الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرى نفسه بالذّم أولى لأنّها
…
على المجد لم تلعق من الصّبر والألا
يرى هنا من رؤية القلب أي لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم ويرى ذمه لنفسه أولى لأنها على المجد أي على تحصيل المجد وهو الشرف لم تلعق من الصبر والألا أي لم تتحمل المكاره وعبر عن تحمله ذلك بتناول ما هو مر المذاق كلعق الصبر وأكل الألا والصبر فيه ثلاث لغات وأصله بفتح الصاد وكسر الباء وجاز فيه إسكان الباء مع كسر الصاد وفتحها كما في كبد وكتف وهذه الرواية والآلاء بالمد وقصر للوزن وهو نبت يشبه الشيح رائحة وطعما.
وقد قيل كن كالكلب يقصيه أهله
…
وما يأتلي في نصحهم متبذّلا
أوصى بعض الحكماء رجلا فقال: انصح لله كنصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم وما يأتلي ما يقصر من قولهم ما يألو جهدا، والنصح ضد الغش والتبذل في الأمر الاسترسال فيه لا يرفع نفسه عن القيام بشيء منه جليله وحقيره وهو بالذال المعجمة وبالله التوفيق.
لعلّ إله العرش يا إخوتي بقي
…
جماعتنا كلّ المكاره هوّلا
ويجعلنا ممّن يكون كتابه
…
شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا
أي لعل الله يقينا إن قبلنا هذه الوصايا وعملنا بها جميع مكاره الدنيا والآخرة وأهوالها ويجعلنا ممن يفوز بشفاعة الكتاب العزيز أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة أكبه الله في النار على وجهه» ، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام:«عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» ، وفي الدعاء «ولا تجعل القرآن بنا ماحلا» ، يقال محل به إذا سعى به إلى سلطان أو نحوه وبلغ أفعاله القبيحة.
وبالله حولي واعتصامي وقوتي
…
وما لي إلّا ستره متجلّلا
حولي أي تحولي والاعتصام الامتناع والقوة القدرة، أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام:«لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة» ، وفسرها عليه الصلاة والسلام لابن مسعود:«لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» . قوله:
وما لي إلا ستره أي وما لي ما أعتمد عليه إلا ما جللني به من ستره في الدنيا وأنا أرجو مثل ذلك في الآخرة. وقوله: متجللا أي متغطيا به
فيا ربّ أنت الله حسبي وعدّتي
…
عليك اعتمادي ضارعا متوكّلا
حسبي أي محسبي والمحسب الكافي والعدة بضم العين ما يعد للحوادث واعتمادي مصدر اعتمد عليه أي استعان به والضارع الذليل والمتوكل المظهر العجز معتمدا على من يتوكل عليه نظم في هذا البيت معنى حسبنا الله ونعم الوكيل.
باب الاستعاذة
باب الشيء هو الذي يتوصل إليه منه والاستعاذة الاستجارة، يقال: عاذ بكذا أي استجار به وليست من القرآن بالإجماع في أول التلاوة.
إذا ما أردت الدّهر تقرا فاستعذ
…
جهارا من الشّيطان بالله مسجلا
نبه على معنى قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل: 98]، لأن معناه إذا أردت قراءة القرآن وهو كقوله: إذا أكلت فسمّ الله إذا أي أردت الأكل، قوله: تقرأ يجوز نصبه، والرواية الرفع، وقوله: فاستعذ جهارا هو المختار لسائر القراء وهذا في استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته، أما من قرأ خاليا أو في الصلاة فالإخفاء أولى والاستعاذة قبل القراءة بإجماع، وقوله: مسجلا أي مطلقا لجميع القراء وفي جميع القرآن.
على ما أتى في النّحل يسرا وإن تزد
…
لربّك تنزيها فلست مجهّلا
أي استعذ على اللفظ الذي نزل في سورة النحل جاعلا مكان استعذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومعنى يسرا أي ميسرا وتيسره قلة كلماته وزيادة التنزيه أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ونحو ذلك، وقوله: فلست مجهلا أي لست منسوبا إلى الجهل لأن ذلك كله صواب ومروي، قيل: هذه الزيادة وإن أطلقها فإنها مقيدة بالرواية ولم يروها بل نبه على مذهب الغير، وهو قوله في التيسير
المستعمل عند الحذاق من أهل الأداء في لفظها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم دون غيره، ثم عضد روايته بدليل من السنة فقال:
وقد ذكروا لفظ الرّسول فلم يزد
…
ولو صحّ هذا النّقل لم يبق مجملا
الضمير في ذكروا للقراء والمحدثين ومفعوله لفظ الرسول أي استعاذته فلم يزد أي لم
يزد لفظها على ما أتى في سورة النحل، أشار إلى قول ابن مسعود قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي. قل يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وروى نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم وكلا الحديثين ضعيف وأشار بقوله: ولو صح هذا النقل إلى عدم صحة الحديثين، وقوله: لم يبق مجملا أي لو صح نقل ترك الزيادة لذهب إجمال الآية واتضح معناها وتعين لفظ النحل دون غيره ولكنه لم يصح فبقي اللفظ مجملا، ومع ذلك فالمختار أن يقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لموافقة لفظ الآية وإن كان مجملا ولورود الحديث به على الجملة وإن لم يصح لاحتمال الصحة.
وفيه مقال في الأصول فروعه
…
فلا تعد منها باسقا ومظلّلا
أي وفي التعوذ مقال أي قول طويل انتشرت فروعه في الأصول يعني أصول الفقه وأصول القراءات وذلك أن الفقهاء يقولون اتباعا لنص الكتاب فلا بد من معرفة النص والظاهر وهل هذا الأمر على الوجوب أم لا؟ وأما أصول القراءات ففيها الحديث في استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتاج إلى معرفة ما قيل في سنده والباسق الطويل المرتفع والمظلل الساتر بظله من استظل به.
وإخفاؤه فصل أباه وعاتنا
…
وكم من فتى كالمهدوي فيه أعملا
الإخفاء هنا الإسرار، أي روى إخفاء التعوذ عن حمزة ونافع، وأشار إلى حمزة بالفاء من فصل لأنها رمزه، وأشار إلى نافع بالألف من أباه لأنها رمزه، وهذا أول رمز وقع في نظمه والواو من وعاتنا للفصل، وتكرر بقوله: وكم وجهر به الباقون وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي، هذا هو المقصود بهذا النظم في الباطن ونبه بظاهره على أن من ترجع قراءته إليهم من الأئمة أبوا الإخفاء ولم يأخذوا به، بل أخذوا بالجهر للجميع، ولذلك أمر به مطلقا في أول الباب، قوله: وإخفاؤه فصل الفصل الفرق والإباء الامتناع ووعاتنا حفاظنا، ثم قال: وكم من فتى كالمهدوي يشير إلى أن كثيرا من الأقوياء في هذا العلم اختاروا الإخفاء، ومن جملتهم المهدوي وهو أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي منسوب إلى مهدية من بلاد إفريقية بأوائل الغرب كان يأخذ بالإخفاء لحمزة فيه أعملا أي أعمل فكره في تصحيح الإخفاء.