الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: تعالى {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} [فاطر: 11]، فيقولون: إن زيادة الحروف في اللغة العربية للتوكيد أمر مطرد.
والقول الثاني: قالوا العكس، قالوا: إن الزائد (مثل)، ويكون التقدير: ليس كهو شيء، لكن هذا ضعيف، يضعفه أن الزيادة في الأسماء في اللغة العربية قليلة جداً أو نادرة، بخلاف الحروف، فإذا كنا لا بد أن نقول بالزيادة، فليكن الزائد الحرف، وهي الكاف.
والقول الثالث: أن (مثل) بمعنى: صفة، والمعنى:"ليس كصفته شيء"، وقالوا: إن المثل والشبه والشبه في اللغة العربية بمعنى واحد، وقد قال الله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [محمد: 15]، أي: صفة الجنة، وهذا ليس ببعيد من الصواب.
القول الرابع: أنه ليس في الآية زيادة، لكن إذا قلت:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، لزم من ذلك نفي المثل، وإذا كان ليس للمثل مثل، صار الموجود واحداً، وعلى هذا، فلا حاجة إلى ان نقدر شيئاً. قالوا: وهذا قد وجد في اللغة العربية، مثل قوله: ليس كمثل الفتى زهير.
والحقيقة أن هذه البحوث لو لم تعرض لكم، لكان معنى الآية واضحاً، ومعناها أن الله ليس له مثيل، لكن هذا وجد في الكتب، والراجح: أن نقول، إن الكاف زائدة لكن المعنى الأخير لمن تمكن من تصوره أجود.
و
قوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58] ".
هذه الآية تكملة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، فأمر عز وجل بأن نؤدي الأمانات إلى أهلها، ومنها الشهادة للإنسان له أو عليه، وأن نحكم إذا حكمنا بين الناس بالعدل، فبين الله سبحانه وتعالى أنه يأمرنا بالقيام بالواجب في طريق الحكم وفي الحكم نفسه، وطريق الحكم الذي هو الشهادة تدخل في عموم قوله:{أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، والحكم:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} ، ثم قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، أصلها: نعم ما ولكن ادغمت الميم بالميم من باب الإدغام الكبير، لأن الإدغام لا يكون بين جنسين إلا إذا كان الأول ساكناً، وهنا صار الإدغام مع أن الأول مفتوح.
وقوله: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} : جعل الله سبحانه الأمر بهذين الشيئين ـ أداء الأمانة والحكم بالعدل ـ موعظة، لأنه تصلح به القلوب، وكل ما يصلح القلوب، فهو موعظة، والقيام بهذه الأوامر لا شك أن يصلح القلب.
ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} ، وقوله:{كَانَ} : هذه فعل، لكنها مسلوبة الزمن، فالمراد به الدلالة على الوصف فقط، أي: أن الله متصف بالسمع والبصر، وإنما قلنا: إنها مسلوبة الزمن، لأننا لو أبقيناها على دلالتها الزمانية، فالمراد بها الدلالة على الوصف فقط، أي: أن الله متصف بالسمع والبصر، وإنما قلنا: إنها مسلوبة الزمن، لأننا لو أبقيناها على دلالاتها الزمانية، لكان هذا الوصف قد انتهى، كان في الأول سميعاً بصيراً، أما الآن فليس كذلك، ومعلوم أن هذا المعنى فاسد باطل، وإنما المارد أنه متصف بهذين
الوصفين السمع والبصر على الدوام، و (كان) في مثل هذا السياق يراد به التحقيق.
قوله: {سَمِيعاً بَصِيراً} : نقول فيها كما قلنا في الآية التي قبلها: فيها إثبات السمع لله بقسميه، وإثبات البصر بقسميه.
قرأ أبو هريرة هذه الآية، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع إبهامه وسبابته على عينه وأذنه (1). والمراد بهذا الوضع تحقيق السمع والبصر، لا إثبات العين والأذن، فإن ثبوت العين جاءت في أدلة أخرى، والأذن عند أهل السنة والجماعة لا تثبت لله ولا تنفى عنه لعدم ورود السمع بذلك.
فإن قلت: هل لي أن أفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: من العلماء من قال: نعم، افعل كما فعل الرسول، لست أهدى للخلق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولست أشد تحرزاً من أن يضاف إلى الله ما لا يليق من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من قال: لا حاجة إلى أن تفعل ما دمنا نعلم أن المقصود هو التحقيق فهذه الإشارة إذاً غير مقصودة بنفسها، إنما هي مقصودة لغيرها، وحينئذ، لا حاجة إلى أن تشير، لا سيما إذا كان يخشي من هذه الإشارة توهم الإنسان التمثيل، كما لو كان أمامك عامة من الخلق لا يفهمون الشيء على ما ينبغي، فهذا ينبغي التحرز منه، ولكل مقام مقال.
(1) تقدم تخريجه (ص 85).
وكذلك ما ورد في حديث ابن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأخد الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله"، ويقبض أصابعه ويبسطها (1). فيقال فيه ما قيل في حديث أبي هريرة.
والفائدة المسلكية من الإيمان بصفتي السمع والبصر: أن نحذر مخالفة الله في أقوالنا وأفعالنا.
وفي الآية من أسماء الله إثبات اسمين هما: السميع، والبصير. ومن الصفات: إثبات السمع، والبصر، والأمر، والموعظة.
وقوله: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّهِ} [الكهف: 39].
وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].
وقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1].
(1) رواه مسلم (2788) كتاب صفات المنافقين/ عن ابن عمر رضي الله عنهما.