الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فصل:
فإن كان قد أمكنه قضاء بعض ما فاته دون بعض
؛ لزمه الإِطعام عن قدر ما أمكنه قضاؤه؛ لأنه هو الذي فرط فيه، فلم يلزمه إلا فديته؛ كما لو أفطر في رمضان أياماً؛ لم يلزمه إلا قضاؤها، والإِطعام قبل القضاء. . . .
*
مسألة:
فإن أخره إلى رمضان ثالث
؛ لم يلزمه أكثر من كفارة أخرى، مع الإِثم:
لأنه قد لزمه كفارة بتأخيره عن وقته، فلم يلزمه كفارة أخرى بزيادة التأخير؛ كمل لو أخَّر قضاء الحج من عام إلى عام.
ولأن وقت القضائين رمضان الأول ورمضان الذي يليه، فإذا فات وقته؛ لم يبق للقضاء وقت محصور؛ فلا شيء بتأخيره.
فإن لم يفرط حتى أدركه الرمضان الثاني، ثم قدر على القضاء، ففرط فيه حتى دخل الرمضان الثالث؛ فهنا ينبغي أن تلزمه الكفارة.
*
فصل:
ومن عليه قضاء رمضان، لا يجوز أن يصوم تطوعاً
.
وكذلك مَنْ عليه صوم واجب غير القضاء يجب أن يبدأ به قبل التطوع، فإن اجتمع عليه كفارة وقضاء أو نذر. . . .
وعلى هذا؛ فلا يكره قضاء رمضان في العشر، بل لا يجوز له أن يصوم فيه التطوع قبل القضاء. هذا إحدى الروايتين.
قال أحمد في رواية حنبل: يقضي رمضان في العشر.
لأنه لا يجوز له أن يصوم تطوعاً [وعليه] فرض، فيقضي رمضان كيف شاء إلا يوم الفطر والأضحى.
وإذا نذر أن يصوم وعليه أيام من رمضان؛ يبدأ بالفرض قبل التطوع.
وإذا كان عليه نذر؛ صامه بعد الفرض.
قال أحمد: رواية ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام تطوعاً وعليه من رمضان شيء لم يقضه؛ لم يقبل منه» .
ورواه في «المسند» ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه؛ لم يتقبل منه حتى يصومه» .
والفتيا المذكورة فيما بعد عن أبي هريرة تؤيد هذا المسند، واحتجاج أحمد به يدل على أنه من جيد حديث ابن لهيعة.
332 -
ولأن في وصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما: «اعلم أنه لا تقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة» .
333 -
وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما تقدم في الصلاة. لأنها عبادة [لا] يدخل في جبرانها المال فلم يصح التطوع بها ممن عليه فرضها؛ كالحج.
ولأنه إنما جاز له تأخير القضاء رفقاَ به وتخفيفاً عنه؛ فلم يجز له أن يشتغل عنه بغيره كالأداء؛ فإنه لو أراد المسافر أن يصوم في رمضان عن غيره؛ لم يجز له ذلك.
فعلى هذا: إذا اجتمع عليه نذر مطلق وقضاء رمضان؛ بدأ بقضاء رمضان. نص عليه لأن وجوبه آكد.
ولهذا يبدأ بقضاء الحجة الفاسدة قبل النذر.
ونقل عنه أبو الحارث: إذا نذر صيام أيام، وعليه من صوم رمضان؛ بدأ بالنذر.
وحمل ذلك القاضي وابن عقيل وغيرهما على أن الأيام المنذورة معينة.
ويتوجه: أن يقر على ظاهره؛ لأن وفاء النذر يجب على الفور، وقضاء رمضان مؤقت بما بين الرمضانين؛ فأشبه ما لو دخل عليه الزوال وعليه صلاة منذورة.
والثانية: يجوز أن يتطوع قبل القضاء.
لأن عائشة أخبرت أنها كانت تقضي رمضان في شعبان، ويبعد أن لا تكون تطوعت بيوم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وكان يصوم يوم عرفة وعاشوراء، وكان يكثر صوم الاثنين والخميس، وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
ولأن القضاء مؤقت، فجاز التنفل قبل خروج وقته؛ كما يجوز التنفل أول وقت المكتوبة؛ بخلاف قضاء الصلاة؛ فإنه على الفور، وكذلك الحج هو على الفور.
ثم الحج لا يمكنه الخروج من نفله، وليس لبعض الأعوام على بعض مزية، ولا يعود إلى العام المقبل؛ بخلاف التطوع.
فعلى هذا: هل يكره رمضان فيه؟ على روايتين.
الأولى: يكره.
قال أحمد في رواية أبي طالب: لا يقضي رمضان في العشر.
334 -
يروى عن علي: «لا يقضى رمضان في العشر؛ لأنها عبادة» .
335 -
وقد روى سعيد عن الحارث عن علي: «من كان عليه صوم من رمضان؛ فليقضه متصلاً، ولا يفرقه، ولا يصوم في ذي الحجة؛ فإنه شهر نسك» .
336 -
وعن الحسن عن علي؛ قال: «كره قضاء رمضان في العشر» .
ولأن صوم هذه الأيام بمنزلة السنن والرواتب، فكره تفويتها بالفرض الذي لا يخاف فوته؛ كما لو صلى الفجر والظهر قبل سننهما.
والثانية: لا يكره.
قال حرب: قيل لأحمد: يُقضى رمضان في العشر؟ فقال: «يُروى عن علي كراهته» . وكان أحمد يسهل فيه.
وتسهيله فيه يقتضي جوازه لا المنع من غيره؛ فإنه لو منع من غيره؛ لأوجب تقديمه.
337 -
لما روى عن عثمان بن عبد الله بن موهب؛ قال: «سأل أبي هريرة رجل، فقال: إني كنت أصوم هذه الأيام أيام العشر (يعني: ذي الحجة) ، وإني
مرضت في رمضان، وعليَّ أيام من رمضان، أفأصوم هذه الأيام؟ قال: ابدأ بحق الله عليك». رواه سعيد.
338 -
وتقدم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر.
والأوجه: أن يجوز صومهما تطوعاً وقضاءً، والتطوع أفضل؛ كالسنن الراتبة في أول وقت الصلاة.
ومن أصحابنا مَنْ بنى الروايتين في كراهة قضاء رمضان في العشر على الروايتين في وجوب تقديم القضاء على النفل.
فإن قلنا: يجب تقديم القضاء؛ لم يكره قضاؤه في العشر.
وإن قلنا: لا يجب تقديم القضاء؛ كره قضاؤه في العشر.
والطريقة التي ذكرناها أصوب؛ كما دل عليه كلام أحمد وأصوله، وهو أنَّا إذا قلنا يجوز التطوع قبل القضاء؛ ففي كراهة قضاء رمضان فيه روايتان.