الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى الدارقطنيّ والشافعيّ عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا تغتسلوا بالماء المشمس، فإنه يورث البرص» ورواه الدارقطني من حديث عامر عن النبي- صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف.
وروى العقيلي نحوه عن أنس وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: إذا وقع الذّباب في إناء أحدكم فليغمسه كلّه ثم ليطرحه فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء» .
وعن أبي داود- رضي الله تعالى عنه- فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كلّه وفي البخاري: «فإنه يقدم السّمّ ويؤخّر الشّفاء» .
وفي مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «غطّوا الإناء وأوكئوا السّقاء فإنّ في السّنة ليلة فيها وباء لا يمرّ بإناء ليس عليه غطاء ولا سقاء ليس عليه وكاء إلا ينزل فيه من ذلك الوباء»
قيل: وذلك في آخر شهور السّنة الرّوميّة.
وروى أبو نعيم في الطب عن قتادة بن النعمان- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحبّ عبدا حماه الدّنيا كما يظلّ أحدكم يحمي سقيمه الماء»
[ (1) ] .
وفيه عن محمود بن لبيد مثله وفيه قال: «إن الله تعالى يحمي المؤمن نظرا له وشفقة عليه كما يحمي المريض أهله الطّعام» .
تنبيهات
الأول: الحمية قسمان: حمية عما يجلب المرض، وهي حمية الأصحّاء، وحمية عما يزيده وهي حمية المرض، فإذا حمي وقف مرضه عن التزايد وأخذت القوى في دفعه وأمثلتها قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى إلى قوله فَتَيَمَّمُوا [النساء 43] فحمي المريض من استعمال الماء.
قال بعض فضلاء الأطباء: رأس الطب الحمية، وأنفع ما يكون الحمية للناقة من المرض لأن التخليط يوجب الانتكاس، والانتكاس أصعب من ابتداء المرض والفاكهة تضر بالناقة من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها لعدم القوة.
الثاني: إنما منع رسول الله- صلى الله عليه وسلم عليا- رضي الله تعالى عنه- من الفاكهة لأنها نوع ثقيل على المعدة، ولم يمنعه من السّلق والشعير، لأنه من أنفع الأغذية للناقة، ففي ماء الشعير
[ (1) ] ذكره ابن حجر في المطالب العالية (3265) .
التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة، فالحمية من أكبر الأدوية مثل الدّوالي يمنع زائده وانتشاره.
الثالث: وقال ابن القيم: ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقة والصحيح إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضرّه تناوله، بل ربما انتفع به، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى من ضرره، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة، وتدفعه من الدّاء، ولهذا أقرّ النبي- صلى الله عليه وسلم صهيبا، وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة، وعلم أنها لا تضرّه فإنّ المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق وكان فيه ما كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه وإن كان نافعا في نفسه فإن صدقت شهوته ومحبة الطبيعة له تدفع ضرره وكذلك العكس.
الرابع: لم يكره مالك الماء المشمس مطلقا وصححه النووي في الروضة، وحكاه الروياني في البحر عن النص، ومذهب الشافعي كراهة استعماله في البلاد والأوقات الحارة، وفي الأواني المنطبعة على الأصح، دون الحجر والخشب ونحوهما، واستثنى النقدان لصفائهما، ولا يكره في الأحياض والبرك قطعا، والكراهة مخصوصة بالثوب لا البدن، ولوقت حرارته، لو برد فلا كراهة على ما صححه في الروضة، وصحح في الشرح بقاءها، وخصّه صاحب التهذيب بالإناء المنسد الرأس لحبس الحرارة به، وفي شرح المهذب: الكراهة شرعية يثاب تاركها، وفي شرح التنبيه: إذا اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية، وهي للتنزيه، فلا تمنع صحة الطهارة، وقال الطبري: إن خاف الأذى جزم، وقال ابن عبد السلام: لو لم يجد غيره وجب استعماله.
الخامس: قوله «كلّه» رفع توهم المجاز في البعض، ولم يعين في شيء من الروايات الجناح الذي فيه الشّفاء، لكن ذكر بعض العلماء إنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر فعلم أن الشفاء في الأيمن.
السادس: روى أبو يعلى عن ابن عمر مرفوعا «الذّباب غالب عمره أربعون ليلة، والذباب كلّه في النار إلا النّحل» وسنده لا بأس به، قال الجاحظ: كونه في النار ليس تعذيبا له، بل ليعذب به أهل النار، [قال أفلاطون: الذباب أحرص الأشياء، حتى أنه يلقي نفسه في كل شيء، ولو كان فيه هلاكه] . ويتولد من العفونة [ولا جفن للذبابة لصغر حدقتها، والجفن يصقل الحدقة، فالذبابة تصقل بيديها فلا تزال تمسح عينيها] ومن عجيب أمره أن رجيعه يقع على الثّوب الأسود أبيض وبالعكس، وأكثر ما يظهر في أماكن العفونة، ومبدأ خلقه منها، ثم من
التوالد وهو أكثر الطير سفادا [وربما بقي عامة اليوم على الأنثى][ (1) ] ويحكى أن بعض الخلفاء سأل الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- لأي علة خلق الذّباب؟ فقال: لمذلّة الملوك، وكانت ألحّت عليه ذبابة قال الشافعي- رحمه الله تعالى-: سألني ولم يكن عندي جواب فاستنبطت ذلك من الهيئة الحاصلة.
[ (1) ] سقط في أ.