الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «من زارني بعد موتي كمن زارني وأنا حيّ ومن زارني كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» .
وروى يحيى بن الحسن الحسيني وابن عساكر عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال:
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ومن لم يزرني فقد جافاني» .
وروى يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن رجل عن بكر بن عبد الله عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى المدينة زائرا إليّ وجبت له شفاعتي يوم القيامة»
رجاله لا بأس بهم وبكر بن عبد الله إن كان المدني فهو تابعي جليل فيكون الحديث مرسلا وإن كان هو بكير بن عبد الله بن الربيع الأنصاري فهو صحابي.
تنبيهات
الأول: ضعّف الحافظ يحيى بن علي القرشيّ كون الراوي عبد الله مكبّرا، وصوّب كونه مصغّرا وكذلك صوّبه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه كما في النسخة التي بخطّ الحافظ البرزالي.
قال ابن عديّ: عبد الله- أي مكبّرا- أصحّ.
قال السبكي: وفيه نظر والذي يترجّح عبيد الله أي مصغّرا لتضافر روايات عبيد بن محمّد كلّها وبعض روايات ابن سمرة ولما سيأتي في الحديث الثّالث من متابعة مسلمة الجهميّ لموسى بن هلال، ويحتمل أن موسى سمع من عبد الله وعبيد الله جميعا، وحدّث به عن هذا تارة وعن هذا أخرى، وممن رواه عن موسى عن عبد الله مكبّرا الفضل بن سهل، فإن صحّ أنه عنهما فلا منافاة على أن المكبر روى له مسلم مقرونا بغيره.
وقال أحمد: صالح، وقال أبو حاتم: رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه.
وقال يحيى بن معين: ليس به بأس يكتب حديثه.
وقال: إنّه في نافع: إنه صالح.
وقال ابن عديّ: لا بأس به، صدوق.
وقال ابن حبان: ما حاصله: أن الكلام فيه بكثرة غلطه لغلبة الصلاح عليه حتّى غلب عن ضبط الأخبار.
قال السبكي: وهذا الحديث ليس في مظنة الالتباس عليه لا سندا ولا متنا، لأنّه في نافع كما هو خصيص به ومتنه في غاية القصر والوضوح فاحتمال خطئه فيه بعيد، والرواة إلى موسى ثقات لا ريبة فيهم.
قال ابن عديّ أرجو أنه لا بأس به، وقد روى عنه ستّة منهم الإمام أحمد ومحمد بن جابر المحاربيّ روى عنه شعبة ولم يكن يروي إلا عن ثقة عنده، فلم يبق من الإسناد من ينظر فيه إلا الرّجل المبهم.
قال السّبكي: والأمر فيه قريب لا سيّما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين وأما قول البيهقي: هذا إسناد مجهول، فإن كان سببه جهالة الرّجل الذي من آل عمر فصحيح، وقد بيّنا قرب الأمر فيه، وإن كان سببه عدم علمه لحال سوار بن ميمون، فقد ذكرنا رواية شعبة عنه، وهي كافية فلا يضرّه قول أبي حاتم الرازي أنه مجهول الحال، وقول العقيلي: لا يتابع عليه، وقول البيهقي: سواء قال عبيد الله أم عبد الله فهو منكر عن نافع عن ابن عمر لم يأت به غيره، فهذا وما في معناه يدلّك على أنه لا علّة لهذا الحديث عندهم إلا تفرّد موسى به وأنهم لم يحتملوه له لخفاء حاله وإلّا فكم من ثقة يتفرد بأشياء ويقبل منه، وأما بعد قول ابن عدي في موسى ما قال، ووجود متابع فإنه يتعين قبوله وعدم رده، ولذلك ذكره الحافظ عبد الحقّ في الأحكام [الصّغرى، والوسطى][ (1) ] وسكت عنه مع قوله في الصّغرى إنه تغيّرها صحيحة الإسناد معروفة عند النقاد قد نقلها الأنبات وتداولها الثقات.
وقال في الوسطى: وهي المشهورة اليوم بالكبرى: إن سكوته عن الحديث دليل على صحته فيما نعلم انتهى.
وسبقه ابن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث، كما سنذكره وهو متضمن لمعنى هذا الحديث وأقلّ درجات الحديث الحسن أن نوزع في صحّته لما سيأتي من شواهده.
هذا وتظافر الأحاديث يزيدها قوّة حتّى إنّ الحسن قد يرتقي بذلك إلى درجة الحديث الصحيح.
ومعنى قوله: «وجبت» أنها ثابتة لا بدّ منها بالوعد الصّادق.
وقوله له إما أن يكون المراد له بخصوصه فيخص الزائر بشفاعة لا تحصل لغيره، وإما أن يراد أنه تفرد بشفاعة لا تحصل لغيره، والإفراد للتشريف والتقوية بسبب الزيارة.
وإما أن يراد به بركة الزيارة والشفاعة، فهو يبشر بموته مسلما فيجري على عمومه، ولا يضمر فيه شرط الوفاة على الإسلام بخلافه على الأولين.
وقوله: «شفاعتي» في هذه الإضافة تشريف، فإن الملائكة والنبيين والمؤمنين يشفعون والزائر له نسبة خاصّة منه فيشفع فيه هو بنفسه.
[ (1) ] في ب الأولى والصغرى.
والشّفاعة تعظم بعظم الشافع.
وعن ابن عمر أيضا أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: «من زار قبري حلّت له شفاعتي» رواه البزار بسند ضعيف
قال السّبكيّ: وهذا الحديث هو الأول بعينه إلا أنّ في الأولى «وجبت» وفي هذا «حلّت» .
وعن ابن عمر أيضاً قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «من جاءني زائرا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة» . رواه الطبراني في «الأوسط» والدّارقطنيّ في أماليه وصحّحه وأبو بكر بن المقري في «معجمه» من رواية مسلمة بن سالم الجهنيّ قال:
حدّثني عبيد الله بن العمري مصغرا عن نافع به وفي معجم ابن المقري عن نافع وسالم، فقد تابع مسلمة الجهني موسى بن هلال في شيخه عبيد الله العمري والطبراني كلها في روايته متّفقة على عبيد الله المصغر الثقة إلا أن مسلم بن حاتم الأنصاري رواه عن مسلمة مكبّرا، وهذا طريق أورده الحافظ أبو علي بن السّكن في باب من زار قبر النبي- صلى الله عليه وسلم من كتابه المسمى ب «الصّحاح المأثور» عن النبي- صلى الله عليه وسلم
- ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث ممّا أجمع عليه في صحته فإما أن يكون ثبت عنده من غير طريق مسلمة، أو أنه ارتقى إلى ذلك بكثرة الطرق، وتبويبه دالّ على أنه فهم من الحديث الزيارة بعد الموت أو أن ما بعد الموت داخل في العموم وقال العلامة جمال الدين محمود بن جملة بعد هذا الحديث:
ويرتقي إلى درجة الحسن الذي يحتج به في الأحكام فكيف في باب الفضائل والقرب فما يعارضه شيء قال السبكي: وهو صحيح.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: طرق هذا الحديث كلّها ضعيفة، لكن صحّحه من حديث ابن عمر أبو علي بن السّكن في إيراده إيّاه في أثناء السّنن الصّحاح له وعبد الحق في سكوته عنه، والشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع طرقه.
الثاني: أورده البيهقي في باب زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم في قبره حديث أبي هريرة السابق في باب حياته في قبره، وصدّر به واعتمد جماعة من الأئمة في الزيارة على هذا الحديث.
قال السّبكي: وهو اعتماد صحيح لتضمّنه قرينة قبر النبي- صلى الله عليه وسلم ورده وهي مرتبة شريفة ومنقبة عظيمة ينبغي التعرّض لها والحرص عليها لينال بركة سلامه- صلى الله عليه وسلم
- لفظ الإمام أحمد «ما من أحد يسلّم عليّ في قبري»
فإن ثبت فهذا صريح في تخصيص هذه الفضيلة بالمسلّم عند القبر وإلا فالمسلّم عند القبر امتاز بالواجهة بالخطّاب ابتداء وجوابا ففيه فضيلة زائدة على الرّدّ على الغائب.