الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: في دخوله في مسمى الصلاة
اختلف أهل العلم في سجود التلاوة هل يعد صلاة فتشترط له شروط الصلاة من طهارة الحدث، والطهارة عن النجس في البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، أو لا؟ فلا تشترط له هذه الشروط ودونك أقوالهم:
القول الأول: أنه يعد صلاة:
ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم (1).
الأدلة:
1 -
أنه سجود لله تعالى يقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاة كسجود الصلاة (2).
ونوقش: بأن هذا غير مسلم إذ لا تحريم ولا تحليل له عندنا، فلا يصح القياس.
2 -
ولأنه بعض الصلاة فكان صلاة كسجدات الصلاة (3).
ونوقش: بأن هذا لا يصح لوجهين:
الوجه الأول: أنه لا يكون بعض الصلاة صلاة إلا إذا تمت كما
(1) انظر: فتح القدير (2/ 26) البناية (2/ 738) تبيين الحقائق (1/ 208) بداية المجتهد (1/ 163) القوانين الفقهية (62) المنتقى (1/ 352) الشرح الصغير (1/ 567) التفريع (1/ 270) المعونة (1/ 285) التلقين (1/ 125) المهذب (2/ 91) مغني المحتاج (1/ 217) الحاوي (2/ 201) المجموع (4/ 63) المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27) المستوعب (2/ 262) الإنصاف (2/ 193).
(2)
المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27).
(3)
بدائع الصنائع (1/ 186) رد المحتار (2/ 106).
أمر بها المصلي، ولو أن امرءًا كبر وقرأ، وركع ثم قطع عمدًا لما قال أحد: إنه صلى شيئًا.
الوجه الثاني: أن القيام بعض الصلاة، والتكبير بعض الصلاة، وقراءة أم الكتاب بعض الصلاة، والجلوس بعض الصلاة، والسلام بعض الصلاة فيلزمكم على هذا أن تقولوا: بأن هذه صلاة، ولا تقولون بذلك فبطل الاحتجاج (1).
قالوا: فإذا كان صلاة اشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، والسترة بدليل ما يلي.
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (2) فيدخل في عمومه سجود التلاوة (3).
2 -
وقياسًا على سائر الصلوات (4).
3 -
وقياسًا على سجدات الصلاة، والركوع (5).
4 -
وقياسًا على سجود السهو (6).
القول الثاني: أنه لا يعد صلاة، فلا تشترط له شروطها:
ذهب إليه ابن جرير (7)، وابن حزم (8)، وابن تيمية (9)، وحكاه ابن بطال عن كثير من السلف (10)، وهو قول الشعبي، وسعيد بن المسيب (11).
(1) المحلي (1/ 106).
(2)
أخرجه مسلم في الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة (1/ 204).
(3)
المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27).
(4)
المنتقى (1/ 352).
(5)
بدائع الصنائع (1/ 186) رد المحتار (2/ 106) المغني (2/ 358).
(6)
المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27).
(7)
حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 233).
(8)
المحلى (1/ 105)(5/ 165).
(9)
مجموع الفتاوى (23/ 165) وما بعدها.
(10)
حاشية ابن قاسم (2/ 233).
(11)
المغني (2/ 358) المحلى (5/ 165) فتح الباري (2/ 554).
الأدلة:
واحتجوا لما ذهبوا إليه من أنه لا يعد صلاة بما يلي:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (1).
ووجه الدلالة: نفيه صحة الصلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب، ومعلوم أن سجود التلاوة لا قراءة فيه، فدل على أنه ليس منها.
2 -
حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (2).
قال ابن تيمية: وهذا يتناول كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم: كالصلاة التي فيها ركوع وسجود، وهذه منتفية في سجود التلاوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم ذلك صلاة، ولا سن فيها سلامًا ولم يرو عنه ذلك بإسناد صحيح ولا ضعيف بل هو بدعة، ولا جعل لها تكبير افتتاح (3).
3 -
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» (4).
4 -
وحديثه الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الوتر ركعة من آخر الليل» (5).
(1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر و السفر، وما يجهر فيها وما يخافت (1/ 184) ومسلم في الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (1/ 195).
(2)
أخرجه أبو داود في الطهارة، باب فرض الوضوء، (1/ 16) والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور (1/ 5) وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب مفتاح الصلاة الطهور (1/ 101).
(3)
مجموع الفتاوى (23/ 170).
(4)
أخرجه أبو داود في الصلاة، باب صلاة ا لنهار (2/ 29) والبيهقي (2/ 487) والحديث سكت عنه أبو داود.
(5)
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل (1/ 518).
قال ابن حزم: فصح أن ما لم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدًا فليس صلاة، والسجود في قراءة القرآن ليس ركعة، ولا ركعتين فليس صلاة (1).
قالوا: فإذا لم يكن من الصلاة لم يشترط له ما يشترط للصلاة ومما يدل على ذلك ما يلي:
1 -
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد (2).
والشاهد منه: سجود جميع من معه من المسلمين والمشركين، غير ذلك الشيخ، والمشرك نجس ليس له وضوء (3).
2 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته (4).
والشاهد منه: سجودهم جميعًا حتى أن أحدهم لا يجد لجبهته موضعًا، وهذا ظاهر في عدم اشتراط الطهارة له إذ يبعد اتفاقهم على استحضارهم لها (5).
3 -
أن الله أخبر عن سجود السحرة لما آمنوا بموسى على وجه الرضا بذلك السجود، ولا ريب أنهم لم يكونوا متوضئين ولا يعرفون الوضوء، فعلم أن السجود المجرد لله مما يحبه الله ويرضاه، وإن لم يكن صاحبه متوضئًا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا سجود إيمان (6).
(1) المحلى (1/ 105).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 166) فح الباري (2/ 554).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 233).
(6)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 166).
4 -
أن الله أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الباب سجدًا، ويقولوا: حطة و معلوم أنه لم يأمرهم بوضوء، ولا كان الوضوء مشروعًا لهم، بل هو من خصائص أمة محمد.
5 -
أن الله أخبر عن الأنبياء بالسجود المجرد في مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58].
ولم يكونوا مأمورين بالوضوء، فإن الوضوء من خصائص أمة محمد (1).
6 -
أنه روي عن عثمان في الحائض تسمع السجدة: «تؤمئ برأسها» (2).
7 -
وعن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء (3).
ونوقش: بأنه روي عنه قوله: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر (4).
وأجيب: بأنه يحمل على الطهارة الكبرى، أو على الاستحباب جمعًا بين الروايتين (5).
8 -
ما رواه عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: كان يقرأ
(1) مجموع الفتاوى (23/ 166، 167).
(2)
ذكره صاحب المغني (2/ 358) ولم أجده.
(3)
أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء، (2/ 32) ووصله ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 14) وانظر: تغليق التعليق (2/ 408).
(4)
أخرجه البيهقي في الصلاة، باب لا يسجد إلا طاهر (2/ 425) وقد صححه الحافظ كما في الفتح (2/ 554).
(5)
تعليق التعليق (2/ 408) فتح الباري (2/ 554).