الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه
آيات المعية:
الآية الأولى: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]: والشاهد فيها قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، وهذه من المعية العامة؛ لأنها تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة وسلطاناً وسمعاً وبصراً وغير ذلك من معاني الربوبية.
الآية الثانية: قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ
إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].
{مَا يَكُونُ} : {يَكُونُ} ؛ تامة يعني: ما يوجد.
وقوله: {مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} : قيل: إنها من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وأصلها: من ثلاثة نجوى، ومعنى {نَجْوَى}؛ أي: متناجين.
وقوله: {إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} ولم يقل: إلا هو ثالثهم؛ لأنه من غير الجنس، وإذا كان من غير الجنس، فإنه يؤتى بالعدد التالي، أما إذا كان من الجنس؛ فإنه يؤتى بنفس العدد، أنظر قوله تعالى عن النصارى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73]، ولم يقولوا: ثالث أثنين؛ لأنه من الجنس على زعمهم فعندهم كل الثلاثة آلهة، فلما كان من الجنس
على زعمهم؛ قالوا فيه: ثالث ثلاثة.
قوله: {وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ} ذكر العدد الفردي ثلاثة وخمسة، وسكت عن العدد الزوجي، لكنه داخل في قوله:{وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ} : الأدنى من ثلاثة أثنان، {وَلا أَكْثَرَ} من خمسة، ستة فما فوق.
ما من اثنين فأكثر يتناجيان بأي مكان من الأرض؛ إلا والله عز وجل معهم.
وهذه المعية عامة؛ لأنها تشمل كل أحد: المؤمن، والكافر، والبر، والفاجر، ومقتضاها الإحاطة بهم علماً وقدرة وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك.
وقوله: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ؛ يعني: أن هذه المعية تقتضي إحصاء ما عملوه؛ فإذا كان يوم القيامة؛ نبأهم بما عملوا؛ يعني: أخبرهم به وحاسبهم عليه؛ لأن المراد بالإنباء لازمه، وهو المحاسبة، لكن إن كانوا مؤمنين؛ فإن الله تعالى يحصي أعمالهم، ثم يقول:"سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"(1).
وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} : كل شيء موجود أو معدوم، جائز أو واجب أو ممتنع، كل شيء؛ فالله عليم به.
(1) تقدم تخريجه (1/ 253) ، وهو في الصحيحين.
وقد سبق لنا الكلام على صفة العلم، وأن علم الله يتعلق بكل شيء، حتى بالواجب والمستحيل والصغير والكبير، والظاهر والخفي.
الآية الثالثة: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
الخطاب لأبي بكر من النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
أولاً: نصره حين الإخراج و {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
ثانياً: وعند المكث في الغار {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} .
ثالثاً: عند الشدة حينما وقف المشركون على فم الغار: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ} .
فهذه ثلاثة مواقع بين الله تعالى فيها نصره لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذا الثالث حين وقف المشركون عليهم؛ يقول أبو بكر: "يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه؛ لأبصرنا"(1)؛ يعني: إننا على خطر؛ كقول أصحاب موسى لما وصلوا إلى البحر: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]، وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر رضي الله عنه:{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} . فطمأنه وأدخل الأمن في نفسه، وعلل ذلك بقوله:
(1) رواه البخاري (3653) ، ومسلم (2381)؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقوله: {لا تَحْزَنْ} : نهي يشمل الهم مما وقع وما سيقع؛ فهو صالح للماضي والمستقبل.
والحزن: تألم النفس وشدة همها.
{إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} : وهذه المعية خاصة، مقيدة بالنبي صلى الله عليه وسلموأبي بكر، وتقتضي مع الإحاطة التي هي المعية العامة النصر والتأييد.
ولهذا وقفت قريش على الغار، ولم يبصروهما! أعمى الله أبصارهم.
وأما قول من قال: فجاءت العنكبوت فنسجت على باب الغار، والحمامة وقعت على باب الغار، فلما جاء المشركون، وإذا على الغار، حمامة وعش عنكبوت، فقالوا: ليس فيه أحد؛ فانصرفوا (1). فهذا باطل!!
الحماية الإلهية والآية البالغة أن يكون الغار مفتوحاً صافياً؛ ليس فيه مانع حسي، ومع ذلك لا يرون من فيه، هذه هي الآية!! أما أن تأتي حمامة وعنكبوت تعشش؛ فهذا بعيد، وخلاف قوله:"لو نظر أحدهم إلى قدمه، لأبصرنا".
(1) نسبه الهيثمي في "المجمع"(6/ 53) للبزار والطبراني وقال: "وفيه جماعة لا أعرفهم"، ورواه ابن سعد في "الطبقات"(1/ 229) ، وانظر "الضعيفة" للألباني (1128) فقد ضعفه.