الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجيء، ولم يخبرنا كيف يجيء، ولأن الكيفية لا تعلم إلا بالمشاهدة أو مشاهدة النظير أو الخبر الصادق عنها، وكل هذا لا يوجد في صفات الله تعالى، ولأنه إذا جهلت الذات، جهلت الصفات، أي: كيفيتها، فالذات موجودة وحقيقية ونعرفها ونعرف ما معنى الذات وما معنى الذات وما معنى النفس، وكذلك نعرف ما معنى المجيء، لكن كيفية الذات أو النفس وكيفية المجيء غير معلوم لنا.
فنؤمن بأن الله يأتي حقيقة وعلى كيفية تليق به مجهولة لنا.
مخالفو أهل السنة والجماعة والرد عليهم:
وخالف أهل السنة والجماعة في هذه الصفة أهل التحريف والتعطيل، فقالوا: إن الله لا يأتي، لأنك إذا أثبت أن الله يأتي، ثبت أنه جسم، والأجسام متماثلة
فنقول: هذه دعوى وقياس باطل، لأنه في مقابلة النص، وكل شيء يعود إلى النص بالإبطال، فهو باطل، لقوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].
فإذا قالت: إن هذا الذي عاد النص بالإبطال هو الحق، صار النص باطلاً ولا بد، وبطلان النص مستحيل. وإن قلت: إن النص هو الحق، صار هذا باطلاً ولابد.
ثم نقول: ما المانع من أن يأتي الله تعالى بنفسه على الكيفية التي يريدها؟ يقولون: المانع أنك إذا اثبت ذلك، فأنت ممثل.
نقول: هذا خطأ، فإننا نعلم أن المجيء والإتيان يختلف حتى
بالنسبة للمخلوق، فالإنسان النشيط الذي يأتي كأنما ينحدر من مرتفع من نشاطه، لكنه لا يمشي مرحاً وإن شئت فقل: إنه يمش مرحاً: هل هذا كالإنسان الذي يمشي على عصا ولا ينقل رجلاً من مكانها إلا بعد تعب.
والإتيان يختلف من وجه آخر، فإتيان إنسان مثلاً من كبراء البلد أو من ولاة الأمور ليس كإتيان شخص لا يحتفى به.
ماذا يقول المعطل في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ونحوها؟
الجواب: يقول: المعنى: جاء أمر ربك، وأتى أمر ربك؟ لأن الله تعالى قال:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، فيجب أن نفسر كل إتيان أضافة الله إلى نفسه بهذه الآية، ونقول: المراد: أتى أمر الله.
فيقال: إن هذا الدليل الذي استدللت به هو دليل عليك وليس لك لو كان الله تعالى يريد إتيان أمره في الآيات الأخرى، فما الذي يمنعه أن يقول: أمره؟ فلما أراد الأمر، عبر بالأمر، ولما لم يرده، لم يعبر به.
وهذا في الواقع دليل عليك، لأن الآيات الأخرى ليس فيها إجمال حتى نقول: إنها بينت بهذه الآية. فالآيات الأخرى واضحة، وفي بعضها تقسيم يمنع إرادة مجيء الأمر:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158]؛ هل يستقيم لشخص أن يقول: {يَأْتِيَ رَبُّكَ} ، أي: أمره في مثل هذا التقسيم؟!