الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لأن لفظ الناذر اقتضى اعتكاف جميع اليوم كما اقتضى صوم جميع اليوم، وقد تعذر ذلك؛ فعليه القضاء في الاعتكاف، كما عليه قضاء الصوم والكفارة لفوات المعين. . . .
مسألة:
ويستحب للمعتكف الاشتغال بالقرب واجتناب ما لا يعنيه من قول أو فعل
.
فيه فصلان:
أحدهما: أن الذي ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالعبادات المحضة التي بينه وبين الله تعالى؛ مثل: القرآن، وذكر الله تعالى، والدعاء، والاستغفار، والصلاة والتفكر، ونحو ذلك.
فأما العبادات المتعلقة بالناس؛ مثل: إقراء القرآن، والتحديث، وتعليم العلم، وتدريسه، والمناظرة فيه، ومجالسة أهله: إذا قصد به وجه الله تعالى، لا المباهاة؛ فقال الآمدي: هل الأفضل للمعتكف أن يشتغل بإقراء القرآن والفقه أو يشتغل بنفسه؟ على روايتين:
إحداهما: يشتغل بإقراء الفقه. وهذا اختيار الآمدي وأبي الخطاب؛ لأن هذا يتعدَّى نفعه إلى الناس، وما تعدى نفعه من الأعمال أفضل مما اقتصر نفعه على صاحبه.
والثانية: لا يستحب له ذلك. وهذا هو المشهور عنه، وعليه جمهور أصحابنا؛ مثل: أبي بكر، والقاضي، وغيرهما.
قال القاضي والشريف وغيرهما: يكره ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ دخل معتكفه، واشتغل بنفسه، ولم يجالس أصحابه، ولم يحادثهم كما كان يفعل قبل الاعتكاف، ولو كان ذلك أفضل؛ لفعله، ولأن الاعتكاف هو من جنس الصلاة والطواف، ولهذا قرن الله تعالى بينهما في قوله:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية 125].
ولما كان في الصلاة والطواف شغل عن كلام الناس، وكذلك الاعتكاف، وذلك أنها عبادة شرع لها المسجد، فلا يستحب الإِقراء حين التلبس بها كالصلوات والطواف.
قال القاضي: لا خلاف أنه يكره أن يهدي القرآن وهو يصلي أو يطوف، كذلك الاعتكاف، ولأن العكوف على الشيء هو الإِقبال عليه على وجه المواظبة، ولا يحصل ذلك للعاكف إلا بالتبتل إلى الله سبحانه وترك الاشتغال بشيء آخر.
وأما كون النفع المتعدي أفضل؛ فعنه أجوبة:
أحدها: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون مشروعاً في كل عبادة، بل وضع الفاضل في غير موضعه يجعله مفضولاً، وبالعكس.
ولهذا؛ قراءة القرآن أفضل من التسبيح، وهي مكروهة في الركوع والسجود، ولهذا لا يشرع هذا في الصلاة والطواف، وإن كانا أفضل من الصلاة والطواف النافلتين.
الثاني: أن كونهما أفضل يقتضي الاشتغال بهما عن الاعتكاف.