الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب على هذا أن نقول: عدل عن التعبير بالفلك والسفينة إلى التعبير بذات ألواح ودسر، ولوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: مرعاة للآيات وفواصلها، فلو قال: حملنا على فلك، لم تتناسب هذه الآية مع ما بعدها ولا ما قبلها. ولو قال: على سفينة، كذلك، لكن من أجل تناسب الآيات في فواصلها وفي كلماتها قال:{عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} .
الوجه الثاني: من أجل أن يتعلم الناس كيف يصنعون السفن، وبيان أنها من الألواح والمسامير، ولهذا قال الله تعالى:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]، فأبقى الله تعالى علمها آية للخلق يصنعون كما ألهم الله تعالى نوحاً.
الوجه الثالث: الإشارة إلى قوتها، حيث كانت من ألواح ودسر، والتنكير هنا للتعظيم.
وروعي التركيز على مادتها، ونظير ذلك في ذكر الوصف دون الموصوف قوله تعالى:{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] ولم يقل: دروعاً، من أجل العناية بفائدة هذه الدروع، وهي أن تكون سابغة تامة، فهذه مثلها.
وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، نقول فيها ما قلناه في قوله تعالى:{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].
الآية الثالثة: قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39].
الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام.
فقوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} : اختلف المفسرون في معناها:
فمنهم من قال: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} ، يعني: أني أحببتك.
ومنهم من قال: ألقيت عليك محبة من الناس، والإلقاء من الله، أي أن: من رآك أحبك، وشاهد هذا أن امرأة فرعون لما رأته أحبته وقالت:{لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [القصص: 9].
ولو قال قائل: أيمكنكم أن تحملوا الآية على المعنيين؟ لقلنا: نعم بناء على القاعدة، وهو أن الآية إذا كانت تحمل معنيين لا منافاة بينهما، فإنها تحمل عليهما جميعاً، فموسى عليه الصلاة والسلام محبوب من الله عز وجل، ومحبوب من الناس، إذا رآه الناس، أحبوه، والواقع أن المعنيين متلازمان، لأن الله تعالى إذا أحب عبداً، ألقى في قلوب العباد محبته.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أحبه الله وحببه إلى خلقه.
ثم قال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} : الصنع: جعل الشيء على صفة معينة، كصنع صفائح الحديد قدوراً، وصنع الأخشاب أبواباً،
وصنع شيء بحسبه، فصناعة البيت: بناء البيت، وصناعة الحديد: جعلها أواني مثلاً أو محركات، وصنع الآدمي: معناه التربية البدنية والعقلية: تربيته البدنية بالغذاء، وتربيته العقلية بالآداب والأخلاق وما أشبه ذلك.
وموسى على الصلاة والسلام حصل له ذلك، فإنه ربي على عين الله:
لما التقط آل فرعون، حماه الله عز وجل من قتلهم، مع أنهم كانوا يقتلون أبناء بني إسرائيل، فقضى الله تعالى أن هذا الذي تقتل الناس من أجله ستربى في أحضان آل فرعون، فالناس يقتلون من أجله، وهو يتربى آمناً في أحضانهم. وأنظر إلى هذه القدرة العظيمة!
ومن تربية الله له عرض على المراضع ـ النساء اللاتي يرضعنه ـ، ولكنه ما رضع من أي واحدة:{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12]، فما رضع من امرأة قط، وكانت أخته قد انتدبت من قبل أمه، فرأتهم، وقالت:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 12]، قالوا: نعم، نحن نود هذا. فقالت: اتبعوني. فتبعوها، قال تعالى:{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [القصص: 13]، ولم يرضع من امرأة قط، مع أنه رضيع لكن هذا من كمال قدرة الله وصدق وعده، لأن الله عز وجل قال لها:{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
الأم شفقتها على ابنها لا أحد يتصورها، قيل لها: اجعلي ابنك في صندوق، وألقيه في البحر، وسيأتي إليك.
لولا الإيمان الذي مع هذه المرأة، ما فعلت هذا الشيء تلقي ابنها في البحر لو أن ابنها سقط في تابوته في البحر، لجرته فكيف وهي التي تلقيه؟ لكن لثقتها بالرب عز وجل ووعده ألقته في اليم.
وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ، بالإفراد، هل ينافي ما سبق من ذكرها بالجمع؟!
الجواب: لا تنافي، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثبت لله من عين، وحينئذ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.
إذاً، يبقى النظر بين التثنية والجمع، فكيف نجمع بينهما؟!
الجواب أن نقول: إن كان أقل الجمع اثنين، فلا منافاة، لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين، فلا ينافيه. وإن كان أقل الجمع ثلاثة، فإن هذا الجمع لا يراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
وقد فسر أهل التحريف والتعطيل العين بالرؤية بدون عين، وقالوا:{بِأَعْيُنِنَا} : برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبداً، لأن العين جزء من الجسم، فإذا أثبتنا العين لله، أثبتنا العين لله، أثبتنا تجزئة وجسماً، وهذا شيء ممتنع، فلا يجوز،
ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية، يعني: كأنما نراك ولنا عين، والأمر ليس كذلك!!
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الثاني: أنه مخالف لإجماع السلف.
الثالث: أنه لا دليل عليه، أي: أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عيناً، فلازم ذلك أنه يرى بتلك العين، وحينئذ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.
صفة السمع والبصر لله تعالى:
الشرح:
ذكر المؤلف رحمه الله في إثبات صفتي السمع والبصر آيات سبعاً:
الآية الأولى: قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1].
{قَدْ} : للتحقيق.
والمجادلة: هي التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها