الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثانية: ما كان نصفه.
والثالثة: قليلة وكثيرة سواء في الفساد.
والرواية الأولى؛ قال [في رواية] حنبل: إذا استقاء عمداً أفطر. قيل له: ما القلس؟ قال: إذا كان فاحشاً. قيل له: ما الفاحش؟ قال: ما كان كثيراً في الفم.
ونصر القاضي إذا كان فاحشاً على ظاهر رواية حنبل، وتعليله يقتضي أن يخرج إلى فمه مقدار لا يمكنه أن يمسكه حتى يمجه؛ بخلاف ما دونه.
والإِفطار بملء الفم اختيار الشريف. . . . .
الفصل الرابع: إذا استمنى أو فعل فعلاً فأنزل به مثل أن يباشر بقبلةٍ أو لمسٍ أو نظر، فيمني أم يمذي.
وقد تقدم ذلك بحديث عمر لما قبَّل وهو صائم.
*
فصل:
ويكره للصائم أن يباشر أو يقبل أو ينظر لشهوة
في إحدى الروايتين.
قال في رواية حنبل وقد سئل عن القبلة للصائم؟ فقال: لا يُقبِّل.
وينبغي له أن يحفظ صومه، والشاب ينبغي له أن يجتنب ذلك؛ لما يخاف من نقض صومه.
وفي الأخرى: لا يكره. لمن لا تحرك القبلة شهوته.
وأما المباشرة باليد:
فقال في رواية ابن منصور وقد سُئل عن الصائم يقبل أو يباشر؟ قال: المباشرة شديدة، والقبلة أهون.
الفصل الخامس: إذا احتجم؛ فإنه يفطر. نص عليه في رواية الجماعة، وهو قول أصحابه.
قال في رواية ابن إبراهيم في الرجل يحتجم على ساقه أو على يده أو على شيء منه: فقد أفطر.
وقال في رواية المروذي فيمن نظر صيام عشرة أيام فاحتجم فيها: عليه القضاء والكفارة، وان احتجم في رمضان؛ فعليه القضاء.
وقال في رواية ابن عبدك فيمن احتجم في شهر رمضان: فإن كان قد بلغه الخبر؛ فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يبلغه الخبر؛ فعليه القضاء.
فقد نص في رواية المروذي: أنه لا كفارة فيها، وإنما عليه كفارة ترك النذر، وهذا هو المذهب. وقال في الرواية الأخرى: عليه الكفارة مع العلم. قال ابن عقيل: لم يقدرها، والأشبه أنها كفارة الوطء. قال: ويحتمل أن يجب فدية المرضع والحامل.
وأما الذي يحجم غيره: فقال أكثر أصحابنا: يفطر أيضاً.
قال أحمد في رواية حنبل: «الحجامة تفطر» .
وقال في رواية ابن إبراهيم: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم
والمحجوم» ، يقولون: إنهما كانا يغتابان؛ فالغيبة أشد للصائم بفطره أجدر أن يفطره الغيبة، ومن يَسْلَم من الغيبة؟
وقال أيضاً في رواية عبد الله من أصح حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» : حديث شداد بن أوس وثوبان؛ لأن شيبان جمع الحديثين جميعاً.
فظاهر هذا أنه أخذ به، ولم يذكر الخرقي الحجم في المفطرات. . . .
389 -
والأصل في ذلك ما روى ابن قلابة، عن أبي الأشعث، عن شداد بن أوس: أنه مرَّ زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال:«أفطر الحاجم والمحجوم» .
390 -
وعن أبي قلابة ومكحول، عن أبي أسماء، عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان، فقال:«أفطر الحاجم والمحجوم» . رواهما الخمسة إلا الترمذي.
391 -
وعن رافع بن خديج؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» . رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن.
قال الترمذي: ذكر عن أحمد بن حنبل: أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج. وذكر عن علي بن عبد الله: أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس.
[قال الترمذي: وسألت محمد بن إسماعيل؟ فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس] وثوبان. فقلت له: وكيف ما فيه من الاضطراب؟ فقال: كلاهما عندي صحيح؛ لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن شداد بن أوس الحديثين جميعاً.
وذكر عباس بن عبد العظيم؛ قال: سمعت علي بن عبد الله، وسئل عن أصح حديث في الحجامة للصائم؟ فقال: أصحهما حديث رافع بن خديج. وقال أحمد في رواية عبد الله: من أصح حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» ؟ حديث شداد بن أوس وثوبان؛ لأن شيبان جمع الحديثين جميعاً. اهـ.
وقال الأثرم: ذكرت لأبي عبد الله حديث ثوبان وشداد بن أوس: صحيحان هما عندك؟ قال: نعم.
وقال ابن إبراهيم: قيل لأبي عبد الله: أي حديث أقوى عندك في الحجامة؟ قال: حديث ثوبان.
وقال في رواية الميموني: حديث رافع بن خديج إسناده جيد؛ [إلا أنه لا أحد رواه غير عبد الرزاق].
392 -
وعن الحسن، عن معقل بن سنان الأشجعي: أنه قال: مرَّ عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحتجم في ثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال:«أفطر الحاجم والمحجوم» . رواه أحمد.
393 -
394 - وعن عائشة وبلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . رواهما أحمد والنسائي.
وعن أبي هريرة مثله. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
......................................
396 -
وعن أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمستحجم» . رواه أحمد والنسائي.
وقد روى أحمد في «مسائل عبد الله» هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية بضعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم:
397 -
علي بن أبي طالب.
398 -
وسعد بن أبي وقاص.
399 -
وأبو زيد الأنصاري.
400 -
وأبو موسى.
401 -
وعبد الله بن عمر.
402 -
وابن عباس.
403 -
وصفية.
قال حرب: سمعت إسحاق يقول: «مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من احتجم في شهر رمضان؛ فقد أفطر الحاجم والمحجوم» ، وصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار متصلة. . . .
فإن قيل: يجوز أن يكون قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» ذكره على وجه التعريف لهما بذلك، ويكونان قد أفطرا بسبب غير الحجامة.
404 -
فقد قيل: إنهما كانا يغتابان، فقال: أفطرا لذلك السبب، لا لأن الحجامة تفطر.
405 -
يدل عليه ما رواه محمد بن حمدون بن خالد، عن الحسن بن الفضل البصري، ثنا غياث بن كلوب، ثنا مطرف بن سمرة، عن أبيه؛ قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بين يدي حجام – وذاك في رمضان وهما يغتابان رجلاً – فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . رواه القشيري عن عبدوس عنه، وقال: هو صريح في أن الحجامة لا تفطر، والغيبة أيضاً.
والخبر محمول على الاستحباب أو هو منسوخ.
ويجوز أن يكون قوله: «أفطرا» ؛ أي: قاربا الفطر؛ فإنه يخشى على المحتجم أن يضعف فيفطر كما يفطر المريض، وعلى الحاجم أن يمتص من الدم شيئاً فيفطر به فتكون الحجامة مكروهة لا مفطرة.
وقد روي عن السلف ما يدل على ذلك:
406 -
فروى عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة للصائم والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر. فقال: «إني أواصل إلى السحر وربي يطعمني ويسقيني» . رواه أحمد وأبو داوود.
407 -
وعن ثابت البناني: «أنه قال لأنس بن مالك: ألستم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا؛ إلا من أجل الضعف» . رواه البخاري وأبو داود، ولفظه:«ما ندع الحجامة للصائم إلا كراهة الجهد» .
408 -
وعن حميد؛ قال: «سئل [أنس] عن الحجامة للصائم؟ قال: ما كنت [أرى] أنه يكره إلا أن يجهده» . رواه أحمد في «مسائل عبد الله» .
ورواه سعيد ولفظه: «ما كنا نكره منه إلا جهده» .
409 -
وقال إبراهيم: «كانوا يكرهون الحجامة للصائم مخافة الضعف» . رواه سعيد.
410 -
ثم هذا الحديث منسوخ بما روى عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم» . رواه أحمد والبخاري.
............................
.............................
411 -
ورواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه، ولفظهم:«احتجم وهو محرم صائم» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهذا الحديث قد رواه جماعة كثيرة عن أيوب عن عكرمة مرسلاً.
412 -
ورواه النسائي أيضاً، عن عطاء، عن ابن عباس:«احتجم بلحي الجمل وهو صائم محرم» .
قالوا: وهذا الحديث كان في حجة الوداع، والحديث الأول كان في عام الفتح؛ فاحتجامه بعد النهي.
ويدل على ذلك:
413 -
ما روي عن أنس بن مالك؛ قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أفطر هذان» . ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الحجامة للصائم. رواه الدارقطني وقال: كلهم ثقات ولا أعلم له علة.
414 -
وعن رجل عن أنس؛ قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بعدما قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
415 -
وقد روي عن ابن مسعود: «أنه لا يرى بأساً بالحجامة للصائم» .
416 -
وعن أبي سعيد مثله.
417 -
وعن الحسين بن علي: «أنه احتجم في رمضان» .
418 -
وعن أم سلمة: «أنها احتجمت وهي صائمة» . رواهن سعيد.
419 -
420 - قال البخاري: «ويُذكر عن سعد وزيد بن أرقم وأم سلمة: احتجموا صياماً» .
421 -
قال: وقال بكير: [عن أم علقمة]: «كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهانا» .
422 -
وعن أبي سعيد؛ قال: «رخص النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم والحجامة» . رواه النسائي والدارقطني وقال: كلهم ثقات.
........................
...................
...........................
423 -
وعن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة، والقيء، والاحتلام» . رواه الترمذي كم حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وقال: هو غير محفوظ، وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً، ولم يذكروا: عن أبي سعيد.
424 -
ورواه الدارقطني من حديث هشام بن سعد عن زيد مثله.
425 -
ورواه أبو داوود من حديث سفيان، عن [زيد بن أسلم] ، عن بعض أصحابه، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم» .
426 -
ورواه عبد الرزاق، عن أبي بكر عن عبد الله، عن زيد بن عطاء، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: وذكره معمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
427 -
وعن [أيمن] بن نابل: أنه سأل القاسم بن محمد: أيحتجم الصائم؟ قال: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم» . رواه عبد الرزاق.
واحتجاجه به يدل على أنه لم يفطر.
وأيضاً؛ فإن الأصل في الفطر أن يكون مما دخل إلى الجوف دون ما خرج منه، وإنما خرج عن هذا دم الحيض، وهو يخرج بغير اختيار الإِنسان، ولأنه استخراج دم من البدن، فلم يفطر؛ كالفصاد وبط الدماميل والجرح.
قلنا: أما كونهما أفطرا بغير الحجامة؛ فلا يصح لوجوه:
أحدها: أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، فعلق الحكم باسم مشتق من معنى، فيجب أن يتعلق بذلك المعنى، ولو علَّقناه بغيره؛ كان خلاف ظاهر اللفظ، وذلك لا يجوز؛ إلا أن يعلم أن هناك سبباً آخر، فلو فتح هذا الباب؛ لم يبق حكم معلق باسم من الأسماء إلا ويجوز أن يدعي مدع أن الحكم له سبب غير معنى الاسم.
الثاني: أن قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» : لفظ عام لم يخصصه بمحجوم بعينه؛ فإنه قد رواه عنه جماعة من أصحابه رواية مطلقة عامة، وبلغوه إلى من بعدهم تبليغ من يعلمهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك لسبب يختص
بذلك المحتجم؛ لم يكن في رواية هذا الحديث فائدة أصلاً، لا سيما إذا لم يذكر السبب الذي به أفطر.
الثالث: أنه قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة للصائم.
428 -
وروى أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة للصائم وقال لعلي: «لا تحتجم وأنت صائم» .
وهذا صريح بالنهي عن نفس الحجامة.
الرابع: أن الصحابة الذين رووا هذا الحديث، والذين لم يرووه، فهموا منه أنه نهى عن الحجامة.
429 -
فروى أحمد في «مسائل عبد الله» بإسناده عن علي: أنه قال: «لا تدخل الحمام وأنت صائم، ولا تحتجم وأنت صائم» .
430 -
وفي لفظ عن علي: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
431 -
وعن عطاء؛ قال: قال أبو هريرة: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
432 -
وفي رواية عن أبي هريرة: أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم، ولو احتجمت؛ لم أبال» .
433 -
وعن عائشة وصفية: أنهما قالتا: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
434 -
وعن أبي العالية؛ قال: دخلت على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة ممسياً، فوجدته يأكل ثمراً وكامخاً، فقال:«احتجمتُ» . فقلت: ألا احتجمتَ نهاراً؟ فقال: «أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم» .
435 -
وعن ابن عمر: أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
436 -
وعن سالم: «أن ابن عمر كان يحتجم وهو صائم. قال: فبلغه حديث [أو شيء] ، فكان إذا كان صائماً احتجم بالليل» .
438 -
وروى أحمد، عن الحسن، عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:«أفطر الحاجم والمحجوم» .
439 -
وعن عبد الله بن أيوب المخرمي؛ قال: سمعت روحاً يقول لأبي عبد الله: أدركت الناس بالبصرة منذ خمسين سنة، إذا دخل شهر رمضان؛ أغلق الحجَّامون دكاكينهم». ذكره عنه المروذي.
قال البخاري: «وكان ابن عمر يحتجم وهو صائم، ثم تركه، وكان يحتجم بالليل، واحتجم أبو موسى ليلاً» .
الخامس: أن السبب الذي زعموا أنهما أفطرا به الغيبة؛ [قال أحمد:] يقولون: إنهما كانا يغتابان، والغيبة أشد للصائم؛ ففطره أجدر أن تفطره الغيبة، ومن يسلم من الغيبة؟
وقال أيضاً: لو كان للغيبة؛ ما كان لنا صوم.
وأما حمله على مقارنة الفطر، وأن ذلك يفيد الكراهة؛ فلا يصح أيضاً؛ لوجوه:
أحدها: أن قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» : نص في حصول الفطر بهما، ولا يجوز أن يعتقد بقاء صومهما، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنهما بالفطر، لا سيما
وقد أطلق هذا القول إطلاقاً، من غير أن يقرنه بقرينة تدل على أن ظاهره ليس بمراد؛ فلو جاز أن يراد به مقارنة الفطر دون حقيقته؛ لكان ذلك تلبيساً لا بياناً للحكم.
440 -
الثاني: أن ابن بطة روى بإسناده عن عمر بن الخطاب؛ قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان؛ فإذا برجل يحتجم. قال: فلما رآه رسول الله؛ قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» . فقلت: يا رسول الله! أفلا آخذ بعنقه حتى أكسره؟ قال: «ذره؛ فما [لزمه من] الكفارة أعظم مما تريد به» . قال: قلت: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: «يوماً مثله» . [قلت:] إذاً لا يجده. قال: «إذاً لا أبالي» .
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في مقدمات الفطر، ولم يجعلها بمنزلته.
441 -
ولهذا لما سأله عمر رضي الله عنه القبلة للصائم؟ قال: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ففيم» .
فإذا كانت القبلة تدعو إلى الإِنزال، والمضمضمة تدعو إلى الابتلاع، ولم يسمِّ النبي صلى الله عليه وسلم فاعلها مفطراً [بذلك]؛ فلأن لا يُسمى المحتجم مفطراً خشية أن يضعف فيحتاج إلى الفطر أولى.
وأما اعتقاد من اعتقد أن كراهة الحجامة إنما هي لأجل الضعف؛ فهذا لا يمنع كونها مفطرة.
وأما قول من قال: «ولم يحرمها» ؛ فهو قد اعتقد ذلك، وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك، والنهي يقتضي التحريم، ولم يعلم الصحابي الذي اعتقد ذلك.
وقد خالفه جمهور الصحابة.
ومن روي عنه من الصحابة الرخصة في ذلك؛ فأكثرهم قد روي عنه بخلافه، وهذا يدل على أنهم لم يكونوا سمعوا النهي في ذلك، ثم سمعوه كما جاء مفسراً في حديث ابن عمر.
ويوضح ذلك أن من قال منهم: لا يفطر؛ فقد بنى قوله على ظاهر القياس.
بخلاف من قال: إنها تفطر؛ فإنه لا يقول ذلك؛ إلا لعلم اطلع عليه وخفي على غيره.
وكل ما اختلف فيه الصحابة مما يشبه هذا؛ مثل: اختلافهم في انتقاض الوضوء بمس الذكر ونحوه؛ فإن المثبت منهم يجب أن يكون معه علم خفي على الناس؛ لأن هذا ابتداء شريعة، لا يجوز أن يثبت بالقياس؛ بخلاف النفي؛ فإنه يكفي فيه البراءة الأصلية.
442 -
وأما حديث ابن عباس؛ فقد قال أحمد في رواية مهنا: حديث ابن عباس «أنه احتجم صائماً» : خطأ من قبل قبيصة، رواه عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
443 -
444 - وقال في رواية صالح: عمرو عن طاووس وعطاء عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم» .
445 -
ومعمر عن [ابن خيثم] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم» .
هؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياماً.
وقال في رواية حنبل: الذي في [الحديث أن] بلغني عن يحيى ومعاذ أنهما أنكراه عليه. يعني: على الأنصاري.
446 -
وقال في رواية الأثرم: هو ضعيف؛ لأن الأنصاري ذهبت كتبه، وكان يحدث من كتب غلامه أبي حكيم.
وأما ادعاء النسخ؛ فلا يصح؛ لوجوه:
أحدها: أن الذي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: احتجم وهو محرم صائم، ولم يبين أن هذا الإِحرام كان في حجة الوداع؛ فيجوز أن يكون كان في إحرامه بعمرة الحديبية أو إحرامه بعمرة القضية، وكلاهما قبل الفتح، فيكون احتجامه وهو صائم منسوخاً بقوله بعد ذلك:«أفطر الحاجم والمحجوم» .
ويؤيد هذا القول وجوه:
447 -
أحدها: ما روى أحمد، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائماً محرماً، فغشي عليه؛ فلذلك كره الحجامة للصائم» . رواه أحمد.
448 -
وفي لفظ عن ابن عباس: أنه قال: «احتجم النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة وهو محرم صائم، فوجد لذلك ضعفاً شديداً، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتجم الصائم» . رواه الجوزجاني.
449 -
عن الحكم؛ قال: «احتجم رسول الله وهو صائم فضعف، ثم كرهت الحجامة للصائم» .
450 -
وعن الشعبي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وتزوج الهلالية وهو محرم» . رواه سعيد.
وكان تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية في عمرة القضاء، فعلم أن احتجامه كان في عمرة القضاء، وذلك قبل الفتح، وقبل قوله:«أفطر الحاجم والمحجوم» .
فهذا يبين أن الكراهة كانت بعد احتجامه محرماً.
ويؤيد ذلك:
451 -
ما روى الجوزجاني: «أن ابن عباس كان يعد الحجام والمحاجم.، فإذا غابت الشمس؛ احتجم بالليل» .
ولولا علمه بأن احتجام الصائم جائز؛ لما فعل ذلك.
الثاني: لو كان هو المتقدم؛ للزم تغيير الحكم مرتين؛ [لأن الحجامة كانت غير محظورة، ثم نهى عنها؛ فإذا أذن فيها بعد ذلك؛ فقد غير الحكم مرتين]؛ بخلاف ما إذا كان الإِذن قبل النهي.
الثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم علموا أن النهي آخر الأمرين؛ كما تقدم عن ابن عمر وغيره، ولهذا رجعوا عن القول بالاحتجام إلى تركه، وأبو موسى وابن عباس كانا يكرهان الحجامة للصائم، وهما ممن رويا حجامة
النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، بل عليهما مدار الحديث.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث لا يخالف قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» ؛ لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وفي لفظ للبخاري:«من وجع به» ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً في رمضان قط؛ لأن إحرامه بعُمرِهِ الثلاثة وبحجة الوداع في ذي القعدة، فيكون هذا الصوم تطوعاً، ثم كان مريضاً، والمريض يجوز له الفطر، ثم كان مسافراً؛ لأنه لم يكن محرماً مقيماً قط.
فإذا كان الفطر جائزاً له في هذه الوجوه الثلاثة؛ فيكون قد احتجم، وإن أفطر بالحجامة؛ فإنه ليس في الحديث لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه بقي على صومه، بل قد أفطر في رمضان لما أصاب أصحابه الجهد؛ فلأن يفطر في مرض أصابه بطريق الأولى.
452 -
[لما روي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر»].
وقد قيل: يجوز أن يكون ركَّب المحاجم نهاراً واحتجم ليلاً.
453 -
لما روى أبو بكر عن جابر: «إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي طيبة
أن يأتيه ليحجمه عند فطر الصائم، وأمره أن. . .».
454 -
وأما حديث أبي سعيد؛ فقال: ابن خزيمة: قوله: «والحجامة للصائم» : إنما هو من قول أبي سعيد لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أدرج في الخبر.
وقال عنه الآخر: الصحيح في هذا الخبر أنه منقطع غير متصل، والذي وصله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه؛ لسوء حفظه للأسانيد؛ لأنه رجل صنعته العبادة والتقشف والموعظة، وليس من أحلاس الحديث الذي يحفظ الإِسناد.
وقال أبو بكر: سمعت محمد بن يحيى يقول: هذا الحديث غير محفوظ عن أبي سعيد، ولا عن عطاء بن يسار، والمحفوظ عندنا حديث سفيان ومعمر.
يعني: أنهما روياه عن زيد بن أسلم عن [رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
ثم إن صح الحديث؛ فهو منسوخ بحديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» .
ويدل على ذلك أن فيه القيء والاحتلام، ومعلوم أنه لو استقاء أو استمنى؛ أفطر؛ فكذلك إذا احتجم، أو أنه محمول على ما إذا احتجم ساهياً [أو حُجم] بغير اختياره؛ [فإنه قرنه بالقيء والاحتلام، وهما يخرجان من المرء
بغير اختياره]؛ فكذلك ما ذكر معهما ينبغي أن يكون كذلك.
455 -
وأما حديث أنس أن الرخصة بعد النهي؛ فضعيف.
فإن في الذي جوده الدارقطني خالد بن مخلد: قال أحمد: له أحاديث مناكير، ولعل هذا من [أنكرها].
456 -
لأن أنساً ذكر أنهم كانوا يكرهون ذلك لأجل الجهد كما رواه البخاري، وهذه الكراهة باقية.
457 -
ولأن أحمد روى بإسناده، عن هشام بن محمد؛ قال:«كان أنس إذا شق عليه الدم في الصوم؛ أرسل إلى الحجام عند غروب الشمس، فوضع المحاجم، وإذا غربت شرط» .
ولو كان عنده إذن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يفعل مثل ذلك.
ومخالفة البصريين له مع أنهم أصحاب أنس.
وأن الكراهة بعد موت جعفر. . . .
ثم من أصحابنا من سلك فيها مسلك التعبد الصرف، ورأى خروجها عن مسالك القياس، وجعلها موضع استحسان، فقدم فيه النص على القياس. وهذه طريقة ابن عقيل.
ومنهم من سلك فيها ضرباً من التعليل.
فقال القاضي: استدعاء شيء من بدنه نهى عنه نهياً يختص بالصوم فأفسد الصوم؛ كاستدعاء القيء، [وهو أن الاحتجام] استخراج ما به قوام البدن، فجاز أن يفطر به كاستخراج القيء والمني والمذي ودم الحيض.
وهذا لأن الصائم لما مُنع من الأكل والشرب ليحصل حكمة الصوم التي هي التقوى؛ كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] ، وللنفس على الإِنسان حق لا بد من رعايته؛ راعى الشرع جانب حق النفس وحفظ القوة؛ حسماً لمادة الغلو في الدين والمروق منه، وتحصيلاً لمصلحة الاغتذاء التي لا بد منها أيضاً.
458 -
فنهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال.
459 -
460 - وأمر بتعجيل الفطر، وتأخير السحور.
461 -
وجعل أفضل الصيام صيام يوم وفطر يوم.
462 -
وقال: «لكنِّي أصوم وأفطر وأقوم وأنام؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني» .
463 -
وقال: «من صام الدهر؛ فلا صام ولا أفطر» .
ومنه جماعة من أصحابه من تكثير الصيام؛ منهم:
464 -
عبد الله بن عمرو.
465 -
والنمر بن تولب.
466 -
والباهلي.
وعاب على منْ قال: أما أنا؛ فأصوم لا أفطر.
كل ذلك تعديلاً وأخذاً بخيار الأمور التي هي أوساطها.
فإذا كان هذا مصلحة جليلة قد شهد الشرع بالاعتبار، وكان الصائم إذا خرج منه [القيء] خلا من الغذاء الذي هو مادته؛ فإذا استخرج منه الدم الذي به قوام بدنه، وإليه استحال الغذاء؛ ضعف بذلك، وإذا خرج منه المني الذي هو صفاوة الدم؛ ضعف أيضاً.
وكذلك إذا خرج دم الحيض؛ منعه الشارع من استخراج هذه الأشياء لما منعه من استدخال ما يكون خلفاً منها وبدلاً عنها، وصار المقصود الأصلي من الصوم هو الكف عن الإِدخال، والكف عن الإِخراج تابع له ومطلوب في ضمنه.
فأما ما غلب عنه المرء من هذه الأشياء؛ مثل أن يذرعه القيء، أو يرعف، أو يجرح جرحاُ بغير اختياره، أو يحتلم، ونحو ذلك؛ لم يفطر به.
لأنه بمنزلة ما يدخل جوفه من الغبار والدقيق ونحو ذلك.
ولأن امتناعه من هذه الأشياء لا يدخل تحت قدرته.