الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفرق بين هذا وبين الصلاة أنه قد خوطب هناك بالفعل في المستقبل، ولهذا لو بلغ بعد الفعل؛ لزمه القضاء، فلم يجزه ما فعله قبل الوجوب، وهنا لا يخاطب بالإِمساك لزمن ماض، وما فعله قبل الوجوب لا نقول: إنه وقع واجباً، وإنما نقول صحيحاً، وبصحته صح فعل الواجب بعد البلوغ، فأشبه ما لو توضأ قبل وجوب الصلاة أو أحرم بالحج أو العمرة قبل وجوبهما ثم بلغ قبل التعريف.
قال بعض أصحابنا: ولا يجوز له الفطر هنا رواية واحدة؛ كما لو قدم المسافر صائماً، فأما ما قبل يوم الوجوب من الشهر؛ فلا يقضونه على ظاهر المذهب كما تقدم.
وذكر ابن عقيل رواية أخرى في الصبي والمجنون أنهما يقضيان من أول الشهر تنزيلاً لإِدراك بعض الشهر بمنزلة إدراك كله على قولنا: يجزئ صومه بنية واحدة.
*
فصل:
فأما من يجب عليه القضاء إذا زال عذره في أثناء اليوم
مثل: الحائض تطهر، والمسافر المفطر يقدم، والمريض يصح؛ فإن القضاء يجب عليه رواية واحدة؛ وجود الفطر في بعض اليوم، وينبغي لهم الإِمساك أيضاً.
قال في رواية الأثرم وأبي منصور: إذا قدم من سفره في بعض النهار وهو مفطر؛ فينبغي أن يتوقى الأكل في الحضر، وكذلك الحائض لا تأكل بقية النهار، وإذا قدم من سفره وامرأته قد طهرت؛ فلا أحب أن يغشاها.
40 -
وجابر بن زيد زعموا أنه قدم من سفر، فوجد امرأته قد طهرت من حيضها، فوقع عليها.
وفي وجوبه روايتان، هذه طريقة القاضي وأصحابه.
وقال ابن أبي موسى: إذا قدم المسافر مفطراً؛ أحببنا له أن يمسك عن الأكل والشرب بقية يومه، فإن أكل أو جامع مَنْ طهرت من حيضها؛ أساء، ولا كفارة عليه، ولا يلزمه سوى القضاء، والحائض إذا طهرت في بعض النهار؛ فلها الكل بقية يومها.
وعنه رواية أخرى: أنها تمسك بقية يومها كالمسافر.
فجعل المسافر يمسك رواية واحدة على سبيل الاستحباب المؤكد، بحيث يكون أكله مكروهاً، وحمل كلام أحمد حيث أذن على إقراره حيث منع على الكراهة، وجعل في الحائض روايتين.
ووجه ذلك أن المسافر كان يمكنه الصوم ويصح منه في أول النهار، وإنما أفطر باختياره، فيصح الإِمساك في الجملة؛ بخلاف الحائض؛ فإن المنافي
لصحة الصوم وقد وجد أول النهار، فامتنع أن تمسك في يوم حاضت فيه، وجعل الإِمساك بكل حال غير واجب؛ لما يأتي.
وعلى الطريقة الأولى: ففي الجميع روايتان:
إحداهما: لا يجب الإِمساك، بل يستحب. قال في رواية ابن منصور: إذا أصبح مفطراً في السفر، فدخل [أهله] ، فأكل؛ ليس عليه شيء، ويعجبني أن لا يأكل؛ لأن الله سبحانه إنما اوجب صوم يوم واحد؛ فإيجاب صوم بعض يوم آخر يحتاج إلى دليل.
والثانية: يجب الإِمساك.
قال في رواية حنبل: إذا قدم في بعض النهار؛ أمسك عن الطعام، وإذا طهرت الحائض من آخر النهار؛ تمسك عن الطعام.
وقال في رواية صالح وابن منصور في المسافر يقدم في رمضان، واليهودي والنصراني يُسلمان: يكفون عن الطعام، ويقضون ذلك اليوم، والحائض كذلك، وهي اختيار القاضي وأصحابه؛ لأن المقتضي للفطر قد زال، فيجب الإِمساك، وإن وجب القضاء، كما لو قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، ولأن الإِمساك. . . هذا إن كان قد أكلوا، فأما إن كانوا ممسكين ولو ينووا في أثناء النهار والصوم؛ فقال القاضي وابن عقيل: يجب عليهم بالإِتمام رواية واحدة؛ كما لو نووا الصوم.
فأما إن قدم المسافر أو صح المريض وقد بيَّت الصوم؛ لم يجز الفطر
رواية واحدة، بل لو جامع بعد الإِقامة؛ لزمه الكفارة. نص عليه في رواية صالح. قال: وكذلك الصبي إذا بلغ صائماً.
والأشبه الفرق كما في التبييت.
وخرَّج أصحابنا أنه لا يلزمه؛ كما لو سافر وهو صائم؛ فإن له أن يفطر على الصحيح؛ فإذا أجاز قطع الصوم للسفر؛ فرفعه أولى.
وإذا علم المسافر أو غلب على ظنه أنه [يقدم] في أثناء النهار؛ فإنه يُبَيِّت الصوم تلك الليلة.
قال في رواية أبي طالب: إذا كان في سفر، فأراد أن يدخل المدينة إلى أهله من الغد؛ فليجمع الصوم من الليل؛ فإذا دخل المدينة؛ كان صائماً. هكذا كان ابن عمر.
41 -
وذلك لما روى مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا كان في سفره في رمضان، فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه؛ دخل وهو صائم.
وقد ذكر أحمد عن ابن عمر نحوه.
قال ابن عبد البر: هذا هو المستحب عند جماهير العلماء؛ إلا أن بعضهم أشد تشديداً فيه من بعض.
قال القاضي: ظاهر هذا أنه لا يجوز له الفطر إذا علم أنه يقدم في بعض النهار؛ لأن من أصله أنه إذا قدم؛ تعين عليه الإِمساك إذا كان مفطراً؛ فإذا علم أن سفره لا يتسع لفطر يوم؛ وجب أن يمتنع منه؛ لأن وجود السفر في أول النهار سبب يبيح الرخصة، فجاز العمل به.
وإن علم أنه يزول آخر النهار، كما لو صلى في أول الوقت قاصراً، وهو يعلم أنه [يقدم] في الوقت، أو صلى بالتيمم وهو يعلم أنه يجد الماء في آخر الوقت، وكما لو علم الصبي أنه يبلغ في أثناء النهار بالسن؛ فإنه لا يلزمه التبييت.
ووجه الأولى: أن الفطر في الحضر غير جائز في الحضر غير جائز أصلاً، بل يجب الصوم فيه، ولا يمكن الصوم فيه؛ إلا أن يُبيِّت النية من الليل، وما لا يتم إلا به فهو واجب، ولأن الصوم واجب في ذمة المسافر، وإنما أجيز له تأخير الفعل إذا كان مسافراً، فإذا علم أنه يقدم في أثناء اليوم؛ فقد أخَّرَ الصوم بدون سبب الرخصة، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الصبي؛ فإنه لم يجب عليه شيء قبل البلوغ.
فأما الحائض إذا علمت أنها تطهر في أثناء اليوم؛ فهنا لا يجوز تبييت النية؛ لأن الحيض يمنع صحة الصوم.