الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السجدة، وهو على غير القبلة، وهو يمشي فيؤمئ برأسه ثم يسلم (1).
9 -
أن جنس العبادة لا يشترط له الطهارة، بل إنما تشترط للصلاة، فكذلك جنس السجود يشترط لبعضه، وهو السجود الذي لله كسجود الصلاة، بخلاف سجود التلاوة، وسجود الشكر، وسجود الآيات (2).
الترجيح:
والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أنه لا يعد صلاة، لقوة أدلته في مقابل ضعف ما أورده الجمهور، لقولهم من استدلال، فإذا لم يكن صلاة، لم يجب له وضوء لما ذكره أصحاب القول الثاني، ولأنه لا يرد بإيجابه لغير الصلاة قرآن ولا سنة، ولا إجماع ولا قياس صحيح (3).
المطلب الثاني: في حكم السجود في وقت النهي
اختلف القائلون بأن سجود التلاوة يعد صلاة في حكم الإتيان بالسجدة في وقت النهي على الأقوال التالية.
القول الأول: أنه يسجد في كل و قت:
ذهب إليه الشافعية (4)، وأحمد في رواية عنه (5)، وروي ذلك عن
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في الصلاة، باب الرجل يسجد السجدة، وهو على غير القبلة (2/ 15) قال الحافظ في الفتح: سنده حسن (2/ 554).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 116).
(3)
انظر: المحلى (1/ 105) حاشية ابن قاسم (2/ 233).
(4)
فتح العزيز مع المجموع (3/ 111) حاشية قليوبي (1/ 206) فتح الوهاب (1/ 32).
(5)
المغنى (2/ 364) الإنصاف (2/ 208) المبدع (2/ 39).
الحسن، والشعبي، وسالم، والقاسم، وعطاء، وعكرمة (1).
واستدلوا: بأنها صلاة ذات سبب وهو التلاوة (2)، وإذا كانت كذلك جازت في وقت النهي لجملة أدلة منها:
1 -
أن أحاديث الأمر بذوات الأسباب كقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (3)، عام محفوظ لا خصوص فيه، وأحاديث النهي ليس فيها حديث واحد عام، بل كلها مخصوصة، فوجب تقديم العام الذي لا خصوص فيه، فإنه حجة باتفاق السلف والجمهور القائلين بالعموم، بخلاف الثاني، وهو أقوى منه بلا ريب.
2 -
أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة تحية المسجد للداخل عند الخطبة هنا بلا خلاف عنه لثبوت النص به، والنهي عن الصلاة في هذا الوقت أشد بلا ريب، فإذا فعلت هناك فهنا أولى (4).
3 -
ومنها: أن حديث ابن عمر في الصحيحين لفظه: «لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها» (5) والتحري هو التعمد والقصد، وهذا إنما يكون في التطوع المطلق، فأما ما له سبب فلم يتحره، بل فعله لأجل السبب، والسبب ألجأه إليه، وهذا اللفظ المقيد يفسر سائر الألفاظ، ويبين أن النهي إنما كان عن التحري، ولو كان عن النوعين لم يكن للتخصيص فائدة، ولكان الحكم قد علق بلفظ عديم التأثير.
(1) المغني (2/ 364).
(2)
فتح العزيز (3/ 108) المغني (3/ 364) المبدع (2/ 39).
(3)
أخرجه البخاري في الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين (1/ 120) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين (1/ 495).
(4)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 210).
(5)
أخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (1/ 145) ومسلم في صلاة المسافرين باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 567).
4 -
ومنها: أنه قد ثبت جواز بعض ذوات الأسباب بعضها بالنص، كالركعة الثانية من الفجر، وكركعتي الطواف، وكالمعادة مع إمام الحي، وبعضها بالنص والإجماع، كالعصر عند الغروب، وكالجنازة بعد العصر، وإذا نظر في المقتضى للجواز لم توجد له علة صحيحة، إلا كونها ذات سبب، فيجب تعليق الحكم بذلك، وإلا فما الفرق بين المعادة وبين تحية المسجد، والأمر بهذا أصح، وكذلك الكسوف قد أمر بها في أحاديث كثيرة صحيحة.
5 -
أن النهي عن الصلاة فيها هو من باب الذرائع لئلا يتشبه بالمشركين، فيفضي إلى الشرك، وما كان منهيًا، عنه لسد الذريعة، لا لأنه مفسدة في نفسه؛ يشرع إذا كان فيه مصلحة راجحة، ولا تفوت المصلحة لغير مفسدة راجحة، والصلاة لله فيه ليس فيها مفسدة بل هي ذريعة إلى المفسدة، فإذا تعذرت المصلحة إلا بالذريعة شرعت واكتفي منها إذا لم يكن هناك مصلحة، وهو التطوع المطلق، فإنه ليس في المنع منه مفسدة، ولا تفويت مصلحة، لإمكان فعله في سائر الأوقات (1).
6 -
أن ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي: مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الوضوء، وكذلك صلاة الاستخارة؛ إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، ونحو قضاء السنن الرواتب كما قضي النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الظهر بعد العصر (2)، وكما أقر الرجل على قضاء
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 211).
(2)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر (1/ 571).
ركعتي الفجر بعد الفجر (1)، مع أنه يمكن تأخيرها، لكن تفوت مصلحة المبادرة إلى القضاء، فإن القضاء مأمور به على الفور، في الواجب واجب، وفي المستحب مستحب (2).
القول الثاني
أنها إن وجبت قبل وقت النهي منع من أدائها فيه، وإن وجبت في وقت النهي كره عند طلوع الشمس، و عند قيامها في الظهيرة، وعند غروبها، ويجوز بلا كراهة في الوقتين المتبقيين من أوقات النهي وهما من بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.
ذهب إليه الحنفية (3).
واحتجوا: للمنع فيما إذا وجبت قبل وقت النهي: بأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
أما الجواز مع الكراهة في الثلاثة الأول: فقالوا: لأنها وجبت بالتلاوة، وتكره، لأنها أديت ناقصة.
أما الجواز بلا كراهة في الوقتين المتبقيين: فقالوا: لأن النهي فيها لمعنى في غير الوقت، وهو كون الوقت كالمشغول بفرض الوقت حكمًا وهو أفضل من النفل فلا يظهر في حق فرض آخر مثله، فلا يظهر تأثيره
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب من فاتته ركعتا الفجر متى يقضيها (2/ 51) والترمذي في الصلاة، باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر حتى يصليهما (2/ 284) وابن ماجه في الصلاة، باب ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيها (1/ 365) وأحمد (5/ 447) والحاكم (1/ 275) من طرق مرسلاً، وموصولاً قال أحمد شاكر بعد بحث واستقصاء: ثم هذه الطرق كلها يؤيد بعضها بعضًا، ويكون بها الحديث صحيحًا لا شبهة صحته اهـ تحقيقه لسنن الترمذي (2/ 287).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 214، 125).
(3)
الهداية (1/ 40) البناية (1/ 846) فتح القدير (1/ 236) اللباب (1/ 89) مجمع الأنهر (1/ 74).
إلا في كراهة النافلة (1).
القول الثالث: أنه يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس:
ذهب إليه مالك في رواية ابن القاسم عنه، وهي المذهب عند أصحابه (2).
واحتجوا بما يلي:
1 -
لأنها صلاة اختلف في وجوبها، فجاز فعلها بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس كصلاة الجنازة (3).
2 -
ولأنها سنة مؤكدة ففارقت النوافل المحضة (4).
القول الرابع: أنه لا يسجد في أوقات النهي مطلقًا:
ذهب إليه مالك في رواية عنه (5)، وأحمد في الرواية الثانية عنه وهي المذهب (6).
وروي عن سعيد بن المسيب، وإسحاق، وأبي ثور (7).
1 -
لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» (8).
(1) اللباب (1/ 89) الهداية (10/ 40) البناية (1/ 486) فتح القدير والعناية (1/ 236).
(2)
المدونة (1/ 110) الفواكه الدواني (1/ 297) الشرح الصغير (1/ 571) المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 163).
(3)
المنتقى (1/ 352).
(4)
الفواكه الدواني (1/ 297).
(5)
الكافي (1/ 262) المنتقى (1/ 352) الموطأ (1/ 207) بداية المجتهد (1/ 163) المعونة (1/ 285) التفريع (1/ 270).
(6)
المغنى (2/ 363) الإنصاف (2/ 208) المبدع (2/ 39).
(7)
المغنى (2/ 363).
(8)
أخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (1/ 145) ومسلم في الصلاة، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 567).
2 -
ولحديث عقبة بن عامر قال ثلاث أوقات نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب (1).
قالوا: وسجود التلاوة نافلة فمنعت في هذه الأوقات كسائر النوافل (2).
3 -
ولما أخرجه أبو داود عن أبي تميمة الهجيمي؛ قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح، فأسجد فنهاني ابن عمر، فلم أنته، ثلاث مرات، ثم عاد فقال: إني صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس (3).
ونوقش الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأن في سنده أبا بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان بن أمية، ولا يحتج بحديثه (4).
الوجه الثاني: أنه على تقدير ثبوته مرفوعًا فيحمل على أن المختار تأخير السجدة حتى يذهب وقت الكراهة، وإن لم يثبت رفعه فكأنه قاسها على التطوع المطلق بالصلاة (5)، وهي هنا ذات سبب، وقد بينا فيما سبق ما يدل على جواز فعل ما له سبب في و قت النهي (6).
(1) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 568).
(2)
المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 163) المعونة (1/ 285) المغني (2/ 364، 533) المبدع (2/ 39).
(3)
أخرجه أبو داود في الصلاة، باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح (2/ 61) وسكت عنه والبيهقي (2/ 326).
(4)
معالم السنن للخطابي (2/ 120).
(5)
السنن الكبرى للبيهقي (2/ 120).
(6)
انظر (107، 108).