الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» .
الرؤية موجودة، ولأن ثقته برؤية نفسه أبلغ من ثقته بخبر غيره، ثم لو أخبره شاهدان؛ لوجب الصوم بخبرهما؛ فأن يجب بعلمه أولى وأحرى، ولأن العبد إنما يعامل الله بعلمه؛ فإذا لم يكن له علم قبل قول غيره، وهو يعلم أن هذا اليوم من رمضان.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون» ؛ فهو في حق العامة.
وتلزم الحقوق المتعلقة به من وقوع الطلاق المعلق برمضان، وحلول الدين المؤجل عليه، وانقضاء مدة الإِجازة إلى رمضان، فيما بينه وبين الله تعالى، ذكره القاضي وابن عقيل؛ كمن علم أن عليه حقّاً لا يعلمه صاحبه ويتوجه. . . .
ولو وطئ في هذا اليوم؛ لزمته الكفارة عند أصحابنا؛ لأنا لا نعتبر في وجوبها أن يعلم الشهر بطريق مقطوع به، ولا أن نجمع على وجوبه.
مسألة:
فإن كان عدلاً صام الناس بقوله:
هذا هو المشهور عن أبي عبد الله، وعليه أكثر أصحابه، وسواء كانت السماء مصحية أو متغيمة، وسواء رآه بين الناس أو قدم عليهم من خارج.
وعنه: لا يقبل إلا عدلان كسائر الشهور. رواها الميموني.
129 -
لما روى حجاج بن أرطاه عن حسين بن الحارث الجدلي؛ قال: خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا» . رواه أحمد والنسائي.
فعلق الصوم على شهادة عدلين.
130 -
ولأن عثمان كان لا يجيز شهادة الواحد في الهلال. ذكره أحمد واستشهد به.
ولأنه هلال من الأهلة، فلم يثبت إلا بشاهدين كسائر الأهلة.
ولأنه إيجاب حق على الناس، فلم يجب إلا بشاهدين كسائر الحقوق.
ولأن رؤية الواحد معرضة للغلط، ولا سيما إنْ كان بين الناس والسماء مصحية، وربما يتهم في ذلك، فلا بُدَّ من إزالة الشبهة باثنين.
وجمع أبو بكر بين الروايتين فقال: إذا قدم الواحد من سفر على مصر، فخبرهم بالصيام؛ قبلوا وصاموا، وإذا كان شاهداً لهم، وحَوَاس الجميع سالمة؛ لم يقبل منه؛ إلا أن يكون شيئاً مثله يمكن أن ينفرد به الواحد، فيقبل.
ولم يختلف القول في. . . لا يقبل فيه إلا اثنين؛ فعلى هذا اعتمده؛ لأن في هذا جمعاً بين الآثار، ولأن انفراد الواحد في الصحو بين الجم الغفير بعيد جدّاً.
ووجه الأول: قوله تعالى: {. . . إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]؛ فإنه يقتضي أن لا يُتبين عند مجيء العدل، وفي رد شهادة الواحد يبين عند مجيء العدل، وفي سائر المواضع، إنما توقف في شهادة الواحد لأجل التهمة، ولكونه قد عارضها شيء آخر، وهو منتفٍ هنا.
131 -
ولما روى ابن عمر؛ قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه» . رواه أبو داوود والدارقطني،
وقال: تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب، وهو ثقة.
فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه عن رؤيته؛ لأنه ذكر ذلك بحرف الفاء، ولأنه لم يذكر شيئاً غير رؤيته، والأصل عدمه، ولأنه ذكر سبباً وحكماً، فيجب تعليقه به دون غيره.
132 -
وعن عكرمة عن ابن عباس؛ قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال (يعني: رمضان). فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» . قال: نعم. قال: «أتشهد أن محمداً رسول الله؟» . قال: نعم. قال: «يا بلال! أذن في الناس فليصوموا غداً» . رواه الأربعة.
.........................
وعن حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة: أنهم شكُّوا في هلال رمضان مرة، فأراد أن لا يقوموا ولا يصوموا، فجاء أعرابي من الحرة، فشهد أنه رأى الهلال، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟» . قال: نعم. وشهد أنه رأى الهلال، فأمر بلالاً، فنادى في الناس أن يقوموا وان يصوموا». رواه أبو داوود، وقال: رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر [القيام] أحد إلا حماد بن سلمة.
وهذا نص مبين أنهم إنما صاموا بمجرد شهادة مسلم واحد.
133 -
وأيضاً ما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ قال: «كنت مع البراء ابن عازب وعمر بن الخطاب في البقيع ننظر إلى الهلال، فأقبل راكب، فتلقاه عمر، فقال: من أين جئت؟ أمن المغرب؟ وفي رواية: قال: من الشام. فقال: أهللت؟ قال: نعم. قال عمر: الله أكبر، إنما يكفي المسلمين رجل
واحد». رواه أحمد في «المسند» وسعيد وحرب.
وعن فاطمة بنت حسين عن علي: أنه أجاز شهادة رجل على هلال رمضان وقال: «لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» . رواه سعيد وحرب.
وذكر أحمد عن ابن عمر ونحوه.
ومثل هذا يشتهر ولم ينكر، فصار إجماعاً.
وما نقل عن عثمان؛ فهو مرسل، ولعله أراد هلال الفطر.
134 -
وعن عبد الملك بن ميسرة؛ قال: «شهدت المدينة في عيد، فلم يشهد على الهلال إلا رجل واحد، فأمرهم ابن عمر أن يجيزوا شهادته» . رواه حرب.
وذكره أحمد، وقال: ابن عمر أجازه وحده أمره وأمر الناس بالصيام.
ولأنه إخبار بعبادة لا يتعلق بها حق آدمي، فقبل فيها قول الواحد؛ كالإِخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكالإِخبار عن مواقيت الصلاة، وجهة الكعبة، وعكسه هلال الفطر والنحر؛ فإن يتعلق بها حق آدمي من إباحة الأكل والإِحلال من الإِحرام.
ولأنه خبر عما يلزم به عبادة؛ يستوي فيها المخبر، فقبل فيها قول الواحد