الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجبت على المظاهر على وجه الترتيب؛ فعلى المجامع في رمضان أولى؛ فإن ذنب هذا أعظم؛ لأن التحريم في الظهار ثبت بقول المكلف، وهنا ثبت بتحريم الله ابتداء، ولأنه إمساك عن محظورات تجب بالوطء فيه الكفارة، فكانت على الترتيب؛ ككفارة المجامع في إحرامه.
*
فصل:
فإن عجز عن الكفارات الثلاثة:
قال الأثرم: قلت لأحمد: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطعمه عيالك» ، أتقول به؟ قال: نعم إذا كان محتاجاً، ولكن لا يكون في شيء من الكفارات؛ إلا في الجماع في رمضان وحده، لا في كفارة اليمين، ولا في كفارة الظهار. قيل له: أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا؟ قال: ومن يقول هذا؟ إنما حديث سلمة تفرد بهذا: «واستعن بسائره على أهلك» ، وإنما أمر له بما بقي. قلت له: فإن كان المجامع محتاجاً فأطعمه عياله؟ قال: يجزئ عنه. قلت: ولا يكفر إذا وجد؟ قال: لا؛ إلا أنه خاص في الجماع وحده.
فذكر أصحابنا هل تسقط عنه أو تبقى في ذمته: على روايتين:
أصحهما تسقط عن ذمته؛ كما ذكره الشيخ؛ لحديث الأعرابي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطعم العرق أهل بيته، ولم يأمره أن يقضي إذا أيسر، وكان عاجزاً؛ لأن التكفير إنما يكون بما يفضل عن حاجته، ولأنه حق مالي يجب لله على وجه الطهرة للصائم، فلم يجب على العاجز كصدقة الفطر، بخلاف بقية الكفارات؛ فإنها تجب على وجه الطهرة في الصيام.
الثانية: تبقى في ذمته كسائر الكفارات في الأصح من روايتين:
[قال الزهري لما روى الحديث: وإنما كان هذا رخصة له خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم؛ لم يكن له بدٌّ من التكفير]؛ لأنها كفارة وجبت بسبب من المكلف، فلم تسقط بالعجز؛ ككفارة اليمين وغيرها، ولأن الأعرابي لو سقطت الكفارة عنه؛ لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتكفير بعد أن أتي بالعرق؛ فإنه حين وجوب الكفارة كان عاجزاً، وعكسه صدقة.
وأما الكفارة الصغرى في الصيام، وهي فدية المرضع والحامل والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة؛ فقال ابن عقيل في «التذكرة»: جميعها تسقط بالعجز ولا تثبت في الذمة ككفارة الجماع [و] أولى؛ لأنها تجب بغير فعل من المكلف؛ فهي بصدقة الفطر أشبه.
وقال القاضي في «خلافه» وغيره: تسقط كفارة المرضع والحامل، ولا تسقط فدية العاجز عن الصيام لكبر أو مرض؛ لأنها بدل عن الصيام الواجب، فلما لم يسقط الصيام بالعجز عنه؛ فكذلك بدله لا يسقط بالعجز عنه إذا قدر عليه في الثاني، وعلى هذا؛ فلو قدر بعد الصيام على الصيام والإِطعام. . . .
وظاهر كلام أحمد أنه لا يسقط شيء من ذلك بالعجز إلا كفارة الجماع.
وكذلك ذكر في «المجرد والفصول» ؛ لأن كفارة المرضع والحامل بدل عن الصوم الواجب أيضاً.
فإن كان عاجزاً حين وجوب الكفارة ثم قدر على ذلك فيما بعد بقريب كالأعرابي وسلمة بن صخر، وقلنا: تسقط. . . .
فإن قلنا: تسقط؛ فلا كلام.
وإن قلنا: لا تسقط؛ فكفر عن المظاهر رجل بإذنه لفقره، أو كان عنده ما يكفر به أو دفع إليه، وهو محتاج إليه، أو هو أحوج إليه من غيره؛ فهل يجوز صرفه إلى نفسه؟ على روايتين.
فقال القاضي: لا يجوز صرف الكفارة عنه إلى نفسه حملاً لحديث الأعرابي على أنه لم يكن كفارة، وإنما أكلها صدقة محضة؛ لأنه ليس في الأصول أن الواجبات تصرف إلى مَنْ وجبت عليه من غير خروج عن ملكه.
وهذا على قولنا: سقطت الكفارة عنه.
فأما إن قلنا: تبقى في ذمته:
فقال بعض أصحابنا: يجوز صرفها إليه لحديث الأعرابي.
وقال بعضهم: هل يجوز ذلك أم يكون خاصّاً بالأعرابي؟ فيه وجهان.
[وهل يجوز ذلك في بقية الكفارات؟ على روايتين].
والمنصوص عن أحمد في رواية الأثرم وقد ذكر له حديث أبي هريرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أطعمه عيالك» ، فقال: يكون هذا في شيء من الكفارات؛ إلا في الجماع خاصة؛ فإنه يجزيه ولا يكفر مرة أخرى.
وهذا بيان من أحمد أن الذي أطعمه الأعرابي لأهله كان كفارة أجزأت عنه؛ لقوله: «يجزيه» ، والإِجزاء لا يكون إلا لشيء قد فعل وامتثل فيه الأمر، ولقوله:«ولا يكفر مرة أخرى» ، فدل على أنه قد كفر أول مرة.
وقال في رواية مهنا: في رجل عليه عتق رقبة، وليس عنده ما يكفر، فقال له رجل: أنا أعتق عنك هذه الجارية؟ قال: لا يجوز؛ إلا أنه يملكه إياها، فيعتقها هو؛ فإذا لم يملكها؛ فلا تجزيه؛ لأن ولاءها للذي أعتقها، وفي الإِطعام يجوز أن يطعم عنه غيره، فأما في الرقبة؛ فلا.
وقال في رواية الأثرم: فإذا لم يكن عنده، وأطعم عنه غيره؛ يكون له ولعياله؟ قال: نعم؛ على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر: قد روي عن أبي عبد الله أن ذلك خاص في الواطئ إذا كفر عنه غيره، رواه إبراهيم بن الحارث: أنه يأكلها إذا أطعم عنه غيره، ويمتنع في غير كفارة الوطء في الصيام أن يأكل منها شيئاً.
وروى عنه أبو الحارث: أن كل الكفارات لا بأس بأكلها إذا كفرت عنه.
وبما روى الأثرم وإبراهيم بن الحارث.
أقول: وهذه طريقة ابن أبي موسى؛ قال - ولم يختلف قوله-: إن من وطئ في رمضان فقدر على الكفارة من ماله؛ أنَّ عليه أنْ يكفر واجباً؛ فإن كان فقيراً، فتصدق عليه بالكفارة؛ فهل له أن يأكلها كما جاء الحديث؟ أم كان ذلك مخصوصاً لذلك الرجل، وعليه أن يتصدق بذلك، ولا يجوز له أكله؟ على روايتين.
فعلى هذا يجوز له أن يصرف هذه إلى نفسه، سواء كفر هو عن نفسه أو