الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرحمة تكون لكل أحد، ولهذا أجمع العلماء على أنك يجوز أن تقول: فلان رحمه الله، واختلفوا، هل يجوز أن تقولك فلان صلى الله عليه؟ وهذا يدل على أن الصلاة غير الرحمة. وأيضاً، فقد قال الله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]، والعطف يقتضي المغايرة، إذاً، فالصلاة أخص من الرحمة، فصلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
وكذلك قوله: "وعلى آله"، و (آله) هنا: أتباعه على دينه هذا إذا ذكرت الآل وحدها أو مع الصحب، فإنها تكون بمعنى أتباعه على دينه منذ بعث إلى يوم القيامة ويدل على أن الآل بمعنى الأتباع على الدين قوله تعالى في آل فرعون:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، أي: أتباعه على دينه.
أما إذا قرنت بالأتباع، فقيل: آله وأتباعه، فالآل هم المؤمنون من آل البيت، أي: بيت الرسول عليه الصلاة والسلام.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يذكر الأتباع هنا، قال:"آله وصحبه"، فنقول: آله هم أتباعه على دينه، وصحبه كل من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.
وعطف الصحب هنا على الآل من باب عطف الخاص على العام، لأن الصحبة أخص من مطلق الإتّباع.
قوله: "وسلم تسليماً مزيداً
": (سلم) فيها السلامة من الآفات، وفي الصلاة حصول الخيرات، فجمع المؤلف في هذه
الصيغة بين سؤال الله تعالى أن يحقق لنبيه الخيرات ـ وأخصها: الثناء عليه في الملأ الأعلى ـ وأن يزيد عنه الآفات، وكذلك من اتبعه.
والجملة في قوله: "صلى" و "سلم" خبرية لفظاً طلبية معنى، لأن المراد بها الدعاء.
قوله: "مزيداً"، بمعنى: زائداً أو زيادة، والمراد تسليماً زائداً على الصلاة، فيكون دعاء آخر بالسلام بعد الصلاة.
والرسول عند أهل العلم: "من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه".
وقد نبئ صلى الله عليه وسلم بـ {اقْرَأْ} وأرسل بالمدثر (1)، فبقوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . إلى قوله: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] كان نبياً، وبقوله:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1، 2] كان رسولا عليه الصلاة والسلام.
* قوله: "أماّ بعد؛ فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة؛ أهل السنة والجماعة".
شرح:
"أما بعد": (أما) هذه نائبة عن اسم شرط وفعله، التقدير: مهما يكن من شيء، قال ابن مالك:
(1) انظر "صحيح البخاري"(3 و 4).
أما كمهما يك من شيء وفا
…
لتلو تلوها وجوباً ألفا
فقولهم: أما بعد: التقدير: مهما يكن من شيء بعد هذا، فهذا.
وعليه، فالفاء هنا رابطة للجواب والجملة بعدها في محل جزم جواب الشرط، ويحتمل عندي أن تكون:"أما بعد، فهذا"، أي أن (أما) حرف شرط وتفصيل أو حرف شرط فقط مجرد عن التفصيل، والتقدير: أما بعد ذكر هذا، فأنا أذكر كذا وكذا. ولا حاجة أن نقدر فعل شرط، ونقول: إن (أما) حرف ناب مناب الجملة.
"فهذا اعتقاد": "فهذا": الإشارة لابد أن تكون إلى شيء موجود، أنا عندما أقول: هذا، فأنا أشير إلى شيء محسوس ظاهر، وهنا المؤلف كتب الخطبة قبل الكتاب وقبل أن يبرز الكتاب لعالم الشاهد، فكيف ذلك؟!
أقول: إن العلماء يقولون: إن كان المؤلف كتب الكتاب ثم كتب المقدمة والخطبة، فالمشار إليه موجود ومحسوس، ولا فيه إشكال، وإن لم يكن كتبه، فإن المؤلف يشير إلى ما قام في ذهنه عن المعاني التي سيكتبها في هذا الكتاب، وعندي فيه وجه ثالث، وهو أن المؤلف قال هذا باعتبار حال المخاطب، والمخاطب لم يخاطب بذلك إلا بعد أن برز الكتاب وصدر، فكأنه يقول:"فهذا الذي بين يديك كذا وكذا".
هذه إذاً ثلاثة أوجه.
"اعتقاد": افتعال من العقد وهو الربط والشد هذا من حيث التصريف اللغوي، وأما في الاصطلاح عندهم، فهو حكم الذهن الجازم، يقال: اعتقدت كذا، يعنى: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع، فصحيح، وإن خالف الواقع، ففاسد، فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل، لأنه مخالف للواقع ووجه ارتباطه بالمعنى اللغوي ظاهر، لأن هذا الذي حكم في قلبه على شيء ما كأنه عقده عليه وشده عليه بحيث لا يتفلت منه.
و"الفرقة" بكسر الفاء، بمعنى: الطائفة، قال الله تعالى:{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122]، وأما الفرقة بالضم، فهي مأخوذة من الافتراق.
و" الناجية": اسم فاعل من نجا، إذا سلم، ناجية في الدنيا من البدع سالمة منها وناجية في الآخرة من النار.
ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"(1).
هذا الحديث يبين لنا معنى (الناجية)، فمن كان على مثل ما
(1) رواه الترمذي (2641) / كتاب الإيمان/ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة. واللالكائي في "شرح السنة"(147)، والحاكم (1/ 129) والآجري (15 و 16) ، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بإسناد فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وهو ضعيف لسؤ حفظه، ولكن للحديث شاهد من أنس رضي الله عنه أخرجه الطبراني في " الضغير"(724) ، والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 262) ، وبه يرتقي إلى درجة الحسن.
عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فهو ناج من البدع. و"كلها في النار إلا واحدة": إذا هي ناجية من النار، فالنجاة هنا من البدع في الدنيا، ومن النار في الآخرة.
" المنصورة إلى قيام الساعة " عبر المؤلف بذلك موافقة للحديث، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"(1)، والظهور الانتصار، لقوله تعالى:{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 14]، والذي ينصرها هو الله وملائكته والمؤمنون، فهي منصورة إلى قيام الساعة، منصورة من الرب عز وجل، ومن الملائكة، ومن عباده المؤمنين، حتى قد ينصر الإنسان من الجن، ينصره الجن ويرهبون عدوه.
"إلى قيام الساعة"، أي: إلى يوم القيامة، فهي منصورة إلى قيام الساعة.
وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق (2)، وأنه لا تقوم حتى لا يقال:
(1) ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وهو حديث متواتركما نص على ذلك:
شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط"(1/ 69)، والكتاني في:"نظم المتناثر"(94) ، والزبيدي في "لقة اللالئ المتناثرة"(68) ، والألباني في "صلاة العيدين"(ص 39 - 40). أخرجه البخاري/ كتاب المناقب/ باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، ومسلم/ كتاب الإمارة/ باب قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة .... ".
(2)
رواه مسلم (2949) عن ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب الفتن، باب قرب الساعة.