الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسامعين، فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون رؤوسهم قبله لهذا.
فإن فعلوا أجزأهم، لأنه ليس إمامهم في الحقيقة، يدل له أنه وإن تبين فساد سجدته بسبب، لم تفسد عليهم (1).
المطلب الثالث عشر: ترك السجود لخوف الرياء
إذا كان التالي يتلو الكتاب العزيز بين جماعة فمر بالسجدة، فهل يسجد، أو يدع السجود لئلا يتهم بالرياء.
سئل ابن تيمية عن مثل ذلك فأجاب بكلام، قال فيه: ومن كان له ورد مشروع، فإنه يأتي به حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس، إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص، ولهذا قال الفضيل ابن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك.
قال ابن تيمية: ومن نهى عن أمر مشروع، بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه.
أحدها: أن الأعمال المشروعة لا ينهي عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياء، فالمنافقون الذين قال الله فيهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] فهؤلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهار رياء،
(1) رد المحتار (2/ 107) المبسوط (2/ 5) كشاف القناع (1/ 446) الإنصاف (2/ 194).
كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء؛ ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس.
الثاني: لأن الإنكار إنما على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم» (1).
الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا، قالوا: هذا مراء، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرًا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم، وهذا من أعظم الفساد.
الرابع: أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حث على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز عن حملها، فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع، فقالوا: لقد كان الله غنيًا عن صاع فلان (2) فلمزوا هذا وهذا، فأنزل الله ذلك، وصار عبرة فيمن يلمز المطيعين لله ورسوله (3).
(1) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن (3/ 110)، ومسلم في الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/ 742).
(2)
أخرجه مسلم في الزكاة، باب الحمل أجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل (2/ 706).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 174، 175).