الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي موضع آخر: قلت: تدعوه أمه وهو في الصلاة. قال: يروى عن ابن المنكدر أنه قال: «إن كان في التطوع؛ فليجبها» .
*
فصل:
ومن تلبس بصيام رمضان أو بصلاة في أول وقتها أو بقضاء رمضان أو بقضاء الصلاة أو بصوم نذر أو كفارة؛ لزمه المضي فيه
، ولم يكن له الخروج منه؛ إلا عن عذر؛ بخلاف المتلبس بالصوم في السفر؛ فإن العذر المبيح للفطر قائم. . . .
مسألة:
وكذلك سائر التطوع؛ إلا الحج والعمرة؛ فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما أفسد منهما
.
فيه مسألتان:
أحدهما: أن سائر التطوعات من الصلاة والطواف والاعتكاف والهدي والأضحية والصدقة والعتق: إذا شرع فيه؛ [فالأولى] أن يتمه، وإن قطعه؛
جاز ولا قضاء عليه، وإن قضاه بعد قطعه؛ فهو أحسن.
هذا الذي عليه أصحابنا، وقد أفتى أبو عبد الله بما ذكره عن ابن المنكدر إذا دعته أمه وهو في الصلاة إن كان في التطوع؛ فليجبها.
وقال أحمد في رواية الأثرم وقد سئل عن الرجل يصبح صائماً متطوعاً: أيكون بالخيار؟ والرجل يدخل في الصلاة: أله أن يقطعها؟ فقال: الصلاة أشد لا يقطعها، فإن قطعها وقضاها؛ فليس فيه اختلاف.
قال القاضي: ظاهر هذا أنه لم يوجب القضاء، وإنما استحبه؛ لأنه يخرج من الخلاف.
وقال غير القاضي: هذه الرواية تقتضي الفرق بين الصلاة والصيام، وأن الصلاة تلزم بالشروع.
وهذا الفرق اختيار أبي إسحاق والجوزجاني.
لأن الصلاة ذات إحرام وإحلال، فلزمت بالشروع كالحج.
701 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» .
وهذا يعم جميع الصلوات، ويقتضي أنه ليس له أن يتحلل منها إلا بالتسليم؛ كما ليس له أن يفتتحها إلا بالطهور، ولا أن تحرم بها إلا بالتكبير.
ويؤيد الفرق: أنه لو أمره أحد أبويه بالفطر في صومه التطوع؛ أجابه، ولو دعاه أحدهما في صلاة التطوع؛ أجاب الأم ولم يجب الأب. . . .
المسألة الثانية: إذا أحرم بحجة أو عمرة؛ لزمه المضي فيها، ولا يجوز له
أن يقصد الخروج منها، ولو نوى الخروج منها ورفضها؛ لم يخرج بذلك.
[ولو أفسدها؛ لزمه المضي فيها، وإتمام ما أفسده، وعليه قضاؤها من العام المقبل إن كانت] حجة، وعل الفور إن كانت. . . ، حتى لو دخل فيها يعتقدها واجبة عليه بنذر أو قضاء ونحو ذلك، ثم تبين أنها ليست عليه؛ لزمه المضي فيها، ومتى أفسدها؛ كان عليه القضاء. . . .
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
702 -
وفي حرف عبد الله: «إلى البيت» .
وقد أجمع أهل التفسير إلى أنها نزلت عام الحديبية، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحرم هو وأصحابه بالعمرة، وساقوا الهدي، فصده المشركون، فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمر فيها بإتمام الحج والعمرة، ويذكر شأن الإِحصار.
وهذا أمر بالإِتمام لمن دخل متطوعاً؛ لأن الحج لم يكن قد فرض بعد؛ فإن الآية نزلت سنة ست، والحج إنما فرض بعد فتح مكة.
ثم إن الله تعالى أمر بالإِتمام مطلقاً، فدخل فيه كل منشئ للحج والعمرة، بخلاف الآية التي فيها إتمام الصيام؛ فإنها تفارق هذه من وجهين:
أحدهما: أنه قال في أولها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ. . .} ، واللام هنا لتعريف الصيام المعهود الذي تقدم ذكره، وهو صيام رمضان، ثم قال:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، فعاد الكلام إلى الصيام المتقدم الذي كان الأكل والنكاح في ليلته محظوراً بعد النوم، ثم أبيح، وهذا صفة صيام الواجب.
نعم؛ سائر الصيام لا يتم إلا بذلك على سبيل التبع والإِلحاق.
الثاني: أن قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} : أمر بأن يكون إتمام الصيام إلى الليل، وبيان لكون الصوم لا يتم إلا بالإِمساك إلى الليل، فتفيد الآية أن من أفطر قبل الليل؛ لم يتم الصيام، وهذا حكم شامل [يجمع] أنواع الصوم، ثم ما كان واجباً كان الإِتمام فيه إلى الليل واجباً، وما كان مستحبّاً كان مستحبّاً، وما كان مكروهاً كان مكروهاً، وما كان محرماً كان محرماً؛ لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ، وهو أمر بأن يكون حكمه بما أنزل اتلله لا أمر بنفس الحكم؛ بخلاف آية الحج والعمرة؛ فإنه أمر بإتمامهما، فيكون نفس الإِتمام مأموراً به، وهنا الإِتمام إلى الليل هو المأمور به، وفرق بأن يكون الأمر بنفس الفعل أو بصفة في الفعل؛ فإنه لو قال:[صل] بوضوء، أو: صلِّ مستقبل القبلة، ونحو ذلك؛ كان أمراً بفعل هذا الشرط في الصلاة لا أمراً بنفس الصلاة.
والفرق بين الحج والعمرة من وجوه: