الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثبات الوجه، فهذا تحريف وغير مقبول.
وعليه فنقول: {إِلاّ وَجْهَهُ} ، أي: إلا ذاته المتصفة بالوجه، وهذا ليس فيه شيء، لأن الفرق بين هذا وبين قول أهل التحريف أن هؤلاء يقولون: إن المراد بالوجه الذات، لأن له وجهاً، فعبر به عن الذات.
إثبات اليدين لله تعالى
الشرح:
ذكر المؤلف رحمه الله لإثبات اليدين لله تعالى آيتين:
الآية الأولى:
قوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].
{مَا مَنَعَكَ} : الخطاب لإبليس.
و {مَا مَنَعَكَ} : استفهام للتوبيخ، يعني أي شيء منعك أن تسجد.
وقوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} : ولم يقل: لمن خلقت، لأن المراد هنا آدم، باعتبار وصفه الذي لم يشركه أحد فيه، وهو خلق الله إياه بيده، لا باعتبار شخصه.
ولهذا لما أراد إبليس النيل من آدم وخط قدره، قال:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 16].
ونحن قد قررنا أنه إذا عبر بـ (ما) عما يعقل، فإنه يلاحظ فيه معنى الصفة لا معنى العين والشخص، ومنه قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، لم يقل:(من)، لأنه ليس المراد عين هذه المرأة، ولكن المراد الصفة.
فهنا قال: {لِمَا خَلَقْتُ} ، أي: هذا الموصوف العظيم الذي أكرمته بأنني خلقته بيدي، ولم يقصد: لمن خلقت، أي: لهذا الآدمي بعينه.
وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} : هي كقول القائل: بريت بالقلم والقلم آلة البري، وتقول: صنعت هذا بيدي، فاليد هنا آلة الصنع.
{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، يعني: أن الله عز وجل خلق آدم بيده، وهنا قال:{بِيَدَيَّ} ، وهي صيغة تثنية، وحذفت النون من التثنية من أجل الإضافة، كما يحذف التنوين، نحن عندما نعرب المثنى وجمع المذكر السالم، نقول: النون عوض من التنوين في الاسم المفرد. والعوض له حكم المعوض، فكما أن التنوين يحذف عند الإضافة، فنون التثنية والجمع تحذف عند الإضافة.
في هذه الآية توبيخ إبليس في تركه السجود لما خلقه الله بيده، وهو آدم عليه الصلاة والسلام.
وفيها: إثبات صفة الخلق: {لِمَا خَلَقْتُ} .
وفيها: إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى: اليدين اللتين بهما
يفعل، كالخلق هنا. اليدين اللتين بهما يقبض:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]، وبهما يأخذ، فإن الله تعالى يأخذ الصدقة فيربيها كما يربي الإنسان فلوه (1).
وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} : فيها أيضاً تشريف لآدم عليه الصلاة والسلام، حيث خلقه الله تعالى بيده.
قال أهل العلم: وكتب الله التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده (2).
فهذه ثلاثة أشياء، كلها كانت بيد الله تعالى.
ولعلنا بالمناسبة لا ننسى ما مر من قول النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله خلق آدم على صورته"(3) ، وذكرنا أن أحد الوجهين الصحيحين في تأويلها أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها واعتنى بها، ولهذا أضافها الله إلى نفسه إضافة تشريف
(1) لما رواه البخاري (1410) كتاب الزكاة/ باب لا يقبل الله صدقة من غلول"، ومسلم (114) كتاب الزكاة/ باب قبول الصدقة من الكسب الطيبعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليصدق بالتمر من طيب، ولا يقبل الله إلاّ طيباً، فيجعلها الله في يده اليمنى، ثم يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تصير مثل أحد".
(2)
رواه الدارمي في "الرد على بشر المريسي"(ص 35) ، الحاكم (2/ 319) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(ص 304) ، عن ابن عمر موقوفاً. وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، وهو كما قالا، والحديث له حكم الرفع. وانظر:"مختصر العلو"(104) ، و"حادي الأرواح" لابن القيم (84).
(3)
تقدم تخريجه ص (107).