المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة:ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه: - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - كتاب الصيام - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مسألة:ويجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم، ويؤمر به الصبي إذا أطاقه

- ‌ مسألة:فإن نوى الصوم وجُنَّ في بعض اليوم

- ‌ فصل:فأما من زال عقله بغير جنون

- ‌ فصل:فإن صار من أهل الوجوب في أثاء النهار

- ‌ فصل:فأما من يجب عليه القضاء إذا زال عذره في أثناء اليوم

- ‌ فصل:فأما إذا وجد سبب الفطر في أثناء النهار

- ‌مسألة:ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه:

- ‌ فصل:وإذا أوجبنا صومه

- ‌مسألة:وإذا رأى الهلال وحده؛ صام

- ‌مسألة:فإن كان عدلاً صام الناس بقوله:

- ‌ فصل:ويقبل فيه شهادة الواحد

- ‌مسألة:ولا يفطر إلا بشهادة عدلين:

- ‌مسألة:(وإذا صاموا بشهادة اثنين وثلاثين يوماً؛ أفطروا، وإن كان بغيم أو قول واحد؛ لم يفطروا؛ إلا أن يروه أو يكملوا العدة)

- ‌ فصل:وإذا شهد بالرؤية واحد أو اثنان أو أكثر من ذلك عند بعض الناس ولم يثبت عند الإِمام:

- ‌مسألة:وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير؛ تحرى وصام؛ فإن وافق الشهر أو بعده أجزأه، وإن وافق قبله لم يجزئه

- ‌ فصل:وإذا رأى الهلال بعد زوال الشمس فهو لِلَّيلة المقبلة

- ‌ فصل:وإذا رأى الهلال أهل بلد؛ لزم سائر البلدان الصوم، وإن لم يروه

- ‌ فصل:ولا يصح الصوم إلا بنية كسائر العبادات

- ‌ فصل:

- ‌ فصل:وتصح النية في جميع ليلة الصوم

- ‌ فصل:وهل يشترط أن ينوي نية الفريضة

- ‌ فصل:ولا يجزئ الواجب من الكفارة والقضاء والنذر المطلق إلا بتعيين النية

- ‌والنذر المعين

- ‌باب في أحكام المفطرين في رمضان

- ‌مسألة:ويباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام: أحدها: المريض الذي يتضرر به والمسافر الذي له الفطر؛ فالفطر لهما أفضل، وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما

- ‌مسألة:والثاني: الحائض والنفساء يفطران ويقضيان، وإن صامتا لم يجزئهما

- ‌مسألة:والثالث: الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما؛ أفطرتا وقضتا وأطعمتا

- ‌عن كل يوم مسكيناً، وإن صامتا؛ أجزأهما

- ‌ فصل:ولو أحاط العدو ببلد، وكان الصوم المفروض يضعفهم؛ فهل يجوز لهم الفطر

- ‌مسألة:الرابع: العجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه؛ فإنه يطعم عنه لكل يوم مسكين

- ‌ فصل:وإن قوي الشيخ أو العجوز بعد ذلك على القضاء، أو عوفي المريض الميؤوس من بُرئه، بأن زال عطاشه وزال شبقه ونحو ذلك بعد إخراج الفدية

- ‌مسألة:وعلى سائر من أفطر القضاء لا غير؛ إلا من أفطر بجماع في الفرج؛ فإنه يقضي ويعتق رقبة؛ فإن لم يجد؛ فصيام شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع؛ فإطعام ستين مسكيناً؛ فإن لم يجد؛ سقطت عنه

- ‌ فصل:فإن عجز عن الكفارات الثلاثة:

- ‌ فصل:ويجب العتق إذا وجد الرقبة أو ثمنها فاضلاً عن حوائجه الأصلية

- ‌ فصل:ولا تجب الكفارة إلا في شهر رمضان

- ‌مسألة:فإن جامع ولم يكفر حتى جامع ثانية؛ فكفارة واحدة.وإن كفر ثم جامع؛ فكفارة ثانية

- ‌وكل من لزمه الإِمساك في رمضان، فجامع؛ فعليه كفارة

- ‌ فصل:ولا فرق في الجماع بين المعذور وغير المعذور

- ‌ فصل:وأما المرأة؛ فلا تخلو: إما أن تكون مطاوعة، أو مستكرهة:

- ‌ فصل:وإن كانت مستكرهة

- ‌ فصل:إذا جامع ونزع قبل الفجر، ثم أمنى بذلك بعد طلوع الفجر

- ‌ فصل:ولو احتلم الصائم في النهار في المنام

- ‌مسألة:ومن أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر؛ فليس عليه غيره، وإن فرط؛ أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً

- ‌ مسألة:وأما إذا أخر القضاء لعذر

- ‌ فصل:فإن كان قد أمكنه قضاء بعض ما فاته دون بعض

- ‌ مسألة:فإن أخره إلى رمضان ثالث

- ‌ فصل:ومن عليه قضاء رمضان، لا يجوز أن يصوم تطوعاً

- ‌مسألة:وإن ترك القضاء حتى مات لعذر؛ فلا شيء عليه، وإن كان لغير عذر؛ أطعم عنه لكل يوم مسكيناً؛ إلا أن يكون الصوم منذوراً؛ فإنه يصام عنه، وكذلك كل نذر طاعة

- ‌ فصل:فإن فرط حتى أدركه رمضان الثاني قبل أن يصوم، ومات في أثناء ذلك الرمضان أو بعده قبل أن يصوم:

- ‌ فصل:ويصام النذر عنه

- ‌ مسألة:وإن نذر الصوم في حال الكبر واليأس من البرء

- ‌ فصل:وإذا صام عنه أكثر من واحد في يوم:

- ‌باب ما يفسد الصوم

- ‌مسألة:ومن أكل أو شرب أو استعط أو وصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أو كرر النظر حتى أنزل أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه؛ فسد، وإن فعله ناسياً أو مكرهاً؛ لم يفسد

- ‌ فصل:فإن تجوَّف جوف في فخذه أو يده أو ظهره أو غير ذلك، وليس بينه وبين البطن منفذ، فوضع فيه شيء

- ‌ فصل:ويكره للصائم أن يباشر أو يقبل أو ينظر لشهوة

- ‌ فصل:ويفطر بالحجامة في جميع البدن

- ‌مسألة:وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، أو مضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء، أو فكر فأنزل، أو قطر في إحليله، أو احتلم، أو ذرعه القيء؛ لم يفسد صومه

- ‌ فصل:وما يجتمع في فمه من الريق ونحوه إذا ابتلعه

- ‌ فصل:وما يوضع في الفم من طعام أو غيره

- ‌ فصل:

- ‌مسألة:«ومن أكل يظنه ليلاً فبان نهاراً؛ أفطر»

- ‌مسألة:وإن أكل شاكّاً في طلوع الفجر؛ لم يفسد صومه، وإن أكل شاكّاً في غروب الشمس؛ فسد صومه

- ‌ فصل:[الوقت] الذي يجب صيامه

- ‌ فصل:والسنة تعجيل الفطور

- ‌ فصل:والسحور سنة

- ‌ فصل:ويكره الوصال

- ‌ فصل:فإن أكل أو شرب ما يرويه وإنْ قل؛ خرج عن حكم النهي

- ‌ فصل:وما كان مكروهاً أو محرماً من الأقوال والأعمال في غير زمن الصوم؛ [ففيه] أشد تحريماً وكراهة

الفصل: ‌مسألة:ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه:

فعلى هذا يجوز له الفطر، سواء كان قد نوى السفر من الليل أو نواه في بعض النهار، على رواية الجماعة، ونقل عنه صالح: إذا كان قد حدث نفسه من الليل بالسفر؛ فيفطر، وإن أدركه الفجر في أهله؛ إلا أن يكون نوى السفر في بعض النهار؛ فلا يعجبني أن يفطر.

ويحتمل أن تكون هذه الرواية مثل الرواية الأولى التي نقلها صالح، فيكون فيما إذا نوى السفر من الليل يجوز له الفطر قولاً واحداً، ويحتمل أن يجمع في هذا بين الروايتين في الأصل.

قال القاضي: وظاهر هذا يقتضي جواز نية الفطر في أهله قبل خروجه من بلده؛ لأنه إذا كان من نيته السفر من يومه والفطر في سفره؛ لم يصح له نية الصوم.

ويفارق هذا الفطر بالأكل والشرب أن يتأخر حتى يفارق البيوت؛ ففي الموضع الذي يجوز [له] القصر يجوز [له] الفطر. . . .

وإذا نوى المقيم الصوم، فأراد السفر ليفطر حيلة للفطر؛ لم يستبح الفطر. قاله ابن عقيل بناء على أصلنا: أن الحيل لا تسقط الزكاة ولا تبيح الفروج ولا الأموال.

‌مسألة:

ويجب بأحد ثلاثة أشياء: كمال شعبان، ورؤية هلال رمضان، ووجود غيم أو قتر ليلة الثلاثين يحول دونه:

وجملة ذلك أن الموجب لصوم رمضان أحد ثلاثة أشياء:

ص: 75

أحدها: إكمال عدة شعبان؛ فمتى أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً؛ لزمهم الصوم، سواء رأوا الهلال أو لم يروه، وسواء حال دون منظره سحاب أو قتر أو لم يحل؛ لتواتر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولأن الشهر لا يكون أكثر من ثلاثين يوماً؛ فمتى كمل شعبان؛ فقد تيقنَّا دخول شهر رمضان.

ثم إكمال شعبان مبني على ابتدائه؛ فإن كان أوله قد رئي بالرؤية العامة؛ فآخره قد تيقن انصرامه بكمال العدة، وإن كان بشهادة عدلين. . . .

الثاني: رؤية الهلال؛ فإذا رئي رؤية عامة؛ فقد وجب الصوم، سواء رأوه بعد إكمال عدة شعبان أو لتسع وعشرين خلت منه، وهذا أيضاً من العلم العام.

وقد قال الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] ، وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الصوم لرؤيته.

الثالث: أنه يحول بيننا وبين مطلعه غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان.

وذلك أنه إذا لم يُرَ ولم تكمل العدة؛ فإما أن يكون هناك مانع يمنع من رؤيته لمن أرادها وقصدها، أو لا يكون هناك مانع:

ص: 76

فإن لم يكن هناك مانع؛ لم يجز صومه من رمضان، ومنه يوم الشك المنهي عن صومه؛ كما سيأتي إن شاء الله.

وإن كان هناك حائل يمنع من رؤيته، وهو أن يكون دون مطلعه ومنظره سحاب أو قتر؛ يجوز أن يكون الهلال تحته قد حال دون رؤيته؛ فالمشهور عن أبي عبد الله رحمه الله: أنه يصام من رمضان، ويجزئ إذا تبين أنه من رمضان، ولا يجب قضاؤه. نقله عنه الجماعة، منهم ابناه والمرُّوذي والأثرم وأبو داوود ومهنى والفضل بن زياد.

وهل يقال: يجوز على هذا أن يُسمى يوم شك فيه، فيه روايتان:

إحداهما: يسمى يوم شك، نقلها المروذي؛ فعلى هذا يرجح جانب التعبد.

والثانية: لا يُسمى يوم شك، بل هو يوم من رمضان من طريق الحكم، وهو ظاهر ما نقله مهنى، وهو قول الخلال والأكثرين من أصحابنا.

فعلى هذا لا يتوجه النهي عن صوم يوم الشك إليه إذا قلنا: هو من رمضان، وعليه جماهير أصحابنا.

وروى عنه حنبل: إذا حال دون منظر الهلال حائل؛ أصبح الناس متلوِّمين ما يكون بعد، وإذا لم يحل دون منظره شيء؛ أصبح الناس مفطرين، فإن جاءهم خبر؛ كان عليهم يوم مكانه، ولا كفارة.

فعلى هذا لا يصام من رمضان، وهذا اختيار طائفة من أصحابنا، منهم ابن عقيل والحلواني وأبو القاسم وابن منده؛ فعلى هذه الرواية يستحب له أن يصبح ممسكاً متلوماً، وإن لم يحل دونه شيء؛ أصبح مفطراً.

وروى عنه حنبل في موضع آخر وقد سئل عن صوم يوم الشك، فقال:

ص: 77

صم مع جماعة الناس والإمام، فإن السلطان أحوط في هذا وأنظر للمسلمين وأشد تفقداً، والجماعة؛ يد الله على الجماعة، ولا يعجبني أن يتقدم رجل الشهر بصيام؛ إلا من كان يصوم شعبان؛ فليصله برمضان.

قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: لا أرى صيام يوم الشك إلا مع الإمام ومع الناس. قال أبو عبد الله: وأذهب إلى حديث ابن عمر؛ لأن الصلاة والصيام والجهاد إلى الإمام.

56 -

يعني ما رواه حنبل عن ابن عمر: أنه قال: «صوموا مع الجماعة، وأفطروا مع الجماعة» .

57 -

ووجه عدم الصوم ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم (أو: غبي، أو: غمي) عليكم؛ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» . رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عنه.

58 -

59 - ورواه مسلم من حديث معاذ بن معاذ عن شعبة، والنسائي من حديث ابن علية وورقاء عن شعبة، وقالا:«فإن غُمِّي (غُمَّ) عليكم الشهر؛ فعدوا ثلاثين» .

ص: 78

60 -

ورواه مسلم من حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد، وقال:«فأكملوا العدد فعدوا ثلاثين يوماً» .

61 -

ورواه أحمد من حديث شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته؛ فإن غبي عليكم؛ فعدوا ثلاثين يوماً» .

62 -

وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال؛ فصوموا، وإذا رأيتموه؛ فأفطروا، فإن غم عليكم؛ فصوموا ثلاثين يوماً» . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.

63 -

ورواه أحمد بهذا اللفظ عن أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد صحيح.

64 -

وعن أبي سلمة عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم؛ فعدوا ثلاثين يوماً، ثم أفطروا» . رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الدارقطني من

ص: 79

حديث إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة؛ قال: ورواه أبو بكر بن عياش وأسامة بن زيد عن محمد بن عمرو بهذا. قال: وهي أسانيد صحاح.

65 -

وعن ابن عباس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن حال بينكم وبينه سحاب؛ فكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً» . رواه أحمد والنسائي.

ص: 80

66 -

وفي رواية للنسائي: «فأكملوا العدة عدة شعبان» .

67 -

ورواه أبو داوود والطيالسي؛ قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة؛ فأكملوا شهر شعبان ثلاثين، ولا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان» .

68 -

وعن محمد بن حنين، عن ابن عباس؛ قال:[عجبت] ممن يصوم قبل الشهر [وقد] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال؛ فصوموا، وإذا

ص: 81

رأيتموه؛ فأفطروا، فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة ثلاثين». رواه النسائي.

69 -

وفي رواية للنسائي والترمذي: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛

ص: 82

فإن حالت دونه غيابة؛ فأكملوا العدة ثلاثين يوماً. قال الترمذي: حدي حسن صحيح.

70 -

ورواه أبو داود ولفظه: «لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين؛ إلا أن يكون شيئاً يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه؛ فإن حال دونه غمامة؛ فأكملوا العدة ثلاثين يوماً، ثم أفطروا» . هكذا رواه أبو داوود من حديث زائد عن سماك، وقال: رواه حاتم بن أبي صغيرة وشعبة والحسن بن صالح عن سماك بمعناه، ولم يقولوا:«ثم أفطروا» .

ص: 83

71 -

وقد روى مسلم في «صحيحه» عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الله تعالى قد أمده لرؤيته؛ فإن أغمي عليكم؛ فأكملوا العدة» .

72 -

وعن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره؛ يصوم لرؤية رمضان؛ فإن غم عليه؛ عد ثلاثين يوماً ثم صام» . رواه احمد وأبو داوود، وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن صحيح.

ص: 84

73 -

وعن ربعي عن حذيفة بن اليمان؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» . رواه أبو داود والنسائي.

ص: 85

74 -

ورواه النسائي عن ربعي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أيضاً مرسلاً.

75 -

وعن ربعي بن حراش: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم؛ فعدوا شعبان ثلاثين، ثم صوموا؛ فإن غم عليكم؛ فعدوا رمضان ثلاثين ثم أفطروا؛ إلا أن تروا قبل ذلك» . رواه الدارقطني.

76 -

وعن عمار بن ياسر؛ قال: «من صام اليوم الذي يشك فيه؛ فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» . رواه الأربعة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص: 86

77 -

وذكره البخاري تعليقاً، فقال: وقال صلة عن حذيفة: «من ضام يوم الشك؛ فقد عصى أبا القاسم» .

78 -

وعن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون ليلة؛ فلا تصوموا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة ثلاثين» . هكذا رواه البخاري بهذا الإسناد واللفظ. . . .

79 -

والذي في «الموطأ» بهذا الإسناد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر تسع وعشرون؛ فلا تصوموا حتى ترو الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة ثلاثين» .

ص: 87

80 -

ثم روى مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا حتى ترو الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة ثلاثين» .

فلعل. . . .

81 -

وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فضرب بيده، فقال:«الشهر هكذا وهكذا (ثم عقد إبهامه في الثانية) ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم؛ فاقدروا ثلاثين» . رواه مسلم.

فوجه الدلالة من هذه الأحاديث من وجوه:

أحدها أن قوله: «فأكملوا العدة» : يقتضي إكمال العدة في هلال الصوم وفي هلال الفطر؛ فإن الصوم والفطر قد تقدم ذكرهما جميعاً في قوله: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم - في أحد هذين الموضعين -؛ فأكملوا العدة؛ لأن اللفظ مطلق؛ فلا يجوز تقييده، ولأنه لو اختلف حكم الهلالين؛ لبينه، ولا يجوز حمله على أنه إن غم فيهما جميعاً؛ لأن غمه أغم من أن يُغم فيهما أو في أحدهما، فيجب حمله على الصور [تين] جميعاً، وأن لا يحمل على واحد منهما.

ص: 88

الثاني: أن قوله: «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة» : صريح في هذا الحكم.

الثالث: أن قوله في حديث أبي هريرة: «فأكملوا عدة شعبان» ، وكذلك في حديث ابن عباس وفي حديث ابن عمر:«لا تصوموا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فأكملوا العدة ثلاثين» : خاص في عدة شعبان، وفي أنه لا يُصام حتى يُرى الهلال.

الرابع: حديث عائشة نصٌّ مفسر بقولها: «عدَّ ثلاثين يوماً ثم صام» .

الخامس: أن حديث عمار مفسر بالنهي عن صوم يوم الشك، وهذا يوم شك؛ لأنه يحتمل أن يكون من شعبان ويحتمل أن يكون من رمضان، ولا معنى للشك إلا التردد بين الجهتين.

وأما رواية من روى: «فاقدروا له» ؛ فمعناها: احسبوا له وعدوا له حتى يعلم الوقت الذي يتيقن فيه طلوعه، وهو عند إكمال العدة؛ كما جاء مفسراً:«فاقدروا ثلاثين» .

82 -

وكما روى أيوب: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل البصرة: «بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، زاد: وإنَّ أحسن ما يقدر له: أنَّا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا؛ فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا؛ إلا أن يروا الهلال قبل ذلك» . رواه أبو داوود في «سننه» .

فقوله: «إلا أن تروا الهلال قبل ذلك» : دليل على أنهم فهموا من قوله:

ص: 89

«فاقدروا له» : كمال العدة؛ لأن الهلال لا يُرى قبل ليلة الثلاثين، وإنما يُرى قبل الحادية والثلاثين.

وقد زعم بعضهم أن حديث ابن عمر منسوخ؛ لأن التقدير هو حساب الوقت الذي يطلع فيه، وهذا إنما يعلمه أهل الحساب، ونحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. وقد يكون القدر بأن ينظر إلى طلوعه صبيحة ثمانٍ وعشرين؛ فإن رئي تلك الغداة؛ علم أن الشهر تام، وأنه لا يطلع ليلة الثلاثين، وإن لم يُرَ فيها؛ عُلم أن الشهر ناقص، وأنه يطلع ليلة الثلاثين، لكن يضيق اعتبار هذا على الناس، وقد لا ينضبط، فنسخ بإكمال العدة. وأيضاً؛ فإنها عبادة يتيقن دخول وقتها، فلم تفعل في وقت الشك؛ كالصلاة والحج، ولأنه شك في طلوع الهلال؛ فلا يشرع معه الصوم؛ كالشك في الصحو. . . .

وأما من جعل الناس تبعاً للسلطان؛ فلقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. . .} [الحجرات: 1].

83 -

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون» .

ص: 90

84 -

وقال ابن عمر: «صم مع الجماعة، وأفطر مع الجماعة» . رواه حنبل.

85 -

وقال أبو سعيد: «إذا رأيت هلال رمضان؛ فصم، وإذا لم تره؛ فصم مع جماعة الناس، وأفطر مع جماعة الناس» . رواه الأثرم.

ولأن الإِمام أحوط في هذا وأشد مراعاة، فوجب اتباعه في هذا كما يتبع فيما يأمر به من الجهاد وغيره، وكما لو قال ثبت عندي صوم أول يوم من رمضان، وكان ثبوته بشاهد واحد؛ وجب اتباعه على مَنْ لا يوجب الصوم بشاهد واحد. ذكره القاضي.

86 -

ووجه الأول: ما رواه أحمد، حدثنا إسماعيل، أنبأ أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الشهر تسع وعشرون؛ فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غم عليكم؛ فاقدروا له» . قال نافع: فكان عبد الله بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون؛ يبعث مَنْ ينظر، فإن رأى؛ فذاك، وإن لم يُرَ ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر؛ أصبح مفطراً، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر؛ أصبح صائماً. رواه الجماعة إلا

ص: 91

الترمذي؛ إلا أن قوله: قال نافع. . . إلى آخره؛ فإنما رواه أحمد وأبو داوود.

87 -

وفي رواية أبي داوود: وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب.

88 -

وقال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمرو؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهر تسع وعشرين، هكذا وهكذا، فإن غم عليكم فاقدروا له» . وكان ابن عمر إذا كان ليلة تسع وعشرين وكان في السماء سحاب أو قتر أصبح صائماً.

قال أصحابنا: فوجه الدلالة من وجوه:

أحدها: أن ابن عمر قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «فاقدروا له» ، وفسر ذلك بأن كان يصوم يوم الثلاثين مع إغماء السماء، والصحابي إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً مجملاً، وفسره بمعنى؛ وجب الرجوع إلى تفسيره؛ لأنه أعلم باللغة ولأنه يدري بقرائن الأحوال من النبي صلى الله عليه وسلم ما يعلم به قصده، وقرائن الأحوال في الغالب لا يمكن نقلها، ولأنه شهد التنزيل وحضر التأويل وشاهد الرسول، فيكون أعلم بما ينقله ويرويه؛ فكيف بما قد نقله ورواه؟!

ص: 92

89 -

ولهذا رجع ابن عمر في تفسيره التفرق أنه التفرق بالأبدان لما روى حديث: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» ، لا سيما والراوي هو ابن عمر، وكان في اتباعه للسنة وتحريه لدينه بالمكان الذي لا يخفى، وتفسيره مقدم على تفسير غيره ممن هو بعده في الفقه واللغة.

الثاني: من جهة اللغة؛ فإنهم يقولون: قدرت الشيء أقدُره وأقدِره قدراً بمعنى قدَّرته أقدِّره تقديراً، يقولون: قَدَر الله هذا الأمر وقَدَّره من القضاء، وقَدَرْت الشيء وقَدَّرْته من الحساب، وقَدَر على عياله قَدْراً مثل قَتَر وقُدِر على الإنسان رزقه مثل قُتِر، قال جماعة من أهل اللغة: قَدَر يَقْدِر بمعنى ضيق، ومنه قوله:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87]؛ أي: نضيق، وقوله:{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى: 12] أي: يضيق، فإن كان قوله:«فاقدروا له» ؛ بمعنى: ضيقوا له؛ فالتضييق لا يكون إلا بأن يحسب له أقل زمان يطلع فيه، وهو طلوعه ليلة الثلاثين، وإن كان بمعنى: قدروا له؛ فإن التقدير الحساب والعدد، وذلك يطلق على التقدير بالثلاثين وعلى التقدير بالتسع والعشرين؛ فالقدر بالثلاثين هو القدر في آخر الشهر، وعلى ذلك تحمل الرواية المفسرة إن صحت فإن مدارها. . .؛ فإن الراوي لها ابن عمر، ومحال أن يروي:«فاقدروا له» في أول الشهر ثلاثين ويقدر هو تسعاً وعشرين.

90 -

وقد روي ذلك مفسراً من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدَّموا الشهر (يعني: رمضان) بيوم ولا يومين؛ إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم

ص: 93

عليكم فاقدروا ثلاثين يوماً ثم أفطروا» ، رواه أحمد، والقدر بالتسع والعشرين يكون في أول الشهر؛ لتفسير ابن عمر، ولأنه أحوط للصوم؛ فالقدر في كل هلال بما يقتضيه، كما كانت البينة في كل هلال بحسبه؛ ففي أوله يقبل قول الواحد وفي آخره لا بد من اثنين.

الثالث: قوله: «إنما الشهر تسع وعشرون. . .» إلى قوله: «فإن غم عليكم فاقدروا له» ؛ فلولا أنه أراد التقدير له بالتسع والعشرين لم يكن لذكرها هنا معنى، بل أعلمهم أن الشهر الذي لا بد منه تسع وعشرون، واليوم الموفي ثلاثين قد يكون وقد لا يكون، فإذا غم الهلال؛ فعدوا له الشهر المذكور، وهو التسع والعشرون.

ويوضح ذلك أنه أتى بقوله: «فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه» عقب قوله: «إنما الشهر تسع وعشرون» بحرف الفاء المشعرة بالسبب؛ فكأنه قال: الشهر الذي لا بد منه تسع وعشرون؛ فاقدروا له هذا العدد إذا غم عليكم.

الرابع: قد قيل: معناه: فاقدروا له زماناً يطلع في مثله الهلال:

91 -

كما في حديث عائشة: «فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن

ص: 94

المشتهية للنظر»؛ أي: اقدروا زماناً يقف في مثله جارية حديثة السن.

92 -

وأيضاً؛ فما روى أحمد في «مسائل الفضل بن زياد» بإسناده عن أبي عثمان؛ قال: قال عمر: «ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان، ويفطر يوماً من رمضان؛ فإن تقدم قبل الناس؛ فليفطر إذا أفطر الناس» .

[فـ] نهى من احتاط بالصوم في أول الشهر أن يبني على ذلك في آخره، فيفطر يوماً من رمضان، وأمره أن يجعل احتياطه في الطرفين.

93 -

وعن الزهري، عن سالم؛ قال:«كان أبي إذا أشكل عليه شأن الهلال؛ تقدم قبله بصيام يوم» .

وقد تقدم رواية نافع عنه بالفَصْل بين الصحو والغيم.

94 -

و [عن] معاوية بن صالح، عن أبي مريم؛ قال: سمعت أبا هريرة يقول: «لأن أتعجل في صيام رمضان بيوم أحب إلي [من] أن أتأخر؛ لأني إذا تعجلت؛ لم يفتني، وإذا تأخرت؛ فاتني» .

وفي لفظ آخر: «تقدم رمضان بيوم من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» .

95 -

وعن عبد الله بن هبيرة، عن عمرو بن العاص: «أنه كان يصوم

ص: 95

98 -

وعن عبد الله بن أبي موسى عن عائشة: «أنها كانت تصوم اليوم الذي تشك فيه من رمضان» .

99 -

وعن [فاطمة بنت المنذر عن أسماء]: «أنها كانت تصوم اليوم الذي يُشك فيه من رمضان» .

100 -

وروى أحمد في «المسند» عن عبد الله بن أبي موسى؛ قال:

ص: 97

يصوم يوم الشك إذا كانت السماء في تلك الليلة متغيمة، ويقول:«ليس هذا بالتقدم ولكنه بالتحري» .

وذكر أبو بكر عبد العزيز عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة: أنهم أوجبوا صومه في الغيم.

104 -

وروى يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن عكيم؛ قال: كان عمر بن الخطاب في الليلة التي تشك من رمضان يقوم بعد المغرب، فيحمد الله، ثم يقول: ألا إن شهر رمضان شهر كتب الله عليكم صيامه، ولم يكتب عليكم قيامه، ألا ومن استطاع منكم أن يقوم؛ فليقم؛ فإنها من نوافل الخير التي قال الله عز وجل، ومن لم يستطع؛ فلينم على فراشه، ولا يقولنَّ قائل: إن قام فلان قمت، وإن صام فلان صمت؛ فمن قام أو صام؛ فليجعل ذلك لله، أقلوا اللغو في بيوت الله، وليعلم أحدكم أنه في صلاة ما انتظر الصلاة، ألا لا يتقدمن الشهر منكم. . . على الظراب.

105 -

كذا روى سعيد هذه الخطبة عن عبد الله بن عكيم؛ قال: كان عمر بن الخطاب إذا دخل [شهر رمضان]؛ صلى لنا صلاة المغرب، ثم تشهد بخطبة خفيفة، ثم قال:«أما بعد؛ فإن هذا الشهر [شهر] كتب الله عليكم صيامه. . .» وساق الخطبة إلى أن قال: «ألا يتقدمنَّ الشهر منكم أحد (ثلاث

ص: 99

مرات) ، ألا ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، ألا وإن غمي عليكم، فلن يُغمَّ عليكم العدد، فعدُّوا ثلاثين ثم أفطروا، ألا ولا تفطروا حتى تروا الليل يغسق على الظراب».

فهذا يبين أنه أراد بأول رمضان ليلة الإِغماء.

106 -

وعن فاطمة بنت الحسين: أن رجلاً شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية الهلال، هلال رمضان، فصام، وأحسبه قال: ومر الناس أن يصوموا، وقال:«لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» .

ص: 100

فهذه الآثار من الصحابة رضي الله عنهم قالوها وفعلوها في أوقات متفرقة، وأكثر هؤلاء مثل أبي هريرة وابن عمر وعائشة هم الذين رووا أحاديث إكمال العدة وأحاديث النهي عن التقدم، وقد روي عنهم وعن غيرهم النهي عن صوم يوم الشك والأمر بإكمال العدة.

107 -

فروى سعيد والنجاد عن عبد العزيز بن حكيم؛ قال: ذكر عند ابن عمر اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال ابن عمر: «لو صمت السنة؛

ص: 101

لأفطرت اليوم الذي بينهما».

108 -

وروى حنبل عن ابن عمر؛ قال: «صوموا مع الجماعة، وأفطروا مع الجماعة» .

109 -

وروى الأثرم عن مسروق؛ قال: «دخلنا على عائشة في اليوم

ص: 102

الذي يشك فيه من رمضان، فقالت: يا جارية! خوضي له عسلاً. قالت: خوضوه، فإن رابكم منه شيء؛ فمروها فلتزد، فإني لو كنت مفطرة؛ لذقته لكم. فقلت: أنا صائم، يريد إن كان اليوم من رمضان أدركنا وإلا كان تطوعاً. قالت: إن الصوم صوم الناس، والفطر فطر الناس، والذبح ذبح الناس».

110 -

وعن محمد بن سيرين: «أنه دخل على أنس بن مالك في اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فوجده قد شرب خزيرة وركب» .

111 -

وعن الشعبي؛ قال: «كان عمر وعلي ينهيان عن صوم [اليوم] الذي يشك فيه من رمضان» .

112 -

وعن أبي الطفيل؛ قال: جاء رجل إلى علي، فسأله عن صيام يوم الشك؟ فقال له علي: «إن نبيكم كان ينهى عن صيام ستة أيام من السنة:

ص: 103

117 -

وعن عمار: «أنه أتى بشاة مصلية في اليوم الذي يقول القائل: هو من شعبان، فاعتزل رجل من القوم، فقال: أما أنت بمؤمن بالله واليوم الآخر؛ فادن فكل» .

فإذا كان الأمر هكذا؛ وجب أن تحمل آثار الصوم على حال الغمام والضباب، وآثار الفطر على حال الصحو والانقشاع لوجوه:

أحدها: أنه إن لم يفعل ذلك؛ لزم تهاتر الآثار وتعارضها، وأن يكون الصحابة رضي الله عنهم رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وعملوا بخلافه في مثل هذه القضية التي لا تنسى ولا تخفى، حتى يقول أبو هريرة وابن عمر: أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك منَّا في قضية رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها نصّاً، وأن يخالفوا إلى ما نهوا عنه، ومثل هذا لا يجوز أن يظن بهم ويعتقد فيهم.

الثاني: أن الآثار في الشك مجملة، ليس فيها نص بيوم الغيم، والآثار في الصوم كثير، منها مفسرة مبينة بصوم يوم الغيم، وفيها ما فُرِّق فيه بين الغيم والصحو، وهو حديث ابن عمر، مع أنه قد صرح عن نفسه بأنه يفطر اليوم الذي يشك فيه، فعلم أن مقصوده بيوم الشكِّ: الشكُّ في حال الصحو، وإذا علم أن مقصود بعض الصحابة بيوم الشك هذا؛ جاز أن يكون مقصود الباقي ذلك.

ويوضح ذلك: أن الشك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان والله أعلم في حال الصحو؛ لأنه صام تسع رمضانات وكانت في الصيف.

ص: 105

يُبيِّنُ ذلك: أنه خرج في غزوة الفتح في سنة ثمان من رمضان في حَرٍّ شديد، وخرج إلى بدر في رمضان من السنة الثانية، وهو أول رمضان فرض، وكانت في الربيع الذي تسميه العامة الخريف، وذلك لأنهم أمطروا عام بدر كما دل عليه القرآن، والمطر إنما يكون في الربيع الذي قبل الشتاء المسمى بالخريف، وفي الصيف الذي بعده سمي بالربيع، لكن العادة أن رمضان في السنة الثانية يكون قبل الوقت الذي كان فيه من السنة الأولى بنحو أحد عشر يوماً، فلما كان في غزوة الفتح رمضان في حرٍّ شديد؛ عُلِمَ أنه كان قبل ذلك فيما بين الخريف والحر الشديد، لا فيما بين الربيع الذي بعد الشتاء وبين الحر الشديد؛ لما ذكرنا أن السنة إنما تدور وراء، وهو أول رمضان فرض، والسنة إنما تدور في ثلاثة وثلاثين سنة، يقع منها نحو ستة عشر في الصيف وما يقاربه.

الثالث: أن السماء إذا كانت مصحية وتقاعد الناس عن رؤية الهلال أو ادعى رؤيته مَنْ لا يقبل خبره أو جاز أن يكون قد رئي في موضع آخر أو تحدث به الناس ولم يثبت؛ كان شكّاً مرجوحاً؛ لأن الغالب الظاهر أنه لو كان هناك هلال لرآه بعض المقبولين، والأصل عدم الهلال، فاعتضد على عدم الهلال الأصل النافي المبني عليه استصحاب الحال والظاهر الغالب، فلم يكن لتقدير طلوعه بعد هذا إلا مجرد وهم وخيال، وأحكام الله لا تبنى على ذلك، فكان الصوم والحال هذه مجرد غلو في الدين وتعمق؛ كالمتورع عن مال رجل مسلم مستور، وكتقدير الشبهات والاحتمالات التي لا أمارة عليها، وهذا مما لا يُلتفت إليه.

ثم إنه في حال الصحو للناس طريق إلى العلم به، وهو ترائي مطلعه والتحديق نحوه؛ فإذا لم يروه؛ جاز نفيه بناء على نفي رؤيته؛ فإن الباحث عن

ص: 106

الشيء الطالب له بحسب الوسع والطاقة إذا لم يجده جاز أن ينفيه، وعلى هذا يبنى عامة الأحكام الشرعية المبنية على عدم الدليل الموجب، مثل أن يقال: لا يجب الشيء الفلاني أو لا يحرم؛ لأن الأصل عدم الوجوب والتحريم، لا دليل على ثبوتها.

أما إذا حال دون منظره سحاب أو قتر؛ فهناك لا سبيل إلى ترائيه ولا نفي طلوعه، فانقطع العلم بالهلال من جهة الرؤية، ولم يبق إلا العدد.

ويحتمل أن يكون طالعاً، ويحتمل أن لا يكون، ومثل هذا لا يأتي الشرع بتحريم الاحتياط وإزالة الشك فيه.

118 -

وهو القائل: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» .

ص: 107

بل مثل هذا في الشرع: إما أن يجب الاحتياط فيه أو يستحب كما سنذكره إن شاء الله، وهذا معنى قول من قال من الصحابة:«لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» .

ولا يخالف هذا قول ابن مسعود: «لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إليَّ من أن أزيد فيه ما ليس منه» ؛ لأنه جعل الفطر والقضاء خيراً من الزيادة؛ لأن الفطر والقضاء غالباً إنما يكون مع الصحو بأن يكون بعض الناس قد رآه ولم يثبت ذلك بعد، أما مع الغيم؛ فيتعذر الرؤية غالباً.

ثم هذا الشك قد يرجح فيه الصوم من وجهين:

أحدهما: أن الغالب على شعبان أن يكون تسعاً وعشرين، وإنما يكون ثلاثين في بعض الأعوام، فإن غُم الهلال؛ كان إلْحاق الفرد بالأعم الأغلب أولى مِنْ إِلْحاقهِ بالأقل.

الثاني: أن الشهر المتيقن تسع وعشرون، وما زاد على ذلك متردد بين الشهور، وقد كمل العدد المتيقن، وقد نَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله:«إنما الشهر تسع وعشرون» ، بصيغة (إنما) التي تقضي إثبات المذكور ونفي ما عداه، فعلم أن ما زاد على التسع والعشرين ليس من الشهر بيقين، فإذا مضت من شعبان تسع وعشرون ليلة؛ فقد مضى الشهر الأصلي.

وأيضاً ما احتج به بعض أصحابنا، وهو:

119 -

ما روى مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (أو: قال لرجل وهو يسمع): «هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً؟» .

ص: 108

قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أفطرت؛ فصم يومين مكانه» . رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه.

وفي رواية للبخاري: «أما صمت سرر هذا الشهر؟» . قال: أظنه يعني رمضان.

وفي رواية ثابت: «من سرر شعبان» . قال البخاري*: - «وهو أصح» .

وفي رواية لأحمد ومسلم، عن شعبة، عن ابن أخي مطرف، عن مطرف:«هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً «يعني: شعبان)؟» . قال؛ لا. قال: «فإذا فطرت رمضان؛ فصم يوماً أو يومين (شك شعبة. قال: وأظنه قال: يومين» ).

وفي رواية لأحمد وأبي داوود والنسائي، عن حماد بن سلمة، عن ثابت عن مطرف وسعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن

ص: 109

عمران: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟» . قال: لا. قال: «فإذا أفطرت؛ فصم يوماً (وقال أحدهما: يومين» ).

وفي رواية: وقال الجريري: «صم يوماً» .

وقد رواه أحمد عن يزيد عن الجريري، وقال:«فصم يومين» .

وكذلك رواه سليمان التيمي عن أبي العلاء، وغيلان بن جرير عن [مطرف].

120 -

وعن أبي الأزهر المغيرة بن فروة؛ قال: قام معاوية بالناس بدير مسحل الذي على باب حمص، فقال: يا أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام؛ فمن أحب أن يفعله؛ فليفعله. قال: فقام إليه مالك ابن هبيرة السبئي، فقال: يا معاوية! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوموا الشهر وسرّ» . رواه أبو داوود.

ص: 110

121 -

وروي عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: أنهما قالا: «سره أوله» .

ص: 111

122 -

وعن القاسم بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان: «الصيام يوم كذا وكذا، ونحن متقدمون؛ فمن شاء؛ فليتأخر» . رواه ابن ماجه.

قال أهل اللغة: السر والسرار - بالفتح والكسر ــ آخر الشهر ليلة يستسر هلال، فربما استسر ليلة، وربما استسر ليلتين إذا تم الشهر؛ لأنه لا بُدَّ أن يُرى صبيحة ثمان وعشرين ثم يستسر ليلة تسع وعشرين ثم يستهل ليلة الثلاثين أو يستسر أيضاً.

وقد ذكرنا عن الأوزاعي وسعيد: أن سِرَّه أوله.

قال من احتج بهذا: لا وجه لهذا الحديث إلا أن يكون أمر بصوم السرار مع الغيم، فلما لم يصم ذلك الرجل السرار؛ أمره بالقضاء؛ لأنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين؛ إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم؛ فليصمه» .

ثم أمر بصوم السرر وقضائه، وهو يوم أو يومين، فيحمل هذا على حال الصحو وهذا على حال الإِغمام توفيقاً بينهما.

ص: 112

ويؤيد ذلك أن معاوية هو ممن روى حديث الأمر بصوم السِّر، وكان يتقدم رمضان، ويعلل بأني أن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان، وهذا الاحتراز لا يشرع إلا في الغيم.

ومطرف بن الشخير هو الذي روى حديث عمران بن حصين، وكان يصوم هذا الصوم، ويقول:

123 -

«لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان» . رواه النجاد وغيره.

وقد فسر سعيد والأوزاعي سره بأنه أوله، وهذا إنما يكون مع الغيم؛ لأنه يجعل يوم الإِغمام أول الشهر حكماً واجباً مضى؛ فهو سرار لشعبان من وجه، وأول لرمضان من وجه.

فإن قيل: هذا محمول على أن الرجل كانت له عادة يصوم السرار، وكان قد نذره.

قلنا: هذا لا يصح؛ لأن اعتياد صوم السرار دون ما قبله في الصحو هو التقدم المنهي عنه في حديث أبي هريرة؛ فلا يجوز أن يحمل على أن عادته صوم أيام منها السرار؛ لأنه إنما أمره بقضاء السرار فقط، ولذلك أيضاً يكره أن ينذر صوم السرار مفرداً أو يحرم؛ لأنه تقدم وجوبه يوم الشك، وما كان مكروهاً في الشرع كان مكروهاً وإنْ نذره.

ثم هذا ليس له في الحديث ذكر، وإنما المذكور حكم، وهو الأمر بالقضاء، وسبب، وهو فطر ذلك السرار، فيجب تعلق الحكم بذلك السبب،

ص: 113

ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء سوى ذلك. ثم معلوم أن النذر يجب قضاؤه، ولا اختصاص للسرار بذلك. ثم راوي الحديث عمران وصاحبه مطرف فهما من ذلك العموم في حق ذلك الرجل وغيره.

ثم حديث معاوية عام صريح بالأمر بصوم السر، وقد فهم منه معاوية التقدم.

فإن قيل: فقد أمره بقضاء يومين، وإنما يقضي مع الإِغمام يوماً واحداً.

قيل: أما حديث معاوية؛ فليس فيه عدد، وإنما فيه السرار والسرار المتيقن هو ليلة واحدة.

قال غير واحد من أهل اللغة: سرر الشهر آخر ليلة منه.

وأما حديث عمران؛ فقد ذكر بعض الرواة أنه إنما أمره بقضاء يوم فقط؛

ص: 114

........................

ص: 115

فإن كان هذا هو الصواب؛ فلا كلام، وإن كان الصواب رواية الأكثرين؛ فقد حمله القاضي على ما إذا غُم هلال شعبان وهلال رمضان، فعدَّ كل واحد من رجب وشعبان ثلاثين يوماً، وحصل صوم رمضان ثمانية وعشرين يوماً. قال: فليعلم أن الخطأ حصل بيومين من شعبان، وهذا الذي قاله يقتضي أنه غُم هلال شعبان ثم غُم هلال رمضان ليلتين: أن يؤخذ بالاحتياط؛ لأنه يجوز أنه كان هلال شعبان تحت الغمام، فتكون الليلة التي يظن أنها تسع وعشرون من شعبان ليلة الثلاثين منه والسماء متغيمة، فيقدر له ويصام، وأنه لو أكمل العدتين وصام ثم رأى الهلال بعد ثمانية وعشرين من رمضان: أنه يقضي يومين، وعلى قياس [هذا]؛ فلو توالت ثلاثة أشهر أو أكثر مغيمة. . . والأشبه. . . ، وذكر في موضع آخر أن لا يحكم بدخول شهر من الشهور بمجرد الإِغمام إلا شهر رمضان كما لا يثبت بشهادة الواحد إلا رمضان خاصة.

وأيضاً؛ فإن من حيل بينه وبين رؤية الهلال فإنه يعمل بالتحري والاجتهاد.

أصله الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر فإنه يتحرى، والتحري يوجب الصوم؛ لأنه أحوط للشهر، ولأنه الأغلب.

وأيضاً فإن الصوم ثابت في ذمته بيقين، ولا يتيقن براءة ذمته إلا بصوم الإِغمام، فصامه؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما يجب عليه إمساك جزء قبل الفجر؛ لأنه لا يتم صوم اليوم إلا به، وكما لو كان عليه فوائت لا

ص: 116

يعلم عددها، أو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، أو أصاب ثوبه نجاسة جهل محلها؛ فإنه يلزمه فعل ما يتيقن به براءة [ذمته] ، كذلك ها هنا.

ولأنه إغمام في أحد طرفي الشهر فأخذ فيه بالاحتياط كالطرف الثاني.

والذي يدل على الأخذ بالاحتياط في أول الشهر قبول خبر الواحد فيه مع أنه لا يقبل في سائر الشهور إلا بشهادة اثنين، فلولا رعاية الاحتياط فيه لقيس على سائر الشهور.

فإن قيل: في هذه الأصول المقيس عليها قد تيقن الوجوب، ولا تيقن البراءة من الواجب إلا بفعل الجميع، وهنا يشك في وجوب صوم ذلك اليوم، والأصل عدم وجوبه، والأصل بقاء شهر شعبان، فيجب العمل باستصحاب الحال؛ كما لو شك في مقدار الزمان الذي فوت صلاته، مثل أن يقول: لم أصلِّ منذ بلغت، ولا أدري هل بلغت من سنة أو سنتين، أو شك في طريان النجاسة على الثوب، وكما لو شك في طلوع الفجر؛ فإنه يجوز له الأكل حتى يتيقن طلوعه، وكما يستصحب الحال مع الصحو.

قيل: وقد تيقن وجوب صوم الشهر بكماله، وشك في هذا [اليوم] هل هو من الشهر أم لا؟ مع أن الأغلب أنه منه، وليس معه قرينة تنفي كونه منه.

وأما كون الأصل بقاء شعبان؛ فقد عارضه كون الغالب طلوع الهلال في هذه الليلة، وأن هذا الأصل متيقن الزوال، وإنما التردد في وقت زواله.

ثم الفرق بين هذا وبين الأكل والوقوف مع الشك في طلوع الفجر: أنه قد وجد منه الإِمساك هنا والوقوف، فلم تسقط العبادة بالبناء على الأصل، وهنا البناء

ص: 117

على الأصل يسقط صوم يوم.

وأيضاً؛ فإن إيجاب الاحتياط هناك فيه مشقة عظيمة؛ فإن طلوع الفجر يخفى على كثير من الناس، وتفويت الحج أشق وأشق، وليس في صوم يوم الإِغماء مشقة.

وأيضاً؛ فإنه هناك يجوز الأكل مع قدرته على معرفة طلوع الفجر.

124 -

كما جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ولو كانت السماء مصحية وأراد التغافل عن رؤية الهلال لئلا يصوم ذلك اليوم؛ لم يجز. فعُلِم الفرق بينهما.

ولأن الله سبحانه قال في الفجر: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] ، فعلق الحكم بالتبيين، وقال هنا:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} [البقرة: 189] ، فعلق الحكم بنفس الهلال، لا بمجرد رؤيته.

وأيضاً؛ فإن الصوم عبادة مقدرة بوقت وجوبها، فوجبت مع الاشتباه؛ كالصلاة في آخر الوقت، والشك في آخر الشهر، وهذا لأنه إذا شك تضايق وقت الصلاة؛ وجب [عليه] فعلها حذر الفوات، مع أن الأصل بقاء الوقت؛ فكذلك الصوم مثله سواء.

فعلى هذا صوم يوم الغيم [واجب] في المشهور عند أصحابنا ويتوجه. . . .

ص: 118

وأما الأحاديث المتقدمة؛ فقد أجاب أصحابنا عنها أنها بين صحيح لا دلالة فيه، أو ظاهر الدلالة لكن في إسناده مقال ويقبل التأويل. قالوا: فكل موضع جاء فيه: «فأكملوا العدة» ؛ فالمراد به إكمال عدة رمضان؛ لأنه أقرب المذكورين، ولأنه جاء مصرحاً به في حديث أبي هريرة:

من رواية مسلم التي إسنادها أصح الأسانيد: «فإن غم عليكم؛ فصوموا ثلاثين يوماً» .

وفي رواية الترمذي التي صححها هو وغيره: «فعدوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا» .

وكذلك في حديث ابن عباس: «فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ثم أفطروا» . رواه أبو داوود.

ولأنا قد قدمنا عن أبي هريرة وعائشة وابن عمر أنهم أمروا بصوم يوم الغيم، فلو كانت أحاديثهم تقتضي إفطار يوم الغيم، لم يخالفوا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مثل هذا لا يجوز أن ينسب الراوي فيه إلى نسيان أو تأويل، وتأولوا أيضاً إكمال العدة على وجهٍ آخر سيأتي.

فأمَّا الأحاديث الظاهرة في إكمال عدة شعبان؛ فأجابوا عنها بجوابين:

أحدهما: القدح: أما حديث أبي هريرة؛ فقال أبو بكر الإِسماعيلي: قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة، فقال:«فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» . قال: قد رويناه عن غندر وعبد الرحمن بن مهدي وابن علية وعيسى بن يونس وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ويزيد بن هارون وأبي داوود وآدم، كلهم عن

ص: 119

شعبة، لم يذكر أحد منهم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. قال: وهذا يجوز أن يكون من آدم، رواه على التفسير من عنده للخبر، وإلا؛ فليس لانفراد البخاري

ص: 120

عنه بهذا من بين من رواه عنه [ومن بين] سائر مَنْ ذكرنا ممن يرويه عن شعبة [وجه] ، ورواه المقبري عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرناه أيضاً.

فإن قيل: هذه زيادة من الثقة فيجب قبولها.

قلنا: هذا لا يصح لوجوه:

أحدها: أن من لم يذكر هذه الزيادة عدد كثير لا يجوز على مثلهم في عددهم وضبطهم أن يغفلوها ويضبطها واحد لا يقاربهم في الفضل والضبط، وقد اختلف عليه فيها، فروي أنه ذكرها، وروي عنه أنه تركها، وعلى هذا عامة أهل الحديث وأكثر محققي أصحابنا، لا سيما وقرينة الحال تقتضي أنه روى الحديث بالمعنى الذي فهمه منه.

الثاني: أن الزيادة إنما تقبل إذا زاد الواحد على لفظ الجماعة، أما إذا غيَّر لفظ الجماعة؛ علم أنه خالف لفظهم، ولم يزد عليهم، وسائر الجماعة رووا هذا الحديث:«فأكملوا العدة» ، وبعضهم قال:«فعدوا ثلاثين يوماً» ، ولا شك أن هذا اللفظ لا يزاد عليه شعبان إلا بتغييره، وحذف أداة التعريف؛ فمن قال: عدة شعبان، لا يقال: إنه قد زاد على لفظ من قال: فأكملوا العدة، لكن خالف لفظُهُ لفظَهُ، وأما المعنى؛ فقد يكون متفقاً، وقد يكون مختلفاً.

الثالث: إن الروايات الصحيحة التي لا علة فيها عن أبي هريرة تثبت أن المراد: أكملوا عدة رمضان ثلاثين يوماً كما تقدم، فتحمل الروايات المطلقة على المفسرة، وتكون هذه الرواية تفسيراً من عند الراوي؛ كما شهد به عليه أهل المعرفة بعلل الحديث.

ص: 121

الرابع: أنه تقدم عن أبي هريرة أنه كان يقول: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» ، وأن عائشة أفتت بذلك، وأقرها عليه؛ فلو سمع من فلق فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً صحيحاً بإكمال عدة شعبان وابتداء الصوم بعدها في مثل هذا الخطب الذي لا يكاد يغفل ويهمل بهذا اللفظ الذي لا يعدل عنه ويتأول؛ لما استجاز خلافه.

ونحن إذا قلنا: مخالفة الراوي للحديث لا يمنع الاحتجاج به؛ فإنا ننسب مخالفته إلى نسيان أو اعتقاد نسخ أو تأويل، وهذه الاحتمالات مندفعة هنا.

ثم لا ريب أن مخالفته علة في الحديث تؤثر فيه؛ فإذا اعتضد بمخالفته انفراد واحد عن الإِثبات بهذا اللفظ الذي فيه المخالفة، ومخالفته للفظ الجماعة؛ كثرت الشهادات القادحة في هذا اللفظ، فوقف.

ويتوجه فيه شيء آخر، وهو أن اللفظ المشهور:«فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» ، وهذا يكون في حال الصحو إذا تراءاه فغبي عليه ولم يره ولم يعرفه؛ لأنهم. . . غبي على الشيء إذا لم يعرفه مع إمكان معرفته، وفي لفظ:«فإن غمي عليكم الشهر» ، وهذا محتمل للصحو.

وأما حديث ابن عباس؛ فقد رواه أبو داوود: «فأتموا العدة ثلاثين يوماً، ثم أفطروا» ، وهي زيادة محضة لا تخالف المزيد كالزيادة الأولى.

ص: 122

125 -

وروي أيضاً: «فأكملوا العدة عدة شعبان» .

وفي السياق ما يدل على هذا المعنى.

وهذا الاختلاف وإن لم يكن موهياً للحديث؛ فإنه نوع علة فيه يحطه عن درجة القوة، وتعرضه للتأويل الذي يأتي.

وأما حديث حذيفة مسنداً ومرسلاً؛ فقال أحمد: سفيان وغيره يقولون: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليبين قوله: حذيفة، [ليس] بمحفوظ.

[و] قوله: «لا تصوموا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال» : محمول على حال الصحو، وأكثر ما فيه تخصيص العام، وذلك جائز بالدليل.

وأما الرواية المفسرة؛ فمدارها على الحجاج بن أرطانة، وضعفه مشهور، ثم هي مرسلة؛ فلا تعارض المسند.

وأما حديث عائشة؛ ففي إسناده معاوية بن صالح، وقد تُكلم فيه، والذي يضعفه أن المشهور عن عائشة أنها كانت تصوم هذا اليوم وتقول:«لأنْ أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» ؛ فكيف تروي الحديث في مثل هذا وتعمل بخلافه؟! وهذا علة ظاهرة فيه.

الجواب الثاني: تأويا أبي إسحاق بن شاقلا وابن حامد والقاضي وغيرهم، وهو أن تحمل الأحاديث في إكمال عدة شعبان على ما إذا غُم هلال

ص: 123

رمضان وهلال شوال؛ فإنه هنا يجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً، فيصوم، فيقدر أن يوم الغيم لم يكن من رمضان حتى يصوم أحداً وثلاثين يوماً، فدل على ذلك أن قوله:«فإن غم عليكم» ، وبعد الجملتين، فيعود إليهما جميعاً، ويكون فائدة الحديث التحذير من أن يحتسب بيوم الغيم من رمضان بكل حال، فبنى على ذلك تمام ثلاثين يوماً، فيفضي إلى فطر آخر يوم من رمضان، وهذا المعنى هو الذي قصد عمر رضي الله عنه بقوله:«ليتق أحدكم أن يصوم يوماً من شعبان ويفطر يوماً من رمضان» ، وكذلك أنس بن مالك في قوله:«هذا اليوم يَكمُلُ لي واحداً وثلاثين يوماً» ، ولعل يوم الشك واستقبال الشهر ونحوه إنما نهي عنه حذراً من هذا المعنى؛ فإنه يفضي إلى إفطار يوم من رمضان.

وأما حديث يوم الشك؛ فالمشهور عند أصحابنا أن هذا ليس بيوم شك كما تقدم عن ابن عمر وغيره: أنه كان يكره صوم الشك، ولا يرى هذا [شكاً] ، كما لو شهد به واحد، فإنه ليس بيوم شك، وإن كان كذبه ممكناً، وكذلك هنا الظاهر أنه من رمضان، وإن كان الآخر محتملاً، وعلى قول مَنْ يسميه يوم الشك، لما فيه من التردد باللفظ العام، فيحمل على الشك في حال الصحو؛ فإنه هو الذي يقع فيه الشك، واحتمال الرمضانية والاختلاف فيه مرجوح.

يبين صحة هذا أن يوم الشك يقع على أنواع: منها الشك في [حال] آخر الشهر وصومه واجب بالإِجماع، ومنها الشك إذا رآه الرجل أو أخبره ثقة عنده

ص: 124

فإنه يجب صومه عليه دون غيره، ومنها الشك في الغيم، ومنها الشك في الصحو، والعموم ليس مراداً قطعاً، فيحمل على الشك المعهود الذي جاء مفسراً في عدة روايات.

ثم عمار رضي الله عنه لم يحكِ عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، وإنما ذكره أنه من صام يوم الشك فقد عصاه، وذلك يدل على أنه سمع منه نهياً عن صوم يوم الشك في الجملة، أو فهم من قوله:«صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» : النهي عن صوم يوم الشك؛ فإنه ظاهر في ذلك، أو سمع منه لفظاً غير ذلك، ففهم منه هذا المعنى.

وفي الجملة؛ فقول الصاحب: نزلت في كذا، أو: هذا حكم الله ورسوله، أو: هذا مما حرمه الله ورسوله، أو: من فعل هذا فقد عصى أبا القاسم: محتمل لأنه أخبر به عن فهم واعتقاد.

ولهذا لم يرو أحمد وأمثاله في مسند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيره من العلماء يدخلون مثل هذا في الحديث المسند.

ولم يصرح عمار بأن يوم الغيم يوشك، ولو صرح به؛ لما كان الرجوع إلى ما فهمه بأولى من الرجوع إلى ما رواه ابن عمر وفهمه، وما قاله أبو هريرة وعائشة وغيرهما مع روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أحمد رضي الله عنه في رواية المروذي، وقد سئل عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك، فقال:«إذا كان صحو؛ لم يصم، فأما إن كان في السماء غيم؛ صام» .

ونقل أبو داوود عنه: «الشك على ضربين؛ فالذي لا يصام إذا لم يحل

ص: 125

دون منظره سحاب ولا قتر والذي يصام إذا حال دون منظره سحاب أو قتر».

ونقل الأثرم عنه: «ليس ينبغي أن يصبح صائماً إذا لم يحل دون منظر الهلال شيء من سحاب ولا غير. . .» .

ويمكن جواب ثالث: وهو أن تحمل الأحاديث في الصوم على الجواز والاستحباب، وتحمل أحاديث الفطر على عدم الوجوب، ويكون التغليظ فيهما على مَنْ يجزم بأنه من رمضان ويعتقد وجوب صومه كوجوب صوم الذي يليه حتى يلحق برمضان ما لم يتيقن أنه منه، وعلى من يعتاض بصومه عن صوم آخر يوم من رمضان كما نهى عنه عمر.

فإن أحاديث الصوم تدل على أن الناس كلهم لم يكونوا يصوموا يوم الغيم، وإنما كان يصومه جماعات من الصحابة والتابعين، ولم يجئ نص عن أحد منهم بأنه أنكر صوم يوم الغيم، وكان عامة الناس لا يؤمرون بالصوم إلا بعد الرؤية أو إكمال العدة، وفي حديث ابن عمر أنه كان يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب.

وقوله: وفعله يدل على أنه كان يرى هذا حسناً لا واجباً، وكذلك فعل معاوية، وقول غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم:«لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» : إنما يدل على الاستحباب.

والقياس يقتضي صحة هذا القول؛ فإن إيجاب ما لم يتقن وجوبه خلاف القياس، وكراهة التحري والاحتياط في العبادات خلاف القياس أيضاً.

ص: 126