الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادة تختص بلبث في مكان مخصوص، فلم يكن الطيب والرفيع من الثياب فيها مشروعاً؛ كالحج.
فإن كان المعتكف قد حبس نفسه باعتكافه كما حبس المحرم نفسه بإحرامه، وهذا لأن الاعتكاف يحرم الوطء وما دونه، والطيب من دواعيه، فإذا لم يحرمه؛ فلا أقل من أن لا يستحب.
وأن يخرج إلى المصلى في ثياب اعتكافه، ولا يجدد ثياباً غيرها حتى يرجع إلى المصلى، ولا يحرم عليه شيء من اللباس المباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف إلى أن مات، ولم ينقل عنه أنه تجرد لاعتكافه.
قالوا: وله أن يأكل ما شاء كالمحرم.
وقال أبو بكر: يمنع نفسه عن التلذذ بما هو مباح قبل الاعتكاف.
مسألة:
ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه؛ إلا أن يشترط
.
وجملة ذلك أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة، فمتى خرج منه لغير فائدة؛ بطل اعتكافه، سواء طال لبثه أو لم يطل؛ لأنه لم يبق عاكفاً في المسجد.
861 -
وقد روت عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها، يناولها رأسه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان إذا كان معتكفاً» . متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً.
862 -
وقد تقدم قولها: «لا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد له منه» . رواه أبو داوود.
فأما خروجه لما لا بد له منه مما يعتاد الاحتياج إليه، ولا يطول زمانه، وهو حاجة الإِنسان، وصلاة الجمعة؛ فيجوز، ولا يقطع عليه اعتكافه، ولا يبطله، ويكون في خروجه في حكم المعتكف بحيث لا يقطع عليه التتابع المشروع وجوباً واستحباباً.
ولا تجوز له المباشرة، ولا ينبغي أن يشتغل إلا بالقرب وما يعنيه؛ لقوله سبحانه وتعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: رقم 187]؛ فنهى عن المباشرة لمن اعتكف في المسجد، وإن كان في غيره؛ لأن المباشرة في نفس المسجد لا تحل للعاكف ولا غيره.
فعلم من هذا أن العاكف في المسجد قد يكون في حكم العاكف مع خروجه منه، حتى تحرم عليه المباشرة.
وقد ذكرت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان؛ تعني: الغائط والبول، كُني عنهما بالحاجة؛ لأن الإِنسان يحتاج إليهما لا محالة.
وتقدم الدليل على أن له أن يخرج للجمعة.
ومثل هذا المصلي صلاة الخوف إذا استدبر القبلة ومشى مشياً كثيراً؛ فإنه
لا يخرج عن حكم الصلاة – وإن كانت هذه الأفعال تنافي الصلاة – [لكنها] أبيحت للضرورة.
وكذلك؛ الطائف إذا صلى في أثناء صلاة مكتوبة أقيمت أو جنازة حضرت؛ فإنه طواف واحد، وإن تخلله هذا العمل المشروع.
وكذلك إذا قطع الموالاة في قراءة الفاتحة لاستماع قراءة الإِمام ونحو ذلك.
وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى الخروج له، وهو ما يخاف من تركه ضرراً في دينه أو دنياه، فيدخل في ذلك الخروج لفعل واجب وترك محرم وإزالة ضرر؛ مثل: الحيض، والنفاس، وغسل الجنابة، وأداء شهادة تعينت عليه، وإطفاء حريق، ومرض شديد، وخوف على نفسه من فتنة وقعت، وجهاد تعين، وشهود جمعة، وسلطان أحضره، وحضور مجلس حكم، وقضاء عدم الوفاء، وغير ذلك؛ فإنه يجوز له الخروج لأجله، ولا يبطل اعتكافه، لكن منه ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث يحسب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه – وهو ما لا يطول زمانه -، ومنه ما ليس كذلك – وهو ما يطول زمانه -؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
ويدل على جواز الخروج لا يعرض من الحاجات، وإن لم يكن معتاداً، مع احتسابه من المدة:
863 -
ما روى علي بن الحسين: أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة؛ مرَّ رجلان من الأنصار، فسلما عللا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما؛ إنها صفية بنت
حيي». فقالا: سبحان الله! وكَبُر عليهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإِنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئاً» . رواه الجماعة إلا الترمذي.
وفي رواية متفق عليها: وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد.
وفي لفظ للبخاري: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عنده أزواجه، فرحن، فقال لصفية بنت حيي:«لا تعجلي حتى أنصرف معك» ، وكان بيتها في دار أسامة بن زيد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها، فلقيه رجلان. . . (وذكر الحديث).
وهذا صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معها من المسجد، وأن قولها:«حتى بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة» ؛ تعني: باباً غير الباب الذي خرج منه؛ فإن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت شرقي المسجد وقبلته، وكان للمسجد عدة أبواب، أظنها ستة، فيمر على الباب بعد الباب، والرجلان رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المرأة خارج المسجد؛ فإنه لو كان في المسجد؛ لم يحتج إلى هذا الكلام.
وقوله: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» ، وقيامه معها ليقلبها: دليل على أن مكانها كان بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من سير المرأة وحدها ليلاً، وذلك والله أعلم قبل أن يتخذ حجرتها قريباً من المسجد، ولهذا قال: «كان