الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فصل:
وإن كانت مستكرهة
بأن يضطجعها ويطأها، ولا تقدر أن تمتنع منه، أو يقيدها ونحو ذلك؛ فسد صومها.
نص عليه في رواية مهنا في محرمة غصبها رجل نفسها فجامعها وهي كارهة؛ قال: أخاف أن يكون قد فسد حجها. فقيل له: فإن غصبها رجل نفسها وهي صائمة فجامعها؟ قال: هو كذلك.
وفي لفظ: إذا أكرهها فوطئها؛ فعليها القضاء. قلت: وعليها الكفارة؟ قال: لا. قلت: فإن كانت اشتهته؟ قال: لم أسمع على المرأة كفارة.
وهذا قول ابن أبي موسى والقاضي وأكثر أصحابنا.
وعنه: لا يفسد. ذكرها أبو الخطاب وابن عقيل.
قال في رواية ابن القاسم في الرجل يتوضأ فيسبقه الماء فيدخل حلقه: لا يضره ذلك، وكذلك الذباب يدخل حلقه، والرجل يومئ بالشيء فيدخل حلق الآخر، وكل أمر غلب عليه الصائم؛ فليس عليه قضاء ولا غيره.
فإن هذا يقتضي أنه لا يفسد الصوم بالإِكراه على الجماع؛ لقوله: «ليس عليه قضاء ولا غيره» ، وغير القضاء هي الكفارة، وإنما تجب الكفارة في الجماع، فعلم أنه إذا غلب على الجماع؛ لم يكن عليه قضاء ولا غيره. وهذا اختيار ابن عقيل؛ لأن الله تعالى عفا للأمة عما استكرهوا عليه، ولأن هذه المرأة لم يصدر منها فعل ألبتة.
ولهذا لا يجب عليه حدٌّ ولا إثم ولا تعزير ولا ضمان؛ فإنه لو ألقى إنسانٌ إنساناً على آخر، فقتله؛ لم يضمنه؛ فإذا لم يجب الضمان مع وجوبه مع السهو وغيره؛ فأن لا يفسد العبادة أولى.
ولأنه لو حلق رأس محرم أو قلم ظفره بغير اختياره؛ لم يكن عليه جزاء؛ فكيف يفسد إحرامه وصيامه بذلك؟!
فعلى هذا: إن أكرهت بالضرب أو الحبس أو الوعيد، حتى اضطجعت أو مكَّنت؛ ففيه وجهان كالوجهين فيما إذا أكره حتى أكل بيده.
ووجه الأول: أنه جماع يوجب الغسل، فأفسد الصوم والحج؛ كجماع المطاوِعَة، ولأنها عبادة تبطل بجماع المختارة فبطلت بجماع المستكرهة كالطهارة؛ إلا أن الأسباب الموجبة للوضوء لا تفريق بين عمدها وسهوها؛ بخلاف الأسباب المفسدة للإِحرام، ولأن الجماع يشبه الإِتلاف. . . . فعلى هذا لا كفارة عليها.
نص عليه في الصائمة في رواية مهنا، وفي المحرمة المستكرهة في رواية ابن إبراهيم ويعقوب بن بختان وحنبل.
وفرق بينها وبين المطاوعة.
وسواء قلنا: تجب الكفارة على الناسي والجاهل والرجل والمكره أو لا تجب في المشهور عند أصحابنا.
قال القاضي في «المجرد» : لا كفارة عليها روايةً واحدةً؛ لأن المكره لا فعل له، ولهذا لو أكره على قتل الصيد وإتلاف مال الغير؛ لم يكن عليه ضمان، وإنْ وجب الضمان على الناسي.
وذكر القاضي في خلافه فيها روايتين:
إحداهما: كذلك.
والثانية: عليها الكفارة كالناسي والجاهل.
وقد نص أحمد في رواية الأثرم: إذا أكرهها في الحج؛ على كل واحد منهما هدي.
ولا ترجع به عليه على هذه الرواية كالناسي.
وقال ابن أبي موسى: قيل: عنه كفارة ترجع بها عليه؛ لأنه حق لزمها بسببه، فكان استقراره عليه؛ كما لو أكره رجلاً على إتلاف المال أو غرَّه في نكاح أو بيع أو غيرها أو حلق رأس المحرم بغير اختياره؛ فإن ضمانه عليه.
والإِكراه الذي لا ريب فيه أن يقهرها على نفسها، وسواء كان إكراه غلبة مثل إنْ قهرها على نفسها، أو كان إكراه تمكين مثل إنْ ضربها حتى مكَّنت من نفسها؛ فالحكم سواء. هذا قول القاضي وأبي الخطاب.
فعليها الكفارة هنا؛ لأن لها فعلاً صحيحاً وقصداً واختياراً، وإن كانت معذورةً فيه؛ فإن العذر لا يمنع وجوب الكفارة؛ كالنسيان والجهل.
لأنه لو دفعه على إنسان فقتله؛ لم يكن على المدفوع دية ولا كفارة، ولو أكرهه حتى قتله؛ لوجب عليه دية القود، وكان هذا الفعل محرماً بالإِجماع. وعلى الوجهين متى قدرت على الدفع عن نفسها، فلم تفعل؛ فهي كالمطاوعة.
وإن مانعته في أول الفعل، ثم استلانت في أثنائه؛ فهي كالمطاوعة؛ لأن استدامة الوطء كابتدائه في إيجاب الكفارة؛ بدليل مَنْ طلع عليه الفجر وهو مجامع. هكذا ذكره ابن عقيل.
فأما إن وطئها وهي نائمة، ولم تستيقظ إلا بعد مفارقته للفعل:
فقال ابن أبي موسى: ليس عليها قضاء ولا كفارة، وعليه القضاء والكفارة قولَا واحداً؛ لأنها لم تشعر بالجماع، ولم تجد طعمه، ولم تذق عسيلته.
قال: وقال بعض أصحابنا: عليها القضاء وجهاً واحداً؛ يعني: كالمستكرهة؛ فإنه لم يذكر فيها خلافاً، وعليها الكفارة في أحد الوجهين، ترجع بها عليه.
هذا قول القاضي وأصحابه، لا فرق عندهم بين النائمة والمستكرهة.
قال القاضي: قياس المذهب أنها تفطر؛ كما لو أكرهها على الوطء أنها تفطر؛ بخلاف ما لو أكره على الأكل، أو أكل وهو نائم؛ فإنه لا يفطر؛ كالناسي إذا أكل وأولى؛ لأن أكثر ما فيه أنها جومعت بغير اختيارها، فأشبه المقهورة، ولأنه جماع يوجب الغسل، فأفسد الصوم كسائر أنواع الجماع.
قال ابن أبي موسى: ولو ألزمناه كفارتين عنه وعنها؛ كان وجهاً.
فعلى هذا يطالب هو بالتكفير؛ كما قلنا فيمن حلق [رأس] محرم وهو نائم.
وعلى الوجه الذي نقول فيه: ترجع عليه بالكفارة، تطالب هي بها، وترجع عليه.
وإن لم تمكنه؛ فهي كالمستكرهة؛ لأنها تشعر بالجماع.
قال ابن أبي موسى: عليها القضاء والكفارة، ترجع بالكفارة عليه؛ فإنه على الرواية التي توجب الكفارة على المستكرهة.
وأما الموطوءة بعذر غير الاستكراه؛ مثل الناسية والجاهلة والممكنة تظنه ليلاً فبان نهاراً ونحو ذلك:
فذكر أبو الخطاب أنه يفسد صومها، ولا يلزمها الكفارة مع العذر، والعذر
الإِكراه والنسيان، وسوّى بين الأعذار، وألحق المكرهة بالناسية، وجعل في الرجل المعذور روايتين.
وخرَّج بعض أصحابنا وجهاً: أنه لا يفسد صومها أيضاً.
لأن ما لا يوجب الكفارة لا يفسد الصوم مع النسيان؛ كالأكل.
وأما المنصوص عن أحمد، والذي ذكره عامة الأصحاب: الفرق إنما هو بين المطاوعة والمستكرهة فقط، وأن المطاوعة إذا نسيت أو جهلت؛ فإنها كالرجل سواء.
وقد صرح القاضي بالفرق بين الناسية والمستكرهة.
وهذا أصح؛ لأنه لا فرق بين عذر المرأة وعذر الرجل في غير الاستكراه، وإنما فرق بينهما في الاستكراه؛ لأن المرأة لا فعل لها هنالك، ولأن الرجل يمتنع إكراهه على الجماع. . . .
وإذا وطئ أمته مطاوعة، [وأوجبنا] الكفارة؛ كفَّرت بالصوم.
وإن استكرهها؛ فقال ابن أبي موسى: الكفارتان عليه.
وهذا إذا قلنا: لا كفارة على المستكرهة؛ فيحتمل أن تكون كذلك؛ لأنها إنما سقطت عنها تخفيفاً، وهنا تجب ابتداءً على السيد، وليس أهلاً للتخفيف عنه.
وإن قلنا: تجب عليها، ولا يحلها عنها على الرواية التي ذكرها القاضي. . . .