الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن أن يناقش: بأن البيان قد حصل بما أوردناه من أدلة، وهي كافية في إثبات مثل هذا.
الترجيح:
ولعل الراجح هو القول الأول لقوة أدلته، ومنها حديث عمرو، وتأييده بما صح عن عمر، وما نقل عن الجمع من فقهاء الصحابة.
ثانيًا: السجود في (ص):
وقد اختلف أهل العلم في السجود فيها على قولين:
القول الأول: أنها ليست من سجدات التلاوة، وإنما هي سجدة شكر:
ذهب إليه الشافعية في الصحيح من المذهب (1)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (2)، وهو قول علقمة (3).
الأدلة:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن (4)، الناس للسجود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم قد تشزنتم للسجود. فنزل فسجد وسجدوا» (5).
(1) المهذب (2/ 92) المجموع (4/ 60) الحاوي (2/ 202) روضة الطالبين (1/ 318).
(2)
المغني (2/ 355) الإنصاف (2/ 196) الفروع (1/ 503) المبدع (2/ 30) المستوعب (2/ 257).
(3)
المغني (2/ 355).
(4)
تشزن الناس: استوفزوا، وتأهبوا وتهيؤوا النهاية (2/ 471).
(5)
أخرجه أبو داود، في الصلاة، باب السجود (2/ 59)(1410) والبيهقي في الصلاة، باب سجدة (2/ 318) وقال: حسن الإسناد صحيح، والحاكم في المستدرك (1/ 284) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال النووي في المجموع (4/ 518) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.
وقال في الخلاصة: سنده صحيح على شرط البخاري، انظر: نصب الراية (1/ 181).
ووجه الدلالة: أنه صرح بأنها ليست موضع لسجود التلاوة، وإنما هي توبة نبي، وعلل للسجود بأنهم استعدوا له، فلم يكن ليصرفهم.
ونوقش: بأن سجوده في الجمعة الأولى، وتركه الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة.
وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة تلاوة، بل كان يريد التأخير وهو لا يجب على الفور، على أنه سجدها أيضًا وأسجد الناس معه لما تشزنوا (1).
2 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا» (2).
ونوقش: بأن هذا حجة لنا؛ لأنا نقول: سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى، وحسن مآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله:{أَنَابَ} بل عقيب قوله: {مَآبٍ} وهذه نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة؛ لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة (3).
وقال البابرتي: وهذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة، إذ ما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى الشكر (4).
3 -
ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(ص) ليست من عزائم
(1) البناية (2/ 714) العناية (2/ 12).
(2)
أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح، باب سجود القرآن السجود في (ص)(2/ 159)(957).
قال الحافظ في الدراية (1/ 211) ورواه الدارقطني من طريق أخرى في كتاب الصلاة باب سجود القرآن (1/ 407) وقد صححه ابن السكن، كما في التلخيص (2/ 9).
(3)
البناية (2/ 714) العناية (2/ 12) فتح القدير (2/ 12) بدائع الصنائع (1/ 193).
(4)
العناية (2/ 12).
السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها (1).
وهو مناقش: بأن الحجة فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله لا فيما رآه هو.
القول الثاني: أنها من مواضع السجود:
ذهب إليه الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية في مقابل الأصح (4)، وأحمد في رواية عنه (5)، وابن حزم (6)، وهو قول الحسن، وإسحاق، والثوري (7).
الأدلة:
1 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم قد تشزنتم للسجود فنزل فسجد، وسجدوا» (8).
والاستدلال به من وجهين:
الوجه الأول: أن سجوده في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة (9).
(1) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن، باب سجدة (ص)(2/ 32).
(2)
المبسوط (2/ 6) الهداية (1/ 78) تبيين الحقائق (1/ 205) فتح القدير (2/ 11) العناية (2/ 11).
(3)
المنتقى (1/ 352) المدونة (1/ 109) مواهب الجليل (2/ 61) الكافي (1/ 261).
(4)
روضة الطالبين (1/ 318) المجموع (4/ 61).
(5)
الفروع (1/ 503) الإنصاف (2/ 196) المبدع (2/ 30).
(6)
المحلى (5/ 156).
(7)
المغني (2/ 355).
(8)
سبق تخريجه.
(9)
المحلى (5/ 159) البناية (2/ 714) فتح القدير (2/ 12).
الوجه الثاني: أن سببها التلاوة فكان سجدة تلاوة (1).
2 -
حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص)(2).
ونوقش: بأن سجوده سجود شكر كما بينه حديث ابن عباس (3).
3 -
حديث ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا» (4).
ووجه الدلالة: ظاهر:
ونوقش: بأن هذا حجة لا؛ لأنا نقول: سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى، وحسن مآب (5).
4 -
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: رأيت رؤيا وأنا أكتب (ص) فلما بلغت "السجدة" رأيت الدواة والقلم، وكل شيء يحضرني انقلب ساجدًا، قال: فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجدها (6).
5 -
ما أخرجه البخاري عن مجاهد أنه سئل عن سجدة (ص) فقال: سألت ابن عباس، من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ {وَمِنْ
(1) البناية (2/ 714).
(2)
أخرجه الدارقطني في الصلاة، باب سجود القرآن (1/ 406) قال الحاف في الدراية: وإسناده ثقات (1/ 211) لكن قال الدارقطني في علله: تفرد به حفص، وخالفه إسماعيل بن حفص، وغيره، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم. سجد في:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وهو الصواب. انظر. نصب الراية (2/ 180).
(3)
المغني (2/ 355).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
البناية (2/ 714).
(6)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 78، 84).
قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (2/ 284) وأخرجه البيهقي وفيه: فأخبره فأمر بالسجود فيها، والحاكم في المستدرك (2/ 432) وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط مسلم.
ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90].
فكان داود ممن أُمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها رسول الله (1).
6 -
روي عن عمر وعثمان؛ أنهما كانا يسجدان فيها (2).
7 -
أن النظر يدل عليه، وذلك أن موضع السجود من الآية، موضع خبر، لا أمر، فالنظر فيه أن يرد حكمه إلى أشكاله من الأخبار، فيكون فيه سجدة كما يكون فيها (3).
الترجيح:
والذي يظهر لي رجحانه؛ هو القول: بأنها من مواضع السجود لقوة أدلته؛ ومنها حديث أبي سعيد الصحيح وقوله: «فلم يزل يسجدها» ولسلامة أدلته مما أورد عليها من مناقشة.
فائدة الخلاف:
وتظهر فائدة الخلاف في مسألتين:
المسألة الأولى: إذا قرأها في الصلاة فسجد فما حكم صلاته عند القائلين بأنها ليست من مواضع السجود:
اختلفوا في ذلك على قولين:
(1) الصحيح كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة (ص)(6/ 31).
(2)
الأثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، باب من قال: في (ص) سجدة وسجد فيها (2/ 9).
أما أثر عثمان: فأخرجه عبد الرزاق في فضائل القرآن. باب كم في القرآن من سجدة (3/ 336) وابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، باب من قال: في "ص" سجدة وسجد (2/ 9) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 319) وعبد الله بن الإمام أحمد في مسنده (1/ 53) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 285) رجاله رجال الصحيح. اهـ.
(3)
شرح معاني الآثار (1/ 361).
القول الأول: أنها تبطل صلاته:
ذهب إليه الشافعية في أصح الوجهين (1)، والمالكية (2)، والحنابلة في الأصح (3).
احتج الشافعية والحنابلة: بأنها سجدة شكر فبطلت بها الصلاة كالسجود عند تجدد نعمة (4).
واحتج المالكية: بأنه يزيد في صلاته فعلاً مثله يبطل الصلاة (5).
القول الثاني: أنها لا تبطل:
ذهب إليه الشافعية في مقابل الأصح، وحكاه ابن قدامة احتمالاً في مذهب الحنابلة (6).
قالوا: لأنها تتعلق بالتلاوة، فهي كسائر سجدات التلاوة (7).
المسألة الثانية: لو سجد إمامه في "ص" لكونه يعتقدها فهل يتابعه المأموم إذا لم يعتقد مشروعية السجود؟
لهم في هذه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يتابعه:
ذهب إليه الشافعية في الأصح، بل إن شاء نوى مفارقته؛ لأنه معذور، وإن شاء ينتظره قائمًا، كما لو قام إلى خامسة لا يتابعه، بل إن شاء فارقه، وإن شاء انتظره، فإن انتظره لم يسجد للسهو؛ لأن المأموم لا سجود عليه.
(1) المهذب (2/ 93).
(2)
مواهب الجليل (2/ 61) الشرح الصغير (1/ 570).
(3)
المغني (2/ 373) الإنصاف (2/ 196).
(4)
المهذب (2/ 93) المغني (2/ 373).
(5)
مواهب الجليل (2/ 61) وسجدة "ص" عند المالكية ليستت من عزائم السجود وليست بسجدة شكر.
(6)
المهذب (2/ 93) المغني (2/ 373).
(7)
المصادر السابقة.