الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة:
وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير؛ إلا من أفطر بجماع في الفرج؛ فإنه يقضي ويعتق رقبة؛ فإن لم يجد؛ فصيام شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع؛ فإطعام ستين مسكيناً؛ فإن لم يجد؛ سقطت عنه
.
في هذا الكلام فصول:
أحدها: أن المفطرين قسمان:
أحدهما: ومَنْ يباح له الفطر، وهم الأربعة المذكورون أولاً المريض والمسافر والحائض والنفساء والمرضع والحامل والعاجز عن الصوم، وقد تقدم حكمهم، وهؤلاء ليس عليهم كفارة، سوى الكفارة الصغرى المذكورة.
الثاني: من أفطر بغير هذه الأعذار، وسيأتي أنواع المفطرات؛ فهؤلاء يجب عليهم القضاء عن كل يومٍ يوماً؛ كما يجب القضاء على مَنْ فوَّت الصلاة؛ لأنه إذا وجب القضاء على المعذور؛ فعلى غير المعذور أولى، مع أن الفطر متعمداً من الكبائر، وفوات العين باقٍ في ذمته، وعليه أن يتوب منه، وهو أعظم من أن يمحوه كفارة مقدرة أو تكرار الصيام أو غير ذلك.
250 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي وقع على امرأته في رمضان أن يقضي يوماً مكانه ويستغفر الله. رواه أبو داوود وابن ماجه.
251 -
وهذا معنى ما يُروى عن أبي المطوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة؛ لم يجزه صيام الدهر» . وفي لفظ: «لم يقض عنه صيام الدهر» . رواه الخمسة، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال البخاري في «صحيحه» : ويُذكر عن أبي هريرة رفعه: «من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر ولا مرض؛ لم يقضه صيام الدهر، وإن صامه» . وبعه قال ابن مسعود.
252 -
253 - قال ابن عبد البر: وعن علي وابن مسعود مثله.
وقال:
254 -
259 - سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم
وقتادة وحماد: يقضي يوماً مكانه.
260 -
وقد روى النسائي، عن علي بن الحسين، عن أبي هريرة: أن رجلاً أفطر في شهر رمضان، فأتى أبا هريرة، فقال:«لا يقبل منك صوم سنة» .
261 -
وعن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ قال:«من أفطر يوماً من رمضان؛ لم يقضه يوم من أيام الدنيا» .
وإنما كان كذلك لأن الله سبحانه أوجب عليه صوم ذلك اليوم المعيَّن، وذلك اليوم لا يكون مثله إلا في شهر رمضان، لكن صوم ذلك المثل واجب بنفسه أداءً، فلا يمكن أن يُصام قضاءً عن غيره، فلو صام الدهر كله؛ لم يقض عنه حق ذلك المعين، لكن وجب عليه صوم يوم؛ لأنه أحد الواجبين والتعيين هو الواجب الآخر؛ ففوات أحدهما لا يوجب سقوط الآخر، وهذا معنى كلام أحمد، وسواء أفطر بجماع أو أكل أو غيره.
*الفصل الثاني:
أنه لا كفارة بالفطر في رمضان إلا بالجماع وأسبابه؛ كما سيأتي إن شاء الله، هذا هو المنصوص عنه في مواضع، وهو المذهب.
قال في رواية إسماعيل بن سعيد وإبراهيم بن الحارث والمروذي وأبي طالب وأبي الصقر وغيرهم: من أفطر يوماً من رمضان تعمداً؛ فعليه بالقضاء بلا كفارة، ولو كان كلما أفطر؛ كان عليه الكفارة؛ لكان إذا تقيأ كفَّر، ولكن ذهبنا إلى الحديث في الجماع خاصة.
وقال في رواية المروذي فيمن نذر صيام عشرة أيام فاحتجم فيها: عليه القضاء والكفارة، وإن احتجم في رمضان؛ فعليه القضاء.
فأوجب كفارة النذر في صيام النذر لفوات التعيين، ولم يوجب في فطر رمضان إلا القضاء.
وقال حرب: سألت أبا عبد الله: قلت: الصائم يحتجم؟ قال: «أما في رمضان؛ فأحب إليَّ أن لا يحتجم، وأما في غير رمضان؛ فإن شاء احتجم إذا لم يكن فريضة. قلت: فإن احتجم في رمضان يكفر أو يقضي يوماً؟ قال: يقضي يوماً مكانه ولا يكفر.
وقال مرة: يقضي يوماً مكانه وليست عليه كفارة.
لكن يستحب له الكفارة؛ قال في رواية حرب: من افطر يوماً من رمضان متعمداً؛ صام يوماً مكانه، ولم يوجب عليه الكفارة وقال: الكفارة على مَنْ أتى أهله.
وقال مرة: إن كفر فهو أفضل.
ويقضي يوماً عند أصحابه.
وروى حنبل: تكره الحقنة للصائم وغير الصائم؛ إلا من علة وعلاج؛ فإن فعل؛ فعليه الكفارة والقضاء.
وروى عن محمد بن عبد ك الفزار فيمن احتجم في شهر رمضان: فإن كان قد بلغه الخبر؛ فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يبلغه؛ فعليه القضاء.
فقد أوجب الكفارة على العالم دون الجاهل، وعلى قياس هذا كل من أفطر عامداً عالماً يجب عليه الكفارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على الذي أصاب امرأته في رمضان؛ لعموم كونه مفطراً لا بخصوص كونه مجامعاً؛ لأنه روي من طرق صحيحة أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة.
262 -
264 - هكذا رواه مالك وابن جريج ويحيى بن سعيد وخلق عظيم، عن الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن.
ولا يخالف هذا رواية من روى: «واقعت أهلي» ، أو:«أصبت أهلي» ؛ فإن ذلك الفطر لا شك أنه بجماع، لكن هذا يدل على أن الحكم ثبت لكونه مفطراً لا مجامعاً؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يبين أنه علة.
265 -
266 - كما في قوله: «زنى ماعز فرجم» ، «وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد» . . . ونحو ذلك.
267 -
ولما روى الدارقطني من طريق الواقدي عن سعد؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أفطرت يوماً من رمضان متعمداً. قال: «اعتق رقبة، أو صم شهرين متتابعين، أو أطعم ستين مسكيناً» .
وهذا نص في أنه أمره بالكفارة لما أخبر أنه أفطر عامداً، ولم يستفصل بأي المفطرات كان.
268 -
وروى أيضاً من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة:«أن رجلاً أكل في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً» .
269 -
وذكر بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أفطر في رمضان؛ فعليه ما على المظاهر» .
لكن لا يعرف له إسناد ولا أصل.
ولأن الكفارة إذا وجبت بالوطء مع قلة الداعي إليه في الصوم؛ [فلأن] يجب بالأكل أولى وأحرى، ولأن الكفارة إنما تجب زاجرة عن المعاودة وماحيةً للسيئة وجابرةً لما دخل من النقص على العبادة، وهذا يستوي فيه الأكل والوطء، ولأن الأكل مما تدعو إليه الطباع وتشتهيه النفوس كالجماع، وما كان من المحرمات تشتهيه الطباع كالزنى وشرب الخمر؛ فلا بد من زاجر شرعي، والزواجر إما حدود وإما كفارات؛ فلما لم يكن في الأكل حد؛ فلا بد فيه من كفارة.
فعلى هذه الرواية تجب بكل فطر [تعمده] ، سواء كان مما يشتهى أو لا يشتهى؛ لأن الحجامة لا تشتهى، وقد أوجب بها الكفارة؛ لأن تعمد إفساد الصوم لا يقع غالباً إلا عما للنفس فيه غرض، فألحق النادر بالغالب؛ كما يجب الحد بوطء العجوز الشوهاء.
والأول هو الصحيح: لأن لفظ الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
270 -
«إن الآخِر وقع على امرأته في نهار رمضان» .
وفي رواية قال: «أصبت أهلي في رمضان» ؛ كما سنذكره.
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة عقيب ذلك، فهذا مفسر في أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالكفارة لأجل الجماع.
فمن قال: «إن رجلاً أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم» ؛ فقد صدق، وإفطاره كان بجماع، وترتيب الحكم على الوصف ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المحدث يقول: إنه أفطر فأمر بكذا، وقد علم أن الإفطار كان بالجماع؛ فلو صرح المحدث بذلك، وقال: إنما أمره بالكفارة لمجرد الإِفطار؛ لم يجب قبول ذلك منه؛ لأنه رأي واجتهاد؛ فكيف إذا دل عليه كلامه، مع إمكان أنه لم يقصد بذلك؟!
قال الدارقطني: روى مالك ويحيى بن سعيد وابن جريج وسمى نحو عشرة من المحدثين: أن رجلاً أفطر، وخالفهم أكثر منهم عدداً، منهم عبيد الله بن عمر ومعمر ويونس وعقيل والأوزاعي وشعيب بن أبي حمزة وسمى أكثر من ثلاثين من المحدثين، كلهم رووا عن الزهري هذا الحديث بهذا الإِسناد، وأن إفطار ذلك الرجل كان بجماع.
وأما الحديثان الآخران؛ فلا يجوز الاحتجاج بهما على وجه الانفراد لضعف إسنادهما.
وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالكفارة لما أخبره أنه وقع على امرأته وأصابها؛ لم يجز أن تلحق سائر المفطرات بالجماع؛ لأنه إجماع الصحابة.
271 -
فروى عبد الله بن أبي الهذيل؛ قال: «أتي عمر بشيخ سكران في رمضان، فقال للمتحرين: ويلك! صبياننا صيام وأنت مفطر؟! فجلده ثمانين» .
272 -
وعن علي: أنه أتى بالنجاشي وقد شرب الخمر في رمضان، فضربه ثمانين، ثم أعاده إلى السجن، ثم أخرجه من الغد، فضربه عشرين، فقال:«ثمانين في الخمر، وعشرين جرأتك على الله في رمضان» .
رواهما سعيد.
وهاتان قضيتان مثلهما يشتهر.
فهذا عمر رضي الله عنه قد جلده، ولم يخبره أن عليه كفارة، وكذلك علي رضي الله عنه جلده عشرين لأجل الفطر، ولم يخبره أن عليه كفارة، ولو كان ذلك عليه؛ لبيَّناه له؛ كما قد أقاما عليه الحد؛ لوجوه:
أحدها: أن الأصل براءة الذمة من هذه الكفارة، والحديث إنما يوجبها في الوقاع؛ فإلحاق غيره به يحتاج إلى دليل، والقياس فيها ليس بالبيِّن؛ لجواز أن يكون الجماع قد تضمن وصفاً فارق به غيره، فما لم يقم دليل على أن الموجب الكفارة مجرد الفطر؛ لم يجز الإِيجاب بمجرد الظن.
الثاني: أنه لو وجب لأجل الإِفطار؛ لاستوى فيه جميع المفطرات؛ فإن تخصيص بعضها دون بعض نوعٌ تشريعٍ يحتاج إلى دلالة الشرع.
الثالث: أن الجماع يفارق غيره بقوة داعيه وشدة باعثه؛ فإنه إذا هاجت شهوته؛ لم يكد يزعها وازع العقل ولم يمنعها حارس الدين.
273 -
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فما يحكى عن ربه: «كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي.
فسمى النكاح شهوة، وسمى المأكل طعاماً، وإن كان يشتهى في الجملة.
ولهذا كان الحد المشروع فيه القتل، وأدناه الجلد والتغريب، وحدُّ المطعوم إنما هو جلد دون ذلك، وقد يصيب المبتلين بشهوتهم في عقولهم وأديانهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم ما يجل عن النعت.
والأكل إن [كانت] الضرورة إليه أشد، وعند شدة الجوع يقدم على كل مطلوب، لكن إنما هو جوع يوم، ومثل هذا لا يكاد يبلغ بكل أحد من الناس إلى شيء من البلاء.
274 -
ولهذا ظاهر سلمة بن صخر من امرأته، واعتقد أن وطأها حرام، ثم إنه أصابها، وكذلك الأعرابي وقع على امرأته مع ما يعلم فيه من التحريم.
ولم يبلغنا أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل في رمضان.
نعم دعية الأكل أكبر وأعم، لكن داعية الجماع إذا وقعت؛ كانت أشد وأقوى؛ فلو سوى بين الأكل وبين الجماع في الكفارة؛ لسوَّى بين شيئين قد فرقت الأصول بينهما؛ بحيث لم يسو بينهما في موضع واحد من الشريعة؛ فكيف يصح مثل هذا القياس؟! وليس في المطعومات حد سوى المسكر؛ لقوة الداعي الطبعي إلى نوعه، وفي رمضان داعية الأكل لا تختص بنوع دون نوع.
الرابع: أن هذه الكفارة العظمى لا تجب إلا في نوع النكاح المحرم لعارض، ولهذا وجبت على المظاهر لمَّا حَرُم عليه فرج امرأته بالظهار؛ كما حُرم على الصائم فرج امرأته بالصيام، ووجب نحوها على المحرم لما حرم عليه فرج
امرأته بالإِحرام.
الخامس: أن هذه الكفارة لو كانت واجبة بالفطر؛ لكان من أبيح له الفطر من غير قضاء؛ تجب عليه هذه الكفارة؛ كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ولكان الناس مخيرين في أول الإِسلام بينها وبين الصوم، وذلك لأن ما وجب الكفارة في محظوره ومباحه لم يختلف جنسها، وإنما يختلف الإِثم وعدمه، [و] دليله كفارة الإِحرام؛ فإن الكفارة التي تجب في اللباس والطيب والحلق والتقليم للعذر وغيره من جنس واحد، فعلم أنها إنما وجبت لخصوص وصف الجماع المحرم.
ولهذا قلنا فيمن عجز عن النوم لشبقه: إنه يطعم يوماً؛ لأن الجماع لم يبق في هذه الصورة محرماً ليوجب كفارة، وإنما تجب كفارة الإِفطار، والإِفطار كفارته إطعام المساكين.
*الفصل الثالث:
أن الجماع في الفرج يوجب الكفارة، وهذا كالمجمع عليه، ليس فيه إلا خلاف شاذ.
275 -
والأصل فيه ما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: «وما أهلكك؟» . قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم (وفي رواية: في نهار رمضان). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» . قال: لا. قال: «اجلس» . فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك؛ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر –والعرق المكتل الضخم-، فقال:«أين السائل؟» . قال: أنا. قال: «خذ هذا فتصدق به» . فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله؛ ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي
صلى الله عليه وسلم حتى بدأت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهل بيتك» . رواه الجماعة.
276 -
وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داوود: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً» .
277 -
ورواه أبو داوود من طريق هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ قال فيه: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً، وقال فيه:«كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً، واستغفر الله» .
.................
.......................
........................
278 -
وفي رواية ابن ماجه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتق رقبة» . قال: لا أجد. قال: «صم شهرين متتابعين» . قال: لا أطيق. قال: «أطعم ستين مسكيناً» .
279 -
وفي رواية له: «ويصوم يوماً مكانه» .
280 -
وعن عائشة: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه احترق. قال: «ما لك؟» . قال: أصبت أهلي في رمضان. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى العرق، فقال:«أين المحترق؟» . قال: أنا. قال: «تصدق بهذا» . رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه.
وفي رواية لمسلم: أصبت امرأتي في رمضان نهاراً. قال: (. قال: ما عندي شيء. فأمره أن يجلس، فجاءه عرقان فيهما عام، فأمره أن يتصدق به.
...............
281 -
وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داوود: فبينا هو على ذلك؛ أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أين المحترق آنفاَ؟» . فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تصدق بهذا» . فقال: يا رسول الله! أعلى غيرنا، فوالله؛ إنا لجياع ما لنا شيء. قال:«فكلوه» .
282 -
وفي رواية لأبي داوود: «فأتي بعرق فيه عشون صاعاَ» . وفي رواية لبعضهم: «من تمر» .
وهذه الكفارة على الترتيب في الرواية المنصورة.
وفي الأخرى هي على التخيير بين الخصال الثلاثة؛ لما تقدم من رواية مسلم، وقد رواه كذلك مالك وابن جريج، وهما من أجلِّ من رواه عن الزهري.
وكذلك في حديث عائشة أمره بالصدقة، ولم يذكر العتق الصيام، فعلم أنها مجزئة عنه ابتداءً، ولأنها كفارة وجبت.
ووجه الأول: ما تقدم من الرواية المشهورة، وقول النبي صلى اله عليه وسلم:«هل تجد رقبة تعتقها؟» . قال: لا. قال: «هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» . قال: لا. قال: «هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟» . قال: لا.
وعامة أصحاب الزهري يروونه هكذا.
وأما الرواية الأخرى؛ فلم يذكر فيها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر أنه أمره بهذا أو بهذا، وهذا مجمل يحتمل أنه أمره به على وجه الترتيب، ويحتمل أنه أمره به على وجه التخيير، والرواية الأخرى ذكر فيها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دليل ظاهر في الترتيب.
ولهذا أنكر أحمد على من فهم التخيير، فقال في رواية ابن القاسم: مالك يقول في حديثه: إنه خيَّره في الكفارة، وليس أحد يقول في الحديث: إنه خيره، إنما قال له شيئاً بعد شيء، ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعتق أو صم أو تصدق؛ فرواه بالمعنى من حيث الجملة؛ فإن الرجل قد يقول: افعل كذا أو كذا، ومعناه الترتيب.
وأما حديث عائشة: فإنها حكت ما استقر عليه الحال، وهو أمره بالصدقة؛ فإنه كان عند العجز عن العتق والصيام، ولهذا لم يذكر العتق والإِطعام.
ثم هي قضية في عين، فذلك المأمور بالصدقة إن كان هو غير الذي في حديث أبي هريرة؛ فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله العجز عن العتق والإِطعام، ولهذا لم يذكرهما له، ولا ريب في أنهما يُذكران للمستفتي كما في حديث أبي هريرة.
ثم هي أكثر رواة وأشد استقصاء وأحوط وأشبه بالقياس.
فإن هذه الكفارة لم تجب في الشرع إلا على وجه الترتيب، ولأنها إذا