الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن عقيل: وإن كان منتشر العضو، فاغتفلته امرأة، ووقعت عليه، فغلبته، واستدخلت عضوه؛ فلا كفارة عليه هنا؛ لعدم العلة، وفي إفساد الصوم وجهان.
وذكر أبو الخطاب وغيره فيه الروايتين في الناسي.
وإن استدخلت ذكره وهو نائم:
فقال القاضي: لا يفطر؛ لأنه كالمحتلم، لم يصدر منه فعل ولا لذة.
وهذا قياس قول من يفرق بين النائمة والمكرهة، وليس هو قول القاضي.
وذكر ابن عقيل وجهاً أنه يفطر؛ قال: كما لو جرع الماء؛ كان فيه الروايتان، والأشبه أن لا يبطل؛ كما لو قُطِّرَ في حلقه وهو نائم.
قال ابن عقيل: فإن كشفته واستيقظت عضوه بان عبثت به حتى انتشر، ثم استدخلته؛ أفطرا جميعاً، ولا كفارة عليه.
وهل عليها كفارة؟ على روايتين، وكأنه جعله في هذه الصورة مكرهاً، فيكون كقول أبي الخطاب.
وقال غيرهما: ظاهر كلام أحمد أن عليه القضاء؛ لأن القضاء وجب على المرأة المغصوبة على نفسها فالرجل أولى.
وهذا أصح؛ فإن المقهور على نفسه أقوى من المقهورة على نفسها، والنائم أقوى من النائمة.
*
فصل:
وأما المرأة؛ فلا تخلو: إما أن تكون مطاوعة، أو مستكرهة:
فإن كانت مطاوعة في الصيام أو الإِحرام؛ ففيها ثلاث روايات:
إحداهن: أن عليها الكفارة فيهما.
وهي المنصورة عندهم مثل أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه.
قال في رواية ابن إبراهيم في الرجل يستكره امرأته على الجماع: ليس عليها كفارة وعليه، وإذا طاوعته؛ فعليها وعليه كفارة، كفارة في الصوم.
ونقل عنه إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن بختان في المحرمة إذا وطأها:
عليها الهدي. والثانية: لا كفارة عليها.
نقله عنه أبو داوود وأبو الحارث ومهنا والمروذي: لا كفارة على المرأة في الوطء في رمضان.
فعلى هذا تجب الكفارة عليه وحده، وليس عليها كفارة يتحملها الزوج عنها، وتعتبر الكفارة بحاله في الحرية والعبودية، واليسر والعسر، وغير ذلك.
ونقل عنه ابن منصور في الذي يصيب أهله مهلَاّ بالحج: يحجان من قابل ويتفرقان، وأرجو أن يجزيهما هدي واحد.
فمن أصحابنا من يجعل هذا رواية واحدة في أنه لا كفارة عليها، وإنما الكفارة عليه وحده.
ومنهم من يجعل هذا رواية أخرى بأن الكفارة الواحدة تكون عليهما في مالهما وتجزئ عنهما.
وهل تجب عليهما في مالهما؟ أو في ماله وتقع عنهما، أو في ماله وتقع عنه وحده؟
فعلى هذا: إن كفر بالصوم؛ لزم كل واحد منهما صوم شهرين.
والثالثة: عليها الكفارة في الحج دون الصوم.
فقال في رواية أبي طالب: ليس على المرأة كفارة، إنما هي على الرجل؛ إلا أن يكونا محرمين، فيكون عليهما كفارة. كذا قال ابن عباس، ولم أسمع على المرأة هدي إلا في الحج.
ولهذا أكثر نصوصه في الحج بالوجوب، وفي الصوم بعدمه، وذلك لأن الذي واقع أهله في رمضان؛ أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً؛ في معرض جواب سؤاله عن هذه الواقعة، فعلم أنه لا يجب في الجماع شيء غير هذا؛ لأنه لو كان؛ لذكره؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولأن السؤال كالمُعاد في الجواب؛ فتقديره: من أصاب امرأته في رمضان فعليه هذه الكفارة.
ولو قيل مثل ذلك؛ لدل على أن هذا جزاء هذا الفعل ولا شيء فيه غير ذلك.
290 -
ولهذا لما قال له ذلك الرجل: إن ابني كان عسيفاً على هذا، وإنه زنى بامرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«على ابنك جلد مئة وتغريم عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت؛ فارجمها» .
فذكر في الحد حكم الواطئ والواطئة، وفي الكفارة اقتصر على حكم الواطئ فقط.
291 -
وفي الحج: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم المتجامعين أن يهديا هدياً» .
292 -
293 - وكذلك عمر وعلي.
ولأن الكفارة هنا إنما وجبت لأجل الإِصابة والوقوع على المرأة وجماعها، والجماع إنما يفعله الرجل وحده، وإنما المرأة ممكنة من الفعل ومحل له،
والكفارة لم توجب لذلك، ولأن الجماع فعل واحد لا يتم إلا بهما، فاجزأت فيه كفارة واحدة؛ لأن تعدد. . . ، ولأنه حق مالي يجب بالوطء؛ فاختص بوجوبه [على] الواطئ كالمهر في وطء الشبهة.
وهذا لأن الأصل فعل الرجل، والمرأة محل فعله، فاندرج فعلها في فعله، وصار تبعاً له؛ كما تدخل دية الأطراف في دية النفس، وكما لو جامع مرة ثم مرة ولم ينزل، وكما لو قبَّل المحرم ثم أولج، ولأنها كفارة تجب بالوطء، فاختصت بالرجل دون المرأة؛ ككفارة الظهار، أو نقول: إصابةُ فرجٍ حرم لعارض، فاختصت كفارته بالرجل؛ كإصابة المظاهر منها.
فعلى هذا لو لم تجب الكفارة على الرجل بأن تستدخل ذكره وهو نائم، أو تستدخل ذكر مجنون أو صبي؛ فإنه بطل صومها. هكذا ذكره القاضي وابن عقيل.
وهل تجب الكفارة؟ على روايتين.
فيما إذا وطئها الرجل. ذكره القاضي وابن عقيل.
وكذلك لو وطئها وهو مسافر أو مريض، وهي مقيمة صحيحة؛ ففي الكفارة عليها الروايتان.
ومن فرق بين الحج والصوم؛ قال: إن الحج جاء في الأثر عن ابن عباس، والصوم بخلافه، ولأن الحج أغلظ؛ فإن الكفارة تجب فيه بالقبلة والمباشرة وإن لم ينزل
ولأن حرمة الحج متعددة بالنسبة إليهما فإن كل منهما يصير حراماً بإحرام يعقده لنفسه؛ فإذا جامع؛ فقد هتك إحراماً منفصلاً عن إحرام غيره، وهنا الحرمة للشهر الذي يوجب صومه، لا لنفس الصوم المجزئ، ولهذا تجب الكفارة سواء كان صائماً أو مفطراً إذا كان الإِمساك واجباً عليه، ولا تجب إلا في شهر رمضان، وحرمة الشهر واحدة يشملها؛ فإذا هتكاها؛ فإنما هتَّكا حرمة واحدة، فأشبه ما لو اشتركا في قتل صيد.
ولأن الكفارات في الحج تجب مع الانفراد والاشتراك كما تجب بالحلق واللبس؛ فإذا وقع الاشتراك؛ جاز أن يجعلا في حكم المنفردين، وهنا لا تجب إلا بالفعل المشترك.
فعلى هذا، لو استدخلت ذكر نائم أو مكنت من نفسها مجنوناَ أو مسافراَ ونحوه. . . .
وذكر ابن عقيل في موضع آخر أن الوطء إذا تردد بين اثنين لا تجب الكفارة على أحدهما، ووجبت على الآخر وحده؛ كالمسافر إذا وطئ.
ووجه الأول: أن المرأة هتكت حرمة شهر رمضان بالجماع، فوجبت الكفارة عليها كالرجل، وذلك لأنها إذا طاوعته على الجماع؛ كان كل منهما فاعلاً له ومشاركاً فيه، وإن جاز أن ينفرد أحدهما به إذا استكرهها أو استدخلت ذكره وهو نائم؛ فما وجب عليه لله من الكفارة والعقوبة وغير ذلك وجب عليها مثله.
ولهذا يجب الحدُّ عليها كوجوبه عليه، وتفطر بهذا الجماع كما يفطر هو، وتستحق العقوبة في الآخرة كما يستحقه، وتسمى باسمه، فيقال: زان وزانية،
ويسمى جماعاً وحلامة ومباشرة، وصيغة الفعال والمفاعلة في الأصل إنما تكون بين شيئين يفعل كل منهما بصاحبه ما يفعل الآخر به؛ كالقتال والخصام.
ولهذا؛ لو استدخلت ذكره وهو نائم؛ وجبت الكفارة. ذكروا فيه الروايتين، ولأنها كفارة، فوجبت على كل واحد منهما؛ كالحد؛ فإن الحدود كفارات لأهلها.
وهذا لأن الكفارة ماحية من وجه وزاجرة من وجه وجابرة من وجه، والمرأة محتاجة إلى هذه المعاني حسب احتياج الرجل.
ولا يصح التفريق بأن الكفارة في المال، والحد على البدن؛ لأن من الكفارات ما هو على البدن، وهو الصيام.
وكذلك لو حلف كل منهما لا يجامع الآخر؛ كان على كل منهما كفارة [إذا] حنث كل منهما في يمينه؛ كهتك كل منهما لحرمة صومه وإحرامه.
وأما حديث الأعرابي؛ فقد أجاب أصحابنا عنه بوجوه:
أحدها: أن بيانه لحكم الأعرابي بيان لحكم مَنْ في مثل حاله؛ إذ من المعلوم أنها تشاركه في الجماع فتشاركه في حكمه، ولهذا لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء والاغتسال، وقد أمر الأعرابي بالقضاء؛ لعلمه بأن حكمها حكمه، فما حمل عليه ترك ذكر القضاء؛ حمل عليه ترك ذكر الكفارة.
ثانيها: أن هذه قضية في عين، فلعل المرأة كانت مكرهة أو نائمة؛ فإنه قد. . .
294 -
روي في بعض الألفاظ: أنه قال: «هلكت وأهلكت» . رواه الدارقطني.
ونسبة الإِهلاك إليه وحده، وإن كان يحتمل التسبب والدعاء إلى الفعل، لكنه ظاهر في انفراده بالإِهلاك، وسماه إهلاكاً للمرأة؛ لتفطيرها وإيجاب القضاء عليها.
وثالثها: أن المرأة كانت غائبة، ولم تستفه، وإنما سأله الأعرابي عن حكم نفسه فقط، فلم يجب بيان حكم المرأة، وإنما بينه في قصة العسيف؛ لأن له أن يبينه وألاّ يبيِّنه؛ فإن الزيادة على السؤال جائزة.
295 -
كقوله في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» .
ثم الفرق بينهما: أن في قصة العسيف حضر زوج المرأة، وكان سائلاً عن حكمها؛ كما حضر أبو العسيف يسأل عن حكم ابنه.
ثم حكم الرجل في الزنى كان مخالفاً لحكم المرأة؛ فإن حدّها كان الرجم، وحدُّه الجلد، فلم يكن بيان أحدهما بياناً للآخر؛ بخلاف الجماع.
ثم الحدُّ حق الله، يجب استيفاؤه على الإِمام؛ بخلاف الكفارة؛ فإنها حق فيما بين العبد وبين ربه.
ورابعها: أن الرجل أقر بما يوجب الكفارة، والمرأة لم تقر بذلك، وقوله غير مقبول عليها.
وخامسها: أنه يمكن أنه ذكر حكمها فلم ينقل، ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم أراد ذكر حكمها فشغل عنه؛ فإنه عدم محض، والعدم المحض لا دلالة فيه.
وأما قياس هذا على الظهار؛ فلا يصح، لأنها إن كانت مظاهرة منه كما هو مظاهر منها؛ وجبت الكفارة على كل منهما، وإن لم تكن هي مظاهرةً، وقلنا: إنه لا كفارة عليها بظهارها منه؛ فلأن سبب وجوب الكفارة - وهو الظهار-مختص به، كما لو حلف لا يطأها؛ فإن كفارة اليمين تجب عليه خاصة، وكما لو كان هو وحده محرماً أو صائماً؛ فإنه لا ينبغي أن تمكنه من نفسها؛ لما فيه من إعانته على المعصية، ولأن فرجها حرام عليه في هذه الحال، ثم لو مكَّنته؛ لم تجب الكفارة إلا عليه؛ لأنها هي ليست محرمة ولا صائمة.