الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسكنها في دار أسامة».
وهذا كله مبين لخروجه من المسجد؛ فإن خروجه إلى مجرد باب المسجد لا فائدة فيه، ولا خصوص لصفية فيه لو كان منزلها قريباً دون سائر أزواجه، فهذا خروج للخوف على أهله، فيلحق به كل حاجة.
ولا يجوز أن يقال: اعتكافه كان تطوعاً، وللمتطوع أن يدع الاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه، ولهذا كان لا يدخله إلا لحاجة، ويصغي رأسه إلى عائشة لترجله، ولا يدخل.
ولأنه لو ترك الاعتكاف ساعة؛ لم يكن قد اعتكف العشر الأواخر، وهو صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر.
ثم إنه كان يقضي هذا الاعتكاف إذا فاته؛ فكيف يفسده أو يترك منه شيئاً؟!
على أن أحداً من الناس لم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ترك اعتكافه بخروجه مع صفية؛ فإن العمدة في صفة الاعتكاف فرضه ونفله على اعتكافه صلى الله عليه وسلم، كيف وقد كان إذا عمل عملاً أثبته صلى الله عليه وسلم.
*
فصل:
وأما عيادة المريض وشهود الجنازة
؛ ففيه روايتان منصوصتان:
إحداهما: يجوز.
قال في رواية ابن الحكم: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة.
864 -
ويروى عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه «المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة» . وعاصم بن ضمرة عندي حجة.
وقال حرب: سل أحمد عن المعتكف يشهد الجنازة ويعود المريض ويأتي الجمعة؟ قال: نعم. ويتطوع في مسجد الجامع؟ قال: نعم؛ أرجو أن لا يضره. قيل: فيشترط المعتكف الغداء أو العشاء في منزله؟ فكره ذلك. قيل: فيشترط الخياطة في المسجد؟ قال: لا أدري. قيل: فهل يكون اعتكاف إلا بصيام؟ قال: قد اختلفوا فيه.
وكذلك نقل عن الأثرم: يخرج لصلاة الجنازة.
وقال في رواية حنبل: ويعود المريض، ولا يجلس، ويقضي الحاجة، ويعود إلى معتكفه، ولا يشتري، ولا يبيع؛ إلا أن يشتري ما لا بد له منه؛ طعام أو نحو ذلك، وأما التجارة والأخذ والعطاء؛ فلا يجوز شيء من ذلك.
والرواية الثانية: لا يجوز ذلك إلا بشرط.
قال في رواية المروذي في المعتكف: يشترط أن يعود المريض ويتبع الجنازة؟ قال: أرجو. كأنه لم ير به بأساً.
ويشبه أن تكون هي الآخرة؛ لأن ابن الحكم قديم.
وهذه اختيار عامة أصحابنا: الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي، وأصحابه، وغيرهم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان.
فعلم أن هذه سنة الاعتكاف، وفعله يفسر الاعتكاف المذكور في القرآن.
وقد تقدم حديث عائشة رضي الله عنها على المعتكف: «أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بد منه» .
865 -
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة» . متفق عليه.
866 -
وعنها؛ قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو، ولا يعرج يسأل عنه» . رواه أبو داوود، عن ليث بن أبي سليم، عن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
وفي لفظ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف» .
ولأنه خروج لما له منه بد، فلم يجز؛ كما لو خرج لزيارة والديه أو صديقه أو طلب العلم ونحو ذلك من القرب.
فعلى هذا: إذا خرج لحاجة؛ فله أن يسأل عن المريض في طريقه، ولا يجلس عنده، ولا يقف أيضاً، بل يسأل عنه مارّاً؛ لأنه [مقيم] لغير حاجة.
وقد ذكر عائشة مثل ذلك.
وقول أحمد: «يعود المريض ولا يجلس» : دليل على جواز الوقوف؛ إلا أن يحمل على الرواية الأخرى.
ووجه الرواية الأولى: ما احتج به أحمد، وهو ما رواه عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه؛ قال:«إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة، وليحضر الجنازة، وليعد المريض، وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم» .
867 -
وعن عبد الله بن يسار: «أن عليّاً أعان ابن أخيه جعدة بن هبيرة بسبع مائة درهم من عطائه أن يشتري خادماً، فقال له: ما منعك أن تبتاع خادماً؟! فقال: إني كنت معتكفاً. قال: وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت؟!» .
868 -
وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه
الخصال، وهي له [و] إن لم يشترط: عيادة المريض، ولا يدخل سقفاً، ويأتي الجمعة، ويشهد الجنازة، ويخرج في الحاجة».
869 -
قال: وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد» . رواهن سعيد.
870 -
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض» . رواه ابن ماجه، وراويه متروك الحديث.
وأيضاً؛ فإن هذا خروج لحاجة لا تتكرر في الغالب، فلم يخرج به عن كونه معتكفاً؛ كالواجبات.
وذلك أن عيادة المريض من الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم، وكذلك عيادة المريض. . .؛ فعلى هذه الرواية هل يقعد عنده؟. . . .
وإن تعين عليه الصلاة على الجنازة، وأمكنه فعلها في المسجد؛ لم يجز الخروج إليها، وإن لم يمكنه؛ فله الخروج إليها.
وكذلك يخرج لتغسيل الميت وحمله ودفنه إذا تعيَّن عليه.