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان. الأصمعيّ: اجتاز هارون بالبادية فإذا عجوز فسلّم عليها وقال: ممن أنت؟ فقالت: من طيّىء. فقال: ما منع طيّئا أن يكون فيهم مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع الخلفاء أن يكون فيهم مثلك.
فأعطاها مالا عظيما، فاستكثروه فقال: والله لو أعطيتها الخلافة ما أوفيتها.
سعي بالإمام الشافعيّ إلى الرشيد بأنه يرى إمامة آل أبي طالب ولا يرى إمامة آل عباس، فاستحضره فقال حين دخوله عليه: بلغني كذا وكذا، فقال: يا أمير المؤمنين والله لأن أكون مع قوم يظنون أني من أنفسهم أحبّ إليّ من أكون مع قوم يرون أنّي عبد لهم. فاستحسن كلامه. أبو العلاء المعرّي:
يد بخمس مئين عسجد وديت
…
ما بالها قطعت في ربع دينار؟ «1»
وأجيب عنه:
هناك مظلومة عزّت بقيمتها
…
وههنا ظلمت هانت على الباري «2»
وأجاب أيضا شمس الأئمة الكردري:
قل للمعرّي عار أيّما عار
…
جهل الفتى وهو عن ثوب التّقى عاري
لا تقدحنّ زناد الشعر من حكم
…
شعائر الشرع لم تقدح بأشعار
فقيمة اليد نصف الألف من ذهب
…
ولو تعدّت فلا تسوى بدينار
سفيان بن عيينة، بكى يوما، فقال له يحيى بن أكثم: ما يبكيك يا أبا
محمد؟ قال: بعد مجالستي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بليت بمصاحبتك. فقال له يحيى وكان حدّيثا «1» : فمصيبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالستك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من مصيبتك. فقال: يا غلام أظنّ السلطان سيحتاج إليك. قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يتفرقع. فقال: لا تخف إنما هو يسبّح، قال: أخاف أن تدركه رقّة فيسجد. في المثل: قال الجدار للوتد: لم تشقّني؟ قال الوتد: سل من يدقّني. قيل لعبادة: ما ورثت أختك من زوجها؟
قال: أربعة أشهر وعشرة أيام وأربع بنات.
مرض رجل وعنده امرأة مات عنها خمسة أزواج فقعدت عند رأسه تبكي وتقول: على من تتركني؟ فرفع رأسه وقال: على الزوج السابع الشقيّ. سأل رجل رجلا، فشتمه، فقال: تردّني وتشتمني؟ قال: كرهت أن أردّك غير مأجور. قيل لأبي الحارث: أيولد لابن ثمانين سنة ولد؟ قال: نعم، إذا كان له جار ابن عشرين سنة. بعضهم: رأيت رجلا معه ابنه لا يشبهه، فقلت: ابنك لا يشبهك، فقال: أو يترك جيراننا أن يشبهنا أولادنا. قالت عجوز لزوجها: أما تستحيي أن تزني ولك حلال طيّب؟ فقال: أما حلال فنعم وأما طيّب فلا. قيل لمزبد: هل في بيتك دقيق؟ قال: لا، ولا جليل. مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أوّلها:
لا تقل بشرى ولكن بشريان
…
غرّة الداعي ووجه المهرجان
فكره الحسن افتتاحه بلا، فقال أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من كلمة التوحيد وأوّلها «لا» . قيل لسقراط: إنّ الكلام الذي قلته لم يقبل. فقال: ليس يلزمني
أن يقبل، إنما يلزمني أن يكون صوابا. قال الإسكندر لابنه: يابن الحجّامة، فقال: أمّا هي فقد أحسنت التخيّر وأما أنت فلم تحسن. قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف «1» . قال له: يا بن النمّامة ما أعجلك بما عرّفتك به أمّك.
قال رجل لغلام: ليتك تحتي، فقال الغلام: مع ثلاثة. قال أعرابيّ لابنه: يابن الأمّة. فقال له: والله لهي أعذر منك حيث لم ترض إلّا حرّا.
غنّى إبراهيم للرشيد فقال: أحسنت أحسن الله إليك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّما يحسن الله إليّ بك. فأمر له بمائة ألف. لعب الرشيد مع أصحابه بالكرة والصّولجان فاقتسموا، فقال ليزيد بن مزيد: كن أنت من جانب عيسى بن جعفر، قال: لا. فغضب هارون، فصعق فقال: يا أمير المؤمنين إني حلفت أن أكون معك في الجدّ والهزل. فطاب قلبه وأمر له بعطاء. قال المتوكّل لأبي العيناء: إلى متى تمدح الناس وتذمّهم؟ فقال: ما أحسنوا وأساؤوا. نظر رئيس إلى أبي هفّان وهو يسارّ رجلا. قال: فيم تكذبان؟ قالا: في مدحك.
سأل المأمون أبا يونس فقيه مصر عن رجل اشترى شاة فضرطت فخرجت منها بعرة ففقأت عين رجل: على من الدّية؟ قال: على البائع، قال: لم؟ قال:
باع شاة في استها منجنيق ولم يبرأ من العهدة «2» . سمع مجنون رجلا يقول:
اللهمّ لا تأخذني على غفلة. قال: إذا لا يأخذك أبدا. قال المعتصم لفتح بن خاقان وهو صبيّ: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفصّ «3» (لفصّ في يده) ؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين اليد التي هو فيها أحسن منه.
جيء برجل تنبّأ إلى المعتصم، فقال: أشهد أنك رجل أحمق. قال: كذا
العادة، كلّ نبيّ من بني نوعه. تنبّأ رجل عند ملك، قال: ألك معجزة؟ قال:
ما تريد؟ قال: أريد أن تخرج الساعة بطّيخا من الأرض. قال: أمهلنا ثلاثة أيام. قال: أريد السّاعة. قال: إنّ الله تعالى مع كمال قدرته يخرجه في ثلاثة أشهر، أنت لا تمهلنا ثلاثة أيام؟ فضحك وأمر بتوبته وتشريفه «1» إذ علم أنه مزاح. ادّعى أسود في مصر النبوّة فأتى المأمون وقال: أنا موسى. قال: كان لموسى معجزة من اليد البيضاء وتقليب العصا. قال: أتى موسى بمعجزة لقول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى
«2» ولو قلت ذلك لأتيتك بمعجزة. جيء بامرأة تنبّأت إلى الواثق، قال: ما تقولين في محمد؟ قالت: نبيّ. قال الواثق: فهو قال:
«لا نبيّ بعدي» . قالت: ولم يقل لا نبيّة بعدي.
أتي برجل اتّهم بالزندقة إلى هارون فقال: أنت زنديق؟ قال: أنا أصلي وأصوم. قال: آمر الآن بأن يضربوك حتى تقرّ بالزندقة. قال: ابن عمّك كان يضرب الناس إلى أن يقرّوا بالإسلام وأنت تضرب لإقرار الكفر. فخجل وتركه.
كان لعمران بن حطّان زوجة جميلة، وكان هو قصيرا دميما. فقالت له ذات يوم: اعلم أني وإيّاك في الجنة. قال: كيف؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت وأنا بليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة. وجاء رجل إلى إياس بن معاوية وقال: لو أكلت التمر أتضربني؟ قال: لا. قال: لو أكلت الشّونيز «3» مع الخبز ما يلزم؟ قال: لا يلزم شيء. قال: لو شربت قدرا من الماء؟ قال: لا يمنع. قال: شراب التمر أخلاط منها فكيف يكون حراما؟ قال إياس: لو رميتك بالتراب أيوجع؟ قال: لا. قال: لو صبّ عليك قدر من
الماء أيتكسّر عضو منك؟ قال: لا. قال: لو فعلت «1» من الماء والتراب لبنا فجفّ في الشمس وضربت به رأسك كيف يكون؟ قال: ينكسر الرأس. قال:
ذاك مثل هذا.
اجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله في دار الرشيد، فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال. قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال:
قليله. قال: ما رأيت خيرا قطّ إلّا والازدياد منه خير إلّا خيرك هذا. اعترض رجل المأمون فقال: أنا رجل من العرب. فقال: ليس بعجيب. قال: أريد الحجّ. قال: الطريق أمامك. قال: ليس لي نفقة. قال: سقط عنك الفرض. قال: جئتك مستجديا لا مستفتيا. فضحك وبرّه. قال الخيّاط المتكلم: ما قطعني»
إلّا غلام قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: أنا أقف فيه. قال: ما تقول في ابنه يزيد؟ قلت: ألعنه. قال: فما تقول فيمن يحبّه؟
قلت: ألعنه. قال: أفترى معاوية كان لا يحبّ ابنه؟. دخلت أمّ أفعى العبدية على عائشة رضي الله عنها فقال: يا أمّ المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا؟ قالت: وجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الكبار عشرين ألفا؟ قالت: خذوا بيد عدوّة الله. سأل ملك شيعيّ مذكّرا «3» عن أفضل البشر بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: من بنته في بيته. أنشد ابن الفارض يوما في الخلوة بيت الحريريّ:
من ذا الذي ما ساء قط
…
ومن له الحسنى فقط؟
فسمع قائلا يقول ولم ير شخصه:
محمد الهادي الذي
…
عليه جبريل الأمين هبط
قال المتوكل يوما: أتعلمون ماله عتب الناس على عثمان؟ فقال بعض جلسائه: لم؟ قال: لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر على المنبر دون مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم بمرقاة «1» ، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر فقعد مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنكر المسلمون ذلك. فقال عبادة: يا أمير المؤمنين ما أحد أعظم منّة عليك ولا أسبغ معروفا من عثمان.
قال: كيف ويلك؟ قال: لأنه صعد ذروة المنبر ولولا ذلك لكان كلما قام خليفة نزل عن مقام من تقدّمه بمرقاة فكنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء «2» .
ولّى المنصور سليمان بن راميل الموصل وضمّ إليه ألفا من العجم وقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذلّ بهم الخلق. فعثوا في نواحي الموصل، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان. فأجاب سليمان: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا
«3» . فضحك المنصور وأمدّه بغيرهم. خالد بن ربيع:
رأيت في النخاسين «4» جارية مليحة، قلت: ما اسمك؟ قالت: جنّة.
قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ
«5» قالت: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
«6» . الأصمعيّ: رأيت
دكّانا فيه أنواع الطيور المشويّة، وأنواع الفواكه، وامرأة في غاية الجمال، فقلت: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [20] وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [21] وَحُورٌ عِينٌ [22] كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
«1» فقالت بالفور: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ
«2» .
الرشيد بات مع جارية قارئة وقال: اجعلي ظهرك إليّ. قالت: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
«3» قال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
«4» قالت:
وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها
«5» . طلب الرشيد الوقاع من جارية، قالت:
وَفارَ التَّنُّورُ
«6» كنّت عن الحيض. قال: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
«7» قالت: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
«8» . نزل مخنّث في ماء ليغتسل، فجاء قوم من آل أبي معيط يرمونه، فقال: لا ترموني فلست بنبيّ. قال المنصور لبعض أهل الشام: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون منذ وليناكم؟ فقال الشاميّ: إنّ الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون. فسكت. ولم يزل يطلب له العلل حتى قتله. أخّر يعقوب بن ليث «9» رجلا من أهل سجستان موسرا فأفقره، فدخل عليه بعد مدّة فقال له: كيف أنت الساعة؟ قال: كما كنت قديما. قال: وكيف كنت قديما؟ قال: كما أنا الساعة. فأطرق وأمر له بعشرة
آلاف. أبو العتاهية قرأ يوما قصيدة ومنها:
فاضرب بطرفك حيث ش
…
ئت فلن ترى «1» إلا بخيلا
فلامه جماعة وقالوا: أما تستحي؟ تجعل الجميع بخلاء. قال: هذا سهل كذّبوني بأحد. عليّ رضي الله عنه: نعم الناصر الجواب الحاضر. قيل:
بليت به فقيها ذا جدال
…
يكابر بالدليل وبالدّلال
سألت وصاله والوصل حلّ
…
فقال: نهى النبيّ عن الوصال
يقال: ربّ قول أشدّ من صول. صولة اللسان أنفذ من طعن السّنان.
جراحات السّنان لها التئام
…
ولا يلتام ما جرح اللسان
أبو بكر رضي الله عنه: لين الكلام، من أخلاق الكرام. المعرّي:
وقد تنطق الأشياء وهي صوامت
…
وما كلّ نطق المخبرين كلام «2»
وقيل:
لا تحسبنّ بشاشتي لك عن رضا
…
فوحقّ مجدك إنني أتملّق
ولئن نطقت بشكر جودك مفصحا
…
فلسان حالي بالشكاية أنطق
أوحد الزمان:
قالوا تركت الشعر قلت ضرورة
…
باب الدواعي والبواعث مغلق «3»
خلت الديار فلا كريم يرتجى
…
منه النّوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى
…
ويخان فيه مع الكساد ويسرق
سأل رجل الشعبيّ عن المسح على الّلحية فقال: خلّلها، قال: أتخوّف أن لا تبلّ، قال: فانقعها من أوّل الليل. روى الشعبيّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تسحّروا ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثم يضعها في فيه» فقال رجل: أيّ الأصابع؟ فتناول الشعبيّ إبهام رجله وقال: هذه. قال رجل لأبي يعقوب: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر للغسل إلى أين أتوجّه، إلى القبلة أو غيرها؟ قال: الأفضل أن يكون وجهك إلى ثيابك التي نزعتها. وسأله آخر: إذا شيّعنا جنازة فقدّامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ فقال: اجهد أن لا تكون عليها وامش حيث شئت.
خاصمت امرأة زوجها إلى الشعبيّ فبكت، فقال الشعبيّ: أظنّها مظلومة، فقال: إنّ إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم ظالمون. سئل الشعبيّ عن لحم الشيطان، قال: نحن نرضى منه بالكفاف، فقيل له: ما تقول في الذباب؟
قال: إن اشتهيته فكله. ادّعى رجل الفقه وبسط على بابه البواري «1» وقعد للفتوى، واحتفّ به الناس، فجاء رجل وقال: يا فقيه ما تقول فيمن أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم؟ فقال: يحتجم، فقال: قعدت فقيها أم طبيبا؟
فقال: لك طبيبا ولغيرك فقيها. سأل سقّاء من فقيه مسألة على باب السلطان فقال:
أهذا موضع مسألة؟ فقال السقّاء: أهذا موضع فقيه؟. بعض الأدباء: حضرت لتعليم المعتزّ وهو صبيّ فقلت: بأيّ شيء نبدأ اليوم؟ فقال: بالانصراف.
قال عبد الله بن حازم لقهرمانه: إلى أين تمضي يا هامان؟ قال أبني لك صرحا. فتعجب من جوابه لأنه أشار إلى أنه فرعون إن كان هو هامان. اعترض
رجل جارية رقّاصة فقال: هل في يدك صناعة؟ فقالت: لا، ولكن في رجلي. قال علويّ لأبي العيناء: أتبغضني وقد أمرت بالصلاة عليّ، تقول:
صلّى الله على محمد وآله، فقال: إني أقول الطّيبين الأخيار، فتخرج أنت. عاد شريح «1» زياد بن أبيه، فلمّا خرج قيل له: كيف تركته؟ فقال: تركته يأمر وينهى، خيّل أنه صحيح يقوم بإمارته آمرا وناهيا. وإنما أراد أنه مشف «2» يأمر بتنفيذ وصيّته وينهى عن النوح عليه.
رمى المتوكّل عصفورا فلم يصبه، فقال ابن حمدون: أحسنت. قال: كيف أحسنت؟ قال: إلى العصفور. قال الفرزدق: ما استقبلني أحد بمثل ما استقبلني به نبطيّ قال: أنت في الكنيف «3» من قدمك إلى أنفك. قلت: لم حاشيت العينين؟ قال: حتى ترى هوان نفسك، فبهتّ. قالت امرأة لزوجها: يا متعفّن الخصيتين. فقال: كيف لا، وهما سالكان درب فرجك منذ أربعين سنة؟. قال رجل لجرير: أنت تقذف المحصنات، فقال: إذن لا يصيب أمّك من ذلك شيء. قال عمرو بن عبيد للفرزدق: متى عهدك بالزنى. فقال: منذ ماتت عجوزك. يقال: بلطف الكلام، يخدع الكرام. كان يقال: أحضر الناس جوابا من لم يغضب. الأصمعيّ:
لم أر مثل الرفق في لينه
…
قد أخرج العذراء من خدرها
من يستعن بالرّفق في أمره
…
يستخرج الحيّة من جحرها
أبو الحسن التّنوخيّ:
الرفق يمن وخير القول أصدقه
…
وكثرة المزح مفتاح العداوات
والصدق برّ، وقول الزّور: صاحبه
…
يوم المعاد حريّ بالعقوبات
الأصمعيّ: من علامة الأحمق الإجابة قبل استقصاء الاستماع. أرسطو:
السرعة في الجواب توجب العثار. أعرابيّ في وصف متناظرين: أوّل مجلسهم انتطاح، وآخره اصطلاح. شقيق بن إبراهيم البلخيّ: قال لي إبراهيم بن أدهم:
أخبرني عما أنت عليه. فقلت: إذا رزقت أكلت وإذا منعت صبرت. فقال لي:
هكذا تعمل كلاب بلخ. فقلت له: كيف تعمل أنت؟ قال: إذا رزقت آثرت وإذا منعت شكرت. قيل: المبطل مخصوم وإن غلب، والمحقّ فالح وإن خصم. يقال: من أجاب السّفيه سفه، ومن سكت عن جوابه نبه. قيل: من غاظك بقبح الشّتم منه، فغظه بحسن الحلم عنه.
وجدت الرفق أبلغ في السموّ
…
ولم أر كالتواضع في العلوّ
ومن بسط اللسان على سفيه
…
كمن دفع السلاح إلى العدوّ
وقيل:
بالرفق تبلغ ما تهواه من أرب
…
وصاحب الخرق «1» محمول على خطر
قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. قيل لحكيم: مالك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال: لأعلم أنّي مسافر. قال الرشيد لبهلول: من أحبّ الناس إليك؟
فقال: من أشبع بطني، فقال: أنا أشبعه فهل تحبّني؟ قال: الحبّ بالنسيئة لا يكون. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.