الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل بهذا عن أبي الفتح فارس
…
وعن قنبل بعض بتكبيره تلا
قوله بهذا أي بمقالة ابن الحباب وهو زيادة التهليل قبل التكبير، عن أبي الفتح فارس بن أحمد شيخ الداني. والهاء في تكبيره عائدة على البزي أي وبعض الشيوخ تلا عن قنبل مثل تكبير البزي فتعين أن البعض الآخر لم يقل بمثل تكبير البزي والتكبير لقنبل من زيادات القصيد لأن الداني لم يذكر في التيسير تكبيرا لقنبل وقال في غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن المجاهد وقال بغير تكبير أخذ في مذهبه.
باب مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها
هذا الباب من زيادات القصيد على ما في التيسير أي باب علم مخارج الحروف والمخارج جمع مخرج وهو موضع خروج الحرف ويريد حرف الهجاء لا حرف المعنى فحروف الهجاء تسعة وعشرون حرفا وسيأتي النص عليها بأعيانها في شرح قوله أهاع حشا غاو وهي حروف عربية الأصول. وصفاتها نوعان نوع يحتاج القراء إليه ويتداولونه فيما بينهم وهو ما ذكره الناظم رحمه الله ورضي عنه. ونوع
لا يحتاج إليه فلم يذكره وهو مذكور في كتب العربية.
وهاك موازين الحروف وما حكى
…
جهابذة النّقّاد فيها محصّلا
أي خذ موازين الحروف وخذ الذي حكاه فيها الجهابذة من التعبير عنها، وسمي المخارج موازين الحروف لأنها إذا خرجت منها لم يشارك صورتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما تفعل الموازين بالموزونات وكني بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم والنقاد جمع ناقد والناقد من له جودة نظر يميز به الجيد من الرديء.
ولا ريبة في عينهنّ ولا ربا
…
وعند صليل الزّيف يصدق الابتلا
الريبة الشك والربا الزيادة أي لا شك في نفس المخارج والصفات ولا زيادة بل ما أذكره من ذلك محقق محرر من غير زيادة ولا نقصان ثم قال وعند صليل الزيف يعني أن الدرهم الزائف وهو الرديء إذا اختبره الناقد ولم يتحقق عنده حاله زاد في اختباره بأن يرمي به على حجر ليسمع صليله فإذا سمع ذلك صدق عنده اختباره وكذا الحرف إذا نطق به تبين بذلك صحة ما نسب إليه من المخرج والصفات لأن السمع يدرك صوت الحرف الصحيح والفاسد وإذا أردت معرفة مخرج الحرف فسكنه وأدخل عليه همزة الوصل واصغ إليه فحيث
انقطع الصوت كان مخرجه تقول أم أك أح فيظهر لك مخرج الحرف والابتلاء الاختبار. ولما ذكر الموازين ذكر النقاد والعين وذلك كله استعارة حسنة.
ولا بدّ في تعيينهنّ من الأولى
…
عنوا بالمعاني عاملين وقوّلا
أي لا بد في تعيين المخارج والصفات من قوله: الذين عنوا بالمعاني عاملين لها وقائلين لها. يعني أن المرء لا ينبغي له أن يقتدي برأيه في ذلك.
فابدأ منها بالمخارج مردفا
…
لهنّ بمشهور الصّفات مفصّلا
أخبر أن يبدأ بمخارج الحروف ويردفها بالصفات المشهورة وقوله مفصلا بكسر الصاد أي مبينا لذلك:
ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه
…
وحرفان منها أوّل الحلق جمّلا
رتب المخارج على ما رتبه في البيتين اللذين هما أهاع، حشا، غاو، رعى، طهر، دين، وجعل أهاع بكماله معتبرا وأوائل الكلمات الآتية بعده معتبرة لا غير فانصرف قوله ثلاث بأقصى الحلق إلى الهمزة والهاء والألف وقوله واثنان وسط إلى العين والحاء وقوله وحرفان منها أول الحلق جملا إلى الغين والخاء وترتيبها في المخارج الثلاثة على ما ذكر وربما قدم بعضهم الخاء وأخر الغين.
وحرف له أقصى اللّسان وفوقه
…
من الحنك احفظه وحرف بأسفلا
قوله: وحرف له أقصى اللسان وفوقه من الحنك ينصرف إلى القاف لأنه أتى في أول قارئ، وقوله: وحرف بأسفلا ينصرف إلى الكاف لأنه أتى في أول كما وجملة الأمر أن القاف تخرج من المخرج الأول من مخارج الفم مما يلي الحلق من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك والكاف تخرج من المخرج الثاني من مخارج الفم بعد القاف مما يلي الفم ومخرجه أسفل من مخرج القاف قليلا.
ووسطهما منه ثلاث وحافة
…
اللسان فأقصاها لحرف تطوّلا
إلى ما يلي الأضراس وهو لديهما
…
يعزّ وباليمنى يكون مقلّلا
قوله: ووسطهما منه ثلاث ينصرف إلى الجيم والشين والياء الآتية في أوائل جرى شرط يسري والضمير في وسطهما يعود على اللسان والحنك وجملة الأمر أن الثلاثة يخرجون من المخرج الثالث من مخارج الفم وهن على الترتيب المذكور وربما قدم بعضهم الشين على الجيم وقوله: وحافة للسان وما بعده ينصرف إلى الضاد لأنه أتى في أول ضارع وجملة الأمر أن الضاد تخرج من المخرج الرابع من مخارج الفم ومخرجه من أول حافة اللسان، وهي المشار إليها بالأقصى ويستطيل إلى ما يليها من الأضراس وأكثر الناس يخرجها من الجانب
الأيسر، وبعضهم يخرجها من الجانب الأيمن والضمير في قوله لديهما يعود على الجهتين اليمنى واليسرى والضمير في قوله وهو عائد على إخراج الضاد ومعنى قوله يعز أي يقل:
وحرف بأدناها إلى منتهاه قد
…
يلي الحنك الأعلى ودونه ذو ولا
قوله: وحرف بأدناها إلى منتهاه قد ينصرف إلى اللام لأنه الآتي في أول لاح وقوله ودونه ذو ولا ينصرف إلى النون لأنه الآتي في أول نوفلا والضمير في قوله بأدناها يعود إلى حافة اللسان وفي قوله إلى منتهاه يعود على طرف اللسان وفي قوله ودونه ذو ولا يعود على الحرف المذكور وجملة الأمر أن اللام تخرج من المخرج الخامس من مخارج الفم بعد مخرج الضاد، والنون تخرج من المخرج السادس من مخارج الفم فوق اللام قليلا أو تحتها قليلا على الاختلاف في ذلك، ومعنى ذو ولا أي ذو متابعة.
وحرف يدانيه إلى الظّهر مدخل
…
وكم حاذق مع سيبويه به اجتلى
قوله: وحرف يدانيه ينصرف إلى الراء لأنه أتى في أول رعى، وجملة الأمر أن الراء تخرج من المخرج السابع من مخارج الفم بعد مخرج النون وهي ادخل إلى ظهر رأس اللسان قليلا وهو المراد بقوله إلى الظهر مدخل وقوله وكم حاذق مع سيبويه به اجتلى معناه أن كثيرا من حذاق النحاة ذهبوا إلى أن مخارج اللام والراء والنون متقاربة على ما ذكر الناظم ولذلك كان عدد مخارج الحروف عندهم ستة عشر مخرجا.
ومن طرف هنّ الثّلاث لقطرب
…
ويحيى مع الجرميّ معناه قوّلا
أخبر أن قطربا ويحيى وهو الفراء والجرمي ذهبوا إلى أن مخرج اللام والنون والراء واحد وهو طرف اللسان ويريد بالطرف الرأس لا الحافة وعدد المخارج على ما ذهب إليه هؤلاء ومن وافقهم أربعة عشر مخرجا.
ومنه ومن عليا الثّنايا ثلاثة
…
ومنه ومن أطرافها مثلها انجلى
قوله: ومنه ومن عليا الثنايا ثلاثة ينصرف إلى الطاء والدال والتاء لأنها أتت في أوائل طهر دين أتمه، وقوله منه ومن أطرافها مثلها ينصرف إلى الظاء والذال والثاء لأنها أتت في أوائل ظل ذي ثنا
والضمير في قوله ومنه في الموضعين يعود على طرف اللسان وقوله مثلها يعني في العدد، وجملة الأمر أن الطاء والتاء والدال تخرج من طرف اللسان مما بينه وبين أصول الثنايا العليا مصعدا إلى الحنك وهو المخرج الثامن من مخارج الفم والظاء والذال والثاء تخرج من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا وهو المخرج التاسع من مخارج الفم.
ومنه ومن بين الثّنايا ثلاثة
…
وحرف من اطراف الثّنايا هي العلا
ومن باطن السّفلى من الشّفتين قل
…
وللشّفتين اجعل ثلاثا لتعدلا
قوله: ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة ينصرف إلى الصاد والسين والزاي لأنها أتت في أوائل صفا سجن زهد، وقوله: وحرف من أطراف الثنايا إلى قوله من الشفتين ينصرف إلى الفاء لأنها أتت في أول في وقوله وللشفتين اجعل ثلاثا ينصرف إلى الباء والواو والميم لأنها أتت في أوائل قوله: وجوه بني ملا وجملة الأمر أن الصاد والسين والزاي تخرج من طرف اللسان وبين الثنايا العليا وهو المخرج العاشر من مخرج الفم وقدم بعضهم الزاي على السين والسين على الصاد وقدم الطاء والدال والتاء على حروف الصفير المذكورة. وللناس مذاهب في التقديم والتأخير اعتمدنا على ما ذكره الناظم رحمه الله، والفاء تخرج من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا كما ذكر وهو المخرج الحادي عشر من مخارج الفم، والواو والباء تخرج من بين الشفتين مع تلاصقهما وهو المخرج الثاني عشر من مخارج الفم وقدم بعضهم الباء على الواو والميم.
وفي أوّل من كلم بيتين جمعها
…
سوى أربع فيهنّ كلمة أولا
أخبر أنه أتى بالحروف المذكورة على الترتيب المذكور في أوائل كلمات بين كل كلمة في أولها حرف منها إلا أن الكلمة الأولى من البيتين المشار إليهما وهي أهاع فإن حروفها كلها معتبرة وهما:
أهاع حشا غاو خلا قارئ كما
…
جرى شرط يسرى ضارع لاح نوفلا
رعى طهر دين تمّه ظلّ ذي ثنا
…
صفا سجل زهد في وجوه بني ملا
المراد من هذين البيتين الهمزة والهاء والألف والعين والحاء والغين والخاء والقاف والكاف والجيم والشين والياء والضاد واللام والنون والراء والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والصاد والسين والزاي والفاء والواو والياء والميم، وقدم الكلام عليها، ومعنى أهاع أفزع والهيعة الشيء المفزع والحشا ما انضمت عليه الضلوع والغاوي الضال والخلا الحديث الطيب والنبات الرطب والمعنى أن طيب قراءة القارئ أفرغ قلب الغاوي، وقد تقدم شرح مثل ألفاظ البيتين في رموز القراء.
وغنّة تنوين ونون وميم ان
…
سكّن ولا إظهار في الأنف يجتلى
الغنة صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه يصدق هذا أنك إن أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة وهو المخرج الثالث عشر من مخارج الفم وبه كمل عدد المخارج الستة عشر ومحلها التنوين والنون والميم بشرط سكونهن وعدم إظهارهن يعني إذا سكن أخفين نحو نارا فلما وعمى فهم ومنك وعنك ونحو بأعلم بالشاكرين وليحكم بينهم في قراءة السوسي فإن تحركن صار العمل فيهن للسان وكذلك إن ظهر التنوين والنون عند حروف الحلق والمراد بالغنة المذكورة ما يخرج من الأنف دون اللسان إذا نطق بهذه الحروف خالية
من الشرطين المذكورين لم يكن أبدا فيها من صوت يخرج من الخياشيم أيضا يخالط ما يخرج من اللسان لأن طبعها يقتضي ذلك دون غيرها من الحروف وليس المقصود هنا إلا ما ينفرد به الخياشيم.
وجهر ورخو وانفتاح صفاتها
…
ومستفل فاجمع بالأضداد أشملا
ولما فرغ من ذكر المخارج شرع في ذكر الصفات المشهورة كما وعد فذكر في هذا البيت الجهر والرخاوة والانفتاح والاستفال وأشار إلى أضدادها بقوله: فاجمع بالأضداد أشملا أي أجمع شمل صفات الحروف مصاحبا للأضداد فإذا ذكر ضدا لإحدى هذه الصفات وذكر حروفه فاعلم أن ما بقي من الحروف ضد المذكور في هذا البيت ثم ذكر الأضداد المشار إليها فقال:
فمهموسها عشر (حثت كسف شخصه)
…
(أجدّت كقطب) للشّديدة مثّلا
أخبر أن الحروف المهموسة عشرة أحرف وهي المجموعة في حثت كسف شخصه والهمس الحث
الخفي وإنما سميت مهموسة لضعفها وضعف الاعتماد عليها عند خروجها وجريان النفس معها وما عدا المهموس فهو مجهور وجملة المجهور تسعة عشر. والجهر في اللغة الصوت الشديد القوي، وهذه الحروف كذلك كلها يجهر بها عند النطق بها لقوتها وقوة الاعتماد عليها عند خروجها ومنع النفس أن يجري معها وإنما عد المهموسة دون المجهورة لقلتها وليعلم أنها ضد المجهورة المشار إليها في البيت السابق، ثم أخبر أن الحروف الشديدة ثمانية وهي المجموعة في قوله: أجدت كقطب وإنما سميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت في مواضعها ولزمتها ومنعت الصوت أن يجري معها حال النطق بها وضد الشديدة الرخوة.
وما بين رخو والشّديدة (عمر نل)
…
و (واي) حروف المدّ والرّخو كمّلا
قسم الحروف إلى ثلاثة أقسام شديد محض وهي المذكورة في البيت الماضي وإلى ما بين الشديد والرخو وهي خمسة أحرف جمعها في عمر نل يكتب عمر في البيت بلا واو كلفظه قالوا لئلا تصير الحروف ستة وما عدا هذين القسمين فهو رخو محض وجملته ستة عشر حرفا على ما ذهب إليه الناظم وإنما سميت رخوة لأنها لانت عند النطق بها فضعف الاعتماد عليها وجرى النفس والصوت معها حتى لانت، وأما التي بين الرخاوة والشدة فإنما وصفت بذلك لأنها إذا نطق بها فلا يجري معها الصوت كالرخوة ولا ينحبس كالشديدة، وقوله: وواي حروف المد أخبر أن الواو والألف والياء المجموعة في قوله واي موصوفة بالمد أما الألف فلا تكون إلا كذلك وأما الواو والياء فيلزمهما ذلك إذا سكنتا وناسبهما حركة ما قبلهما ولا يتأتى فيهما ذلك إذا انفتح ما قبلهما وهن عند الناظم رحمه الله من الحروف الرخوة ولذلك ذكرهن في هذا الموضع وبين ذلك بقوله والرخو كملا وذهب غيره إلى أنهن
من الحروف التي بين الرخو والشديد وجمع ذلك في قوله: (لم يروعنا) ولكلاهما وجه سميت حروف المد بذلك لامتداد الصوت بها إذا لقيها ساكن أو همز، والوأي الوعد وأصله الهمزة إلا أنه خففه بالإبدال في هذا المثال.
و (قظ خصّ ضغط) سبع علو ومطبق
…
هو الضّاد والظّا أعجما وإن أهملا
أخبر أن حروف الاستعلاء سبعة؛ وهي المجموعة في قوله: (قظ خص ضغط) وإنما سميت مستعلية لاستعلاء اللسان عند النطق بها إلى الحنك وما عداها مستفلة لأن ضد الاستعلاء الاستفال وإنما
سميت بذلك لاستفال اللسان عند النطق بها إلى قاع الفم، وقوله:
ومطبق أي ومن جملة هذه الحروف المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة، ثم بينها بقوله هو الضاد والظاء أعجما أي نقطا وإن أهملا أي ترك نقطهما وإنما سميت مطبقة لانطباق اللسان على ما حاذاه من الحنك عند خروجها وما عداها منفتحة والانطباق ضد الانفتاح وإنما سميت بذلك لانفتاح ما بين اللسان والحنك وخروج الريح من بينهما عند النطق بها.
وصاد وسين مهملان وزاؤها
…
صفير وشين بالتّفشّي تعمّلا
أخبر أن حروف الصفير ثلاثة: الصاد والسين المهملتان والزاي المعجمة وأن الشين موصوف بالتفشي وسميت الثلاثة حروف الصفير لأنها يصفر بها، وسمي الشين بالتفشي لأنه انتشر في الفم لرخاوته والتفشي الانتشار، ومعنى تعملا عمل بها أي اتصف لأن من تعمل شيئا اتصف به أي اتصف الشين به.
ومنحرف لام وراء وكرّرت
…
كما المستطيل الضّاد ليس بأغفلا
أخبر أن اللام والراء منحرفان وإنما وصفا بالانحراف لأن اللام فيها انحراف إلى ناحية طرف اللسان، والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما، ثم أخبر أن الراء فيها صفة التكرار لأنها تكرر إذا قلت درر بتحريك طرف اللسان بها فتصير راءين وأكثر، ثم أخبر أن الضاد فيها صفة الاستطالة لأنه يستطيل حتى يتصل بمخرج اللام.
قوله: ليس بأغفلا أي هي معجمة بنقطة.
كما الألف الهاوي و (آوي) لعلّة
…
وفي (قطب جدّ) خمس قلقلة علا
أخبر أن الألف موصوفة بالهوى لأن مخرجها يتسع بجريانه في هواء الفم، ثم أخبر أن حروف أوي موصوفة بالاعتلال وهي الألف والواو والياء لأنها تعتل بالخروج من حال إلى حال على ما عرف من حالها، ثم أخبر أن حروف «قطب جد» موصوفة بالقلقلة وإنما وصفت بذلك لأنها إذا وقف عليها قلقل اللسان بها حتى يسمع لها نبرة قوية:
وأعرفهنّ القاف كلّ يعدّها
…
فهذا مع التّوفيق كاف محصّلا
أخبر أن أعرف حروف القلقلة القاف وأن كل الناس يعدها في حروف القلقلة بخلاف غيرها لأن ما تحصل فيها من شدة الصوت المتصعد مع الصدر مع الضغط أكثر وأقوى مما يحصل في غيرها
ثم قال: فهذا مع التوفيق كاف محصلا أي هذا الذي ذكرته إذا وفق الله تعالى من عرفه يكفيه في هذا العلم محصلا الرواية بكسر الصاد:
وقد وفّق الله الكريم بمنّه
…
لإكمالها حسناء ميمونة الجلا
توفيق الله للشيء تسديده وإرشاده ومنه فضله وعطاؤه وإكمال الشيء إتمامه ومعنى حسناء ميمونة الجلا أي جميلة مباركة البروز لما ظهرت للناس عمت بركاتها كل من حفظها وأتقنها.
وأبياتها ألف تزيد ثلاثة
…
ومع مائة سبعين زهرا وكمّلا
أخبر أن عدة أبياتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا وأثنى عليها بأنها كلها زهر أي منيرة وكملا أي كاملة.
وقد كسيت منها المعاني عناية
…
كما عريت عن كلّ عوراء مفصلا
مدحها ترغيبا فيها فقال: وقد منحتها عناية فكري مثل ما جنبت قوافيها الألفاظ المتنافرة العوراء. والمفصل هنا القافية والعوراء الكلمة القبيحة.
وتمّت بحمد الله في الخلق سهلة
…
منزّهة عن منطق الهجر مقولا
أي: كملت بحمد الله في الخلق أي في الصورة سهلة الحفظ ومنزهة أي مبعدة عن لفظ الهجر لسانا. والهجر بضم الهاء الفحش من الكلام والمقول اللسان:
ولكنّها تبغي من النّاس كفؤها
…
أخا ثقة يعفو ويغضي تجمّلا
معنى تبغي تطلب والكفء المماثل وأخو الثقة الأمين أي تطلب من الناس قارئا كفؤا لها أمينا على ما فيها يؤديه إلى طالبه وإن رأى فيها زللا عفا وأغضى وقال قولا جميلا.
وليس لها إلّا ذنوب وليّها
…
فيا طيب الأنفاس أحسن تأوّلا
وقل رحم للرّحمن حيّا وميّتا
…
فتى كان للإنصاف والحلم معقلا
عسى الله يدني سعيه بجوازه
…
وإن كان زيفا غير خاف مزلّلا
يعني أن فيها من الجودة والتحقيق ما يحمل على الاشتغال بها وإن أهملت فليس ذلك لعيب فيها وإنما هو لعيوب وليها أي ناظمها ثم نادى الذكي الصالح الصادق الأنفاس وأمره أن يحسن تأويل كلامه وأن يدعو بالرحمة لفتى كان للإنصاف والحلم معقلا أي حصنا عسى الله يدني سعيه أي
يقرب سعيه بجوازه أي بقبوله وإن كان زيفا أي رديئا غير خاف أي ظاهرا
ومزللا أي مخط والزلة الخطيئة. وقوله: فتى كان للانصاف والحلم معقلا قيل إن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك وقيل: إنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائفة يعفو ويغضي تجملا وبقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا فكأنه قال وقل رحم الرحمن من كان بهذه الصفة ثم قال: عسى الله يدني سعيه أي سعى وليها المذكور في قوله وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون ابتداء ترج منه أو يكون ابتداء داخلا في المقول أي قل هذا وهذا ثم ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة وهو وليها وقوله بجوازه يروى بالزاي المعجمة وهو الكثير ويروى بالراء المهملة فالأول من الجواز والثاني من المجاورة.
فيا خير غفّار ويا خير راحم
…
ويا خير مأمول جدّا وتفضّلا
أقل عثرتي وانفع بها وبقصدها
…
حنانيك يا الله يا رافع العلا
نادى خير الغافرين وخير الراحمين وخير المأمول جداهم وتفضلهم وهو الله عز وجل أن يقيل عثرته بأن يغفر زلته وأن ينفع بهذه القصيدة ملابسها من ناظمها وقارئها والجدا بالقصر العطية وبالمد الغنى والنفع. والعثرة الزلة والإقالة منها الخلاص من تبعتها وبقصدها يعني قصد الانتفاع بها ثم قال رحمه الله تعالى حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى ومعناه تحنن عليّ تحننا بعد تحنن والتحنن من الله الرأفة والرحمة وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما واستعانة على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله: يا رافع العلا أي يا رافع السموات العلا.
وآخر دعوانا بتوفيق ربنا
…
أن الحمد لله الّذي وحده علا
ختم دعاءه بالحمد لله كما قال تعالى إخبارا عن أهل الجنة وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: 10]، فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن تتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما يقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أي إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق الله ربنا لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة، جعلنا الله منهم آمين:
وبعد صلاة الله ثمّ سلامه
…
على سيّد الخلق الرضا متنخّلا
محمّد المختار للمجد كعبة
…
صلاة تباري الريح مسكا ومندلا
أي بعد تحميد الله تعالى وذكره فنصلي ونسلم على سيد خلقه الرضي أي المرتضى ومتنخلا أي منتخبا ثم بينه فقال محمد المختار أي المصطفى للمجد أي للشرف كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل أي اختير كعبة يؤم ويقصد من أجل المجد الحاصل له أو للدين ويجوز أن يكون من تتمة قوله كعبة أي كعبة للمجد أي لا مجد أشرف من مجده كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على أن المجد طائف به كما يطاف بالكعبة
وقوله تباري الريح أي تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة مسكا ومندلا أي ذات مسك وذات مندل والمسك معروف والمندل العود الطيب وهما يستعاران للثناء الحسن واستعارهما للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
وتبدي على أصحابه نفحاتها
…
بغير تناه زرنبا وقرنفلا
أي تظهر هذه الصلاة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه أي
لا نهاية له ولا تتناهى لإصابتها إياهم والنفحات جمع نفحة والنفحة الدفعة من الشيء دون معظمه يقال نفخ فلان لفلان من عطائه إذا أعطاه نصيبا من المال. والزرنب نبات طيب الريح قيل وهي شجرة كبيرة بجبل لبنان ورقها يشبه ورق الخلاف مستطيل بين الصفرة والخضرة يشبه رائحة الأترج وقيل بل هي حشيشة طيبة الريح وقيل ورقها يشبه ورق الطرفاء مصفر ورائحته كرائحة الأترج يسمى رجل
الجراد لأنها تشبهها والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل في الطيب فحسن تشبيهه الصلاة على أصحابه بذلك لأنهم في الصلاة تبع للنبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها رضي الله عنهم أجمعين.
هذا آخر الكتاب والله الموفق للصواب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(قال مؤلفه) العبد الفقير إلى الله تعالى أبو الحسن علي بن محمد بن عثمان بن محمد ابن أحمد بن حسن بن القاصح عفا الله عنه وكرمه فرغت منه في يوم الخميس المبارك ثامن عشر شعبان المكرم سنة تسع وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.