الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[هود: 30]، ونحوه وما نقل عنه أنه يظهره قولا واحدا أظهرناه قولا واحدا كتاء المتكلم والمخاطب والمنون والمثقل وما دخله موانع الإدغام كسبق الإخفاء والحذف وتعدد الإعلال والضعف واللبس والعروض وكذا اللَّائِي يَئِسْنَ [الطلاق: 4] وما نقل عنه فيه وجهان قرأنا له بهما. هذا كله إذا قرأنا له طريقة الإدغام فإذا قرأنا له بطريقة الإظهار فإنا لا ندغم شيئا من الباب وإن كان متفقا على إدغامه. وقوله بلا خلاف على الإدغام يريد إذا قرئ لأبي عمرو بطريقة الإدغام وقد تقدم أن الناظم كان يقرأ بالإظهار من طريق الدوري وبالإدغام من طريق السوسي، فإذا قرأنا من طريق الدوري قرأنا بالإظهار في الباب كله وإذا قرأنا من طريق السوسي قرأنا بالإدغام فيما اتفق على ادغامه وبالإظهار فيما اتفق على إظهاره على حسب ما نص عليه الناظم رحمه الله ورضي عنه من الاختلاف في هذا الباب وبالله التوفيق.
باب إدغام الحرفين المتقاربين في كلمة وفي كلمتين
هذا الباب مقصور على إدغام حرف في حرف يقاربه في المخرج ويحتاج فيه مع تسكينه إلى قلبه إلى لفظ الحرف المدغم فيه فترفع لسانك بلفظ الثاني منهما مشددا ولا يبقى للأول أثر إلا أن يكون حرف إطباق أو ذا غنة فيبقى الإطباق والغنة.
وإن كلمة حرفان فيها تقاربا
…
فإدغامه للقاف في الكاف مجتلى
الهاء في قوله فإدغامه للسوسي أي إن اجتمع حرفان متحركان متقاربان في المخرج في كلمة اصطلاحية نخص السوسي من ذلك بإدغام القاف في الكاف. وقوله مجتلى أي منظور إليه يريد بذلك أنه مشهور يعني أنه لم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا في كلمة واحدة سوى القاف في الكاف بشرطين ذكرهما في قوله:
وهذا إذا ما قبله متحرّك
…
مبين وبعد الكاف ميم تخلّلا
هذا إشارة إلى الإدغام والهاء في قوله قبله يعود على القاف في أدغم السوسي القاف في الكاف المتصل بالقاف إذا كان قبلها متحرك لفظي وبعد الكاف ميم جمع في الحالين وخرج بقوله متحرك ما قبله ساكن وقوله مبين أي بين ظاهر واحترز به من لفظ ما ساكنه الألف لأن المد الذي فيها يقوم مقام الحركة لكن ما هو مبين وخرج بقوله ميم ما ليس بعده شيء وما بعده حرف غير الميم وعلم من قوله تخللا أن يكون ميم جمع وأصله الصلة فهو متخلل بين الكاف والواو المقدرة وتخلل من قولهم تخلل المطر إذا خص ولم يكن عاما أي تخلل أبو عمرو بإدغامه ذلك ولم يعم جميع ما التقت فيه القاف بالكاف ثم مثل للمدغم والمظهر فقال:
كيرزقكم واثقكم وخلقكّمو
…
وميثاقكم أظهر ونرزقك انجلا
أي مثال إدغام القاف في الكاف يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ [النمل: 64]، [يونس:
31]، واثَقَكُمْ بِهِ [المائدة: 7]، وخَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام: 2]، هذه الأمثلة اجتمع فيها هذا الشرطان لأن قبل القاف متحرك وبعد الكاف ميم وأتى بكاف التشبيه لتدل على أن المراد كل ما جاء مثل هذا. وقوله وميثاقكم أظهر ونرزقك أي أظهر نحو ميثاقكم ولا تدغمه لأنه عدم فيه أحد الشرطين وهو كون الحرف الذي قبل القاف ليس متحركا
لأن قبلها ألفا ساكنة،
وأظهر أيضا نحو نرزقك لأنه عدم فيه أحد الشرطين أيضا وهو وجود الميم بعد الكاف وإن كان قبل القاف متحرك فقد وجد في كل واحدة من الكلمتين أحد الشرطين وعدم الآخر فلأجل ذلك وجب الإظهار لأن شرط الإدغام إنما هو اجتماعهما، وقوله:
انجلى أي انكشف الأمر وظهر بتمثيل ما يدغم وما لا يدغم واعلم أن يرزقكم يمكن أن يقرأ في النظم مدغما وغير مدغم وواثقكم وخلقكم لا يتزن في البيت إلا بقراءتهما مدغمين ويلزم الإدغام في الألفاظ الثلاثة صلة ميم الجمع بواو. فإن قيل لم يقرأ أحد بالإدغام والصلة.
قلت: قد قرأت بهما لابن محيصن من طريق الأهواز وأجمعوا على إدغام أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ [المرسلات: 20] في المرسلات.
وإدغام ذي التّحريم طلّقكنّ قل
…
أحقّ وبالتّأنيث والجمع أثقلا
ذي التحريم أي صاحبة التحريم أي إدغام طلقكن الذي في سورة التحريم أحق من إظهاره وفهم من هذا وجه الآخر حق وهو الإظهار أي إدغامه أحق من إدغام الجمع المذكور فلا يعلم منه وجه الإظهار، وقد حكى في التيسير فيه خلافا لكن نسب الإظهار إلى ابن مجاهد وهي طريق الدوري وقال قرأته أنا بالإدغام فجعل الإظهار حكاية مذهب الغير فعلى التقدير الأول نقل للسوسي وجهين: الإظهار والإدغام ويكون وجه الإظهار له من زيادات القصيد على التيسير وعلى التقدير الثاني لا يفهم منه إلا الإدغام ثم بيّن أحقية الإدغام فقال وبالتأنيث والجمع أي كون الكلمة قد اتصل بها ضمير جمع دالّ على التأنيث فقد ساوت طلقكن ما تقدم من تحريك ما قبل القاف وكون كل واحدة منهما قد اتصل بها ضمير جمع دال عليه لكن فقد الشرط الثاني وهو وجود الميم لكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون لأنها محركة مشددة دالة على الجمع والتأنيث بخلاف الميم لأنها ساكنة خفيفة دالة على التذكير فزادت طلقكن على ما تقدم بالتأنيث وتشديد النون فلهذا قال أثقلا. ثم انتقل إلى ما هو من كلمتين فقال:
ومهما يكونا كلمتين فمدغم
…
أوائل كلم البيت بعد على الولا
ومهما يكونا أي المتقاربين ذوي كلمتين أي إذا اجتمع الحرفان المتقاربان المتحركان أولهما آخر كلمة وثانيهما أول الثانية فالسوسي يدغم الأول منهما في الثاني في الوصل على الشروط الآتية: إذا ارتفع المانع الآتي وكان الحرف الأول أحد الحروف الستة عشر المنظومة
في أوائل كلمات هذا البيت وهو:
شفا لم تضق بها رم دواضن
…
ثوى كان ذا حسن سأى منه قد جلا
هذه الستة عشر حرفا هي التي اتفق وقوعها في القرآن في الإدغام الكبير وإلا فهي أكثر وهي: الشين واللام والتاء والنون والباء والراء والدال والضاد والثاء والكاف والدال والحاء والسين والميم والقاف والجيم، وأشار بظاهر البيت إلى التغزل بحورية من حور الجنة سماها شفا وقد سمت العرب بذلك النساء ومعنى رم أي اطلب والدواء ما يتداوى به من الضنى وهو المرض ومعنى ثوى أقام، وقوله: سأي على وزن رأي مقلوب ساء على وزن جاء وهو بمعناه وجلا كشف والهاء في قوله منه ضمير المحب أي أن هذا المحب كشف الضنى أمره وساءت حاله لبعده عن مطلوبه، ثم شرط في إدغام هذه الحروف الستة عشر أن تكون سالمة من أحد الموانع المذكورة في قوله:
إذ لم ينوّن أو يكن تا مخاطب
…
وما ليس مجزوما ولا متثقّلا
أي أدغم السوسي الحروف التي ذكرت إذا لم يكن الحرف الأول الذي يدغم في غيره منونا نحو: ولا نصير لقد رجل رشيد أو يكن تاء مخاطب نحو كنت ثاويا، دخلت جنتك ولم يقع في القرآن تاء مخبر عند مقارب لها فلهذا لم يذكرها في المستثنى، وأما المجزوم فهو لم يؤت سعة من المال ليس في القرآن غيره ولم يدغمه السوسي بلا خلاف وإن كان المجزوم من باب المثلين عنه فيه وجهان لأن اجتماع المثلين فيه أثقل من اجتماع المتقاربين وقوله ولا متثقلا أي ولا مشددا لأن الحرف المشدد بحرفين نحو: أشد ذكرا والحق كمن هو ونحوه لا يدغم.
فزحزح عن النّار الذي حاه مدغم
…
وفي الكاف قاف وهو في القاف أدخلا
شرع عفا الله عنه يبين المواضع التي أدغمت فيها الحروف الستة عشر المذكورة في البيت الذي أوله شفا فبدأ بالحاء لسبق مخرجها وهي مذكورة في قوله حسن فأخبر أنها أدغمت في العين عن السوسي من قوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران:
185]، فقط، وقوله: فزحزح بالفاء أراد فمنها أي من الكلمات المدغمات زحزح الذي أدغم حاؤه وقصر الحاء ضرورة وقوله وفي الكاف قاف إلخ الكاف والقاف من حروف شفا ذكرهما في قوله كان وقد أخبر أن كل واحدة منهما تدغم في الأخرى بشرط أن يتحرك ما قبل كل واحدة منهما.
تنبيه: اعلم أن الناظم رضي الله عنه إذا عين حرفا من كلمة من القرآن وأخبر أنه يدغم في غيره فلا تأخذ سواه، مثال ذلك الحاء من زحزح لا تدغم إلا في هذا لا غير أي وتظهر في نحو: المسيح عيسى والريح عاصفة من طريق هذا القصيد وأصله فإن أطلق ولم يعين
مثل قوله وفي الكاف قاف وهو في القاف أدخلا فتأخذ العموم في جميع القرآن وبالله التوفيق.
خلق كلّ شيء لك قصورا وأظهرا
…
إذا سكن الحرف الّذي قبل أقبلا
أي مثال إدغام القاف في الكاف من كلمتين: خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [الفرقان: 2]، فاللام قبل القاف من خلق متحركة فلهذا ساغ الإدغام ومثله يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ [المائدة: 64]، ويُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ [الدخان: 4]، ونحوه ومثال إدغام الكاف في القاف ويجعل لك قصورا فاللام قبل الكاف متحركة ومثله يعجبك قوله: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً [البقرة: 144]، وقوله وأظهرا أي فأظهر القاف عند الكاف والكاف عند القاف إذ سكن ما قبل كل واحد منهما ومن هذا علم أن شرط إدغامهما تحرك ما قبلهما فيظهر أن نحو فَوْقَ كُلِّ ذِي
عِلْمٍ
[يونس: 76]، وهدنا إليك قال لسكون الواو قبل القاف وسكون الياء قبل الكاف فيهما ومعنى أقبلا أي الذي جعل قبلهما من أقبل تقول أقبلت فلانا الرمح وغيره إذا جعلته قبله.
وفي ذي المعارج تعرج الجيم مدغم
…
ومن قبل أخرج شطأه قد تثقّلا
المعارج بسورة سَأَلَ سائِلٌ [المعارج: 1]، أي تدغم الجيم في حرفين في التاء في قوله تعالى: ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ [المعارج: 3]، فقط وفي الشين في قوله تعالى:
أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح: 29] لا غير والجيم من حروف شفا وذكرها في قوله جلا، فقوله ومن قبل أي من قبل ذِي الْمَعارِجِ [المعارج: 1]، أخرج شطأه لأنها قبلها في التلاوة، وقوله: قد تثقلا أي اندغم.
وعند سبيلا شين ذي العرش مدغم
…
وضاد لبعض شأنهم مدغما تلا
أي الشين من شفا والضاد من ضن أي الشين تدغم في السين من إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الإسراء: 42]، فقط للسوسي وقوله: وضاد يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء وتلا خبره والنصب على أنه مفعول تلا وفاعله ضمير يعود على السوسي أي تلاه السوسي مدغما أي وأدغم السوسي الضاد في الشين من بعض شأنهم لا غير.
وفي زوّجت سين النّفوس ومدغم
…
له الرأس شيبا باختلاف توصّلا
السين من حروف شفا وذكرها في قوله سأي أي أدغم السوسي السين في الزاي من قوله تعالى وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير: 7]، وله في إدغامها في الشين من قوله تعالى: الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: 4]، وجهان الإدغام عن المعدل عن ابن جرير عنه والإظهار عن المطوعي عنه وهذا معنى الخلاف الموصل وأجمع على الإظهار في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ [يونس: 44]، شيئا لخفة الفتحة والله أعلم.
وللدّال كلم ترب سهل ذكا شذا
…
ضفا ثمّ زهد صدقه ظاهر جلا
الدال من حروف شفا ذكرها في قوله دوا وأخبر في هذا البيت أن السوسي أدغمها في عشرة أحرف جمعها الناظم رحمه الله في أوائل كلم عشرة وإلى ذلك أشار بقوله: للدال كلم أي كلم تدغم الدال في أوائلها وهي من قوله: ترب سهل إلخ وهي التاء والسين والذال والشين والضاد والثاء والزاي والصاد والظاء والجيم. ومثال إدغام الدال في الحروف العشرة المساجد تلك، عدد سنين والقلائد ذلك وشهد شاهد، ومن بعد ضراء ويريد ثواب، وتريد زينة، وتفقد صواع، ومن بعد ظلمه، وداود جالوت وقوله ترب التراب والتراب لغتان وذكا من ذكت النار أي أشعلت والشذا حدة رائحة الطيب وضفا طال وثم بفتح الثاء بمعنى هناك، وأشار بذلك إلى تربة كل مؤمن موصوف بالسهولة والصدق الزهد وغير ذلك من الصفات المحمودة ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال:
ولم تدغم مفتوحة بعد ساكن
…
بحرف بغير التّاء فاعلمه واعملا
قوله: ولم تدغم بتشديد الدال يقال أدغم وادغم بوزن أفعل وافتعل، أخبر رحمه الله أن الدال إذا فتحت وقبلها ساكن لم تدغم في غير التاء أي لم تدغم إلا في التاء خاصة وذلك في موضعين كاد تزيغ قلوب وبعد توكيدها لا غير ومثال الدال المفتوحة وقبلها ساكن مع غير التاء مما لا يدغم لوجود الشرطين فيه أبعد ضراء داود زبورا ونحوه وإذا عدم أحد الشرطين عنى الانفتاح أو السكون ساغ
الإدغام ولم يمتنع، نحو وشهد شاهد، من بعد ذلك وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ [البقرة: 251]، فاعلمه أي فاعلم ذلك واعمل به.
وفي عشرها والطّاء تدغم تاؤها
…
وفي أحرف وجهان عنه تهلّلا
لما انقضى كلامه في الدال انتقل إلى التاء المثناة وهي من حروف شفا ذكرها في قوله تضق وأخبر في هذا البيت أنها تدغم في الأحرف العشرة التي أدغمت فيها الدال وتدغم أيضا في الطاء معها والهاء في عشرها للدال وفي تائها يجوز أن تكون للعشر ويجوز أن تكون للأحرف السابقة الستة عشر فإن قيل من جملة حروف الدال العشرة التاء فإدغام التاء في التاء من باب المثلين قيل لم يسغ استثناؤها إذ هي مما تدغم في الجملة ومثال إدغامها في مثلها الشوكة تكون ومثال إدغامها في السين الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ [النساء: 57، 122]، وفي الذال وَالذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات: 1]، وفي الشين بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور: 4]، وفي الضاد وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [العاديات: 1]، وفي الثاء الصَّالِحاتِ [العصر: 3]، ثم وفي الزاي فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات: 2]، وفي الصاد قوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً [العاديات: 3]، وفي الظاء قوله تعالى: الْمَلائِكَةُ ظالِمِي [النساء: 97]، [النحل: 28]، وفي الجيم قوله: مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2]، وفي الطاء قوله تعالى:
الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ [النحل: 32]، ولا خلاف في إدغام هذا جميعه ونحوه، ولم يذكر في
التاء ما ذكر في الدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وهو قد علم استثناؤه نحو قوله تعالى: دَخَلْتَ جَنَّتَكَ [الكهف: 39]، وقوله تعالى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [طه: 36]، إلا مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف فهي على قسمين منها موضع واحد لا خلاف في إدغامه، وهو قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هود: 114]، ومنها ما نقل فيه الخلاف وهو المشار إليه بقوله: وفي أحرف وجهان عنه أي عن السوسي تهللا أي استنار فظهر.
فمع حمّلوا التّوراة ثمّ الزّكاة قل
…
وقل آت ذال ولتأت طائفة علا
هذه الأحرف التي فيها وجهان مثل الذين حملوا التوراة ثم لم بالجمعة وآتوا الزكاة ثم توليتم بالبقرة، وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [الإسراء: 26]، بسبحان وفَآتِ ذَا الْقُرْبى [الروم: 38]، وهما المراد بقوله وقل آت ذل وبين الذال ولام التعريف من القربى ألفان إحداهما ألف ذا والأخرى همز الوصل في القربى وهي تسقط في الدرج وتسقط ألف ذا لأجل لام التعريف بعدها لكونها ساكنة فلذلك رسمت في بعض النسخ ذل بإسقاط ألفين على صورة اللفظ وهي الرواية، وفي بعضها بألفين وهو الصواب على الأصل والحرف الخامس بالنساء قوله تعالى: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى [النساء: 102]، فهذه المواضع في كل منها وجهان عن السوسي الإظهار والإدغام وليس في قوله على رمز لأن الباب كله لأبي عمرو رضي الله عنه ثم ذكر الحرف السادس فقال:
وفي جئت شيئا أظهروا لخطابه
…
ونقصانه والكسر الإدغام سهّلا
أي في لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم: 27]، للسوسي وجهان الإظهار والإدغام أما الإظهار فلأجل تاء الخطاب الموجودة فيه ولأجل نقصانه وهو حذف عين الفعل وضمير أظهروا عائد على ابن مجاهد وأصحابه، فأما المفتوح التاء فلا خلاف في إظهاره وهو موضعان بالكهف قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف: 71]، وقوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف: 74]، وعلم ذلك من قوله والكسر الإدغام سهلا يعني أن تاء الخطاب مكسورة والكسر ثقيل ففارقت غيرها من تاءات الخطاب المفتوحة فسهل كسره الإدغام وسوغه.
وفي خمسة وهي الأوائل ثاؤها
…
وفي الصّاد ثمّ السّين ذال تدخّلا
لما أتم كلامه في التاء المثناة انتقل إلى الثاء المثلثة وهي من حروف شفا ذكرها في قوله: ثوى وأخبر أنها تدغم للسوسي في خمسة أحرف وهي أوائل كلمات: ترب سهل ذكا شذا ضفا وهي التاء والسين والذال والشين والضاد وأمثلتها حيث تؤمرون الحديث سنستدرجهم والحرث ذلك وليس غيره حيث شئتما وحديث ضيف إبراهيم وليس غيره.
قوله: وفي الصاد إلخ، أخبر رحمه الله أن الذال المعجمة تدخل في الصاد والسين المهملتين
أدغم فيهما السوسي وذلك نحو قوله تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ [الكهف: 61]، في موضعين، وقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً [آل عمران: 117]، لا غير وتدخل مثل تحصل يقال تدخل الشيء إذا تحصل قليلا قليلا.
وفي اللّام راء وهي في الرّا وأظهرا
…
إذا انفتحا بعد المسكّن منزلا
اللام والراء من حروف شفا ذكرهما في قوله لم وفي قوله رم أي أدغم السوسي الراء في اللام واللام في الراء نحو قوله تعالى: سَيُغْفَرُ لَنا، كَمَثَلِ رِيحٍ [آل عمران:
117]، وقوله: أظهرا إلخ يعني أن ما انفتح منهما وقبله ساكن استثنى فأظهر نحو قوله تعالى: خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ [النور: 27]، ورَسُولَ رَبِّهِمْ [الحاقة: 10]، ولا يمنع الإدغام إلا باجتماع السببين أما لو انفتح أحدهما بعد الحركة نحو قوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ [إبراهيم: 32]، وجَعَلَ رَبُّكِ [الإسراء: 24]، أو تحرك بغير الفتح بعد السكون نحو المصير لا يكلف، وبالذكر لما ويقول ربي وفضل ربي فإن هذا كله ونحوه مدغم ثم ذكر تمامه فقال:
سوى قال ثمّ النّون تدغم فيهما
…
على إثر تحريك سوى نحن مسجلا
أخبر رحمه الله أن لام قال: مستثنى من فصل اللام يعنى سوى كلمة قال فإنها أدغمت في كل راء بعدها للسوسي وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو قال رب قال رجلان فخفف بالإدغام لكثرة دوره في القرآن بخلاف فيقول رب ورسول ربهم ونحوه فإنه مظهر. ثم انتقل إلى الكلام في النون وهي من حروف شفا ذكرها في قوله نفسا فأخبر أنها تدغم فيهما أي في اللام والراء للسوسي بشرط أن يتحرك ما قبلها وهو معنى قوله على أثر تحريك أي تكون النون بعد محرك نحو إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف: 167]، خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ [ص: 9]، ولَنْ نُؤْمِنَ لَكَ [البقرة: 55]، فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا سوى كان ذلك ألفا أو غيره وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو قوله تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ [النحل: 50]، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [القدر: 4]، أَنَّى يَكُونُ لِي [آل عمران: 40]، ما خلا حرفا واحدا فإنه يدغم نونه في اللام مع وجود السكون قبل النون وذلك نحو قوله تعالى: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133، 136]، ونحن لك، نحن لكما، وشبهه حيث وقع وهو المراد بقوله سوى نحن، وقوله مسجلا: أي مطلقا في جميع القرآن:
وتسكن عنه الميم من قبل بائها
…
على إثر تحريك فتخفى تنزّلا
الميم من حروف شفا ذكرها في قوله: منه أخبر أنها تسكن عنه أي عن السوسي قبل الباء إذا وقعت بعد متحرك فتخفى نحو قوله: آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة: 27]، وبِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام: 53]، فإن سكن ما قبلها لم يفعل ذلك نحو قوله تعالى: إِبْراهِيمُ
بَنِيهِ [البقرة: 132]، اليوم بجالوت والرواية في البيت بضم التاء من تسكن وفتحها من تخفى والهاء في بائها ضمير الميم وقوله: تُنَزِّلَ [النساء: 153]، تمييز أي فيخفى تنزلها في محلها.
وفي من يشاء با يعذّب حيثما
…
أتى مدغم فادر الأصول لتأصلا
الباء من حروف شفا ذكرها في قوله بها أي أدغم السوسي باء يعذب في ميم من يشاء أينما جاء وهو خمسة مواضع سوى الذي بالبقرة موضعان بالمائدة وموضع بآل عمران والعنكبوت والفتح، أما الذي بالبقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير ولهذا وافقه عليه جماعة كما سنذكره وفهم من تخصيص الباء بيعذب وميم من يشاء إظهار ما عداه نحو أن يضرب مثلا سَنَكْتُبُ ما قالُوا [آل عمران: 181]، [مريم: 79]، ولما انقضى كلامه من حروف شفا الستة عشر التي تدغم في غيرها ختم بقوله: فادر الأصول أي اعلم القواعد المذكورة في هذا النظم لتأصلا أي لتكون أصلا أي ذا أصل يرجع إليه في معرفة هذا الفن ثم ذكر ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربا وكل قاعدة في بيت فقال في القاعدة الأولى:
ولا يمنع الإدغام إذ هو عارض
…
إمالة كالأبرار والنّار أثقلا
يريد إذا كانت ألف مما له في البابين لأجل كسرة بعدها على حرف وذلك الحرف مما يدغم في غيره فإذا أدغم تبقى الإمالة بحالها لكون الإدغام عارضا فكأن الكسرة موجودة فكما أن الوقف لا يمنع فكذلك الإدغام مثال ذلك إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين: 18]، فإن الألف في الأبرار ممالة لأجل كسرة الراء والراء تدغم في اللام فإذا أدغمت فيها زال موجب الإمالة، وكذلك قوله تعالى: وَقِنا عَذابَ النَّارِ [آل عمران:
16]، ربنا وأتى بمثالين الأول منهما لبيان إدغام المتقاربين والثاني لبيان إدغام المثلين، وقوله: أثقلا حال أي في حال الإدغام الصريح احترازا من الروم فإنه لا يمنع قولا واحدا لأن الكسرة موجودة. ثم ذكر القاعدة الثانية فقال:
وأشمم ورم في غير باء وميمها
…
مع الباء أو ميم وكن متأمّلا
يقول رحمه الله إذا أدغمت حرفا في حرف مماثل له أو مقارب فأشمم حركة الحرف الأول المدغم إن كان ضمة ورمها إن كانت ضمة أو كسرة إلا في الباء والميم إذا لقيت كل واحدة منهما الباء والميم وذلك في أربعة صور وهي أن تلتقي الباء بمثلها نحو قوله تعالى:
نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا [يوسف: 56]، أو مع الميم نحو قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [العنكبوت: 21]، وتلتقي الميم مع مثلها نحو أيعلم ما أو مع الباء نحو أعلم بما فإن الروم والإشمام يتعذران في ذلك لانطباق الشفتين بالباء والميم والضمير في ميمها عائد على الباء وكن متأملا أي متدبرا كلام العلماء في كتبهم ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال:
وإدغام حرف قبله صحّ ساكن
…
عسير وبالإخفاء طبّق مفصلا
أي إذا كان قبل الحرف الذي يدغم في غيره حرف صحيح ساكن فإن إدغامه المحض عسير أي يعسر النطق به وتعسر الدلالة على توجيهه لما يؤدي إليه من الجمع بين الساكنين على غير حدهما لأن المدغم لا بد من تسكينه فحقيقة الإدغام فيه راجعة إلى الإخفاء وتسميته بالإدغام مجاز واحترز بقوله: صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد فإن الإدغام يصح معه نحو قوله فيه هدى قال لهم يقول ربنا وكذا إذا انفتح ما قبل الياء والواو ونحو قوله: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ [الفجر: 6]، [الفيل: 1]، قوم موسى فإن في ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين وأما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه