الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد فسرها بالنظر إلى وجه الله، وهي زيادة على نعيم الجنة.
إذاً؛ فهي نعيم ليس من جنس النعيم في الجنة؛ لأن جنس النعيم في الجنة نعيم بدن، أنهار، وثمار، وفواكه، وأزواج مطهرة ..... وسرور القلب فيها تبع، لكن النظر إلى وجه الله نعيم قلب، لا يرى أهل الجنة نعيماً أفضل منه، نسأل الله أن يجعلنا ممن يراه.
وهذا نعيم ما له نظير أبداً، لا فاكهة، ولا أنهار، ولا غيرها أبداً، ولهذا قال:{وَزِيَادَةٌ} أي: زيادة على الحسنى.
الآية الرابعة: قوله {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [
ق: 35].
قوله: {مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} ؛ أي: في الجنة كل ما يشاؤون.
وقد ورد في الحديث الصحيح أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل. فقال: "إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرساً، ومن ياقوتة حمراء، تطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت". وقال الأعرابي: يا رسول الله! أفي الجنة إبل؟ قال: "يا أعرابي! إن يدخلك الله الجنة؛ أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذة عينك"(1).
(1) رواه الإمام أحمد (5/ 352) ، والترمذي (2543) ، وأبو نعيم في زياداته على "الزهد" لابن مبارك (271) ، والبغوي في "شرح السنة"(4385) عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف سن الترمذي"(459).
فإذا اشتهى أي شيء فإنه يكون يتحقق حتى إن بعض العلماء يقول: لو اشتهى الولد لكان له ولد، فكل شيء يشتهونه فهو لهم.
قال تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71].
وقوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ، أي: مزيد على ما يشاؤون.
يعني: أن الإنسان إذا شاء شيئاً يعطى زيادة كما جاء في الحديث الصحيح في آخر أهل الجنة دخولاً يعطى الله عز وجل نعيماً، نعيماً
…
ويقول: له: "لك مثله وعشرة أمثاله"(1). فهو أكثر مما يشاء.
وفسر المزيد كثير من العلماء بما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة، وهي: النظر إلى وجه الله الكريم.
فتكون الآية التي ساقها المؤلف لإثبات رؤية الله تعالى أربعة.
وهناك آية الخامسة استدل بها الشافعي رحمه الله، وهي قوله تعالى:{كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
ووجه الدلالة أنه ما حجب هؤلاء في الغضب، إلا رآه أولئك
(1) رواه مسلم (188) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
في الرضى، فإذا كان الغضب محجوب عن الله فأهل الرضى يرون الله عز وجل.
وهذا استدلال قوي جداً لأنه لو كان الكل محجوبين لم يكن مزية لذة هؤلاء.
وعلى هذا، فنقول: الآية خمس، ويمكن أن نلحق بها قوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] على ما سنقرره في الرد على النفاة إن شاء الله.
فهذا قول أهل السنة في رؤية الله تعالى وأدلتهم، وهي ظاهر جلية، لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر.
وخالفهم في ذلك طوائف من أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، واستدلوا بأدلة سمعية متشابة وأدلة عقلية متداعية:
أما الأدلة السمعية:
فالأول: قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف: 143].
ووجه الدلالة أن (لن) للنفي المؤبد، والنفي خبر، وخبر الله تعالى صدق، لا يدخله النسخ.
والرد عليهم من وجوه:
- الأول: منع كون (لن) للنفي المؤبد؛ لأنه مجرد دعوى:
قال ابن مالك في "الكافية":
ومن رأى النفي بلن مؤبداً
…
فقوله اردد وسواه فاعضدا
- الثاني: أن موسى عليه صلاة والسلام لم يطلب من الله الرؤية في الآخرة؛ وإنما طلب رؤية حاضرة؛ لقوله: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} ؛ أي: الآن. فقال الله تعالى له: {لَنْ تَرَانِي} ؛ يعني: لن تستطيع أن تراني الآن، ثم ضرب الله تعالى له مثلاً بالجبل حيث تجلى الله تعالى له فجعله دكاً، فقال:{وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} ، فلما رأى موسى ما حصل للجبل؛ علم أنه هو لا طاقة برؤية الله، وخر صعقاً لهول ما رأى.
ونحن نقول: إن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة؛ لأن الحال البشرية لا تستطيع تحمل رؤية الله عز وجل كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: "حجابه النور، لو كشف لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(1).
أما رؤية الله تعالى في الآخرة فممكنة؛ لأن الناس في ذلك اليوم يكونون في عالم آخرة تختلف فيه أحوالهم عن حالهم في الدنيا؛ كما يعلم ذلك من نصوص الكتاب والسنة فيما يجري للناس في عرصات القيامة وفي مقرهم في دار النعيم أو الجحيم.
- الوجه الثالث: أن يقال استحالة رؤية الله في الآخرة عند
(1) سبق تخريجه ص (284).
المنكرين لها مبنية على أن إثباتها يتضمن نقصاً في حق الله تعالى! كما يعللون نفيهم بذلك، وحينئذ يكون سؤال موسى لربه الرؤية دائراً بين الجهل بما يجب لله ويستحيل في حقه أو الاعتداء في دعائه حين طلب من الله ما لا يليق به إن كان عالماً بأن ذلك مستحيل في حق اللهو وحينئذ يكون هؤلاء النفاة أعلم من موسى فيما يجب لله تعالى ويستحيل في حقه!! وهذا غاية الضلال!
وبهذا الوجه يتبين أن في الآية دليلاً عليهم لا دليلاً لهم.
وهكذا كل دليل من الكتاب والسنة الصحيحة يستدل به على باطل أو نفي حق فسيكون دليلاً على من أورده، لا دليلاً له.
الدليل الثاني لنفاة رؤية الله تعالى: قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].
والرد عليهم: أن الآية فيها نفي الإدراك، والرؤية لا تستلزم الإدراك؛ ألا ترى أن الرجل يرى الشمس ولا يحيط بها إدراكاً؟!
فإذا أثبتنا أن الله تعالى يرى؛ لم يلزم أن يكون يدرك بهذه الرؤية لأن الإدراك أخص من مطلق الرؤية.
ولهذا نقول: إن نفي الإدراك يدل على وجوه أصل الرؤية لأن نفي الأخص يدل على وجوه الأعم ولو كان الأعم منتفياً لوجب نفيه وقيل: لا تراه الأبصار، لأن نفيه يقتضي نفي الأخص ولا عكس ولأنه لو كان الأعم منتفياً لكان نفي
الأخص إيهاماً وتلبيساً ينزه عنه كلام الله عز وجل.
وعلى هذا يكون في الآية دليل عليهم لا دليل لهم.
وأما أدلة نفاة الرؤية العقلية؛ فقالوا: لو كان الله يرى لزم أن يكون جسماً والجسم ممتنع على الله تعالى لأنه يستلزم التشبيه والتمثيل.
والرد عليهم: أنه إن كان يلزم ن رؤية الله تعالى أن يكون جسماً فليكن ذلك، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛ لأن الله تعالى يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
على أن القول بالجسم نفياً أو إثباتاً مما أحدثه المتكلمون وليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه.
وقد أجاب النفاة عن أدلة أهل الإثبات بأجوبة باردة، فحرفوها تحريفاً لا يخفى على أحد وليس هذا موضع ذكرها وهي مذكورة في الكتب المطولة.
ما نستفيد من الناحية المسلكية من هذا الآيات:
أما في مسألة الرؤية؛ فما أعظم أثرها على الاتجاه المسلكي؛ لأن الإنسان إذا وجد أن غاية ما يصل إليه من الثواب هو النظر إلى وجه الله كانت الدنيا كلها رخيصة عنده؛ وكل شيء يرخص في جانب الوصول إلى رؤية الله عز وجل لأنها غاية كل طالب، ومنتهى المطالب.
فإذا علمت انك سوف ترى ربك عياناً بالبصر فوالله لا تساوي الدنيا عندك شيئاً.
فكل الدنيا ليست بشيء؛ لأن النظر إلى وجه الله هو الثمرة التي يتسابق فيها المتسابقون، ويسعى إليها الساعون وهي غاية المرام من كل شيء.
فإذا علمت هذا فهل تسعى إلى الوصول إلى ذلك أم لا؟!
والجواب: نعم؛ أسعى إلى الوصول إلى ذلك بدون تردد.
وإنكار الرؤية في الحقيقة حرمان عظيم، لكن الإيمان بها يسوق الإنسان سوقاً عظيماً إلى الوصول إلى هذا الغاية؛ فهو يسر ولله الحمد؛ فالدين كله يسر حتى إذا وجد الحرج تيسر الدين فأصله ميسر وإذا وجد الحرج تيسر ثانية، وإذا لم يمكن القيام به أبداً سقط؛ واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة.
قال المؤلف رحمه الله: "وهذا الباب في كتاب الله كثير ومن تدبر القرآن طالباً للهدى تبين له طريق الحق".
قوله: "وهذا الباب": الإشارة هنا إلى باب الأسماء والصفات.
قوله: "في كتاب الله كثير": ولذلك؛ ما من آية من كتاب الله إلا وتجد فيها غالباً اسماً من أسماء الله أو فعلاً من أفعاله أو حكماً من أحكامه بل لو شئت لقلت: كل آية في كتاب الله
فهي صفة من صفات الله لأن القرآن الكريم كلام الله عز وجل؛ فكل آية منه فهي صفة من صفات الله عز وجل.
وقوله: "ومن تدبر القرآن": تدبر الشيء معناه: التفكر فيه، كان الإنسان يستدبره مرة ويستقبله أخرى فهو يكرر اللفظ ليفهم المعنى
فالذي يتدبر القرآن بهذا الفعل واما النية فهي أن يكون "طالباً للهدى" منه فليس قصده بتدبر القرآن أن ينتصر لقوله، أو أن يتخذ منه مجادلة بالباطل، ولكن قصده طلب الحق فإنه سوف تكون النتيجة قول المؤلف:"تبين له طريق الحق".
وما أعظمها من نتيجة!!
لكنها مسبوقة بأمرين: التدبر وحسن النية بأن يكون الإنسان طالباً للهدى من القرآن فحينئذ يتبين له طريق الحق.
والدليل على ذلك عدة آيات؛ منها:
قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص: 29].
وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 32].
والآيات في هذا كثيرة تدل على أن من تدبر القرآن - لكن بهذه النية، وهي طلب الهدى منه- لابد أن يصل إلى النتيجة وهي تبين طريق الحق.
أما من تدبر القرآن ليضرب بعضه ببعض وليجادل بالباطل ولينصر قوله كما يوجد عند أهل البدع وأهل الزيغ فإنه يعمى عن الحق والعياذ بالله:
لأن الله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]؛ على تقدير (أما)؛ أي: وأما راسخون في العلم فـ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، وإذا قالوا هذا القول؛ فسيهديهم إلى بيان هذا المتشابه ثم قال:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُو الألْبَابِ} [آل عمران: 7].
وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].