الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني:
ما يؤكل ويشرب، فإن كان حارّا أثّر في البدن حرارة وبالضد.
و
الثالث:
الحركة والسّكون البدنيان، فالحركة تؤثّر في البدن تسخينا، والسّكون بالضد.
والرابع:
الحركة والسّكون النّفسانيّان، كما في القبض والفرح والهمّ والغمّ والخجل، فإنّ هذه الأحوال تحصل بحركة الرّوح، إمّا إلى داخل البدن، وإمّا إلى خارجه.
والخامس:
النّوم واليقظة، فالنّوم يغوّر الروح إلى داخل البدن، فيبرد الظّاهر ولذلك يحتاج النائم إلى الدّثار، واليقظة بالضّدّ.
والسّادس:
الاستفراغ والاحتباس.
فالمعتدل منهما نافع حافظ للصّحّة ولعق الإناء يعيق على الهضم ويفتّق المعدة.
الثالث:
في كيفيّة تولّد الأخلاط فالغذاء إذا ورد على المعدة استحال فيها إلى جوهر شبيه بماء الكشك الثّخين، ويسمى كيلوجا وينجذب الصافي منه إلى الكبد، فينطبخ فيه، ويحصل منه شيء كالرّغوة، وشيء كالرّسوب، وقد يكون معهما شيء محترق، إن أفرط الطّبخ، وشيء فجّ إن قصّر الطّبخ، فالرّغوة هي الصّفراء الطبيعية والرسوب السّوداء الطبيعية، والمحترق صفراء غير طبيعية، وكثيفة سوداء غير طبيعيّة.
والفجّ هو: البلغم، والمتصفي من هذه الجملة نضجا هو الدّم، فإذا انفصل هذا الدّم عن الكبد تصفى أيضا عن ما فيه فضلته فينجذب إلى عرق نازل إلى الكليتين، ومعها جزء من الدّم بقدر غذاء الكليتين، فتغذوهما ويندفع بقيتها إلى المثانة والإحليل، وأمّا الدّم الحسن القوام فيندفع إلى العرق الأعظم الطّالع من حدبة الكبد، فيسلك في الأوردة المتشعبة منه ثم في جداول الأوردة ثم في سواقي الجداول ثم في رواضع السواقي ثم في العروق الليفية الشعرية ثم يرشح فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم.
والغذاء جسم من شأنه أن يصير جزءا من بدن الإنسان.
روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «ما نبت من سحت فالنّار أولى به» .
والأعضاء: أجسام تتولّد من أوّل مزاج الأخلاط كما أن الأخلاط أجسام متوكّدة من أوّل مزاج الأركان والأعضاء مفردة: كاللّحم والعظم والعصب. ومركّبة: كالوجه واليدين.
وأوّل الأعضاء المتشابهة الأجزاء: العظم، وقد خلق صلبا، لأنّه أساس البدن، ودعامة الحركة، ثم الغضروف وهو أصلب من سائر الأعضاء، ومنفعته: أن يحسن اتصال العظام
بالأعضاء اللينة، ثم الأعصاب وهي أجزاء دماغية المنبت، أو نخاعيّة في الهواء والمنبت بيض لدنه ليّنة في الانعطاف، صلبة من الانفصال، خلقت ليتمّ بها للأعضاء الإحساس والحركة، ثم الأوتار وهي أجسام نبتت من أطراف العضل شبيهة بالعصب، ثم الرّباطات وهي أجسام شبيهة بالعصب، ثم الشّريانات وهي أجسام نابتة في القلب، ممتدّة مجوّفة طولا، عصبانية رباطيّة الجوهر، ثم الأوردة وهي شبيهة بالشّريانات، لكنّها نابتة من الكبد، ثم الأغشية وهي أجسام منتسجة من ليف عصباني غير محسوس، ثم اللّحم وهو حشو جلل، وعليه وضع هذه الأعضاء في البدن وقوتها، ثم من الأعضاء ما هو قريب المزاج من الدّم فلا يحتاج الدم في تغذيته إلى أن ينصرف في استحالات كثيرة، ومنها ما هو بعيد المزاج عنه، فيحتاج الدّم في أن يستحيل إليه إلى أن يستحيل أوّلا استحالات متدرجة إلى مشاكلة جوهره كالعظم.
وقال- عليه الصلاة والسلام: «إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ينفخ فيه الرّوح.
قال في المنهج السّويّ: واتّفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
وروي فيه عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنهما-: «أن خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن قرار ماء الرّجل وماء المرأة؟ وعن ما للرّجل من الولد وما للمرأة؟ وعن موضع النّفس من الجسد؟ وعن شراب المولود في بطن أمه؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «أما ما للرجل من الولد وما للمرأة، فإنّ للرّجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللّحم والدّم والشّعر، وأما قرار ماء الرّجل فإنّه يخرج ماؤه من الإحليل، وهو عرق يجري [من ظهره حتّى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإنّ ماءها في الثّرائبيّة يتغلغل لا يزال يدنو حتّى تذوق عسيلتها، وأمّا موضع النّفس ففي القلب، والقلب معلّق بالنّياط والنّياط تسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العرق، وأمّا شراب المولود في بطن أمه، فإنّه يكون نطفة أربعين ليلة ثم علقة أربعين ليلة ومشيجا أربعين ليلة ونجيشا أربعين ليلة ثم مضغة أربعين ليلة ثم العظم حبيكا أربعين ليلة ثم جنينا، فعند ذلك يستهل وينفخ فيه الرّوح وتجلب عليه عروق الرّحم] .
قال الخطّابيّ: اعلم أن الطب على نوعين: الطب القياسي: وهو طبّ يونان الذي يستعمل في أكثر البلاد.
وطبّ العرب والهند: وهو طبّ التّجارب، وأكثر ما وصفه النبي- صلى الله عليه وسلم إنما هو على مذهب العرب، إلا ما خص به من العلم النّبويّ من طريق الوحي، فإن ذلك يخرق كلّ ما تدركه
الأطبّاء، وتعرفه الحكماء، وكلّ ما فعله أو قاله في أعلى درجات الصّواب، عصمه الله أن يقول إلا صدقا حقّا.
وقال ابن القيم في الهدي: كان علاجه- صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطّبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهيّة.
والثالث: بالمركب من الأمرين، ثم قال: كان من هديه- صلى الله عليه وسلم فعل التّداوي في نفسه، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، ولكن لم يكن من هديه- صلى الله عليه وسلم ولا هدي أصحابه- رضي الله تعالى عنهم- فعل هذه الأدوية المركّبة، التي تسمّى أقرباذين، بل كان غالب أدويتهم بالمفردات، وربّما أضافوا إلى المفرد ما يعاونه أو يكسر سورته، وهذا غالب طبّ الأمم على اختلاف أجناسها من العرب والتّرك وأهل البوادي قاطبة، وإنما عنى بالمركّبات الرّوم واليونان، وقد اتّفق الأطبّاء على أنّه متى أمكن التّداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدّواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركّب.
قالوا: وكلّ داء قدر على دفعه بالأغذية والحمية، لم يحاول دفعه بالأدوية.
قالوا: ولا ينبغي للطّبيب أن يولع بسقي الأدوية، فإنّ الدّواء إذا لم يجد في البدن داء حلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه، فزادت كميّته عليه، أو كيفيّته، تشبث بالصّحّة، وعبث بها، وأرباب التّجارب من الأطبّاء طبّهم بالمفردات غالبا، وهم أحد فرق الطّبّ الثلاث، والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية، فالقوم الذين غالب أغذيتهم المفردات، أمراضهم قليلة جدّا، وطبّهم بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركّبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة، وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض أهل البوادي والصّحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة، فهذا برهان بحسب الصّناعة الطّبّيّة.
ونحن نقول: إن ها هنا أمرا آخر، نسبة طب الأطبّاء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبّهم، وقد اعترف به حذّاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطّبّ إما قياس، وإما تجربة، وإما إلهامات ومنامات وحدس صائب، وإما مأخوذ من الحيوانات، كما نشاهد السّنانير إذا أكلت ذوات السّموم تعمد إلى السّراج فتلغ من الزّيت تتداوى به، وكما رؤيت الحيّات إذا خرجت من بطون الأرض وقد غشيت أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج، فتمرّ عيونها عليها، وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضرّه فنسبة ما عند الأطبّاء من الطّب إلى هذا الوحي كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم-