الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي حديث أبي سعيد: «أنه لما كان صبيحة عشرين؛ أمر الناس بالرجوع إلى المسجد» ؛ فقد علم من عادته أنه يدخل المعتكف نهاراً، يستقبل العشر الذي يعتكفه، ويؤيد ذلك أنه لم يكن يدخل معتكفه إلا بعد صلاة الفجر، وقد مضى من النهار جزء، مع أنه لم يكن يخرج من منزله إلى المسجد حتى يصلي ركعتي الفجر في بيته، وهذا لا يكون مستوعباً للنهار أيضاً.
وذكر القاضي فقال: يحتمل أنه كان يفعل ذلك في اليوم العشرين استظهاراً ببياض يوم زيادة قبل دخول العشر الأواخر، وقد نقل عن هذا عنه.
850 -
فروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجاور صبيحة عشرين من رمضان» .
فثبت أن المر على ما تأولنا.
*
فصل:
ومن نذر اعتكاف ليلة؛ لم يلزمه يومها.
وإن نذر اعتكاف يوم؛ لم تلزمه ليلته
.
قال في رواية علي بن سعيد: وقيل له: مالك يقول: إذا نذر أن يعتكف ليلة؛ فعليه أن يعتكف يوماً وليلته. فقال أحمد: هذا خلاف ما أوجبه على نفسه.
وعليه أن يعتكف يوماً متصلاً أو ليلة متصلة، وليس له أن يفرق الاعتكاف في ساعات من أيام؛ لأن اليوم المطلق عبارة عن بياض نهار متصل، وكذلك
الليلة المطلقة عبارة عن سواد ليلة متصلة.
فإن قال: عليَّ أن أعتكف يوماً من وقتي هذا، وكان في بعض نهار؛ لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله، ويدخل فيه الليل؛ لأنه من نذره، وإنما لزمه بعض يومين لتعيينه.
فإن كان المنذور ليلة؛ دخل معتكفه قبل الغروب، أو خرج منه بعد طلوع الفجر الثاني.
وإن كان يوماً؛ لزمه – إذا قلنا: ليس من شرط الاعتكاف الصوم- أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لأن اليوم والليلة يتعاقبان، وآخر الليلة طلوع الفجر، فهو أول اليوم. هذا هو المشهور من المذهب.
وروي عنه: يدخل معتكفه وقت صلاة الفجر، ويخرج منه بعد غروب الشمس؛ لحديث عائشة المتقدم، ولأن اليوم محقق إنما هو من طلوع الشمس، وقبل ذلك مشترك بين اليوم والليلة؛ فقد يتبع هذا تارة ويتبع هذا تارة.
وإن نذر اعتكاف شهر بعينه؛ دخل معتكفه قبل غروب الشمس من أول ليلة في الشهر، فإذا طلع هلال الشهر الثاني؛ خرج من معتكفه، فإن طلع الهلال نهاراً؛ لم يخرج من الاعتكاف في المشهور عنه، بناء على الاحتياط في الهلال المرئي نهاراً، وعلى أنه للمستقبلة بكل حال، وإن قلنا: هو للماضية؛ خرج. هذا هو المنصوص عنه المشهور عند أصحابه.
قال ابن أبي موسى: وقيل عنه فيمن أراد اعتكاف شهر: أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله، ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخره.
ووجه هذا من حديث عائشة: [أنه بنى] على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم، وإنما يصح في الليل تبعاً للنهار، أو أول ليلة من الشهر، ليس بصيام،
فلا يبتدئ الاعتكاف في وقت لا يصلح للصوم.
وإن قيل: إن الصوم فيه مستحب؛ فقد يقال: يحمل القصد والنذر على الوجه الأحسن الأكمل، وهو ما فيه صوم، وإن كان شهراً مطلقاً. . . .
وإن نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة إما مطلقة أو معينة:
فذكر أبو بكر وابن عقيل فيها روايتين:
إحداهما: وهي الصريحة: أنه لا يدخل فيه الليلة الأولى؛ كما نقله أبو طالب، وهي اختيار أبي بكر وابن عقيل والقاضي أخيراً. وفرق أحمد وأبو بكر بين الأيام والشهر، سواء كانت الأيام معينة أو مطلقة.
والرواية الثانية: يدخل أول ليلة على وجه التبع؛ لأن الأيام تذكر ويدخل فيها الليالي، وليست صريحة.
وذكر القاضي عن أصحابنا طريقين:
أحدهما: لا تدخل الليلة الأولى لا في المطلقة ولا في المعينة. على رواية أبي طالب والأثرم، وهذا اختياره في «خلافه» .
والثانية: (تدخل). وهي قوله في «المجرد» .
وقال القاضي في «المجرد» وابن عقيل: إن عيَّن أياماً من الشهر، مثل أن يقول: أعتكف العشر الأواخر من رمضان، أو [عيَّن] نذراً نذره أو تطوع به؛ فهذا يلزمه أن يدخل ليلة الحادي والعشرين؛ لأن الليلة تابعة ليومها، فلزمه أن يأتي بالتابع كالليالي التي تتخلل الأيام؛ فههنا هو عبارة عن أول اليوم.