الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان معيناً؛ ففيه الوجهان.
وقال ابن أبي موسى: من صام في اعتكافه، إذا أفطر فيه عامداً، وقلنا: الصوم من شرطه؛ استأنفه، وإذا قلنا: ليس الصوم شرطاً فيه؛ فلا شيء عليه؛ إلا أن يكون أوجب الاعتكاف بالصوم، فيلزمه قضاء ما أفطر فيه من الاعتكاف بالصوم في أحد الوجهين، وفي الآخر يلزمه استئنافه.
ولعل وجه هذا أن الصوم إذا كان شرطاً فيه؛ كان الفطر مبطلاً له؛ كالجماع، فيبطل كله؛ لأنه عبادة واحدة، يطرأ الفساد عليها، فأبطلها كلها كسائر العبادات.
وأما إذا أوجب الصوم على نفسه، ولم يكن شرطاً لصحته؛ لم يكن الفطر مبطلاً للاعتكاف، وإنما يكون فيه ترك الوفاء بالنذر، وذلك ينجبر بالقضاء والكفارة؛ كما لو نذر صوم أيام متتابعة فأفطر بعضها.
مسألة:
ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد؛ فله فعل ذلك في غيره؛ إلا المساجد الثلاثة، فإذا نذر ذلك في المسجد الحرام؛ لزمه، وإذا نذره في مسجد المدينة؛ فله فعله في المسجد الحرام وحده، وإن نذره في المسجد الأقصى؛ فله فعله فيهما
.
في هذا الكلام مسائل:
المسألة الأولى: إذا نذر الصلاة والاعتكاف في مسجد بعينه غير المساجد الثلاثة؛ فله فعل ذلك فيه وفي غيره من المساجد.
وكذلك لو نذر فعل ذلك بزاوية من المسجد؛ فله فعله في زاوية أخرى.
فإن اعتكف في مسجد؛ لم يجز له الخروج منه إلى غيره؛ لأنه خروج لما له منه بد.
فإن خرج لحاجة، فأتم اعتكافه في مسجد مرَّ به؛ جاز، وإن كان أبعد من حاجته؛ لم يجز فيما ذكره أصحابنا؛ لأنه لا يجب بالنذر إلا ما كان قربة قبل النذر.
835 -
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه» .
وليس قصد مسجد بعينه دون غيره طاعة؛ إلا المساجد الثلاثة.
وإن كان الصفة التي يمتاز بها مسجد عن مسجد أمراً مباحاً؛ لم يجب الوفاء.
لكن إذا صلى واعتكف في غير المسجد الذي عينه؛ فهل يلزمه كفارة يمين؟ على وجهين.
ولو اعتكف في غير مسجد، مثل السوق ونحوه؛ لم يجزه؛ لأن المساجد لها مزية على سائر البقاع.
ولو صلى في بيته؛ ففيه وجهان:
أحدهما: يجزيه؛ لأنه قد عادل فضل الصلاة في المسجد فضل النافلة في البيت.
836 -
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة» .
والثاني: لا يجزيه؛ لأن المسجد أفضل من غيره، وإنما فضلت الصلاة في البيت لأجل الإِخفاء. قال القاضي: وإذا أخفى النافلة في المسجد وفي بيته؛ كانت التي أخفاها في المسجد أفضل من التي أخفاها في بيته.
فإن كان المسجد المنذور فيه عتيقاً؛ ففيه وجهان. . . .
وسواء كان أبعد عن داره أو لم يكن؛ كما لو نذر الصلاة في المسجد الأقصى وهو بالمدينة؛ أجزأته الصلاة في مسجد المدينة.
وإن نذره في المسجد الجامع؛ فقال القاضي: يجوز أن يعتكف في غيره.
وإن نذر أن يصلي المكتوبة في جماعة؛ لزمه ذلك.
فإن صلى منفرداً؛ صحت صلاته، وبقي عليه إثم النذر. ذكره القاضي، فيجب عليه.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن رجل نذر أن يصلي في بيت المقدس، ثم خرج إلى مكة أو المدينة؛ أجزأته الصلاة؟ قال: نعم. قلت: ولا يخرج إلى بيت المقدس؟ قال: نعم؛ حديث ابن عمر: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاء النذور» ، وقال الله تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإِنسان: آية 7]. قلت: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل ههنا» للذي نذر أن يصلي في بيت المقدس. قال: نعم.
738 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» .
فإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل من بيت المقدس، وما كان سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة؛ لم يجزه إلا الوفاء به.
وظاهر. . . .
المسألة الثانية: أنه إذا نذر الصلاة والاعتكاف في المسجد الحرام؛ لم يجزه إلا فيه، وإن نذره في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يجزه إلا فيه أو في المسجد الحرام، وإن نذره في المسجد الأقصى؛ لم يجزه إلا في أحد الثلاثة. نص أحمد على ذلك كله.
838 -
لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال: «صل ههنا» . فسأله، فقال:«صل ههنا» . فسأله فقال: «فشأنك إذاً» . رواه أحمد وأبو داوود. واحتج به أحمد.
839 -
عن رجل من الأنصار: أن رجلاً جاء يوم الفتح، فقال: يا نبي الله! إني نذرت لأن فتح الله للنبي والمؤمنين مكة لأصلين في بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ههنا فصل» . فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات، كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ههنا فصل» . ثم قال في الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اذهب فصلِّ فيه، فوالذي بعث محمداً بالحق؛ لو صليت ههنا؛ لقضى ذلك كل صلاة في بيت المقدس» . رواه أحمد.
وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في المسجد الحرام لفضله، وأن الصلاة فيه تقضي عنه الصلاة في بيت المقدس؛ كما بين ذلك، وكما فهمه عنه أصحابه.
840 -
فروى ابن عباس أن امرأة شكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة تسلم عليها، وأخبرتها بذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة» .
رواه أحمد ومسلم.
وأيضاً فإن أفضل المساجد المسجد الحرام، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى.
841 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» . رواه الجماعة إلا أبا داوود.
842 -
وعن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام» . رواه مسلم وغيره.
وقد تقدم عن ميمونة مثله.
843 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه» . رواه أحمد وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر.
844 -
وعن عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في هذا» . رواه أحمد. وقال ابن عبد البر: هو أحسن حديث روي في ذلك.
845 -
وعن أبي الدرداء؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فضل الصلاة في
المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي بيت المقدس خمس مئة صلاة». رواه البزار وقال: هذا حديث حسن.
وإذا كان كذلك؛ فمن نذر الصلاة في المسجد الحرام مثلاً؛ فقد نذر مائة ألف صلاة، فلا يجزئ عنها صلاة أو خمس مئة صلاة أو ألف صلاة.
ومن نذر في المسجد الأقصى وصلى في المسجد الحرام؛ فقد أتى بأفضل من المنذور من جنسه.
وأيضاً؛ فإن كل ما كان مرغباً في فعله؛ وجب بالنذر؛ كالحج والعمرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه» .
846 -
وهذا مرغب فيه؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» . متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «إنما يسافر إلى ثلاث مساجد» .