الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو الخطاب وابن عقيل، حتى جعلوه أوكد من الجماع؛ لأن اللبث في المسجد من باب المأمور به، فيستوي في تركه العمد والخطأ؛ كترك أركان الصلاة وأركان الحج وواجباته؛ بخلاف الجماع؛ فإنه من المنهي عنه.
وسواء في ذلك إن نسي المسجد أو نسي أنه معتكف (. . .).
فإن أكره على الخروج؛ لم يبطل اعتكافه، سواء أكره بحق؛ مثل إحضاره مجلس الحكم، أو بباطل؛ بأن يحمل أو يكره على الخروج لمصادرة أو تسخير.
فأما إن أمكنه الامتناع بأداء ما وجب عليه أو بغير ذلك، بأن يكون عليه حق، وهو قادر على وفائه، فيمتنع حتى يخرجه الخصم إلى مجلس الحكم؛ بطل اعتكافه.
*
فصل:
وإذا أبطل اعتكافاً لزمه قضاؤه؛ فهل عليه كفارة
؟ على روايتين:
إحداهما: لا كفارة عليه.
قال في رواية أبي داود: إذا جامع المعتكف؛ فلا كفارة عليه؛ لأنه لا نص في وجوب الكفارة ولا إجماع ولا قياس صحيح.
لأنها إن قيست على الصيام؛ فالصوم لا تجب الكفارة بالوطء فيه إلا نهار رمضان خاصة، ولهذا تجب على من وجب عليه الإِمساك، وإن لم يكن صائماً، فكانت الكفارة لحرمة الزمان لا لحرمة جنس الصوم.
وإن قيست على الحج؛ فالحج يلزم جنسه بالشروع، ثم الكفارة الواجبة فيه ليست من جنس كفارة الحج.
وأيضاً؛ فالحج والصيام عبادتان عظيمتان، يجب جنسهما بالشرع، ويدخل المال في جبرانهما؛ بخلاف الاعتكاف. ثم ليس إلحاقه بالحج والصيام بأولى من إلحاقه بالطواف والصلاة والطهارة؛ فإنه لو نذر أن يبقى يوماً متطهراً، ثم أفسد طهارته؛ م تجب عليه كفارة. . . .
والرواية الثانية: عليه الكفارة، وهي اختيار القاضي وأصحابه.
وحكى ابن أبي موسى وغيرهما هذه الرواية: أنه يلزمه كفارة الظهار، سواء وطئ ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ساهياً.
قال ابن أبي موسى: وهو مذهب الزهري.
876 -
وذكر إسحاق عن الزهري في الرجل يقع على امرأته وهو معتكف؟ قال: «لم يبلغنا في ذلك شيء، ولكنا نرى أن يعتق رقبة، مثل الذي يقع على أهله في رمضان» .
877 -
وعن الحسن: «إذا واقعها وهو معتكف؛ يحرر محرراً» .
وذك لأنها عبادة مقصودة يحرم فيها الوطء ويفسدها، فوجب فيها كفارة
كالصيام والحج، ولا ينتقض بالطواف والصلاة؛ لأن الواطئ إنما يفسد الطهارة، وفساد الطهارة يفسد الصلاة والطواف.
والطهارة ليست عبادة مقصودة لنفسها، أو يقال: عبادة لا تشترط لها الطهارة، ويحرم الوطء، فأشبه الصيام والحج.
وهذا لأن العاكف قد منه نفسه من الخروج، كما منع الصائم نفسه عن الأكل والشرب والنكاح، ومنع المحرم نفسه عن اللباس والطيب والنكاح وغيرها.
878 -
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في العاكف: «هو يعكف الذنوب» .
879 -
كما قال في الصوم: «الصوم جنة» .
ولهذا كره للصائم والعاكف والمحرم فضول القول والعمل منصوصاً في الكتاب والسنة، ولهذا قرن العكوف بالصيام: إما وجوباً، أو استحباباً مؤكداً، وجمع بينهما في آية واحدة، وقرن بالحج في قوله تعالى:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125].
ولفظ هذه الرواية فيما ذكره القاضي: قال في رواية حنبل: وذكر له قول ابن شهاب: «من أصاب في اعتكافه؛ فهو كهيئة المظاهر» ، فقال أبو عبد الله: وإذا كان نهاراً أوجبت عليه الكفارة.
وقال في موضع آخر في مسائل حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه، وكان عليه أيام مكان ما أفسده، ويستقبل ذلك، ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً وليس هو واجباً فتجب عليه الكفارة.
ولأصحابنا في تفسير هذا الكلام ثلاثة طرق:
أحدها: أن قوله: «لا كفارة عليه إذا كان ليلاً، ليس هو واجباً عليه فتجب عليه الكفارة» : دليل على أن الكفارة تجب في الواجب وإن كان ليلاً.
وقوله في اللفظ الآخر: «وإذا كان نهاراً وجبت عليه الكفارة» : قصد به إذا كان الاعتكاف واجباً عليه أو لم يوجبه على نفسه ليلاً، فأما إذا وجب اعتكاف شهر متتابع أو أيام متتابعة؛ فإن الليل والنهار سواء في ذلك. هذا تفسير القاضي.
الثانية: أنه في اللفظ أوجب كفارة الظهار بالوطء نهاراً فقط؛ لأنه يكون صائماً؛ فإن الصوم وجب في إحدى الروايتين، وهي رواية حنبل. ومؤكداً الاستحباب في الأخرى، فيكون قد أفسد الصوم والاعتكاف كالواطئ في رمضان يهتك حرمة الإِمساك وحرمة الزمان، ويكون الصوم المقرون به الاعتكاف كالصوم في نهار رمضان؛ بخلاف الواطئ ليلاً؛ فإنه لم يفسد إلا مجرد الاعتكاف.
وفي اللفظ الثاني: أوجب الكفارة بالوطء ليلاً ونهاراً إذا كان واجباً.
فتكون المسألة على ثلاث روايات:
وهذه طريقة ابن عقيل في «خلافه» ، ولم يذكر في الفصول إلا روايتين:
إحداهما: وجوب الكفارة.
والثانية: لا تجب إلا إذا كان واجباً بالنذر، وكان الوطء نهاراً.
قال: ولعل الوطء في ليل المعتكف يوجب كفارة اليمين، فعلى هذا تكون الروايتان متفقة على أن النهار فيه كفارة الظهار، والليل فيه كفارة يمين.
الثالثة: أن احمد إنما سئل عن المعتكف في رمضان، وعلى هذا خرج
كلامه؛ فإن وطئ نهاراً؛ وجبت عليه كفارة الظهار لأجل رمضان، وإذا وطئ ليلاً وليس هو واجباً عليه؛ فلا كفارة عليه، وإن كان واجباً؛ وجبت عليه كفارة ترك النذر.
ويدل على أن هذا معنى كلامه قوله: «ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً وليس هو واجباً» ؛ فهذا دليل على ثبوته إذا كان نهاراً، وإذا كان ليلاً وهو واجب، ودليل على أنه إذا كان واجباً؛ وجبت الكفارة لوجوبه، وهذه كفارة اليمين. وكذلك قال أبو بكر.
والرجل إذا جامع في اعتكافه؛ بطل اعتكافه، ويستقبل؛ فإن كان نذراً؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء لما أفسد.
وعلى هذه الطريقة فتكون المسألة رواية واحدة: أنه يجب عليه كفارة اليمين لترك النذر.
وذكر القاضي أبو الحسين وغيره في الكفارة الواجبة بالوطء في الاعتكاف؛ هل هي كفارة يمين أو ظهار؟ على روايتين:
إحداهما: أنها كفارة يمين. اختاره أبو بكر والقاضي في «الجامع الصغير» .
والثانية: أنها كفارة ظهار. اختاره القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى في «خلافه» .
وهذا يقتضي أنه لا كفارة على الرواية الأخرى؛ لا كفارة جماع، ولا كفارة يمين.
وهذا غلط على المذهب؛ فإن الاعتكاف إذا كان منذوراً معيناً وأفسده؛