الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجواب: أنه لو أمكن ووقع، لزم أن يختل نظام العالم.
ثم إن اصطلاحهما لا يكون إلا لخوف كل واحد منهما من الآخر، وحينئذ لا تصلح الربوبية ولواحد منهما، لعجزه عن مقاومة الآخر.
ثم قال تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} ، أي: تنزيهاً لله عز وجل عما يصفه به الملحدون المشركون الذي يقولون في الله سبحانه مالا يليق به.
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} : الغيب: ما غاب عن الناس، والشهادة: ما شهده الناس.
{فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} : {فَتَعَالَى} ، يعني: ترفع وتقدس.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} : عن الأصنام التي جعلوها آلهة مع الله تعالى.
وفي هاتين الآيتين من صفات النفي: تنزه الله تعالى عن اتخاذ الولد الذي وصفه به الكافرون، وعن الشريك له في الألوهية الذي أشرك به المشركون.
وهذا النفي لكمال غناه وكمال ربوبيته وإلهيته.
ونستفيد منهما من الناحية المسلكية: أن الإيمان بذلك يحمل الإنسان على الإخلاص لله عز وجل.
الآية الحادية عشرة: قوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ
الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74].
يعني: لا تجعلوا لله مثلاً، فتقولون: مثل الله كمثل كذا وكذا أو تجعلوا له شريكاً في العبادة.
يعني {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ، بمعنى: أنه سبحانه وتعالى يعلم بأنه ليس له مثل، وقد أخبركم بأنه لا مثل، وقد أخبركم بأنه لا مثل له، في قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وقوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، وقوله:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: 65]
…
وما أشبه ذلك، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون.
يقال: إن هذه الجملة تتضمن الدليل الواضح على أن الله ليس له مثل، وأنها كضرب المثل في امتناع المثل، لأننا نحن لا نعلم والله يعلم، فإذا انتفى العلم عنا، وثبت لله، فأين المماثلة؟! هل يماثل الجاهل من كان عالماً؟!
ويدلك على نقص علمنا: أن الإنسان لا يعلم ما يفعله في اليوم التالي: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان: 34]، وأن الإنسان لا يعلم روحه التي بين جنبيه:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85].
وما زال الفلاسفة والمتفلسفة وغيره يبحثون عن حقيقة هذه الروح، ولم يصلوا إلى حقيقتها، مع أنها هي مادة الحياة، وهذا يدل على نقصان العلم في المخلوق، ولهذا قال تعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85].
فإن قلت: كيف تجمع بين هذه الآية: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]؟!
الجواب: أنه هناك يخاطب الذين يشركون به في الألوهية فيقول: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} في العبادة والألوهية {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه لا ند له في الربوبية، بدليل قوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22]. أما هنا: ففي باب الصفات: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} ، فتقولوا: مثلاً: إن يد الله مثل يد كذا! وجه الله مثل وجه كذا! وذات الله مثل الذات الفلانية
…
وما أشبه هذا، لأن الله تعالى يعلم وأنتم لا تعلمون وقد أخبركم بأنه لا مثيل له.
أو يقال: إن إثبات العلم لهم خاص في باب الربوبية، ونفيه عنهم خاص في باب الألوهية، حيث أشركوا بالله فيها، فنزلوا منزلة الجاهل.
وهذه الآية تتضمن من الكما كمال صفات الله عز وجل، حيث إنه لا مثيل له.
أما الفائدة المسلكية التي تؤخذ من هذه الآية، فهي: كمال تعظيمنا للرب عز وجل، لأننا إذا علمنا أنه لا مثيل له، تعلقنا به رجاءً وخوفاً، وعظمناه، وعلمنا أنه لا يمكن أن يماثله سلطان ولا