الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل من لزمه الإِمساك في رمضان، فجامع؛ فعليه كفارة
.
وجملة ذلك أنه تجب الكفارة في الصوم الصحيح والفاسد؛ فكل من وجب عليه الإِمساك؛ وجبت عليه الكفارة إذا جامع، وإن لم يكن معتداً به، مثل أن يأكل ثم يجامع، أو يترك النية ثم يجامع، أو يجامع ويكفر ثم يجامع.
قال أحمد: إذا أكل ووطئ في رمضان؛ فعليه مع القضاء الكفارة للوطء، فإن كفر في يومه، ثم عاد؛ يكفر أيضاً؛ لأن حرمة اليوم لم تذهب، فإن فعل مراراً؛ فإنما عليه كفارة واحدة ما لم يكفر، فإذا كفر ثم وطئ؛ فعليه كفارة أخرى، وهو مذهبي، وذلك لأن هذا الإِمساك صوم واجب في نهار رمضان، فأوجب الكفارة؛ كالصوم الصحيح.
ودليل الوصف: ما روى سلمة بن الأكوع؛ قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم: أن أذن في الناس أن من كان أكل؛ فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل؛ فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء» متفق عليه.
ولأن الكفارة إنما وجبت لما انتهك من حرمة الزمان بالجماع فيه.
ومن أكل ثم جامع، أو جامع ثانية بعد أولى؛ فهو أشد انتهاكاً للحرمة، وأعظم من الاجتراء على الله، وربما اتخذ هذا حيلة إلى إسقاط الكفارة بالجماع، ولأنها عبادة يجب إتمام فاسدها، فوجبت الكفارة فيه؛ كالحج الفاسد.
وهذا لأن الله سبحانه قال في الحج: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
[البقرة: 196] وقال تعالى في الصوم: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وزمان الحج يتعين ابتداؤه بفعل المكلف، وزمان رمضان يتعين ابتداؤه وانتهاؤه بالشرع، وكلاهما لا يخرج منه بالإِفساد؛ بحيث لو أراد في الحج أن يصير بالوطء حلالاً يباح له المحظورات؛ لم يكن له ذلك، ولو أراد بالإِفطار في رمضان أن يباح له الإِفطار في سائر النهار؛ لم يبح له.
ولو تبين له وجوب الصوم في أثناء النهار ببينة تقوم؛ أثيب على صيامه مع وجوب القضاء؛ فليس بينه وبين الإِحرام فرق، هذا فيمن ترك النية، مع العلم بوجوب الصوم، حتى لو افطر يوم الإِغماء وهو يعتقد. . . .
فأما إن ترك النية لعدم العلم أنه من رمضان وأمسك؛ لم يلزمه الكفارة؛ لأنه ليس بإمساك مأمور به.
وإذا علم في أثناء النهار أن اليوم من رمضان؛ فإنه يجب عليه الإِمساك على المذهب المعروف؛ فلو وطئ فيه؛ لزمته الكفارة.
وإذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو عقل المجنون أو طهرت الحائض أو قدم المسافر، وقلنا: يجب عليهم الإِمساك:
فقال القاضي وابن عقيل: إذا وطئ؛ وجبت عليه الكفارة.
والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور: لا كفارة عليه.
وكذلك ذكر ابن أبي موسى وغيره.
وحمل القاضي على ذلك الرواية التي لا يوجب فيها الإِمساك.
وقد قال في رواية حنبل في مسافر قدم في آخر النهار فواقع أهله قبل الليل: عليه القضاء والكفارة.
فإذا وطئ مرات في يوم واحد، ولم يكفر؛ فكفارة واحدة، نص عليه.
كما أنه لو أكل مرات في يوم؛ لم يجب عليه إلا قضاء يوم واحد.
وإن وطئ في يومين ولم يكفر:
فقال حرب: سئل أحمد عن رجل جامع في رمضان أساماً متتابعة: كم كفارة؟ قال: قد اختلف الناس في هذا. فلم يجبه.
واختلف أصحابنا في ذلك:
فقال ابن حامد والقاضي وأصحابه: عليه الكفارة لكل يوم وإن لم يكفر.
وحكي هذا عن أحمد نفسه، حكاه ابن عبد البر؛ لأن كل يوم عبادة منفردة بنفسه، فلم يدخل كفارة أحدهما في كفارة الآخر؛ كما لو وطئ في رمضانين أو حجتين أو عمرتين، وذلك لأنه لا يفسد صوم أحدهما بفساد الآخر، ولا يجب أحدهما بوجوب الآخر؛ فإنه لو سافر في أثناء الشهر؛ فهو مخير بين الصوم والفطر، ولو أقام في أثنائه؛ لتحتَّم عليه الصوم، ويحتاج كل منهما إلى نية منفردة في المشهور من المذهب.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يكفيه كفارة واحدة، وإن وطئ كل يوم؛ ما لم يكفر؛ لأن الكفارات بمنزلة الحدود في أنها عقوبات، والحدود بمنزلة الكفارات في أنها كفارات لأهلها، ثم لو زنى مرات أو شرب مرات أو سرق مرات؛ لم يجب عليه إلا حدٌّ واحد؛ فكذلك إذا أفسد عبادات. . . .