الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا جامع في رمضانين أو في حجتين أو عمرتين.
فقياس قول أبي بكر. . . .
*
فصل:
ولا فرق في الجماع بين المعذور وغير المعذور
؛ فلو وطئ ناسياً أو جاهلاً بوجوب الصوم لاعتقاده أنه واطئ في غير نهار رمضان، أو جاهلاً بأن الوطء يحرم في الصوم، مثل أن يعتقد أن الفجر لم يطلع، أو أن الشمس قد غربت، فجامع، ثم يتبين بخلافه، أو يجامع معتقداً أنه آخر يوم من شعبان، فتبين أنه من رمضان. . . .
هذا أشهر الروايتين، ذكرهما أبو حفص وسائر الأصحاب، نقلها ابن القاسم والأثرم وحنبل وحرب.
قال في رواية القاسم حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، وقعت على امرأتي في رمضان. قال:«أعتق رقبة» . ظاهره على النسيان والجهالة، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أفتاه على ظاهر الفعل.
وهذا اختيار جمهور الأصحاب.
والرواية الثانية: عليه القضاء دون الكفارة.
قال في رواية أبي طالب: إذا وطئ ناسياً؛ يعيد صومه. قيل له: عليه كفارة؟ قال: لا.
وإذا كان عامداً؛ أعاد وكفَّر. وهذا اختيار ابن بطة.
286 -
لأن الله قد عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان؛ بدليل قوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، فقال الله: قد فعلت. حديث صحيح.
287 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» .
ولأن الكفارة إن كانت لجبر الصوم؛ فإنه مجبور بالقضاء، وإن كانت لمحو الخطيئة أو عقوبةً للواطئ؛ فالناسي والجاهل لا إثم عليهما؛ بخلاف
كفارة القتل والصيد ونحوهما؛ فإنها وجبت جبراً لما فوته؛ فأشبهت ضمان الأموال.
ومن أصحابنا من يحكي رواية ثالثة في الناسي والمكره: أنه لا قضاء عليه ولا كفارة.
وكقول أحمد في رواية ابن القاسم: كل أمر غلب عليه الصائم؛ فليس عليه قضاء ولا كفارة.
وقال أبو داوود: سمعته غير مرة لا ينقل له فيها قول.
يعني: مسألة من وطئ ناسياً.
ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي بالكفارة، ولم يستفصله: هل كان ناسياً أو جاهلاً؟ مع أن هذا الاحتمال ظاهر، بل هو الأظهر؛ فإن الرجل المسلم لا يكاد يفعل مثل هذا عالماً عامداً، لا سيما في أول الأمر، والقلوب مقبلة على رعاية الحدود، والجهل بمثل هذا خليق أن يكون في الأعراب؛ فإنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله.
وليس في قوله: «هلكت» : ما يدل على أنه فعل ذلك عالماً عامداً؛ لجواز أنه لما ذكر أو أخبر أن هذا محرم في الصيام؛ خاف أن يكون هذا من الكبائر،
وقد كانوا يخافون مما هو دون هذا.
288 -
كما قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتيت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم».
ولهذا لم يعتبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلمه كما لام سلمة بن صخر لما جامع بعد الظهار، وكما لام الذي جامع امرأته ليلة الصيام قبل أن يبيح الله الرفث ليلة الصيام، ومثل هذا لا بد فيه على العامد العالم من تعزيز أو توبيخ؛ فهذه قرينة تبين أن الرجل قد كان له بعض العذر في هذا الوقاع.
ولأنها كفارة وجبت بالوطء مع العمد فوجبت بالسهو؛ ككفارة الوطء في الظهار والإحرام.
ولأن الوطء في الشرع يجري مجرى الإِتلاف؛ بدليل أنه لا يخلو من غرم أو حدٍّ أو غرم وحد، وباب الإِتلاف يستوي فيه العمد والخطأ؛ كالقتل للإِنسان والصيد والحلق والتقليم.
وإذا اعتقد أنه آخر يوم من شعبان، فجامع فيه، ثم تبين أنه من رمضان؛ فإنه يمسك ويقضي، ولم تجب عليه الكفارة هنا. ذكره ابن عقيل.
لأنه لم ينو صومه على وجه يعذر فيه، والكفارة إنما تجب بالوطء في إمساك واجب؛ بخلاف من أكل فإنه مأمور يظنه ليلاً فبان نهاراً؛ فإنه مأمور بالإِمساك ذلك الجزء، والاحتياط فيه مشروع، وهو داخل في ضمن اليوم الذي نواه، ولهذا لا يفرد بنية.
وإذا أكل ناسياً، فظن أنه قد أفطر، فجامع، أو ذرعه القيء، أو قطر في إحليله، ونحو ذلك، فظن أنه قد أفطر، فجامع.
فقال بعض أصحابنا: في وجوب الكفارة وجهان؛ لأنه مثل الجاهل والناسي.
وكذلك قال القاضي: قياس المذهب أن الكفارة تجب عليه؛ لأن أكثر ما في هذا ظنه إباحة الفطر، وهذا لا يسقط الكفارة؛ كما لو وطئ يظن أن الفجر لم يطلع؛ فإن الكفارة لا تسقط هناك على المنصوص.
فعلى هذا: إذا قلنا هناك: إنه لا كفارة عليه. . . .
وإن وطئ يعتقد أنه آخر يوم من شعبان، ثم بان أنه أول يوم من رمضان.
والصواب: أن هذا تجب عليه الكفارة قولاً واحداً؛ لأن أكثر ما فيه أنه وجب عليه، وكل مفطر وجب عليه الإِمساك إذا جامع؛ لزمته الكفارة عندنا؛ فإنه ليس معذوراً بالجماع؛ كما لو أكل عمداً، ثم جامع؛ لزمته الكفارة. نص عليه.
اللهم؛ إلا أن يعتقد جواز الأكل والوطء، فيلحق [بالمعذور].
فإن قيل: أما إيجاب القضاء على الجاهل؛ فهو القياس؛ لأنه لو أكل جاهلاً؛ للزمه القضاء؛ فالواطئ أولى.
وأما إيجابه على الناسي؛ فهو مخالف لقياس الصوم؛ فإن الأكل ناسياً لا يفطر الصائم.
قلنا: الفرق بينهما أن الأكل بالنهار معتاد؛ فالشيء الخفيف منه ما قد يفعله الصائم لنسيانه صومه فعذر فيه.
أما الجماع؛ فأمر عظيم، وليست العادة فعله في النهار؛ فوقوعه مع النسيان إن وقع نادر جدّاً.
289 -
وهذا معنى ما ذكره ابن جريج؛ قال: «كنت إذا سألت عطاء عن الرجل يصيب أهله ناسياً، لا يجعل له عذر، يقول: لا ينسى ذلك ولا جهله» .
فيأبى أن يجعل له عذراً، لا سيما. . . .
وأما مقدمات الجماع التي لا توجب الكفارة مثل القبلة واللمس والنظر إذا فعلها ناسياً فأمنى أو أمذى:
فقال أصحابنا: هو على صيامه، ولا قضاء عليه.
لأنه أمر يوجب القضاء فقط، ففرقٌ بين عمده ونسيانه؛ كالآكل.
فعلى هذا: ما أوجب عمده الكفارة؛ أوجب سهوه القضاء في المشهور، وفي الكفارة الخلاف المتقدم، وما أوجب عمده القضاء فقط؛ لم يُبطل الصوم سهوه؛ لأن ما أوجب جنسه الكفارة؛ تغلظ جنسه فألحق بالجماع، بخلاف ما لا يوجب إلا القضاء فقط؛ فإنه كالأكل.
وإن أكره الرجل على الجماع:
فقال ابن أبي موسى والقاضي وابن عقيل وغيرهم: عليه مع القضاء الكفارة قولاً واحداً؛ بخلاف الناسي؛ لأن الجماع لا يتأتَّى إلا مع حدوث الشهوة، ولهذا وجبت الكفارة على المكره على الزنا في المنصوص؛ لأنه لا يطأ حتى ينتشر، ولا ينتشر إلا عن شهوة.