الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء عليه فإن اتباع المأموم لإمامه لازم في هذا الحالة، لما ذكره أصحاب هذا القول من الحديث، وصحة ما أوردوه من القياس، وكما لو كان في صلاة جهرية، والله أعلم.
المطلب الثاني: قيام الركوع مقام سجود التلاوة
اختلف أهل العلم في حكم الاجتزاء بركوع الصلاة عن سجود التلاوة على قولين:
القول الأول: أنه يقوم مقامه:
ذهب إليه الحنفية (1)، وأحمد في رواية عنه، اختاره بعض أصحابه (2).
واحتجوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى عن داود: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].
والدلالة فيه من وجهين:
الوجه الأول: أن المراد بالآية السجود، لأنه قال:{وَخَرَّ} ولا يقال للراكع: خر.
الوجه الثاني: لو سلم بأن داود ركع حقيقة، لم يكن فيه حجة؛ لأن داود إنما فعل ذلك توبة، لا لسجود التلاوة (3).
(1) المبسوط (2/ 8) فتح القدير (2/ 18) بدائع الصنائع (1/ 189).
(2)
الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 29) المستوعب (2/ 254).
(3)
المغني (2/ 369) المبدع (2/ 29).
الوجه الثاني: في الاستدلال.
أنه قد روي في تأويل الآية: أن معناه خر ساجدًا، فعبر بالركوع عن السجود، فجاز أن ينوب عنه إذ صار عبارة عنه (1).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأن الذي روي عنه عليه السلام السجود لا الركوع، لا أنه عبر عنه بالركوع (2).
الوجه الثاني: أنه لا يلزم في تعبيره عن السجود بالركوع أن ينوب عنه؛ إذ يحتاج إلى دليل.
2 -
ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان إذا تلا آية السجدة في الصلاة ركع (3).
3 -
ولأن المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع، كما يحصل بالسجود (4).
القول الثاني: أنه لا يقوم مقامه:
ذهب إليه المالكية (5)، والشافعية (6)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (7).
1 -
لأنه سجود مشروع، فلا يقوم مقامه الركوع كسجود الصلاة (8).
(1) أحكام القرآن للجصاص (3/ 380).
(2)
المغني (2/ 369).
(3)
ذكره السرخسي في المبسوط (2/ 8) ولم أجده.
(4)
المبسوط (2/ 8) فتح القدير (2/ 19) بدائع الصنائع (1/ 190).
(5)
المدونة (1/ 111) مواهب الجليل (2/ 60) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 312) شرح الخرشي (1/ 356).
(6)
المجموع (4/ 72).
(7)
المغني (2/ 369) الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 29) المستوعب (2/ 254).
(8)
المغني (2/ 369) المبدع (2/ 29).
2 -
ولأنه إن قصد به الركوع للصلاة فلم يسجدها وإن قصد به السجود فقد أحالها عن صفتها، وذلك غير جائز؛ لأنه تغيير للموضوع الشرعي (1).
3 -
ولأن الركوع ليس فيه من الخضوع ما في السجود (2).
4 -
ولأنه هو الذي استمر عمل النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده عليه (3).
الترجيح:
والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني؛ لقوة ما بني عليه من استدلال؛ ومنه أنه هو الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه مرة واحدة لا بحديث صحيح ولا ضعيف الاكتفاء بالركوع عن السجود.
المطلب الثالث: في تكرار (4) السجود لتكرار قراءة ما فيه سجدة
ذكرنا فيما سبق حكم قراءة الإمام لما فيه سجدة، وأتبعناه في حكم سجوده إذا قرأ السجدة، واختلافهم في ذلك بين قائل بالجواز، وقائل بالكراهة، ومن هو مفرق بين ذلك في السرية، والجهرية واتفاقهم على جواز ذلك للمنفرد دون كراهة.
والذي نريد بيانه هنا هو: حكم سجوده فيما لو كرر قراءة ما فيه سجدة في صلاة واحدة.
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 312).
(2)
حاشية الروض المربع لابن قاسم (1/ 239).
(3)
المصدر السابق.
(4)
نقصد بالتكرار إعادة تلاوة موضع السجدة، لا من جمع بين تلاوة آيات السجدة في صلاة واحدة فالظاهر اتفاق أهل العلم على السجود في كل موضع، لعدم الحرج، فإن آيات السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس.
انظر: البناية (2/ 731) حاشية الدسوقي (1/ 311).
فقد اختلف أهل العلم في ذلك على الأقوال التالية.
القول الأول: مشروعية السجود في كل مرة.
ذهب إليه المالكية (1)، والشافعية في الأصح (2)، والحنابلة في قول (3).
واحتجوا: بأن سببه تلاوة السجدة فتكرر بتجدد السبب (4).
القول الثاني: أنه يشرع إذا طال الفصل:
ذهب إليه الشافعية في وجه: قالوا: اكتفاء بالأولى مع قصر الفصل (5).
القول الثالث: أنه يشرع إذا كررها في ركعتين، أما إذا كان في واحدة فلا يعيدها:
ذهب إليه أبو يوسف ومحمد من الحنفية (6)، والشافعية في الوجه الثالث (7)، وبعض الحنابلة (8).
واحتجوا بما يلي:
1 -
لأن الركعتين كالمجلسين، وقد تجدد السبب بعد توفية
(1) كما هو الظاهر من إطلاقهم القول بالتكرار، باستثناء المعلم للمشقة.
انظر: الشرح الكبير (1/ 311) الشرح الصغير (1/ 573).
(2)
روضة الطالبين (1/ 310) مغني المحتاج (1/ 217).
(3)
الإنصاف (2/ 196) المستوعب (2/ 260) الروض المربع (2/ 235) كشاف القناع (1/ 449).
(4)
روضة الطالبين (1/ 310) مغني المحتاج (1/ 217) كشاف القناع (1/ 449) حاشية الروض المربع لابن قاسم (2/ 225).
(5)
روضة الطالبين (1/ 320) مغني المحتاج (1/ 217).
(6)
المبسوط (2/ 13) بدائع الصنائع (1/ 183).
(7)
روضة الطالبين (1/ 320) مغني المحتاج (1/ 217).
(8)
الإنصاف (2/ 196).
الحكم الأول (1).
2 -
ولأن للقراءة في كل ركعة حكمًا على حدة، حتى يسقط به فرض القراءة فكانت الإعادة في الركعتين نظير الإعادة في الصلاتين (2).
القول الرابع: أنه لا يشرع التكرار مطلقًا:
ذهب إليه أبو يوسف في قوله الأخير (3).
واحتج: بأن المكان مكان واحد، وحرمة الصلاة حرمة واحدة، والمتلو آية واحدة، فلا يجب (4)، إلا سجدة واحدة، كما لو أعادها في الركعة الأولى (5).
ونوقش: بأن المكان وإن اتحد حقيقة وحكمًا، لكن لا يمكن أن نجعل الثانية تكرارًا، لأن لكل ركعة قراءة مستحقة، فلو جعلت الثانية تكرارًا للأولى، والتحقت القراءة بالركعة الأولى لخلت الثانية عن القراءة ولفسدت؛ وحيث إنها لم تفسد دل على أنها لم تجعل مكررة، بخلاف ما إذا كرر التلاوة في ركعة واحدة؛ لأنه أمكن هناك جعل التلاوة المتكررة مستجدة المعنى (6).
الترجيح:
والذي يظهر لي رجحانه أنه يكفيه سجدة واحدة وذلك قياسًا، على ما لو كرر قراءة الموضع الواحد خارج الصلاة (7)، بل هو ههنا آكد للاتفاق على جواز التكرار خارج الصلاة دون كراهة، والاختلاف في كراهة قراءة السجدة، والسجود في صورة كثيرة في الصلاة (8).
(1) مغني المحتاج (1/ 217).
(2)
المبسوط (2/ 13).
(3)
المبسوط (2/ 13) بدائع الصنائع (1/ 183).
(4)
مذهب الحنفية وجوب سجود التلاوة.
(5)
المبسوط (2/ 13).
(6)
بدائع الصنائع (1/ 183).
(7)
انظر (117).
(8)
انظر: (81) وما بعدها.