الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسمى المقام بمكة مجاورة؛ لأنه مجاور بيت الله؛ كما يجاور الرجل بيت الرجل.
مسألة:
وهو سنة لا يجب إلا بالنذر
.
في هذا فصلان:
أحدهما: أن الاعتكاف سنة وقربة بالكتاب والسنة والاِجماع: أما الكتاب:
فقوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
وقوله في الآية الأخرى: {وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية 26].
وقوله سبحانه: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 178].
وأما السنة:
780 -
فروى ابن عمر؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان» .
781 -
وعن عائشة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده» . متفق عليهما.
782 -
وقد تقدم حديث أبي سعيد: «أنه اعتكف هو وأصحابه العشر الأوسط والآخر» .
وفي رواية: «اعتكف العشر الأول أيضاً» .
783 -
وكان يعتكف أزواجه معه.
وفاته الاعتكاف عاماً فاعتكف في العام القابل عشرين.
وتركه مرة في رمضان فاعكتف العشر الأول من شوال.
وهذا كله يدل على محافظته صلى الله عليه وسلم.
وأجمع المسلمون على أنه قربة وعمل صالح.
وأيضاً؛ ففيه من القرب والمكث في بيت الله، وحبس النفس على عبادة الله، وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله، والتخلي لأنواع العبادات المحضة من [التفكر] وذكر الله وقراءة القرآن والصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار إلى غير ذلك من أنواع القرب.
784 -
وقد روي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف: «هو يعكف الذنوب، ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها» . رواه ابن ماجه.
وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المعتكف قد حبس الذنوب ووقفها، وامتنع منها؛ فلا تخلص إليه.
785 -
كما قال: «الصوم جنة» .
وقد تهيأ لجميع العبادات.
فإن قيل: هذا الحديث فيه فرقد السبخي، وقد تكلم فيه، ولهذا قال أبو داوود: قلت لأحمد: تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً؟ قال: لا؛ إلا شيئاً ضعيفاً. وكذلك تقل أبو طالب.
قيل: فرقد السبخي رجل صالح، قد كتب الناس أحاديثه، وأحاديث الترغيب والترهيب يتسامح في أسانيدها؛ كما قال أحمد: إذا جاء الترغيب والترهيب؛ سهلنا، إذا جاء الحلال والحرام؛ شددنا.
وقول أحمد: «إلا شيئاً ضعيفاً» : إشارة إلى أن إسناده ليس قويّاً، وهذا القدر قدر لا يمنع الاحتجاج به في الأحكام؛ فكيف في الفضائل.
786 -
وقد روى إسحاق بن راهوية، عن أبي الدرداء؛ قال:«من اعتكف ليلة؛ كان له كأجر عمرة، ومن اعتكف ليلتين؛ كان له كأجر عمرتين. . .» ثم ذكر على قدر ذلك.
الفصل الثاني: أنه ليس بواجب في الشرع، بل يجب بالنذر، وهذا إجماع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً؛ إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً، فيجب عليه.
وهذا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله، وكان أكثر الناس لا يعتكفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأمرهم به.
787 -
بل قال لهم لما اعتكف العشر الأوسط: «إني أتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر؛ فمن أحب منكم أن يعتكف؛ فليعتكف» .
وترك الاعتكاف مرة، وهو مقيم، ثم قضاه في شوال.
وأما وجوبه بالنذر:
788 -
فلما روت عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع
الله؛ فليطعمه، ومن نذر أن يعصي الله؛ فلا يعصيه».
789 -
وعن عمر: أنه قال: يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: - «أوف بنذرك» . متفق عليهما.
قال أبو بكر: ويستحب أن لا يدع أحد [الاعتكاف في العشر الأواخر] من شهر رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليه وقضاه لما فاته، وكل ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من السنن المؤكدة؛ كقيام الليل ونحوه.
وإذا شرع في الاعتكاف؛ ينوي مدة من الزمان؛ لم يلزم بالشروع عند أصحابنا.
ولو قطعه [مُدّة]؛ لم يلزمه قضاؤه؛ لأن من أصلنا المشهور: أنه لا يلزم بالشروع إلا الإِحرام، لكن يستحب له إتمامه، وأن يقضيه إذا قطعه.
وكذلك أيضاً لو كان له ورد من الاعتكاف، ففاته؛ استحب قضاؤه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان لما ضرب أزواجه الأخبية، ثم قضاه من شوال، ولم يأمر أزواجه بالقضاء؛ لأنه لم يكن من عادتهن، وإنما عزَمْنَ عليه ذلك العام، ولأن قضاءه غير واجب؛ ولأنهن لم يكن شرعْنَ فيه، وهو صلى الله عليه وسلم كان قد شرع فيه؛ لأن المسجد كله موضع للاعتكاف، وهو قد دخل المسجد حين صلى بالناس، فالظاهر أنه نوى الاعتكاف من حينئذ؛ لأنه لم يكن في نيته الخروج منه بعد ذلك.
790 -
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان العام المقبل؛ اعتكف عشرين ليلة» . رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه.
وفي لفظ: «سافر عاماً، فلما كان العام المقبل؛ اعتكف عشرين» .
791 -
وعن أنس؛ قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان في العام المقبل؛ اعتكف عشرين» .
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.
ورواه أحمد، ولفظه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيماً؛ اعتكف العشر الأواخر من رمضان، فإذا سافر؛ اعتكف من العام المقبل عشرين» .
ويتخرج أن يلزم بالشروع قياساً على الرواية التي في الصوم والصلاة، لكن قد يفرق. . . .
فإن قيل: إذا كان له الخروج منه، ثم له أن يدخل فيه متى شاء؛ فما معنى قولهم: يحرم على المعتكف كذا، ويجب عليه كذا؟!
قيل: له فوائد:
إحداها: أن المحرمات في الاعتكاف من المباشرة والخروج من المسجد لغير حاجة، وإنما له أن يفعلها إذا نوى ترك الاعتكاف، فيكون قد فعله على وجه الترك للاعتكاف، فلا يكون حين فعله معتكفاً.
أما أن يستديم نية الاعتكاف ويفعل ذلك؛ فلا يحل له ذلك، بل يكون قد اتخذ آيات الله هزواً، ويكون بمنزلة الحائض إذا أمسكت تعتقد الصوم [صحيحاً] ، وبمنزلة ما لو تكلم أو أحدث في الصلاة أو أكل في الصوم مع بقاء اعتقاد الصلاة، وهذا لأن العبادة التي ليست واجبة، إذا أراد أن يفعلها؛ فإنه يجب أن يفعلها على الوجه المشروع، وليس له أن يُخل بأركانها وشروطها، وإنْ كان له تركها بالكلية، ولو لم يستدم النية ذكراً ولا نوى الخروج منه.
الثانية: انه إذا فعل ما ينافيه من خروج ومباشرة؛ انقطع الاعتكاف، فلو أراد أن يعود إليه؛ كان اعتكافاً ثانياً، يحتاج إلى تجديد نية، ولا يكفيه استصحاب حكم النية الأولى، حتى إنا إذا لم نجوز الاعتكاف أقل [من يوم] فاعتكف بعض يوم، ثم قطعه، ثم أراد أن يتمه باقي اليوم؛ لم يصح ذلك؛ كما