الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخنزير منقطع، لأنه ليس من بهيمة الأنعام.
وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} : {غَيْرَ} : حال من الكاف في {لَكُمْ} ، يعني: حال كونكم لا تحلون الصيد وأنتم حرم، وهذا الاستثناء منقطع أيضاً، لأن الصيد ليس من بهيمة الأنعام.
وقوله: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} ، يعني: قاتليه في الإحرام، لأن الذي يفعل الشيء يصير كالمحل له، و {الصَّيْدِ}: هو الحيوان البري المتوحش المأكول، هذا هو الصيد الذي حرم في الإحرام.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} : هذه الإرادة شرعية، لأن المقام مقام تشريع، ويجوز أن تكون إرادة شرعية كونية، ونحمل الحكم على الحكم الكوني والشرعي، فما أراده كوناً، حكم به وأوقعه، وما أراده شرعاً، حكم به وشرعه لعباده.
في هذه الآية من الأسماء: الله. والمن الصفات: التحليل، والحكم، والإرادة.
الآية الرابعة:
قوله {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} : المراد بالإرادة هنا الإرادة الكونية، والمراد بالهداية هداية التوفيق، فتجده منشرح الصدر في شرائع الإسلام وشعائره، يفعلها بفرح وسرور
وانطلاق.
فإذا عرف من نفسك هذا، فاعلم أن الله أراد بك خيراً وأراد لك هداية، أما من ضاق به ذرعاً والعياذ بالله فإن هذا علامة على الله لم يرد له هداية، وإلا لا نشرح صدره.
ولهذا تجدون الصلاة التي هي أثقل ما يكون على المنافقين قرة عيون المخلصين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"حبب إلى ما دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"(1)، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيماناً، فانشرح صدره بالصلاة وصارت قرة عينه.
فإذا قيل للشخص: إنه يجب عليك أن تصلي مع الجماعة في المسجد، فانشرح صدره، وقال الحمد لله الذي شرع لي ذلك، ولولا أن الله شرعه، لكان بدعة، وأقبل إليه، ورضي به، فهذا علامة على أن الله أراد أن يهديه وأراد به خيراً.
قال: {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} : {يَشْرَحْ صَدْرَهُ} : بمعنى يوسع، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام لما أرسله الله إلى فرعون:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]، يعني: وسع لي صدري في مناجاة هذا الرجل ودعوته، لأن فرعون كان جباراً عنيداً.
وقوله: {لِلإِسْلامِ} : هذا عام لأصل الإسلام وفروعه
(1) رواه أحمد (3/ 128)، والنسائي (7/ 61)، والحاكم (2/ 160) ، وصححه، وأبو يعلى (6/ 199) عن أنس رضي الله عنه، وحسّن الحافظ في "التلخيص"(3/ 134) رواية النسائي.
وواجباته، وكلما كان الإنسان بالإسلام وشرائعه أشرح صدراً، كان أدل على إرادة الله به الهداية.
وقوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} : من يرد أن يضله: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} ، يعني: كأنه حين يعرض عليه الإسلام يتكلف الصعود إلى السماء، ولهذا جاءت الآية:{يَصَّعَّدُ} ، بالتشديد، ولم يقل: يصعد، كأنه يتكلف الصعود بمشقة شديدة، وهذا الذي يتكلف الصعود لا شك أنه يتعب ويسأم.
ولنفرض أن هذا رجل طلب منه أن يصعد جبلاً رفيعاً وصعباً، فإذا قام يصعد هذا الجبل، سوف يتكلف، وسوف يضيق نفسه ويرتفع وينتهب، لأنه يجد من هذا ضيقاً.
وعلى ما وصل إليه المتأخرون الآن، يقولون: إن الذي يصعد في السماء كلما ارتفع وازداد ارتفاعه، كثر عليه الضغط، وصار أشد حرجاً وضيقاً، وسواء كان المعنى الأول أو المعنى الثاني، فإن هذا الرجل الذي يعرض عليه الإسلام وقد أراد الله أن يضله يجد الحرج والضيق كأنما يصعد في السماء.
ونأخذ من هذه الآية الكريمة إثبات إرادة الله عز وجل.
والإرادة المذكورة هنا إرادة كونية لا غير، لأنه قال:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ} ، {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} ، وهذا التقسيم لا يكون إلا في الأمور الكونيات، أما الشرعية، فالله يريد من كل أحد أن
يستسلم لشرع الله.
وفيها من السلوك والعبادة أنه يجب على الإنسان أن يتقبل الإسلام كله، أصله وفرعه، وما يتعلق بحق الله وما يتعلق بحق العباد، وأنه يجب عليه أن يشرح صدره لذلك، فإن لم يكن كذلك، فإنه من القسم الثاني الذين أراد الله إضلالهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين"(1) ،والفقه في الدين يقتضي قبول الدين، لأن كل من فقه في دين الله وعرفه، قبله وأحبه.
قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]، فهذا إقسام مؤكد بـ (لا)، وإقسام بأخص ربوبية من الله عز وجل لعباده ـ وهي ربوبية الله للرسول ـ على نفي الإيمان عمن لم يقم بهذه الأمور:
الأول: تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} ، يعني: الرسول: فمن طلب التحاكم إلى غير الله ورسوله، فإنه ليس بمؤمن، فإما كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإما كافر كفراً دون ذلك.
الثاني: انشراح الصدر بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، بل يجدون القبول والانشراح لما قضاه النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه البخاري (71) كتاب العلم/ باب "من يرد الله به خيراً"، ومسلم (1037) كتاب الزكاة/ باب النهي عن المسألة عن معاوية أبي سفيان رضي الله عنه.